خلاف الهيئة والقاعدة مستمر رغم انتهاء الأخيرة في الشام

 

انتشر على التلغرام الأربعاء، ١٥ سبتمبر ٢٠٢٠، بيان نُسب إلى أبي همام الشامي أو فاروق السوري القائد العام لتنظيم حراس الدين فرع القاعدة في الشام، يجدد فيه الدعوة إلى هيئة تحرير الشام للتقاضي الشرعي عند منظر الجهادية أبي قتادة الفلسطيني في قضية المعتقلين من عناصر التنظيم لديها.

وتحتجز الهيئة منذ سنة على الأقل شخصيات قيادية في التنظيم من أبرزهم أبو عبدالرحمن المكي.

يوم الاثنين، أي قبل نشر البيان بيومين، تناقل أنصار القاعدة على التلغرام أن المعتقلين بدأوا إضراباً عن الطعام احتجاجاً على احتجازهم من دون محاكمة أو السماح لهم بتوكيل محامٍ.

وفي وقت سابق، تناقل الأنصار أن معتقلي الحراس ممنوعون من الاتصال بذويهم. هؤلاء هم: أبو عبد الرحمن المكي، أبو بصير الديري، أبو حمزة الدرعاوي، أبو عبدالله السوري – ابن أبي فراس السوري القيادي سابقاً في جبهة النصرة-، أبو مصعب التركي، وخلاد الجوفي.

لم يصدر البيان في قناة شام الرباط الجناح الإعلامية لتنظيم حراس الدين، وإنما في حساب على التلغرام باسم حسّان الشامي، الذي عرّف عن نفسه مرّة بأنه مراسل شام الرباط. ولهذا، لم يحمل البيان شعار الحراس؛ بل إنه وُقِّع بعبارة “العبد الفقير أبي همام الشامي” من دون ذكر صفته الاعتبارية زعيماً للجماعة التي تمثل تنظيم القاعدة في الشام.

البيان الذي كُتب بعربية ركيكة تناول أمرين. الأول هو التأكيد على أن حراس الدين تفرغوا إلى العمل “خلف خطوط النظام” وأنهم ينفذون هجمات عدة لم يعلنوا إلا عن اثنتين منها في تل السمن قرب الرقة وفي دمشق.

وقال البيان إن هذه الاستراتيجية تأتي “امتثالاً” لتوجيهات مشايخ من داخل التنظيم وخارجه “تركّز على الصبر على الأذى والتعالي على حظوظ النفس.”

وفي هذه الكلمات كلها إشارة لرسائل بثها قياديون في التنظيم مثل أبي عبدالرحمن المكي وأبي عبدالرحمن الدرعاوي عندما ثبت لهم أن الجولاني قضى على التنظيم صيف العام الماضي.

الأمر الثاني الذي جاء في البيان هو اجترار مبادرة أبي محمد السوداني، إداري حراس الدين الذي قتله التحالف في أكتوبر الماضي.

قبل وفاته، وتحديداً في ٩ أكتوبر، كتب السوداني إلى الهيئة رسالة بعنوان “شرع الله يفصل بيننا وبينكم” مخاطباً الجولاني وعارضاً عليه التحاكم للشرع عند أبي قتادة الفلسطيني “الذي ارتضيته فيما مضى ليكون حكماً بيننا.”

الهيئة أميل إلى أبي قتادة من منظرين آخرين مثل أبي محمد المقدسي الذي يعاديهم ويعادونه خاصة منذ صيف العام الماضي.

لم ترد الهيئة على رسالة السوداني ولا يبدو أن الهيئة ستستجيب لهذه الدعوة من الشامي.

في رفض ضمني، قال شرعي الهيئة، مظهر اللويس، إن “التحكيم الحقيقي للشرع يكون … بالاعتصام وعدم شق الصف وإثارة الفتن والافتئات على الجهات العسكرية والإدارية والمضي مع ما اصطلح عليه السواد الأعظم من المجاهدين والوجهاء في المحرر؛” واعتبر أن ما يقوله الحراس وأنصارهم هو “حقوق مزعومة ومظلوميات كاذبة.”

لقد نجحت هيئة تحرير الشام في تحجيم، بل وفي إنهاء حراس الدين واجتثاث القاعدة من الشام، ولا أدل على ذلك من هذا البيان المنسوب للشامي، ببعد أكثر من عام على الحملة التي قضت على الحراس، لم يأتِ التنظيم بفعل ينتصر لأنصاره – أنصار القاعدة في الشام – الذين باتو بلا سند.

زعيم القيادة العامة، أيمن الظواهري، مشغول بالتأليف ومؤسسة التنظيم الإعلامية السحاب مشغولة بنشر إنتاجه، وبعد أن حيّد الجولاني قادة الحراس المؤثرين بالقتل أو الاعتقال، لم يبق طليقاً إلا أبا همام الشامي وسامي العريدي.

والمفارقة في بيان الشامي الأخير أنه يدعو إلى الاحتكام الشرعي وهو – والعريدي – رفضا الاحتكام إلى التقاضي في مسألة أبي يحيى الجزائري وأبي ذر المصري المفصولين من الحراس في ٢٠١٩.

أصل الخلاف

في فبراير ٢٠١٨، أعلن عن تأسيس تنظيم حراس الدين من مجموعات وأفراد موالين للقاعدة رفضوا الخطوات التي اتخذها أبو محمد الجولاني مثل فك الارتباط مع القاعدة وتحويل جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام في يوليو ٢٠١٦، ثم التحالف مع مكونات لم تكن بالضرورة موالية للقاعدة وتحويل فتح الشام مرة أخرى إلى هيئة تحرير الشام في يناير ٢٠١٧.

وهكذا كان تنظيم حراس الدين تنظيماً مستقلاً له مقرّاته وعتاده ومقاتلوه ويدخل في تحالفات مثل تلك التي أسست “غرفة عمليات وحرض المؤمنين.”

في نفس الوقت، ظلت تحكمهم علاقة تشاركية مع هيئة تحرير الشام ضمن جغرافيا إدلب.

ومن مظاهر استقلالهم أنهم احتجزوا خالد مدللة في مايو ٢٠٢٠ بتهمة التخابر والتسبب في اغتيال أبي خديجة الأردني، بلال خريسات، الذي كان مقرباً من الحراس، خريسات قُتل في قصف للتحالف في ديسمبر ٢٠١٩.

كثيراً ما نشبت مناوشات بين أمنيي الهيئة وعناصر حراس الدين كانت تُحل بالتراضي؛ كما حدث في هجوم أمنيي الهيئة على مقرات الحراس في أرمناز في ١٩ مايو ٢٠٢٠. انتهى الأمر بالصلح حيث مثل الحراس أبو القسام الأردني ومثل الهيئة أبو حسين الأردني وأبو محمد الشمالي.

لكن الحسم جاء في شهري يونيو ويوليو من ذلك العام. في ١٢ يونيو، أعلن في إدلب عن تشكيل غرفة عمليات “فاثبتوا” لتضم: حراس الدين، جبهة أنصار الدين، أنصار الإسلام، تنسيقية الجهاد بقيادة أبي العبد أشداء، ولواء المقاتلين الأنصار بقيادة أبي مالك الشامي التلي المستقيل من عضوية مجلس شورى هيئة تحرير الشام. هذا الكيان كان تهديداً للجولاني لأنه شكل مستقراً لمعارضي الهيئة.

بعد يومين من هذا الإعلان، استهدف التحالف خالد العاروري أبا القسام الأردني صهر الزرقاوي والمشهود له في الساحة الجهادية؛ حتى إن الهيئة كانت تهابه. بغياب العاروري، تآكلت قيادات الحراس الوازنة الأمر الذي سهّل على الهيئة قتلهم أو سجنهم كما حدث لاحقاً.

انقضت الهيئة بشدة على “فاثبتوا،” فاعتقلت خلال أسبوع كلاً من أبي صلاح الأوزبكي من أنصار الدين وأبي مالك التلي. في ٢٣ يونيو، هاجمت الهيئة مقرات حراس الدين في عرب سعيد غرب إدلب، أحد أهم معاقل التنظيم، وكان الاقتتال في محيط البلدة عنيفاً.

سامي العريدي شرعي الحراس، في بيان عبر حساب حسان الشامي – تماماً كما بيان أبي همام الشامي – دعا فيه الطرفين إلى التحاكم بصفته “شرعي جبهة النصرة سابقاً” من دون أن تلقى دعوته بالاً عند الهيئة.

في ٢٥ يونيو، وجهت القاعدة المركزية بياناً بعنوان “إن الله أبى عليّ قتل مؤمن” آزر الحراس وحرّضهم على الهيئة.

البيان زاد الطين بلة بالنسبة للتنظيم؛ فلم تقدم القاعدة حلاً للمعضلة ولم تقدر قوة الهيئة مقارنة بضعف الحراس، ورد عبدالرحيم عطون، شرعي الهيئة، على البيان في سيناريو مكرر من رده على الظواهري في ٢٠١٧، وقلب الطاولة على القاعدة متهماً إياها بشق الصف لأنها تحرض جماعة على جماعة.

بيان القاعدة لم يبث حماساً لدى أنصارها؛ بل خنوعاً واستسلام، و بعد أزمة البيان، أعلنت “فاثبتوا” هدنة ثلاثة أيام للتفاوض والتقاضي مع الهيئة فأبرمت تعهدات مكتوبة بين ممثلين عن هيئة تحرير الشام وممثلين عن فاثبتوا في عرب سعيد وسهل الروج واليعقوبية وحارم وغيرها تقضي برفع الحواجز وإخلاء الحراس مقارهم وإحالة المطلوبين إلى الحزب التركستاني للبت في أمرهم.

وقتئذ كان التركستان على الحياد قبل أن يؤازروا الهيئة ضد الحراس.

في ٢٦ يونيو، أصدرت الهيئة قراراً يمنع استحداث أي فصيل جديد في المنطقة، وأصدرت صباح الأحد ٢٨ يونيو جملة قرارات تُحكم بموجبها سيطرتها على الأرض ومنها إغلاق جميع المقرات العسكرية خارج إطار غرفة الفتح المبين، وتنفيذ اعتقالات واغتيلات في أوساط الحراس والمستقلين ومنها قتل أبي أحمد الرقاوي نائب أبي القسام الأردني.

الهيئة هاجمت أيضاً سجناً للحراس وأطلقت سراح خالد مدللة المتهم بالتخابر في قضية أبي خديجة الأردني.

كان ذلك آخر عهد للحراس في إدلب.

على مدى الشهرين التاليين، استهدفت الهيئة الأفراد والجماعات المستقلة بالقتل والاعتقال، واعتقلت أبا يحيى الجزائري القيادي السابق في الحراس في هجوم على تلعاده في ٢٥ يوليو، وفي ٤ أكتوبر اعتقلت أبا عبدالرحمن المكي أرفع قياديي الحراس المعتقلين، وآخر المؤثرين منهم.