هيئة تحرير الشام ترد رسميا على حراس الدين

  • بيان هيئة تحرير الشام جاء بالرفض
  • هيئة تحرير الشام لم تعد تأبه بتقاليد القاعدة أو رجالاتها

على غير المتوقع، ردت هيئة تحرير الشام رسمياً على بياني تنظيم حراس الدين الداعيين إلى احتكام شرعي في قضية سجناء التنظيم لدى الهيئة والذين أعلنوا إضراباً عن الطعام في ١٣ سبتمبر ٢٠٢١. وكما متوقع، البيان جاء بالرفض. هيئة تحرير الشام لم تعد تأبه بتقاليد القاعدة أو رجالاتها؛ فيما يُصرّ أنصار القاعدة على تحدي الهيئة على هذا النحو حتى باتوا في وادٍ والهيئة في وادٍ ينادون ويسمعون رجع الصدى.

فبعد ثلاثة أيام من بيان الهيئة، عاد حراس الدين وأصدروا بياناً مضاداً موقعاً هذه المرة باسم الدكتور سامي العريدي بصفته الرسمية عضواً في اللجنة الشرعية لتنظيم حراس الدين. لم يأتِ البيان بجديد، سوى أنه كرر الدعوة للاحتكام الشرعي “عند أبي قتادة أو قضاء مستقل!” وهو ما رفضته الهيئة. فكأنما حراس الدين يدورون في حلقة مفرغة.

عطون

بيان الهيئة الصادر في ٢٧ سبتمبر ٢٠٢١، موقع باسم “المجلس الشرعي العام – هيئة تحرير الشام.” وعلى الأرجح أن من كتب البيان هو عبدالرحيم عطون رئيس المجلس الشرعي. في البيان لغة قرأناها في بيانات سابقة وفي أحاديث سابقة لعطون.

عطون، المعروف حركيّاً باسم أبي عبدالله الشامي، هو الرجل الذي انبرى من بين رجال الجولاني للرد على الخصوم؛ بدءاً بالعدناني المتحدث باسم داعش في مارس ٢٠١٤، مروراً بالظواهري عندما تراجع عن قرار فك الارتباط في ديسمبر ٢٠١٧، وعندما تحدثت القيادة العامة للقاعدة نيابة عن الحراس في يونيو ٢٠٢٠ وأخيراً عندما أطلق المقدسي تصريحات في أكتوبر ٢٠٢٠ فهمها أنصاره خطأ أنها فتوى ضد أمنيي الهيئة. في كل مرة، كان عطون يحسم الجدل. كلامه لا كلام بعد. وبهذا تنهي هيئة تحرير الشام ملف “الدعوة للاحتكام الشرعي” الذي يطالب به حراس الدين. ويتعمّق المأزق الذي يجد أنصار القاعدة أنفسهم فيه؛ فإن أرادوا حلاً عليهم إما أن يتحالفوا مع الشيطان (داعش) أو يتماهوا مع الشيطان الآخر (الهيئة). أما القاعدة قيادةً ورمزاً، فلم تعد تسمن أو تغني من جوع.

هيئة تحرير الشام ترفض دعوة حراس الدين للاحتكام، وأنصار القاعدة في مأزق

هيئة تحرير الشام هي السلطة المطلقة في إدلب

يستعرض المجلس الشرعي المسوّغات الفقهية التي برأيهم تناقض دعوة الحراس؛ بل وتقلب الطاولة عليهم. وهذه جدليات يخوض فيها الطرفان بلا طائل. والأهم أن الطرفين يجتران أحداثاً من الماضي تظهر تناقض الآخر.

المهم في بيان الهيئة فيما يتعلق بهذا الجانب، أن عطون، وإن أسهب في الجدل الفقهي، ينتهي إلى أن هيئة تحرير الشام هي السلطة المطلقة في إدلب؛ وأن “القضاء الشرعي الموجود في المحرر هو الجهة القضائية المعتبرة.” ويختم داعياً أبا همّام زعيم الحراس إلى الاحتكام إلى قضاء الهيئة إن أراد حلّ المشكلة. يقول: “إن المنظومة القضائية القائمة في المحرر اليوم هي الوسيلة التي يتم عبرها حل هذا النوع من الإشكالات فدونه (أي أبا همّام) تلك المنظومة إن كان يبغي حل المشكلة لا مجرد الضجيج في وسائل التواصل.”

هيئة تحرير الشام ترفض دعوة حراس الدين للاحتكام، وأنصار القاعدة في مأزق

لا قيمة للمشايخ خارج إدلب

وإن رفضت الهيئة الاحتكام إلى طرف ثالث، إلا أن البيان لم يأت على ذكر أبي قتادة ولا من باب الإطراء على الرجل الذي يؤيدهم ويدعم موقفهم هو وطالبيه من أمثال أبي محمود الفلسطيني ونائل الغزي الذين ينبريان للدفاع عن الهيئة كل يوم. بالنسبة للهيئة، لم يعد ثمة وزن للمشايخ والمنظرين الموجودين خارج الساحة. فإن اعتدّ بيان حراس الدين الثاني – زوراً- بهاني السباعي؛ وإن اعتد معارضو الهيئة بأبي محمد المقدسي؛ فالهيئة لم تعد معنية بهذا ولا ذاك ولا حتى بأبي قتادة. هي معنية فقط بالداخل ولن تقبل بفرض قرارات أو فتاوى من خارج حدود إدلب. هذه هي “مملكة” الجولاني – الجولاني الذي مكّن له الظواهري نفسه. الجولاني يريد في إدلب نظام حكم متكامل له السلطة التنفيذية ممثلة بحكومة الإنقاذ، والتشريعية ممثلة  بمجلس الشورى العام، والقضائية ممثلة بالمجلس الشرعي ومحاكم الهيئة.

 

وهذا يتسق مع منهج هيئة تحرير الشام في العامين الماضيين. الهيئة تسعى إلى “اعتراف دولي” بشكل من الأشكال ولم تعد معنية بالماضي. في المقابلة مع الصحفي الأمريكي مارتن سميث، قال الجولاني صراحة إن فترة مبايعته القاعدة صفحة وانطوت. وهذا يشبه ما يقوله طالبان عن القاعدة. فعندما يُسأل سهيل شاهين أو محمد نعيم عن الأمر يقولان إن ذلك ماضٍ انتهى؛ بل يستنكران أن يُسألا عن الأمر معتبران ذلك محاولة للتنغيص على طالبان و”استحقاق” السيطرة على الحكم في أفغانستان. القاعدة لم تعد اسماً مرغوباً حتى عند حلفائها القدامى.

وهيئة تحرير الشام تريد أن تكون مثل طالبان. وهذا الطموح لا مكان فيه للقاعدة أو حراس الدين أو أي من منظري ومفتيي الجهادية العالمية.

 

التخلص من المعارضين

أسهب بيان المجلس الشرعي في الهيئة بالحديث عمّا قال إنه “تنصل” حراس الدين من “الواجبات الشرعية” فاعتبر أن حراس الدين كانوا طرفاً في “الاتفاق على الإقرار والالتزام بالسلطات الشرعية الموجودة في المحرر” ومنها “وحدة الصف والاعتصام وحفظ الثغور” ولكنهم أمسوا “مخالفين لما وقّعوا عليه وألزموا به أنفسهم.” وفي هذا إشارة إلى تشكيل غرفة عمليات “فاثبتوا” في يونيو ٢٠٢٠ لتضم جماعات انشقت عن الجولاني ومعها جنود وعتاد ومال. “فاثبتوا” كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.

بالرغم من إشارة البيان إلى أفعال أقدم عليها تنظيم حراس الدين واستنكرتها الهيئة مثل اعتقال خالد مدللة، إلا أن الاعتقال هذا مثلاً لم يكن ليحرك شيئاً عند الهيئة. مدللة اعتقل في الأسبوع الأخير من فبراير ٢٠٢٠. ولم تتحرك الهيئة ضد الحراس التحرك الأخير إلا في يونيو ذلك العام عندما أعلن عن “فاثبتوا” في ١٢ يونيو ٢٠٢٠.

لكن بعد يومين من إعلان “فاثبتوا” قُتل أبو القسام الأردني – خالد العاروري – القائد العسكري للحراس والرجل الأول فيه عملياً، في قصف للتحالف. القسام كان له حضوره وكان مهاباً حتى من الهيئة. قبل اغتياله بأقل من شهر، وقعت أحداث في قرية عرب سعيد التي تعتبر معقلاً مهماً من معاقل الحراس. قيل إن جماعة أبي عمر منهج سرقوا “شاص” وضع عليه مضاد ٢٣. هاجم أمنيو الهيئة ووقع توتر في المنطقة. حُلّت المسألة بأن جلس أبو القسام الأردني ممثلاً عن الحراس مع أبي حسين الأردني ممثلاً للهيئة. واتفق الطرفان على حلّ. من أبرز بنود الحل كان أن طالب العاروري بأن يتم “تعويض حراس الدين عن السيارة البيكاب التي قامت هيئة تحرير الشام بإعطابها وضربها في أثناء الإقتحام والإشتباك الذي حدث.” إلى هذه الدرجة كان العاروري مؤثراً: يعطي ويأخذ. كان لا بد من إخراجه من الساحة. والعاروري له رمزية عند القاعدة وأنصارها: هو صهر الزرقاوي، ورافقه في أفغانستان؛ وكان في إيران مع سيف العدل؛ وهو كان يدير أمور حراس الدين عملياً؛ فهو من الجهاديين المخضرمين. في غيابه، انقطع خبر القاعدة في الشام وبدأ الانحدار.

 

سامي العريدي

في ٢٩ سبتمبر ٢٠٢١، ردّ حراس الدين على عطّون في بيان هو الثالث لهم في أقل من أسبوعين. هذا البيان وقعه سامي العريدي بصفته الشخصية خلافاً للبيانيين الأولين الذين وقعهما أبو همام بصفقته “العبد الفقير.”

جدل فقهي عقيم أتى به العريدي يشابه بيان الهيئة. لكن المهم في بيان الحراس أنهم لا يزالون يطالبون الهيئة بالاحتكام عند أبي قتادة أو لجنة قضاء محايدة. لا يدرك الجماعة أن هيئة تحرير الشام لم تعد تقيم وزناً لسلوكيات القاعدة هذه.

في البيان أيضاً يحاول العريدي توضيح مسألة الاتفاق والإلتزام بسلطة الهيئة في إدلب ومنها السلطة القضائية. يقول العريدي إن الأمر تعلّق بالقضايا الجنائية حصراً.

ويقتبس: “أما القضايا الجنائية بين الهيئة والحراس فتنظر عبر قاضيين من كل طرف قاض والمرجح عند الخلاف هو الشيخ أبو ماجد الشامي.” ويتابع العريدي: “أما الاعتراف في المحاكم الموجودة في المحرر وعدم فتح محكمة من قبل الحراس فتم الاتفاق عليه ضمن هذه البنود.”

لكن البيان لم يتطرق إلى مسائل غير جنائية. ولم يتطرق إلى مسألة محاكم التنظيم الخاصة. وهنا تبرز أهمية قصة خالد مدللة وغيره من “المدنيين” الذين اعتقلهم الحراس في ٢٠٢٠.