مع اقتراب الذكرى الـ20 لهجمات الحادي عشر من سبتمبر التي ضربت برجي التجارة العالمية في مدينة نيويورك ومبنى البنتاغون عام 2001، مازالت الكثير من مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام العالمية، تولي ذلك الحدث اهتماما بالغا بسبب ما خلفه من أعداد كبيرة من الضحايا فضلا عن أسلوب تنفيذ الهجمات دون أن ننسى أنها استهدفت أقوى دولة في العالم.

  • عشرون عاما على تنفيذ هجمات 11 سبتمبر في أمريكا
  • التخطيط للهجمات سبق العملية بسنوات
  • التأصيل الشرعي لهجمات 11 سبتمبر رافقه تلاعب بأحكام الفقه من قبل القاعدة
  • تحييد كل من أراد الاعتراض على هجمات 11 سبتمبر
  • انشقاقات إيجابية وأخرى سلبية طالت التنظيمات المتشددة
  • معاناة عائلات منتسبي التنظيمات المتشددة في مجتماعاتهم

تنظيم القاعدة عراب تلك الهجمات وإن كشف عن بعض تفاصيل خطة الهجوم عبر تسجيلات لبعض منفذيه، إلا أن الكثير من جوانب العملية مازالت غامضة رغم مرور عشرين عاما على تنفيذ تلك الهجمات التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى.

هجمات 11 أيلول

انفجار يهز مركز التجارة العالمي بعد أن ضربته طائرتان في 11 سبتمبر 2001 في مدينة نيويورك – Getty Images

ومن المؤكد أن الاختراق الأمني والعمليات اللوجستية تبقى من اختصاص دوائر الاستخبارات الأمريكية والدول الحليفة لها، وقد صدرت عشرات التقارير عن تلك الزاوية، إلا أننا في هذا التقرير سنحاول استعراض الخلفيات الشرعية لتبرير تلك الهجمات من قبل تنظيم القاعدة وهو تنظيم رديكالي كما هو معروف، إضافة إلى محاولة تسليط الضوء على ما سبق تنفيذ العملية داخل أروقة التنظيم والتكييف الشرعي لها ومارافقها من اعتراضات من قبل بعض شرعي القاعدة في ذلك الوقت، وعن حال المنشقين عن القاعدة وأسباب انشقاقهم وعن حال عائلاتهم وكيف يتم التعامل مع عائلات المنتسبين للتنظيم سواء كانوا منشقين أم مازالوا منخرطين مع التنظيمات المتشددة.

هجمات 11 سبتمبر

استهداف مبنى البنتاغون في 11 سبتمبر 2001 في أرلينغتون بولاية فيرجينيا – Getty Images

محمد عبد الوهاب رفيقي المعروف بـ “أبو حفص”، مفكر وباحث في متخصص في قضايا التطرف والإرهاب تحدث لأخبار الآن عن المراحل التي سبقت تنفيذ العملية ومارافقها من جدالات بين شرعي القاعدة، وقال: “الهجوم على مدينتي واشنطن ونيويورك بأمريكا لم يكن وليد اللحظة، بل خطط له قبل سنوات من تنفيذه، وخصوصا عند تأسيس ما يعرف بالجبهة الإسلامية لمحاربة اليهود والصليبيين عام 1998 وضمت عددا من التنظيمات المتشددة التي توحدت تحت لواء القاعدة واعلنت مبايعتها لأسامة بن لادن زعيم التنظيم في ذلك الوقت”.

وأضاف: “أظن أن فكرة تأسيس الجبهة الإسلامية كانت فكرة مصرية دعمها زعيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري بشكل كبير جدا، ومنذ ذلك الوقت اُتخذ قرار الهجوم على واشنطن ونيويورك”.

هجمات 11 سبتمبر

زعيم الحالي أيمن الظواهري يتحدث عن هجمات 11 سبتمبر – Getty Images

وأردف: “طبعا نحن لا ننسى أنه قبل ذلك وقعت أحداث أخرى كثيرة تم فيها مهاجمة عدد من المصالح الأمريكية في دول عديدة، كالهجوم على تلك المصالح في العاصمة السعودية الرياض وفي منطقة الخبر، واستهداف سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وأثيوبيا، وكان حدثا ضخما وكبيرا جدا في ذلك القوت وبالتالي أتوقع أنه في نهاية التسعينيات تم اتخاذ هذا القرار أي مهاجمة أمريكا في عقر دارها”.

: “والذي تابع الأحداث وكيف رُتب لها – دون أن ننسى أنه بعد ذلك تم تسريب الكثير من الأخبار والتفاصيل عن الكيفية التي تمت بها تلك العملية – فإنه من الواضح للغاية أن الأمر قد تم الترتيب له منذ سنوات قبل هجمات 11 أيلو سبتمبر عام 2001، فليس من السهل على الذين نفذوا الهجوم أن يقوموا بالالتحاق بمدارس الطيران وأن يتعلموا التقنيات اللازمة لتنفيذ الهجوم”.

التأصيل الشرعي لهجمات 11 سبتمبر

لعل من أبرز الجوانب التي أثارت الكثير من التساؤلات حول هجمات 11 سبتمبر، كيف أصل التنظيم الهجمات من الزاوية الشرعية، فكما هو معروف فإن ضحايا تلك الهجمات بمعظمهم من الأبرياء وليس لهم أي دور لا من قريب ولا من بعيد في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وهو أمر يعارض لب الفقه الإسلامي الذي يرفض رفضا قاطعا استهداف المدنيين، وضمن هذا السياق قال أبو حفص: “بناءً على أيدولوجية القاعدة، فإن الهجوم يأتي في صميما وصميم أهداف التنظيم الذي بُني على أساس مهاجمة أمريكا وحلفائها والأمر بدأ منذ عام 1990 عندما استعانت السعودية بالقوات الأمريكية وما لحق ذلك من دخول تلك القوات إلى الجزيرة العربية وهو ما اعتبرته القاعدة في ذلك الوقت نوعا من الانتهاك لحرمة الحرمين الشريفين”.

وأردف: “بناء على تحالف السعودية والولايات المتحدة، فإن القاعدة اعتبرت أنه من الواجب مهاجمة أمريكا على اعتبار أنها المسؤولة وفق وجهة نظر التنظيم عن الحروب والويلات التي يعيشها العالم الإسلامي وبالتالي فإن مواجهتها لا تكون إلا بالقتال والسلاح، ومادامت المواجهة المباشرة غير ممكنة فلا طريقة إلا عبر التفجيرات وتنفيذ عمليات استشهادية والتأصيل الشرعي لهذه العمليات كان أيضا محضرا ومعدا له عند القاعدة”.

وتابع: “رأينا بما سمي بوصايا الشهداء، بمعنى أن الذين شاركوا بهجمات 11 أيلول تركوا بعض التسجيلات المصورة التي بثت بعد الحدث والتي تتضمن عددا من التأصيل الشرعي للعملية التي قاموا بها”.

من جانبه، اعتبر مصطفى الحسناوي وهو باحث في شؤون الجماعات المتشددة، في معرض حديثه لأخبار الآن، أن التأصيل لهجمات 11 سبتمبر، مرت بمرحلتين، الأولى ما سبق تنفيذ العملية، والثانية بعد تنفيذها، وقال: “أعتقد أن هناك مرحلتين للتأصيل لهذا العمل، مرحلة الإعداد للضربة ومن ثم ما تلى مرحلة الضربة وما أثارته من ردود أفعال وخاصة أنها قوبلت برفض من بعض التيارات فكان هناك حاجة إلى تأصيل آخر للرد على هذه الاعتراضات”.

هجمات 11 سبتمبر

زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن – Getty Images

وأضاف: “دعني أعود بك إلى الوراء قليلا، قبل الإعلان عن ما يسمى الجبهة الإسلامية لمحاربة اليهود والصليبيين، كانت هناك بعض الفتاوى لأسامة بن لادن صدرت عام 1994 للرد على الشيخ السعودي ابن باز فيما يتعلق بالصلح مع اليهود، حيث اعتبر بن لادن أن رأي ابن باز غير صحيح وباطل في بيان مشهور”.

وأردف: “عام 1996 كان لابن لادن فتوى شهيرة تتعلق بوجوب قتال من يحتل بلاد الحرمين، لتتوج تلك الدعوات بالإعلان عن ما سمي بالجبهة الإسلامية لقتال اليهود والصليبيين والتي أصدرت بيانا موقعا من عدة شخصيات بجواز قتال وقتل الأمريكيين حتى المدنيين منهم.. هذه الفتاوى من بيان 96 وما لحقها ضمت عددا من النصوص المعروفة التي يمكن استغلالها والتأصيل لها والانطلاق منها لتنفيذ تلك العمليات”.

خلافات حول تأصيل هجمات 11 سبتمبر

ويبدو أن هجمات 11 سبتمبر لم يكن لها وقع حسن على بعض شرعي القاعدة، وإن كانوا من أعمدة التنظيم ومنظريه، فكما أسلفنا الهجمات أوقعات آلاف القتلى والجرحى من الأبرياء وهو أمر لم تسوغه بعض النصوص الشرعية التي استخدمها بن لادن وحلفائه لتبرير العملية، وحجتهم في ذلك أن بن لادن كيف النصوص الشرعية على هواه دون أن يأخذ بلب التشريع الفقهي، وقال الباحث محمد عبد الوهاب: “أبو حفص الموريتاني مفتي القاعدة في ذلك الوقت لم يؤيد الهجمات، لكن القاعدة تحايلت على هذا الموضوع والتجأت إلى مشايخ آخرين خارج القاعدة والتجأت كذلك إلى أدبيات تؤيد مثل ذلك الهجوم، وبالتالي معارضة أبو حفص للهجوم لم يقف عائقا أمام القاعدة”.

وأضاف: “ما يجب أن نفهمه عن تلك التنظيمات، أنها تقوم بتحديد الهدف أولا ومن ثم تلجأ إلى من يفتي لها بشرعية ما تريد، ومن ثم تقوم بالبحث عن التأصيل الشرعي، إن وجدته في المفتي مضت بذلك، وإن لم تجده كما في حالة هجمات 11 أيلول تلجأ إلى تأصيلات أخرى من خلال مشايخ وأدبيات بديلة لتمرير ما تريد”.

الباحث صطفى الحسناوي اعتبر من جانبه أن تنظيم القاعدة لعب على وتر الخلافات الفقهية ليمرر العملية، وقال: “بعد تنفيذ العملية قوبلت الهجمات برفض من بعض الأطياف الإسلامية، هنا كان تنظيم القاعدة مضطرا مرة آخرى لأن يأصل العملية ويرد على الانتقادات.. ومن أهم الانتقادات التي وجهت للقاعدة في ذلك الوقت، أن الضربة كانت عشوائية وغادرة وتم استهداف المدنيين وتم استخدام أدوات مدنية أي الطائرات وتم كذلك استهداف مواقع مدنية قتل على اثرها عدد كبير جدا ما فاق الثلاثة آلاف شخص من جنسيات وديانات مختلفة”.

هجمات 11 سبتمبر

نصب تذكاري في يونيون سكوير بارك في مدينة نيويورك تخليدا لذكرى ضحايا هجمات 11 سبتمبر – Getty Images

وأوضح: “من المؤاخذات على الضربة أنها استهدفت أناس أبرياء منهم مسلمين، ولم تحترم ما يسمى بالأمان أي عقود الأمان في الإسلام، فكان التنظيم مضطرا لأن يتطرق إلى جميع تلك المواضيع لذلك سنجد كتابات عديدة صدرت عن المنتسبين لهذا التنظيم لتبريرها، كما صدر عن عدد من الأسماء أي من الشيوخ ورجال الدين القريبين من القاعدة وإن لم يكونوا من منتسبيها، فتاوى وبيانات وحتى كتبا كلها تتفق مع التأصيل لهذه العملية وجواز قتل الأبرياء، فمن هنا جاءت تلك الكتب والبيانات منها فتوى لسليمان بن ناصر وفتوى لحمود الشعيبي، وهؤلاء من رموز السلفية المعروفين في السعودية، وهناك أبو قتادة الفلسطيني الأردني، كتب كتابا سماه الرؤية الشرعية لأحداث أمريكا، أيضا الشيخ عبد العزيز الجربوع و التأصيل لمشروعية ما حصل لأمريكا من تدمير، هذا الكتاب يضم أهم التأصيلات التي استند |إليها التنظيم  وأيضا تأصيلات للرد على المؤاخذات للرد على التنظيم من استهداف مدنيين، أيضا الشيخ ناصر الفهد كتب كتابا سماه آية الرحمن في غزوات سبتمبر، وأيضا عندنا يوسف العيري، القيادي المعروف في القاعدة، كتب كتابا سماه حقيقة الحرب الصليبية الأمريكية وكذلك هناك فتوى للشيخ نظام الدين، وهو مفتي باكستان وعميد كلية الحديث في كراتشي، ويوجد أيضا محمد المسعري وإن كان خارج هذه التيارات وهو معارض سعودي معروف، أصل لاستهداف المدنيين في رسالة اسمها تأصيل شرعي مفصل لاستهداف المدنيين”.

وأردف: “هناك عناوين كثيرة جدا لفتاوى ومقالات ولكتب كلها تتحدث عن مفاهيم طفت على السطح وتم إخراجها من التراث القديم، على سبيل المثال، أحكام الإغارة وأحكام التمترس وأحكام الانغماس والتبييت، والمعاملة بالمثل، وجواز عدم التمييز بين المدني وغيره إن كان هذا المدني يساعد بشكل أو بآخر حكومته، ويعتبر التصويت مثلا على الانتخابات الأمريكية نوعا من المساعدة للحكومة الأمريكية”.

: “هنا نحن أمام تأصيلات في مرحلة أولى قبل الإعداد للضربات وهي تأصيلات عامة تدعو إلى جهاد الدفع وجهاد الطلب، وفي مرحلة ثانية حين كثرت الردود على التنظيم والاستنكار والاعتراض، كان المنتمون لهذا التنظيم والمتعاطفون ايضا، قد تجندوا للرد على هذه التعقيبات والاتهامات.. فنحن لا حظنا من خلال هذه التأصيلات أن التنظيم ينطلق من التراث الغني بهذه التأصيلات، ولكن في الوقت ذاته، التنظيم يتعامل مع هذا التراث بنوع من الانتقائية والتوظيف، وهذا واضح في كثير من المحطات”.

تحييد المعارضين للهجمات

بن لادن وحلفائه، حاولوا تحييد كل من اعترض على هجمات 11 سبتمبر وإن كانوا من رموز القاعدة، وقال الحسناوي: “ما يعرف بمفتي القاعدة أبو حفص الموريتاني، قال في مقابلات عديدة، إنه لم يكن على اطلاع على تفاصيل العملية وهذا غريب للغاية لأنه مفتي القاعدة وبالتالي يتوجب أن يتطلع على جميع الأمور في التنظيم، وهو ما يعرف بتحقيق المناط كما هو معروف عند المفتين، وما يعرف بفقه الواقع وبالتالي كيف ستفتي بأمر ما ولا تعرف تفاصيله؟ فمن الواضح هنا أن التنظيم يتعامل بمزاجية مع التراث ولا يتقيد به بشكل منضبط”.

هجمات 11 سبتمبر

مفتي القاعدة سابقا أبو حفص الموريتاني

وأضاف: “من خلال المقابلات والتسريبات التي أجريت بعد ذلك مع ابو حفص الموريتاني، فإن الرجل يؤكد أنه كانت هناك لجنة شرعية مكونة من عدد من الأشخاص، وبحسب تصريحاته فإن الأغلبية رفضت العملية وعلى رأسهم ابو حفص المصري، وهو  الرجل الثاني بتنظيم القاعدة وأيضا المسؤول العسكري في التنظيم. وفي النهاية اختار أسامة بن لادن أن تنفذ هذه الضربات”.

وأوضح: “من الواضح أن التنظيم يوظف التراث من زاوية معينة ومن الواضح كذلك أن هناك لجنة تفتي بهذا العمل ولكن في النهاية القرار يرجع إلى شخص واحد ولاندري أي نوع من الشورى كان يستعملها التنظيم، الشورى الملزمة أم الشورى الغير ملزمة، وهي التي يستشير فيها الأمير أو القائد مع أعضاء الشورى ومع القيادات والولاة ومن ثم يكون له في النهاية القرار بغض النظر عن نتائج تلك الشورى وحتى ان خالف الاجماع”.

وأردف: “لاحظنا أن بن لادن كانت له الكلمة الفصل في اتخاذ القرار ومن ثم لاحظنا كيف أن المفتي يفتي وهو غير مطلع على جميع التفاصيل ومن الواضح أنه كان هناك تلاعب في هذا التراث”.

تحايل

وتابع الحسناوي: “هناك أيضا توظيف وتحايل وقراءات خاصة للفقه، وبطبيعة الحال هذا تمارسه جميع الجماعات الإسلامية، فالتنظيم يطبق في بعض الحالات النصوص بشكل حرفي دون مراعاة السياقات  الزمنية والاجتماعية والتاريخية، واحيانا يتصرف بشكل غريب جدا، وأعطيك مثالا للتوضيح، تنظيم القاعدة من المفترض أنه جماعة موجودة منذ ما يعرف بتأسيس ما يعرف بالإمارة الإسلامية، فالتنظيم كان يعيش في ظل حكومة إسلامية أي حكومة طالبان، فإذا رجعنا إلى التراث الإسلامي فهل يحق لجماعة داخل دولة إسلامية أن تستقل بقراراتها وأن يكون لها مشروع خاص معين؟ هذا لا يوجد نهائيا في أي كتاب من كتب التاريخ، وفي أي تجربة تاريخية يستحيل أن تسمح دولة إسلامية ما سواء كانت أموية أو عباسية أو في العراق أو الأندلس أو غيرها أن تسمح بتواجد جماعة مستقلة داخلها، ويستحيل كذلك أن يسمح الفقه بذلك”.

هجمات 11 سبتمبر

الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن والزعيم الحالي أيمن الظواهري – Getty Images

وأضاف : “تنظيم القاعدة يدعي أنه على منهج السلف، ومع ذلك يخالف التراث الإسلامي، فبأي صفة تتحرك داخل دولة إسلامية قائمة الذات، فربما لو كانت دولة غربية كان من الممكن أن تجد له آلاف التبريرات، ويقول أنه يتواجد في دولة كافرة ومن ثم هو غير معني بهذه القوانين، ولكنه يتواجد داخل دولة إسلامية عندها حاكم شرعي والذي كان هون الملا محمد عمر ومع ذلك يسمح التنظيم بأن يكون مستقلا في قراراته وأن يأخذ البيعة من تنظيمات وأشخاص وأفراد.. ما محل هذه البيعة من الإعراب؟!! وما محل هذه البيعة من الفقه؟! وما محل هذه البيعة من التراث الإسلامي؟!
البيعة على أساس ماذا؟! البيعة تعطى للحاكم، مع ذلك كان التنظيم يشتغل بهذه الطريقة وكأنه كيان مستقل وكأنه دولة موازية داخل الدولة، وهذا لا يوجد له أي تبرير أو تأصيل داخل التراث الإسلامي وحتى عندما تأسست داعش، بقي التنظيم يأخذ البيعة على أساس أنه تنظيم، فهذا المثال يوضح إلى أي حد يتم تطويع النصوص واستخدام مفاهيم كالجهاد والبيعة والإمارة لخدمة أهداف أخرى”.

ماذا عن المنشقين عن التنظيمات المتشددة؟

في تقريرنا هذا لابد أن نعرج على حال المنشقين عن القاعدة والأسباب والدوافع التي قد تدفع البعض للانشقاق عن التنظيم، وقال الحسناوي: “غالبا تكون هناك مسارات مختلفة ودوافع مختلفة بحسب التكوين والأعمار، ويمكن القول إن المنشقين من كبار السن، يعود سبب انشقاقهم إلى النضج الفكري المتولد جراء القراءة والاحتكاك وانتقاله من بيئة إلى أخرى”.

وأضاف: “المنشقون من فئات عمرية أصغر وبعد حواري مع عدد منهم أي من العائدين إلى البلاد بعد انشقاقهم عن تنظيم داعش، كانت أبرز الأسباب لانشقاقهم الصدمة، فغالب الملتحقين من تلك الفئة العمرية، التحقوا جراء الاندهاش والانبهار والبروبوغندا التي تجيدها تلك التنظيمات المتشددة، فيعتقد المنتسب أن ذلك الواقع هو عبارة عن نشيد حماسي وحين يلتحق يظن أنه سيجد تلك الأناشيد وكأنه في فيلم هوليدوي، لكنه يصطدم بواقع آخر مختلف تماما، وهو واقع مبني على البشاعة والقتل”.

وأردف: “لاحظت أن غالب من التحق بتنظيم داعش دون القاعدة خلال السنوات الأخيرة، هم أبناء تيارات غير إسلامية على عكس الملتحقين بالقاعدة الذين كانوا على الأغلب من ذوي خلفيات إسلامية سواء من الإخوان المسلمين أو من السلفية التقليدية، فأولئك عندهم إلى حد ما قناعة صلبة ومترسخة، وأما الموجة المتشددة الأخيرة استقطبت بشكل جنوني المراهقين الذين لا يمتلكون أي خلفية إسلامية متينة، فيلتحق وكأنه ذاهب إلى فيلم هوليودي، ثم يصطدم بذلك الواقع الذي لا يتحمله من تكفير وقتل، فتكون هذه من الأسباب التي تدفعه إلى التراجع.. خلاصة القول أنه يمكن أن نقسم المتراجعين أو المنشقين بحسب الفئات العمرية، فالصغار يصطدمون بذلك الواقع ولا يتحملونه، والكبار يكون جراء تحولات فكرية تطرأ عليهم”.

انشقاقات سلبية

وقال الحسناوي: “المنشقون عن القاعدة فئتين، الأولى من يترك التنظيم ويعود إلى ممارسة حياته الطبيعية، ونوع آخر ينشق عن التنظيم ليلتحق بتنظيم آخر أشد تطرفا، فبعض المنشقين عن القاعدة ذهبوا إلى داعش، وبالتالي فإن الانشقاقات لا تكون على الدوام إيجابية، بل هناك انشقاق سلبي”.

وأضاف: “الذين ينشقون بالاتجاه الأكثر تطرفاً ربما دفعهم إلى ذلك بعض الانتصارات اللحظية، ففي مرحلة ما كان الانتماء إلى داعش مغريا جدا، فالتنظيم حقق انتصارات وتمددا وحقق كذلك استقرارا لعناصره فشكلت تلك العوامل، عوامل جذب لمنتسبي التيارات الأخرى، وهنا اتحدث عن المصالح الشخصية، كما أن هناك أسباب عقائدية دفعت البعض للانشقاق عن القاعدة مثلا والالتحاق بداعش، فداعش إن صح التعبير كان تنظيما مرنا من حيث قبوله للاعضاء داخله، ولم يكن صارما في المسائل العقدية”.

وأوضح: “تنظيم داعش هو تنظيم عقدي أكثر، بمعنى أنه يجمع على العقيدة أكثر ما يجمع على أمر آخر، فكان صارما من ناحية تفاصيل تفاصيل العقيدة والتكفير، فالبنسبة إلى بعض المنتمين للقاعدة، فمن المؤكد أنهم كانوا يميلون إلى الزاوية التكفيرية، وحين ظهر داعش، أحس هؤلاء أن المكان الطبيعي لهم داخل التنظيم الجديد استنادا إلى ميولهم العقدية في التكفير والتشدد وغيرها”.

: “بالنسبة للمنشقين بالاتجاه الآخر، اي الاتجاه الايجابي إن صح التعبير، فمن الممكن أن نقول أنه انتهى، بدأت بوادر انتهائه مع ثورات الربيع العربي ومن ثم ظهور داعش، ولم يعد مغريا بالشكل الكبير، والذين لم يغرهم بريق ناعش خرجوا من التنظيم بشكل نهائي بعد أن فقد بريقه كما أسلفنا وبعدأن فقد رموزه نتيجة تلقيهم ضربات أو عبر اختراقات داخل التنظيم، وهذا كان من الامور التي تخيف البعض، وهناك ممن أجريت معهم بعض اللقاءات، اكتشفوا أن القاعدة وكأنها تنظيم بارون، أي تنظيم له سمعة وبريق أكبر من حجمه، كانوا يعتقدون أن هذا التنظيم عالمي يمتلك إمكانيات كبيرة جدا وأشخاص من مستوى عالي جدا، وبالتالي اكتشفوا أن التنظيم أقل من ذلك بكثير فكانت وكأنها خيبة أمل بالنسبة إليهم.

من جانبه قال الباحث محمد عبد الوهاب: “من الصعب الحديث عن سبب واحد أو أسباب عديدة تدفع البعض للانشقاق عن التنظيمات المتشددة، فلكل منشق قصته الخاصة، فبعض هؤلاء المنشقين فقدوا التوافق بينهم وبين التنظيم وخاصة فيما يتعلق بالأمور الشرعية كما حصل مع أبو حفص الموريتاني، ولكن في حالات أخرى ليس من الضروري أن تكون أسباب الانشقاق تتعلق بقضايا شرعية، بل يمكن أن تتعلق بأسباب شخصية ومن الملاحظ أن حالات الانشقاق عن التنظيمات المتشددة كثيرة للغاية، لأنه بالأساس تلك التنظيمات هي تنظيمات متشددة وأنا أقول دوما أن التشدد فكرة متشظية دوما وقابلة للانقسام في أي وقت وحين”.

وأضاف: “وعلى العموم فإن أغلب الانشقاقات تكون لأسباب شخصية، فالكثير من النزاعات وقعت بين التنظيمات المتشددة لأسباب مادية وأسباب أخرى متعلقة بالزعامة والمناصب ويمكن أن نختصر ما سبق بأن أغلب الانشقاقات تكون لأسباب تنظيمية وليست لأسباب أيدولوجية، فهناك فرق كبير بين الشعارات التي ترفع وبين ما يحلم به الكثير من المنتسبين لتلك التنظيمات، وهذا لايقتصر على القاعدة فقط، بل حتى تنظيمات أخرى مثل داعش، إذ تفاجئ الكثير من منتسبيه أن التنظيم ليس مثاليا من الناحية الإسلامية وخاصة بعد أن احتكوا بالقائمين على التنظيم حيث وجدوا أن الصورة تختلف تماما عما كان يسوق له”.

مزيد من التشظي

هزيمة القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر ومالحقها من نكبات طالت التنظيم وهزائم تنظيم داعش في سوريا والعراق، كل ذلك أفرز مزيدا من التشظي طال التنظيمات المتشددة وقال محمد عبدالوهاب: “من المؤكد أن الشكل الذي اتخذته التنظيمات المتشددة خصوصا بعد هزيمة القاعدة عقب هجمات 11 أيلول سبتمبر، وتشتت أفراد القاعدة وقياداتها ومقتل أسامة بن لادن، كل ذلك دفع التنظيمات المتشددة إلى تغيير استراتيجيتها، حتى داعش التي آمنت بمشروع الدولة الإسلامية وسيطرت على عدد من الأراضي وأعلنت الخلافة فيها، اضطرت بعد هزيمتها وطردها من أغلب الأراضي السورية والعراقية إلى تغيير استراتيجيتها والعودة إلى أصل هذه التنظيمات، أي العودة إلى شكل العصابات المسلحة، وحتى في عملياتها العسكرية تسمي تلك العمليات بحرب العصابات، وبالتالي هذ1ه التنظيمات ليست كما يتصوره البعض دولة ممتدة على بقعة معينة وتطبق بين قوسين الشريعة، هذه تصورات موجودة فقط في الأحلام”.

وأردف: “نموذج أبو الوليد الصحراوي أكبر مثال على ما نتحدث عنه، فهو انتقل من جبهة البولساريو إلى القاعدة ومن ثم إلى تنظيم التوحيد والجهاد غرب أفريقيا ولاحقا بعد تصاعد الخلاف بين الملثمين والمرابطين وبين القاعدة، أسس تنظيما جديدا أطلق عليه تنظيم الدولة في الصحراء وأعلن مبايعته لداعش”.

هجمات 11 سبتمبر

أبو الوليد الصحراوي

وأوضح: “هذه التقلبات تعتبر سمة طبيعية في التنظيمات المتشددة، وكما أسلفنا سابقا فإن الغالب من هذه الانشقاقات هي أسباب شخصية والتهافت على المناصب وكثير من الأشخاص يظنون أن تلك التنظيمات تضم أشخاصا طاهرين صادقين، إلا أن الواقع أنها تعاني من انقسامات وصراعات كبيرة جدا حول الزعامة وحتى الاشكالات النفسية والتطلعات كما في نموذج أبو الوليد الصحرواي هي التي تحكم في الميدان وليس الأيدولوجيا والأحلام البراقة”.

عائلات منتسبي القاعدة

شكلت عائلات منتسبي التنظيمات المتشددة معضلة لكثير من المجتمعات، فالإحراج الذي بلحق بتلك العائلات والتعاطي المجتمعي والأمني معها جعلها تحت المجهر في كثير من الأبحاث التي تناولت تلك الزاوية، وهل تلك العوائل تؤيد أبنائها في ما ذهبوا إليه من انتسابهم للتنظيمات المتشددة أم أن بعض العوائل عارضت ذلك مكتفية بالسكوت على مضض من أفعال أبنائها، وقال عبد الوهاب: “عائلات قيادات القاعدة عانت كثيرا من تبعات أفعال التنظيم، وكثير من أفراد عائلات القياديين لم تقتنع بفكر القاعدة أو أفكار التنظيمات المتشددة الأخرى، وما يحلق من تبعات لتلك العائلات من قبيل تشريديها أو التضييق الأمني عليها ومعاناتها اقتصاديا واجتماعيا. مع الإِشارة إلى أن بعض عائلات منتسبي التنظيمات تؤيد بشكل تام موقف ذويها بالالتحاق بتلك التنظيمات وفي بعض الحالات نجد أن زوجات شجعن أزواجهن على الالتحاق بتنظيمات متشددة”.

وأضاف: “بعض العائلات تأقلمت مع واقع انتساب أحد ذويها لتنظيمات متشددة، على سبيل المثال بعض أفراد عائلة الزعيم السابق للقاعدة أسامة بن لادن في أمريكا تمكنت من التأقلم، وحتى بعض أبناء بن لادن ممن يعيشون في أمريكا أو بلدان أخرى يتبنون أفكارا مغايرة تماما لفكر والدهم المتشدد، كما أن أغلب أفراد عائلة أيمن الظواهري في مصر اعلنوا اختلافهم ومعارضتهم لفكر الظواهري”.

وأردف: “هناك أمثلة كثيرة لأسر وعائلات تعرض للضياع والتشريد بسبب تعامل بعض أفرادها مع التنظيمات المسلحة.. أعرف أسر كثيرة هنا في المغرب عانت معاناة شديدة سواء من الناحية الأمنية أو من الناحية الاجتماعية والاقتصادية”.

من جانبه قال الحسناوي: “عموما العائلات بشكل عام لا تتخلى عن أبنائها، خاصة ان كانت هناك سياقات معينة، على سبيل المثال كانوا يعيشون مجتمعين في وسط معين طبيعة الروابط التي تربطهم ببعضهم وماكنة هذا الشخص المتطرف وهل له سلطة مؤثرة وغير ذلك.. وبرغم ذلك فإن هناك استثناءات أيضا في حال عائلة اسامة بن لادن مثلا، فإن بعض أبنائه انتهجوا نهج أبيهم والبعض منهم تبرأ من هذا المسار وشق طريق آخر، مثل عمر بن أسامة بن لادن الذي يعيش في فرنسا وهو مولع بالرسم ويعيش حياة هادئة وبعضهم يعيش بالسعودية بعيدا عن تلك الأفكار، وايضا هناك من زوجات بن لادن اللائي فارقهن مثل زوجته السورية وبعضهن من عاش معه إلى آخر رمق.. كنت قد قرأت عن زوجته الأخيرة وهي يمنية يقول والدها إنه نادم على تزويجها لأسامة”.

وأضاف: “بالنسبة إلى عائلة أيمن الظواهري، اعتقد أنها مرتبطة أكثر ومتماسكة أكثر بهذا الرجل، لانستطيع أن نعرف ما هي الأسباب التي تدفع تلك العائلة للتمسك برجل سيئ مثل الظواهري، أيضا عائلة الزرقاوي فتحت بيت عزاء عند وفاته، فهناك عوامل قد تكون خفية تؤثر في علاقة العائلة بشخص إرهابي وعندنا في المغرب شيوخ متطرفين، ومع ذلك أبناؤهم بعيدون عن التطرف ويعيشون حياة عادية، يعني هؤلاء المتطرفين مثلهم مثل باقي البشر البعض يبقون مرتبطين بالمتطرف والبعض الآخر لا، ولا يعني ارتباطهم بالمتطرف على انهم راضين عن نهجهم بل هي مجرد رابطة الدم والعاطفة”.

وأسهب: “من المؤكد أن الشخص حين يلتحق بهذه التنظيمات فإنه يوقع أفراد عائلته في حرج، وتتشتت العائلة وتعزل، وفي المغرب هناك عوائل كثيرة صدرت أبناءها إلى سوريا والعراق، وبلا شك أن عائلات هؤلاء المتطرفين تعيش بحالة من الأسى والتنمر من قبل المحيط وبالتالي فإن الملتحقين بهذه التنظيمات يجرون على عوائلهم المشاكل، وتبقى هذه الأمثلة قليلة… ومع ذلك عدم تبرأ بعض العوائل من أفعال أبنائها، لا يدل على أنها تقبل بهذه الأفعال بل قد تكون هناك عوامل أخرى مثل العاطفة أو أمور خفية من الصعب وحتى لو أجريت مقابلات مع تلك العائلات فإنه من الصعب بمكان أن يبوحوا إليك بمكنونات صدورهم”.

نساء اكتوين بنار التطرف

لعل من أبرز ضحايا تطرف الجماعات المتشددة، النساء من عائلات منتسبي تلك التنظيمات وعلى الأخص زوجاتهن، وكذلك بعض النساء اللائي تعرضن للأسر على يد داعش في سوريا والعراق، وقال الحسناوي: “بالنسبة للنساء، واستنادا إلى دراسة قمت بإعدادها بعد مقابلتي لنساء مغربيات عدن من أحضان تلك التنظيمات، فغالبهن تابعات أي تتبع الزوج، بمعنى أنه يضعها أمام الأمر الواقع فيهاجر وتتبعه، وفي حالات أخرى تلتحق بابنها أو أبيها، ونسبة قليلة جدا منن يعتنقن الفكر المتشدد.. فغالب أولئك النسوة يتبعن الرجل متأثرين به أو مضطرات للالتحاق به”.

وأضاف: “الذي حدث أنه بعد انحسار هذه التنظيمات، اضطرت النساء إلى العودة إلى الوطن مكره أخاك لا بطل كما يقال، إضافة إلى معاملة النساء داخل تلك التنظيمات”.

وأوضح: “بالنسبة لداعش، كلنا يعرف أن التنظيم فتح سوقا للنخاسة من السبايا الأيزيديات والنساء الأوروبيات اللائي أتين من كل حدب وصوب، فكانت النساء العربيات أو على الأقل المغربيات ممن أجريت معهن مقابلات، كانوا وكأنهن من دون قيمة، فكانت سوق النخاسة منتعشة.. كانت هناك معاملة سيئة، إما فقدان الزوج، والصدمة جراء التعامل مع النساء داخل تلك التنظيمات، كل ذلك يدفع إلى نتيجة حتمية وهي أن هؤلاء يفكرن بالرجوع إلى بلدانهن، رأيت الكثير منهن نادمات، يبكين ألما وحسرة على هذا القرار الخاطئ الذي اتخذنه في حياتهن”.