روزي يولكون، هو أحد مثقفي الإيغور في الصين. بدأ في العام 2002 العمل في دار شينجيانغ للتعليم والنشر كمحرر لكتب الأدب الإيغوري، والتي كانت تستعمل لأكثر من عشر سنوات، في كلّ مناطق الإيغور من دون أيّ مشكلة، وفي كلّ سنة، كانت تلك الكتب تخضعُ لرقابةٍ صارمة من قبلِ السلطات الصينية.

  •  يولكون روزي أحد أبرز الكتاب الإيغور تعتقله السلطات الصينية  منذ العام 2016
  • روزي دأب على نشر الثقافة الإيغورية وله مؤلفات وأبحاث تتصل بتاريخ الإيغور
  • كان أحد أبرز الخطباء الإيغور وكان يدعو للتنوير والابتعاد عن الجهل والخرافات
  • تومريس يولكون ابنة الكاتب الإيغوري تواصل العمل لإيصال صوتها للمجتمع الدولي
  • تومريس يولكون دعت المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف حازمة تجاه قمع الصين للإيغور

روزي يولكون، كاتب ينتمي إلى الأقلية المسلمة التي تقطن بغالبيتها في إقليم شينجيانغ. لم يشفع له نتاجه الأدبي والثقافي في تجنيبه ملاحقة السلطات له والزج به في معسكرات الإعتقال سيئة السمعة في الصين. كلّ ذنبه أنّه ينتمي إلى أقلية الإيغور التي تختلف بثقافتها عن ثقافة الحزب الأوحد، أي الحزب الشيوعي الصيني.

الصين

روزي يولكون كاتب ينتمي إلى الأقلية المسلمة التي تقطن بغالبيتها في إقليم شينجيانغ

أخبار الآن” أجرت مقابلة مع تومريس يولكون، وهي إبنة الكاتب الإيغوري المعتقل، وقد تحدثت عن أبيها وكيف تمّت ملاحقته من قبل السلطات، فقالت: “والدي يولكون روزي كان كاتباً مشهوراً وناقداً فنياً، خطيباً، باحثاً تاريخياً ومحرّراً.. كرّس معظم حياته لتحسين أوضاع المجتمع الإيغوري، وأغلب أعماله تتحدث عن الإصلاحات التعليمية والقيم الاجتماعية”.

وأضافت: “حاول أبي الحفاظ على هوية الإيغور ولغتهم وحضارتهم وتاريخهم وتقاليدهم من خلال أعماله، ما دفع الحكومة الصينية إلى استهدافه واعتقاله في العام 2016، كما نسبت إليه تهماً ملفقة”.

الصين

تومريس يولكون تحمل صورة لأبيها المعتقل في سجون السلطات الصينية

لم يكن يولكون روزي كاتباً عادياً، وهو الذي يتميّز بتراكم خبرات عبر سنين طوال قضاها بخدمة مصالح بلده وثقافته. وقالت تومريس يولكون: “في العام 2002 بدأ أبي العمل في دار شينجيانغ للتعليم والنشر كمحرر لكتب الأدب الإيغوري صفوف المرحلة الإبتدائية والمتوسطة، وهذه الكتب كانت تستعمل لأكثر من 10 سنوات في كلّ مناطق الإيغور من دون أيّ مشكلة، وكل سنة كانت هذه الكتب قبل أن تنشر تخضع لرقابة صارمة، وتحصل على موافقة الحكومة كي تستعمل في مناطق الإيغور”.

وأضافت: “لنحو 13 عاماً لم يكن هناك أيّ مشكلة، وفجأة في العام 2016 بعد تعيين الأمين العام الجديد لمنطقة الإيغور وتعيين كذلك مجلس جديد لمنطقة شينجيانغ، حصلت عملية قمع جماعية ضد الإيغور.. حينها اعتقل عدد كبير من المفكّرين والأساتذة”.

وأردفت: “في ذلك الوقت بدأت الحكومة تضع اللوم على هذه الكتب، وتقول إنّها تحتوي على مشاكل إيديولوجية، فاعتقلت والدي وزملاءه موجهة إليهم تهماً ملفقة”.

الصين

بعض مؤلفات الكاتب الإيغوري روزي يولكون

وفي معرض الحديث عن آخر لقاء جمع الكاتب الإيغوري وابنته، تحدثت تومريس يولكون بحرقة عن اللحظات الأخيرة التي رأت فيها والدها قبل اعتقاله، وقالت: “آخر مرّة رأيت والدي كانت قبل سفري إلى الولايات المتحدة الأمريكية. أتيت إلى هذا البلد عندما كنت في الصفوف الثانوية وكانت هذه آخر لحظة أراى فيها أبي.. المرة الأخيرة التي تحدثت فيها معه كانت عام 2016 وتحديدا في 6 أكتوبر، وفي الواقع آخر مرّة وصلتنا رسالة منه كانت في اليوم ذاته.. في ذلك النهار بعث برسالة عبر وي تشات، قال فيها إنّ السلطات اعتقلته ولم نتمكن من الإتصال به بعد ذلك. كانت تلك آخر رسالة تلقيناها منه، ومنذ ذلك اليوم لم نستطع التواصل معه أو رؤيته، ولا نعرف مكانه”.

وأضافت: “أكثر ما أتذكّره هو أنني كلّ يوم عندما كنت أعود من المدرسة، كنّا نتحدث سوياً فيسألني كيف كان يومي.. كانت بيننا علاقة مميزة، وكنّا نجلس في غرفة الجلوس أحياناً نناقش مواضيع مختلفة. كان يخبرني قصصاً أو يحدثني عن الجغرافيا والتاريخ أو حكايات أو مواضيع قرأها في الكتب، وكانت محادثات ممتعة، وأنا حقّاً أفتقد تلك الجلسات معه”.

تقارير عديدة تحدثت عن استخدام السلطات الصينية الإيغور في الأعمال القسريية، إذ يُجبر الإيغور بعد سجنهم على جني القطن في إقليم شينجيانغ، الذي ينتج 20 % من القطن العالمي. مقاول يعمل في مجال القطن في شينجيانغ يبرر لصحيفة لوتون السويسرية سبب استغلال الحكومة الصينية للإيغور والكازاخيين: سجنهم يكلّف غالياً لأنّهم يأكلون يومياً، لديهم إيديولوجية، والحكومة بحاجة إلى موارد لدفع مصاريفهم، ولهذا السبب يعملون

وتابعت: “كان إنساناً محبّاً جدّاً وحنوناً ومسؤولاً، تواجد في كلّ مرّة يحدث شيء في المنزل أو إذا كنت أنا بحاجة إليه. كانت عائلته هي أولويته، وكان يركّز كثيراً على التعليم، فذلك كان أمر مهمّاً جدّاً بالنسبة له، وفي معظم أعماله كان يركّز على الإصلاحات التعليمية، وكان هناك حيز كبير يتحدث فيه عن التعليم. إنّه محب جدّاً وكريم وإنسان ذكي جدّاً”.

وأردفت: “إحدى أهم الصفات التي تعلمتها من والدي، هي المحافظة على هدوئي، مهما كانت الظروف. والدي كان هادئاً جدّاً، وكان يتعامل مع أيّ ظرف بروية وهدوء، وكان يفكّر بطريقة منطقية عندما يواجه ظروفاً مختلفة، وهذه صفات منحتني قوة كبيرة وجعلتني قادرة على مواجهة الأوقات الصعبة التي نعيشها حالياً، وهي تدفعني للمواجهة والنضال من أجله”.

“كلّ صوت يمكن أن يكون مؤثراً، و يجب أن لا نتوقف عن الحديث عن مشاكل الإيغور”

حال روزي يولكون كحال مئات الكتّاب والأدباء والمثقفين ورجال الأعمال الإيغور، الذين زجّ بهم الحزب الشيوعي في المعتقلات رغم كلّ إسهاماتهم في مجتمعهم وبلدهم. وكثرٌ من أقرباء أولئك المعتقلين ممن نجوا من براثن الحكومة الصينية، يسعون جاهدين إلى إيصال صوت المعتقلين ورسالتهم إلى المجتمع الدولي، لاتخاذ مواقف تجبر الحكومة الصينية على وقف قمعها أقلية الإيغور والأقليات الأخرى في البلاد.

وقالت تومريس يولكون: “أنا لست خبيرة في السياسة، لذا لا أعلم ما هي الخطوات السياسية الناجعة التي يمكن أن تُتبع لإنقاذ حياة ملايين الإيغور.. كلّ ما يمكنني قوله هو أنّ كلّ صوت يمكن أن يكون مؤثراً، و يجب أن لا نتوقف عن الحديث عن مشاكل الإيغور، لأنّه عندما نتوقف عن الحديث عنها ونتوقف عن تسليط الضوء على هؤلاء الناس، فهم لن يحصلوا على أيّ مساعدة”.

وأضافت: “المعتقلون لا يمكنهم المطالبة بحقوقهم، حتى عائلاتهم تمّ إسكاتها، ومَنْ يعيش في الخارج يتلقى أهله وذووه تهديدات مستمرة من الحكومة الصينية، ويتمّ إسكاته. أعتقد أنّه أبسط ما يمكن فعله هو التحدّث عن هذا الموضوع، وزيادة الوعي أو إعلام الآخرين بحقيقة ما يجري حالياً، فذلك سيكون مفيداً جدّاً”.

الصين

ابنة الكاتب الإيغوري روزي يولكون تحمل صورة لأبيها في تعبير عن نضالها المستمر للإفراج عنه

رسالة إلى المجتمع الدولي

إبنة الكاتب الإيغوري وجهت رسالة إلى المجتمع الدولي عبر “أخبار الآن“، قالت فيها:  “حالياً ملايين الإيغور يعانون في معسكرات الإعتقال. السجون ومعسكرات العمل القسري، والعديد من الناس والمجتمع الدولي والحكومات يلتزمون الصمت. أودّ أن أطلب من المجتمع الدولي إعلاء صوته ضدّ الحكومة الصينية وزيادة الوعي والتركيز على مشاكل الإيغور، لأنّ تلك المشاكل تحدث فعلاً وهي ليست مجرد كذبة كما تدعي الحكومة الصينية التي تحاول طمس الموضوع، وتلقي باللوم على شهادات الناجين من المعسكرات وأفراد عائلات الأسرى، وتقول إنّها أكاذيب، لكنها تحصل فعليا الآن وفي كل لحظة وهي عنيفة جدّاً، وأنا مثال حي على ذلك لأنّني لم أتمكّن من التواصل مع أبي”.

منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش كانت نشرت تقارير تتهم الصين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكن الصين تنفي تلك الانتهاكات وتزعم أنّ نظامها الخاص بمعسكرات إعادة التثقيف هو من أجل مكافحة النزعات الانفصالية والتشدد الإسلامي في المنطقة

وأضافت: “أنا أطالب المجتمع الدولي بإعلاء صوته، لأنّ كلّ صوت يمكنه أن يؤثّر، وأن يكون هو صوت المعتقلين في المعسكرات والسجون، كما أطلب من الحكومات الدولية أو المنظمات أن تفرض عقوبات على الصين، وتقاطع المنتجات الصينية وأن تعرف مصدر البضائع التي تشتريها لأنّهم يرغمون الناس على العمل لإنتاج البضائع، لذا أعرفوا مصادر ما تستوردونه، قاطعوا المنتوجات الصينية، وعاقبوا الصين، نريد منكم الضغط على الحكومة الصينية”.

الصين

صورة لروزي يولكون مع عائلته قبل اعتقاله

أبي.. افتقدك كثيراً

تومريس يولكون اختتمت حديثها قائلةً: “أودّ أن أقول لأبي إنّنا نفتقده كثيراً.. الأمر صعب جدّاً لكنّني أريد أن أقول له إنّه يجب أن يبقى قوياً، وإنّنا نناضل باستمرار من أجل حريته حتى يستعيدها ولن نستسلم.. سنستمر في النضال حتى يصبح حرّاً وسنناضل إلى أن يستعيد مئات الإيغور حريتهم ويجتمعون مجدّداً مع أحبائهم”.

عبد الوالي أحد أبرز الناشطين الإيغور الذين يعملون على توثيق انتهاكات الحكومة الصينية بحق الإيغور

بدوره تحدث الناشط الإيغوري عبد الوالي أيوب بإسهاب عن الكاتب يولكون روزي، مؤكّداً أنّه كان من أعمدة كتاب الثقافة الإيغورية. وقال لـ “أخبار الآن“: روزي هو علاّمة كبيرة ومثقف ومربّي إيغوري، وقد ركّز كثيراً على مسألة تعليم الإيغور. بدأ يكتب عن التربية الإيغورية في مرحلة عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. وشهدت تلك الفترة حملة لتعليم الإيغور، وقد أفضت إلى بناء أمة إيغورية عصرية، لكن بعد بداية الحكم الشيوعي لم تعد هذه الروح ناشطة جدّاً”.

وأضاف: في تسعينيات القرن الماضي، أعاد روزي الحياة إليها، وأعاد إحياء الحملة التربوية الإيغورية، وروّج لفكرة أنّ الإيغور كان لديهم حركة تربوية قوية منذ سبعين عاماً، وقال إنّه علينا أن نعيد إطلاقها في التسعينيات، وبعد ذلك بدأ رجال أعمال إيغور يستثمرون في التربية الإيغورية، وبدأ المثقفون الإيغور يشدّدون عليها أيضاً، وعلى وجه الخصوص عززت النساء الإيغور المثقفات أهمية التعليم، ولكل هذه الأسباب قام الإيغور بإرسال أولادهم للتعلم في الخارج، مثل مصر والولايات المتحدة وأوروبا، وأصبح لدينا جيل جديد من المثقفين في الولايات المتحدة وتركيا والعالم العربي.

وأردف: روزي يولكون لعب دوراً مهماً في تلك الحملة التربوية عبر نشره كتباً عن الثقافة الإيغورية والإسلام والتربية الحديثة، كما نظّم عمل مثقفين إيغور لترجمة كتب مهمّة في التاريخ والفلسفة والتربية الغربيتين، ونظم كذلك عمل مثقفين إيغور آخرين لترجمة بعض الكتب عن المرأة في التاريخ الإسلامي، مثلاً عن تنوير المرأة في الإسلام خصوصاً الكتب التي تتناول محمد عبدو ورشيد رضا في مصر فنشر كل هذه الكتب لتشجيع الأشخاص على استخلاص العبر من التاريخ، ونشر أيضاً كتباً عن تاريخ الإيغور وشجع الإيغور على استخلاص الأمثولات من التاريخ ومن النكسات ومن النجاحات التاريخية، كما شجّع الأشخاص على أن يتحلّوا بالنشاط، وأن يتنوّروا ويكونوا مصدر وحي للآخرين.

الصين

عبد الوالي أيوب أحد أبرز الناشطين الإيغور في المهجر

لم يقتصر نتاج يولكون روزي عن كونه كاتباً متميّزاً، بل تعدى ذلك ليكون خطيباً فصيحاً، وقال أيوب: “يولكون روزييُ كان خطيباً فصيحاً. لقد ألقى خطابات في مدن إيغورية مختلفة منذ عام 2005  وأصبحت محاضراته ذات شعبية كبيرة، وشارك أشخاص من مجموعات مختلفة في محاضراته واستمعوا لخطاباته، وبعد ذلك حدثت ظاهرة تجلّت ليس فقط ببقاء مثقفين إيغور في الجامعات إنما ببدئهم بإلقاء محاضرات في مدن إيغورية متعددة وراحوا يشجعون النساء على تعزيز التعليم وتحسين وضع المرأة المدني والنهوض بالتطور الاقتصادي، وهكذا لعب دوراً مهمّاً في ثقافة الإيغور، لكن لسوء الحظ أصبحت الكتب التي ألّفها وحرّرها موضع شك من قبل الحكومة الصينية، وفي الواقع هذه الكتب التي تفقّدتها الحكومة الصينية نشرت مقالات تربوية صينية بناءً على أمر وطني لأنّ الحكومة الصينية المركزية أمرت بنشر الكتب، ولكن في النهاية دخل يولكون روزي لسوء الحظ السجن”.

أيوب: بسبب اعتقال المثقفين الإيغور في الصين أصاب اليأس هذه الأقلية

وأضاف: “لم تفِ الحكومة الصينية بالوعد الذي قطعته أمام الشعب بحسب الدستور الصيني، حتى لو كان بيان الحزب الشيوعي الصيني قد ادّعى أنّ الحزب يريد أن يحسّن معايير العيش، وأن ينهض بالمستوى التربوي، لكن المشكلة هي أن يولكون روزي الذي ساعد الحكومة الصينية وقدّم خدمات لها وعمل لحسابها وأمثاله من المثقفين، قد اعتقلوا، وهذا حدث مؤسف وحزين”.

أيوب اختتم حديثه لـ “أخبار الآن” قائلاً: “أودّ أن أضيف أنّ الشعب بحاجة إلى بعض التحفيز على العمل والعيش والنضال. فمن دون وجود مثقفين في المجتمع يفقد الشعب الأمل. وبسبب اعتقال المثقفين الإيغور في الصين، أصاب الإيغور اليأس، وهذا اليأس وخيبة الأمل سيتسببان بالمتاعب، وبالتالي إنْ كانت الحكومة الصينية تنوي معالجة هذه المشكلة، فعليها أن تطلق سراح المثقفين الإيغور والمعتقلين في معسكرات الاعتقال في أسرع وقت ممكن”.

في المحصلة، على الرغم من اعتبار الولايات المتحدة والسلطات التشريعية في العديد من الدول الأوروبية، أنّ معاملة الإيغور وغيرهم في إقليم شينجيانغ، تشكل إبادة جماعية وجرائم ضدّ الإنسانية، إضافةً إلى شهادات الناجين والفارين وذوي المعتقلين، إلّا أنّ شيئاً لم يحصل عملياً.

شاهدوا أيضاً:  من أديب رفيع المستوى لمعتقل في شينجيانغ.. أيكنات لم تعرف والدها عندما رأته