20 عاما على ذكرى 11 سبتمبر.. حينما تغير العالم كليا وبدأت الحرب على الإرهاب

تغير العالم في ١١ سبتمبر ٢٠٠١. في ذلك اليوم، اختطف عملاء القاعدة أربع طائرات على متنها ٢٤٦ مسافراً. فجروا اثنتين في برجي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك في مشهد طُبع في ذاكرة العالم. فجروا الثالثة في مبنى البنتاغون في العاصمة واشنطن؛ أما الثالثة فتحطمت في بنسلفانيا عندما أحبط المسافرون مساعي خاطفيهم ومنعوهم من تحقيق هدفهم. الهجوم خلف حوالي ثلاثة آلاف وفاة وستة آلاف إصابة ينتمون إلى تسعين بلداً، من بينها تسعة بلدان مسلمة.

كان هجوماً إرهابياً يُنفذ مباشرة أمام أعين العالم أجمع. كان مجزرة ستظل صورها عالقة في مخيلة كل من عاش تلك الساعات.

بن لادن

بعد أن استوعبت الاستخبارات الأمريكية CIA الصدمة، خرجت باستنتاج عن منفذي هجمات ١١ سبتمبر. أصابع الاتهام أشارت إلى القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، الذي برز اسمه في فترة الحرب ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. بدأ بن لادن مشواره هذا بأن حظي بمركز بين من عُرفوا باسم “العرب الأفغان،” لأنه استخدم ثروته لمساعدة جماعات “المجاهدين” الأفغان. لكنه أصبح أكثر تطرفاً مع مرور الوقت، فالتقى مع متطرفين في الحركة الإسلامية. جاءته الفرصة بعد حرب الخليج عام ١٩٩١ والتي كانت من نتائجها أن استضافت السعودية قاعدة أمريكية. لم يعجب أسامة وجود جيش غير مسلم في الأراضي المقدسة. ساءت علاقته مع السعودية، ووضع نفسه في خط مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية. غادر المملكة إلى السودان. وهناك ضغطت أمريكا على الخرطوم لطرده. في ١٩٩٦، عاد إلى أفغانستان مع صعود نجم طالبان وتوليهم السلطة هناك.

طالبان ونرجسية بن لادن

ولدت طالبان، الجماعة المتشددة، من رحم الاقتتال الفصائلي بعد سقوط كابول في ١٩٩٢. لم تتوفر لهذه الجماعة إلا قليل المعرفة بالسياسة والعالم الخارجي.

منحوا بن لادن ملجأ وعاملوه ضيفاً موقراً. ردّ بن لادن هذا المعروف بأن أمدهم بالمال لقتال الجنرال المحنك أحمد شاه مسعود الذي انحاز إلى بانشير.

لكن يبدو أن بن لادن أصابه جنون العظمة فاغترّ بنفسه وطغت نرجسيته على قراراته. فبدأ تنظيمه يتصرف خارج صلاحيات طالبان بأن عقد مؤتمراً صحفياً أعلن فيه الحرب على “اليهود والنصاري” في ١٩٩٨؛ وأخذ يخطط لهجمات إرهابية.

أخفق تنظيمه في تفجير مركز التجارة العالمي في ١٩٩٣، لكنه نجح في تفجير سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا في ١٩٩٨، وتفجير المدمرة “يو أس أس كول” في أكتوبر ٢٠٠١.

هجمات ١١ سبتمبر كانت متابعة لنفس الخطة. التصريحات التي أدلى بها بن لادن بعد تلك الهجمات مباشرة، وحقيقة أن الـ “سي آي آيه” تعرفوا سريعاً على الخاطفين التسعة عشر من قوائم المسافرين والمعروفين بارتباطهم بالقاعدة – كل ذلك جعل اتهام القاعدة بتنفيذ التفجيرات أمراً لا يمكن ردّه.

بالرغم من أن الهجوم بدا وكأنه وقع من دون مقدمات، إلا أن الأخطاء البشرية التي وقعت وعدم القدرة على تشارك المعلومات بين عدة أجهزة استخباراتية أمريكية تشي بأن مؤشرات على وجود خطر مرّت من دون متابعة.

من هذه العلامات أن أحمد شاه مسعود حذّر الإدارة الأمريكية من خطر القاعدة في ربيع ذلك العام. كان له عيون التقطوا إشارات تقول إن القاعدة كانوا يخططون لشيء مذهل.

لكن مسعود قُتل في هجوم انتحاري نفذه عميلان للقاعدة ينتميان إلى ذات المكان الذي جاء منه منفذو هجوم باريس في ٢٠١٥.

بن لادن كذب على الملا عمر

ما تلا هجمات ١١ سبتمبر كان وبالاً على الأفغان. لم يكن طالبان على علم بما حدث. وبعضهم أصيب بالذهول لأنهم يعلمون تماماً ما يعني أمر كهذا بالنسبة لبلدهم. بالرغم من أن بن لادن كان قدم تعهداً لقائدهم الملا عمر، إلا أنه تعدى على حدود الضيافة الأفغانية وقرر أن يشن هجمات سبتمبر.

رغم هذا، أنكر بن لادن مسؤوليته عن الهجمات عندما واجهه الملا عمر بالسؤال؛ الأمر الذي وضع طالبان في موقف صعب للغاية. الضيافة الأفغانية تمنعهم من تسليم ضيفهم بسهولة، خاصة مع عدم وجود دليل. وليس سهلاً تبرير تسليم ضيف مسلم إلى قوّة حكم “كافرة” لو أن أمريكا فهمت طقوس الضيافة الأفغانية هذه، ربما أمكنهم القبض على بن لادن بهدوء.

لكن القوى العظمى الجريحة نادراً ما تفكر بعقلانية. وفي كل الأحوال، البرقيات الدبلوماسية من الفترة التي تسبق الهجمات تُظهر أن أمريكا كانت حذرت طالبان من خلال وسيط هو “طالب العلم المقاتل” جلال الدين حقاني، بأنه إن هاجم أسامة بن لادن أمريكا مرة أخرى – بعد هجوم السفارتين -، فسوف ترد على ذلك؛ وأن حقاني أكد لهم أن القاعدة كانت تخضع لرقابة لصيقة وسيطرة تامة. وهكذا، شعر الأمريكيون أن غزوهم أفغانستان كان مبرراً.

وهكذا أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الحرب على الإرهاب. لم يكن سهلاً تفكيك شيفرات ذلك المفهوم فكان له تبعات قاسية على العالم كله. فهل كان معنى ذلك -كما ظنّ نائب وزير الدفاع بول ولفويتز- حملة واسعة على أفغانستان والعراق واجتثاث البلدان التي ظنّت الإدارة الأمريكية أنها تأوي إرهابيين؟ أم عنى ذلك حرباً على القاعدة وحسب؟ وزير الخارجية كولين باول، أراد مقاربة أكثر حذراً للمسألة. وبالرغم من أن أهداف الحملة اقتصرت في البداية على تحجيم القاعدة، إلا أن أمريكا أسقطت ١٢٠٠٠ قنبلة على أفغانستان في شهر واحد. الوفيات بين الأفغان تجاوزت الحيوات التي زُهقت في برجي التجارة بالآلاف. لكن المسألة لم تتوقف عند ذلك الحد. سرعان ما توسعت أهداف الحرب لتشمل طرد طالبان من أفغانستان، وهو ما دفع طالبان إلى تحالف أعمق مع القاعدة الأمر الذي ضمن بقاء هذه الأخيرة وتبني طالبان أفكار ووسائل القاعدة.

لكن تبعات هجمات ١١ سبتمبر لم تقتصر على غزو أفغانستان وإنما غزو العراق أيضاً والتي منها وُلد داعش. من المثير للسخرية أن محاولة القضاء على “الإرهاب” أدت إلى بعث إرهاب أكبر.

هذه “الخطة” ألقت بالغرب في سلسلة من المعضلات الأخلاقية التي لا يزال عاجزاً عن الانفلات منها. لم تفض هذه الخطة إلى إعادة تصميم السياسات المحلية وحسب، وإنما أوجدت مواقع الاحتجاز السرية، وغارات الطائرات المسيّرة، وهيكلاً أمنياً متنامياً يعدّه الخبراء اجتراءً على أصل المبادئ التي تقول أمريكا إنها تقوم عليها وتقاتل لأجلها. وإنه لمن السخرية أن أكثر من تأثر بكل هذا هم الأفغان المنتمون إلى “الأمة” جامعة المسلمين، الذين تعهد بن لادن أن يحميهم غير آبهٍ بمغامرته الإرهابية تلك.