• داعش و روسيا يلتقيان عند تقاطعات هامة:
  • زعزعة مصالح الغربيين عبر التضليل الإعلامي
  •  واستغلال ضعف الحكومات للاستفادة من أرباح اقتصادية قليلة الشفافية وعمليات تهريب غير مشروعة.

روسيا تستغل ضعف الغرب وفرنسا تتحول لكبش فداء

الدول الغربية التي تساعد فعليًا وبشكل واسع دول منطقة الساحل الأكثر فقرًا، لكن دون القدرة على تقديم حلول واضحة لها تتعلق بالأمن والتنمية تفقد الكثير من مصداقيتها حتى لو أن مصدر جذور الشر يكمن أساسًا في خلل الحكومات الافريقية. فالقوى العظمى الاستعمارية السابقة، وتحديدًا فرنسا التي تعززت صورتها في الساحل مع تدخلها العسكري منذ العام 2013، تحولت لكبش فداء مثالي لكل من لا يحبذ النقد الذاتي.

وروسيا التي من ناحيتها لم تقدم أي مساعدة من أجل التنمية، لم تتوان عن استغلال حالة الضعف الغربي القائمة هذه.

روسيا وداعش في إفريقيا: أهداف تتقارب؟

معاداة الغرب إيديولوجيا يلتقي عندها الجهاديون وروسيا

ندرك أن التوتر بين روسيا والدول الغربية مستمر في تزايده منذ العام 1999 لأسباب خارجية لا تتعلق بافريقيا وغالبًا ما جرى تحليلها. ومنذ العقوبات الغربية على روسيا في العام 2014، ظهرت المواجهة مع الغرب كعنصر هيكلي في سياسة فلاديمير بوتين الخارجية. فمن وجهة النظر هذه، افريقيا جنوب الصحراء، التي هي تحديدًا فرانكوفونية، تحولت لساحة خصبة للمواجهة مع ما تبقى لوجود فرنسا فيها التي سبق أن عارضها ناشطون يطالبون بالدعم أو بمن يخلفهم حتى لو تعلق الأمر بجهاديين يهاجمون الأنظمة المحلية.

فضلًا عن ذلك، طوّرت روسيا ايديولوجية معادية للغرب، ومن هذا المنطلق فهي تتقارب محليًا مع ايديولوجية الجهاديين. روسيا ما بعد العهد السوفياتي، الباحثة عن ملء فراغ الايديولوجية الشيوعية، اعتمدت على سياسة « المحافظة » القائمة على القيم الأخلاقية، والدين التقليدي، والجذور الثقافية، ومبدأ السيادة الوطنية، والعائلة، وذلك كرد على الليبرالية والنزعة الفردية الغربية واللتان تعتبرهما انحلالًا ومصدرًا لكل الرذائل. وقد ترسخت قناعة لدى روسيا بعد تجربتها المؤسفة خلال عهد بوريس يلتسين، وهي أن الديمقراطية الليبرالية لن تكون عادلة أو متكافئة كما أنها لا تضمن النظام العام.

البحث عن نقاط ضعف الدول الأفريقية لاستغلالها ضد مسؤوليها والغرب

هذا وتبحث روسيا، كما الجهاديون المحليون، عن نقاط الضعف العديدة والصراعات الداخلية للدول الافريقية لاستغلالها ضد المسؤولين والغربيين الداعمين لها. وكما قال الكاتب الروسي فياتشيسلاف موروزوف: « روسيا لا تملك القدرة على تحويل النظام العالمي الذي يسيطر عليه الغرب. في حين أن عدم الاستقرار الداخلي يمكن تحقيقه ويستجيب، على حد سواء، للمخاوف الأمنية والرغبة في اثبات مكانتها ».

وسائل الاعلام العالمية الروسية ( مثل روسيا اليوم، وسبوتنيك، وعلى وجه الخصوص وكالة أبحاث الانترنيت التي أسسها رجل الاعمال يفغيني بريغوجين المقرب من بوتين ) تقوم باغراق شبكات التواصل الاجتماعي بأخبار كاذبة وفيديوهات ملفقة كي تظهر للأفارقة، وبفعالية أكيدة، أن سياسة فرنسا في إفريقيا قد تكون قائمة على استغلال وسرقة الموارد الافريقية. كما تشهّر هذه الوسائل الاعلامية بالعلاقات الفرنسية الافريقية « Françafrique » عن طريق معلومات مضللة دون أي وازع. وتنتقد هذه الفيديوهات الجنود الفرنسيين في عملية باركان، وتظهرهم كما لو أنهم لا يقاتلون الجهاديين وإنما هم متواطئون معهم وأن الهدف الحقيقي للفرنسيين قد يكون استغلال الثروات المنجمية وفرض هيمنة استعمارية جديدة.

بروباغندا لاقناع الأفارقة بأن روسيا هي البديل

بشكل أقل سريّة، ووفق تقرير صادر عن جمعية روسيا الحرة الأهلية غير الحكومية فإن رجل الأعمال بريغوجين قد يكون مؤسس شبكة « AFRIC » التي تنظم مناقشات ومؤتمرات بهدف توطيد رؤية روسيا في افريقيا.

ويقدم الروس أنفسهم كبديل عن الفرنسيين في مجال التعاون الأمني حتى إن لم تكن لديهم النيّة في ذلك في منطقة الساحل بسبب افتقارها للوسائل والمصالح الاقتصادية الكافية. ففي باماكو، نُظّمت مظاهرات مناهضة لفرنسا انتشرت فيها رايات روسية. فهذا الامر لا يمكنه سوى أن يخدم مصلحة الجهاديين الذين يهاجمون أنظمة دول الساحل، حتى وإن كان عبارة عن أثر جانبي بالنسبة لروسيا.

استغلال الثروات المحلية وعمليات التهريب

 

حتى لو اختلفت الأساليب والوسائل بشكل واضح بين دولة مثل روسيا والمجموعات المسلحة الارهابية، لكننا نلاحظ بعض التقارب. روسيا، مع وجودها الضعيف اقتصاديًا في إفريقيا، تبحث عن تطوير مؤسساتها المنجمية، فهذا ميدان ناشط في روسيا. والموارد المنجمية الهامة الإفريقية، وخاصة منها الذهب والالماس، تجذب أطماع روسيا. وهذا جليّ في جمهورية إفريقيا الوسطى، فهي بلد يجمع عدم استقرار أمني لدولة منهارة وموارد ذهب والماس هامة جدًا تستغلها مجموعات متمردة.

بداية، استفادت روسيا من تعاونها العسكري مع جمهورية إفريقيا الوسطى عبر مبادرة فرنسية. ففي العام 2016، بعد أن ضبطت سفينة عسكرية فرنسية شحنة اسلحة مهربة قبالة سواحل الصومال، 2016، أرادت الحكومة الفرنسية ان يستفيد جيش جمهورية إفريقيا الوسطى من هذه الأسلحة، فطلبت من مجلس الأمن الدولي السماح لها بخرق الحظر المفروض على هذه الجمهورية فاستخدمت روسيا الفيتو. عندها، اقترحت فرنسا ( بسذاجة) على رئيس إفريقيا الوسطى تواديرا أن يتفاوض في هذه المسألة مباشرة مع السلطات الروسية. بدورها، اقترحت روسيا على الجمهورية الافريقية، العام 2017، رفع الحظر في إطار اتفاق شامل يتضمن تعاونًا عسكريًا (من خلال اسلحة تؤمنها فرنسا مجانًا!) وتواجدًا لمؤسسات منجمية روسية. لاحقًا، عمدت روسيا على تسليم إفريقيا الوسطى شحنات جديدة من الأسلحة وغالبًا دون العودة إلى الامم المتحدة، وتعترف اليوم بأن لديها في ذلك البلد، 1135 مدربًا عسكريًا روسيًا، فيما عدا المرتزقة.

مرتزقة روس يخرقون حقوق الانسان

وقد دانت مجموعة العمل التابعة للامم المتحدة الخاصة باستخدام المرتزقة، وجود مرتزقة روس في جمهورية إفريقيا الوسطى ويعملون في ثلاث شركات خاصة وهي : فاغنر، سيو سيكورتي سرفيس، ولوبي انفست سارلو. بتاريخ 9 تموز/ يوليو 2021 ، اتهم مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة مرة أخرى هؤلاء المرتزقة بارتكاب انتهاكات في جمهورية إفريقيا الوسطى، وتحديدًا 207 عمليات خرق لحقوق الانسان بين شباط/ فبراير وحزيران/ يونيو العام 2021.

وجود طاغ لروسيا ومعاداة شبه رسمية لفرنسا

هؤلاء المرتزقة الروس يعملون تحديدًا على حماية الشركات المنجمية التي تستخرج الذهب والالماس في إفريقيا الوسطى، وهي على وجه الخصوص لوباي انفست، وموروي غولد، وم. فايننس وم. انفست.
ووفق مجلة « جون أفريك »، في عددها الصادر في تموز/ يوليو العام 2021، قد يوجد اتفاق تقاسم الموارد المنجمية بين الشركات الروسية وبعض المجموعات المسلحة ورئاسة إفريقيا الوسطى. وتعود هذه المبادرة تعتمد على « إعلان تفاهم الخرطوم » الذي وقعته أربع مجموعات مسلحة في 31 آب/ اغسطس من العام 2018، وحظي باعتراف ودعم له من قبل روسيا.

ففي جمهورية افريقيا الوسطى، حيث أضحى الوجود الروسي طاغيًا، اتخذت الرسالة الروسية المعادية لفرنسا منحى شبه رسمي، وخاصة في صحيفة « Feuille volante du Président » وإذاعة « لينغو سونغوس »، وأيضًا مع فيلم « السائح » لتمجيد الجيش الروسي في مواجهته للمتمردين، وكذلك مع رسوم متحركة لأطفال حيث يظهر دب روسي وهو يهب لمساعدة الحيوانات المفترسة في الأدغال.

روسيا وداعش في إفريقيا: أهداف تتقارب؟

طرق روسيا في النهب تتشابه مع طرق داعش والقاعدة

وإذا لم يكن المتمردون في جمهورية إفريقيا الوسطى ينتمون إلى الحركة الجهادية، لكن طرق النهب وأهدافه التي تنتهجها روسيا بواسطة مرتزقتها تتشابه إلى حد كبير مع تلك التي يتبعها الجهاديون في منطقة الساحل، وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق، لكن مع فارق وهو أن سلطات هذه الدول المذكورة لا تشارك في التهريب باستثناء جزء من المسؤولين المحليين الفاسدين كما أظهرته بعض عمليات التوقيف التي قام بها ضباط كونغوليون في بلادهم.

وفي الساحل (مالي وبوركينا فاسو)، استخراج الذهب بطريقة بدائية هو أحد موارد الجهاديين في المناطق التي يسيطر عليها داعش او القاعدة. لكن يبدو أن هذه الموارد ليست كافية لتهتم بها روسيا، إضافة إلى أنه، على الصعيد المحلي. يصعب كثيرًا التحكم بها. لكن في المقابل، ينصب التركيز على التضليل في المعلومات.

ففي شمال نيجيريا وفي منطقة بحيرة التشاد، يبلغ عدد المحاربين المنتمين إلى داعش (ولاية غرب إفريقيا لتنظيم الدولة الاسلامية) بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف مسلح. وهم يستغلون أيضًا الموارد المحلية وعمليات التهريب. وتبدو روسيا غائبة عن هذا المسرح الذي يصعب الوصول إليه.

وفي الصومال، جماعة الشباب، المنضوية تحت لواء القاعدة، زادت نشاطها مؤخرًا، وتستخدم طائرات مسيّرة بلا طيار لمراقبة انشطة القوات المكافحة للإرهاب التابعة لبعثة الاتحاد الافريقي في الصومال. لا ضلوع لروسيا في ذلك.

في جمهورية كونغو الديمقراطية، « القوات الديمقراطية المتحالفة » النابعة من « الجيش الوطني لتحرير أوغندا »، هي مجموعة مسلحة ينتمي أعضاؤها إلى جماعة التبليغ والدعوة، وقد انتسبت العام 2017 إلى داعش تحت اسم « ولاية وسط افريقيا للدولة الاسلامية ». وتستغل هذه المجموعة عمليات التهريب المرتبطة بالثروات المنجمية لإقليم إيتوري. ووفق للتقرير الأخير الصادر عن الأمم المتحدة في 23 حزيران/ يونيو من العام 2021، فإن « القوات الديمقراطية المتحالفة » قد جمعت بين مليون إلى مليوني دولار عن طريق نهب مصارف المنطقة. ولا يبدو أن الوجود الروسي مثبت حاليًا وإنما عرضت القوات الخاصة الاميركية مساعدتها.

هزيمة للجيش الموزمبيقي رغم دعم مرتزقة فاغنر له وخلافات بين الطرفين

وفي موزمبيق، شن مقاتلو « ولاية وسط إفريقيا للدولة الاسلامية » هجمات شرسة على إقليم كابو ديلجادو الواقع شمال البلاد والغني بحقل غاز هام جدًا والذي تسعى شركة توتال لتطويره. ويحتل هؤلاء المقاتلون مدنًا لم تتمكن السلطات المحلية من استعادتها منذ العام 2020.
إن ظهور حركة « السنة » الجهادية منذ العام 2018 في شمالي موزمبيق منذ العام 2018، والتي انضمت لاحقًا لداعش، وفّر فرصة لروسيا كي تتقرب من البلد، وتقدم له خدماتها الأمنية. وفق الباحث تريستان كولوم من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فإن مئتي رجل مرتزقة من مجموعة فاغنر وصلوا في أيلول/ سبتمبر العام 2019، لمساعدة الجيش الموزمبيقي. لكن العديد منهم قتلوا، ومُنيَ الجيش الموزمبيقي بخسائر عسكرية، وعلاوة على ذلك، برزت توترات بين الروس والضباط الموزمبيقيين الساعين لحماية عملياتهم التهريب المحلية الخاصة بهم.

ويضيف تقرير الأمم المتحدة الأخير، أن مكتب « القرار » في منطقة بونتلاند الصومالية ينسق هجمات المجموعات المنضوية تحت لواء داعش في كل من الكونغو وموزمبيق والصومال.

خلاصة

القاسم المشترك بين داعش وجزء من الأنشطة الروسية في إفريقيا جنوب الصحراء هي أولًا الانتهازية عبر استغلال أخطاء دول ضعيفة غير قادرة على السيطرة على أراضيها. بالنسبة لروسيا، إنها تسعى للاستفادة من أرباح اقتصادية قليلة الشفافية ومن عمليات التهريب « المافوية »، مستهدفة على وجه الخصوص الدول الغنية بمواردها المعدنية وفي هذا المرحلة خاصة جمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق. وحيث يمكن لروسيا أن تأتي بتغيير يجمع المصلحة الاقتصادية الخاصة بأصحاب النفوذ الروس مع استراتيجية جيوسياسية للدولة الروسية، تسير موسكو بحذر وتقترح مجموعة من الأسلحة لبيعها مع تعاون عسكري رسمي وشركات خاصة تؤمن المرتزقة واستخراج الموارد المنجمية في ظل ظروف مضطربة. أحيانًا وكما جرى في جمهورية كونغو الديمقراطية وغينيا، تقدم مساعدتها في مجال التواصل والبروباغندا عبر الانترنيت للانتخابات الرئاسية. فعلى سبيل المثال، ساعدت روسيا ألفا كوندي للفوز بولايته الثالثة لرئاسة غينيا.

أما النقطة الثانية المشتركة بين داعش وروسيا هي العمل على زعزعة تأثير الغربيين ومصالحهم، وذلك من خلال مواجهة إيديولوجية لا يمكنها سوى أن تزيد من ضعف بعض دول جنوب الصحراء المهددة فيستفيد الجهاديون منها. لكن المصلحة الروسية تتقدم على مصلحة تلك البلدان الافريقية المتلاعب بها كأدوات.

للإطلاع على ما قاله السفير نورمان بالفيديو لأخبار الآن يرجى متابعة الرابط  التالي:

السفير السابق نيكولا نورمان  تولى سابقًا منصب سفير للدولة الفرنسية في مالي، هو باحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.