بينها السعودية.. كيف يسعى حزب الله لغزو دول العالم بالأقراص المخدرة؟

  • شبكة عالمية للإتجار في المخدرات برعاية حزب الله
  • الميليشيات اللبنانية استخدمت أسلوب عصابات أمريكا الجنوبية في التعامل مع المخدرات
  • من أمريكا الجنوبية إلى جدة.. مسارات طويلة لتجارة “نصر الله كارتيل” في الحرام
  • دول عربية متعددة عمد الحزب على استخدامها في عمليات الإنتاج والتوزيع
  • سوريا والعراق ولبنان.. محطات مهمة في شبكة حزب الله الإجرامية
  • غسيل الأموال بالتجارة.. أسلوب متقن للميليشيات في إخفاء آثار الجريمة

خلال الأعوام القليلة الماضية، تزايد حجم الشحنات المضبوطة من المخدرات عبر مناطق مختلفة في العالم؛ كان لمنطقة الشرق الأوسط نصيب ضخم منها، في وقت كان لأمريكا الجنوبية حصة الأسد في عمليات الإنتاج.

ولكن ومع تطور النزاعات في المنطقة، بات الشرق الأوسط منتجا لأنواع مختلفة من المخدرات، متجاوزا بذلك دور التوزيع الذي عرفه لوقت طويل.

العمليات تلك تورطت فيها تنظيمات عربية مسلحة، بحسب تحقيقات وتقارير أمنية دولية؛ استطاعت رصد دور ضخم يضطلع به حزب الله اللبناني في عمليات الإنتاج والتوزيع لأنواع مختلفة من المخدرات حول العالم.

في التقرير التالي نحاول رسم تسلسل زمني ومكاني، يتتبع مسارات عدة لعمليات تهريب مختلفة كان حزب الله متورطا فيها بصور متنوعة خلال الفترة الأخيرة.

إسرائيل.. “جهاد المخدرات”

في الثاني من يونيو حزيران من العام 2021، كان جلعاد ورفاقه في نوبة عمل عادية على الحدود الإسرائيلية اللبنانية؛ بدا كل شيء هادئا، قبل أن يلاحظ الجنود الإسرائيليون حركة غير معتادة في القطاع الغربي من الشريط الحدودي.

كانت السيارات إسرائيلية وكذلك الأشخاص خلف المقود، وهو ربما ما أزال الشكوك قليلا، ولكن تفتيشا روتينيا كان كفيلا بكشف محتويات السيارات.

إذ تم ضبط 15 مسدسا و36 كيلوغراما من الحشيش وعشرات مخازن الرصاص تقدر قيمتها بنحو 2,000,000 شيكل” (615 ألف دولار تقريبا).

ستتواصل عمليات التحقيق بعد ذلك لنحو شهر، ليكتشف الجيش الإسرائيلي في الأخير، أن العملية برمتها كانت تخضع لتخطيط حزب الله اللبناني، وبالتحديد شخص يدعى خليل حرب بحسب بيان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي.

وخليل حرب هو أحد الأشخاص المدرجين على قوائم العقوبات الأمريكية، ومن بين أولئك الذين تضع الولايات المتحدة مكافأة مادية تصل لخمسة ملايين دولار لمن يدلي بأي معلومات تساعد في القبض عليهم.

لا تعد تلك العملية هي الأولى التي تستهدف فيها ميليشيات حزب الله الداخل الإسرائيلي بالمواد المخدرة.

بحسب كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إيمانويل اوتولينغي، فإن:

حزب الله يمتلك قدرات هائلة لتمرير المخدرات عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية سواء عبر الشريط الحدودي أو عبر البحر

ويقول إيمانويل لـ”أخبار الآن“: “ما يحدث اليوم هو أن حزب الله يزيد من استهدافه لإسرائيل عبر تهريب الكوكايين من خلال إخفائه داخل السفن التجارية التي تحمل البضائع من أمريكا اللاتينية”

ويضرب أوتولينغي المثل بسفينة كانت تحمل الأسماك إلى إسرائيل، قبل أن يتم اكتشاف الكوكايين داخل الأسماك.

مسارات "المزاج".. كيف يتاجر حزب الله في الموت عبر الحدود؟

ويضيف إيمانويل: “تلك السفينة ضُبطت في كندا بعد أن كانت في طريقها من بنما إلى إسرائيل، وهناك الكثير من المحاولات المماثلة التي كانت تذهب أحيانا بشكل مباشر إلى الموانئ الإسرائيلية، عبر ميناء العقبة في الأردن ومن ثم عبر الضفة الغربية إلى إسرائيل.

جدة.. عروس البحر الأحمر في مرمى مخدرات “المقاومة”

في ليلة ربيعية من ليالي أبريل نيسان من العام 2021، وعلى سواحل عروس البحر الأحمر مدينة جدة، كانت سلطات الجمارك تنهي إجراءات مرور شحنة ضخمة من الفواكه القادمة من لبنان، لكن أحد ضباط المنفذ البحري قرر تفتيش الشاحنة بشكل معمق، لتأتيه المفاجأة غير المتوقعة، بعد العثور على ما يزيد عن 5 ملايين حبة من مخدر الكبتاجون داخل ثمار الرمان.

الواقعة -التي لم تكن الأولى- دفعت المملكة العربية السعودية، إلى اتخاذ قرار بحظر دخول الخضروات والفواكه اللبنانية إليها أو العبور من خلال أراضيها، حتى تقدم السلطات اللبنانية ضمانات بشأن إيقاف تهريب المخدرات نحو المملكة.

البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية ذكر أن “الجهات المختصة في المملكة لاحظت تزايد استهدافها من قبل مهربي المخدرات التي مصدرها لبنان أو التي تمر عبر أراضيها، حيث يتم استخدام المنتجات اللبنانية لتهريب المخدرات إلى أراضي السعودية”.

ستتكرر العمليات ذاتها في الأشهر التالية لأكثر من مرة كان آخرها تلك التي شهدت إحباط محاولة تهريب أكثر من 14 مليون قرص كبتاجون في أواخر يونيو حزيران، كانت مخفية داخل شحنة ألواح حديدية قادمة من لبنان.

بعد أربعة أيام فقط ستحبط السلطات شحنة ضخمة من المخدر ذاته تتجاوز الأربعة ملايين قرص، كانت مخبأة داخل حبات برتقال.

ولكن لم تكشف السلطات السعودية مصدر الشحنة هذه المرة.

إيطاليا.. شحنة كبتاجون ضخمة في 3 حاويات مشبوهة  

قبل واقعة نيسان في جدة بعدة أشهر، وعلى شاطئ آخر، كان ميناء نابولي الإيطالي، على موعد مع وصول شحنة أضخم من الممنوعات، بعد ضبط حوالي 15 طنا من مخدر الكبتاجون، بقيمة مالية بلغت نحو مليار دولار.

لكن طريقة التهريب اختلفت تلك المرة، فأطنان المخدر جاءت مشحونة في ثلاث حاويات “مشبوهة” تتضمن أوراقا معدة للاستخدام الصناعي وعجلات حديدية، بحسب وكالة الأنباء الإيطالية.

أصابع الاتهام في بداية الأمر اتجهت نحو تنظيم داعش الإرهابي، قبل أن تُظهر عمليات البحث أن حزب الله اللبناني والنظام السوري، وراء تلك العملية.

كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إيمانويل اوتولينغي يرى أن “ضخامة العملية تشير إلى أن البائع يمثل مجموعة من المنظمات الإجرامية، فواقع الحال يؤكد أن نابولي كانت نقطة عبور لأماكن أخرى”.

مسارات "المزاج".. كيف يتاجر حزب الله في الموت عبر الحدود؟

ويضيف أوتولينغي لـ”أخبار الآن”: “حزب الله لديه اتصالات مع عصابات عالمية، كما أنه وطيد الصلة بالنظام السوري، وهو ما يجعلنا نعود إلى موقع انطلاق السفينة في اللاذقية في سوريا، وهو الميناء الخاضع لسيطرة قوات النظام، ويمتلك حزب الله سهولة كاملة في استخدامه”.

“وبتتبع مسار السفينة وبالنظر إلى الشركات المتورطة في عمليات الشحن وكذلك أصل الأقراص، نجد جميعها دلائل أشارت بشكل واضح إلى أن المستفيد من تلك العملية لم يكن إلا حزب الله اللبناني” بحسب إيمانويل.

الرابط بين واقعتي جدة ونابولي هو خروج الشحنات من مناطق يسيطر عليها حزب الله أو يتمتع بنفوذ واسع فيها، سواء في الداخل اللبناني أو في مدينة اللاذقية السورية.

من يزرع الشوك في أوروبا

بعد واقعة نابولي وقبيل ما حدث في جدة وبالتحديد في الخامس عشر من فبراير الماضي، ضبطن سلطات الجمارك في ألمانيا وبلجيكا كمية غير مسبوقة من المخدرات، تجاوزت 23 طنا من الكوكايين.

مسارات "المزاج".. كيف يتاجر حزب الله في الموت عبر الحدود؟

صورة أرشيفية لإلقاء القبض على كميات ضخمة من الكوكايين في ميناء هامبورغ الألماني – غيتي

وضبطت الشحنة أثناء محاولة عبورها إلى هولندا، ووصلت قيمتها السوقية إلى ما يتجاوز المليار يورو.

وبحسب الجهات الرسمية في البلدين، عُثر على 16 طنا من المخدرات في ميناء هامبورغ، بعد أن قدمت من باراغواي داخل علب مادة لحشو الجدران، فيما ضبطت بلجيكا 7.2 طن كوكايين في مرفأ أنتويرب.

وقال المسؤولون: “خلف طبقة من البضائع الأصلية الموضوعة مباشرة خلف باب الحاوية، كان هناك عدد كبير من العبوات ملئت ببضائع أخرى”.

شحنة هامبورغ، كانت كافية لإعادة الحديث عما يدور في أمريكا اللاتينية من إنتاج واسع لمختلف أنواع المخدرات.

مسارات "المزاج".. كيف يتاجر حزب الله في الموت عبر الحدود؟

عمليات ضبط الكوكايين تكررت كثيرا في موانئ بلجيكا – غيتي

وهو ما يبدو جليا في المنطقة الحدودية بين باراغواي والأرجنتين والبرازيل، البؤرة الأخطر عالميا في مجال تجارة المخدرات، فضلا عن عمليات غسيل الأموال الضخمة التي يتسع سوقها في أجزاء مختلفة داخل القارة الإفريقية وصولا إلى لبنان.

نصر الله كارتيل” في أمريكا الجنوبية

في منطقة الحدود الثلاثية بين باراغواي والأرجنتين والبرازيل، تنشط واحدة من أكبر عمليات الإتجار بالمخدرات في العالم، والتي يخرج منها النصيب الأكبر من حصة الإنتاج العالمي للكوكايين وغيره.

على مدى الأعوام الأخيرة، تصاعد نفوذ حزب الله في تلك المنطقة، ليصبح اللاعب الأبرز في عمليات النقل والتصدير وغسيل الأموال لتلك العمليات غير المشروعة.

وتُعتبر البنية التحتية لتمويل الإرهاب لحزب الله في أمريكا اللاتينية، ولا سيّما في باراغواي، راسخة وقادرة على التعامل مع الحجم المتزايد للإتجار غير الشرعي، وحاجتها إلى تأمين تمويل مستقل، علاوة على المساهمات الإيرانية المباشرة، وهو ما يعني أن حزب الله سيستمر في الاستفادة من شبكاته لجمع الأموال من العمولات المدفوعة مقابل خدماته للعصابات الإجرامية.

سألنا إيمانويل أوتولينغي، كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، كيف يستطيع حزب الله أن يمارس نشاطه المشبوه في تلك المنطقة، فقال: “حزب الله لديه وسائل متنوعة أولها الجالية اللبنانية في أمريكا الجنوبية، فهم ليسوا أعضاء في حزب الله لكنهم نشطاء في المجتمع اللبناني في أمريكا اللاتينية، وهنا حزب الله يعمل على تسهيل استقدام المخدرات إلى لبنان باستخدام هؤلاء المهربين، ومن خلال وسائل التخفي”

ويضيف أوتولينغي في تصريحات “لأخبار الآن”: “على سبيل المثال الكوكايين السائل في بعض الأحيان يتم تهريبه على أنه شامبو، ويمتلك حزب الله الوسائل لتمرير تلك الأشياء إلى لبنان عبر المطارات وعبر توزيع العمولات على الأجهزة الأمنية”.

ويتتبع إيمانويل المسار التاريخي لنفوذ الحزب فيقول: “لم يكن المغتربون اللبنانيون دائمًا ضمن خطة إيران لنشر ثورتها في أمريكا اللاتينية، لكن في أوائل الثمانينيات، بدأت طهران في إرسال رجال دين ومعلمين لتأسيس موطئ قدم في أوساطهم”.

ويضيف: “مع مرور الوقت، بنى هؤلاء المبعوثون جنوب لبنان مصغرًا في قلب الطائفة الشيعية، من خلال مدارس وحركات كشفية ومساجد ورجال دين ومنظمات خيرية تعكس مؤسسات حزب الله في الوطن”.

ويكمل أوتولينغي: “سيطرة حزب الله على المجتمع الشيعي المحلي ليست فريدة من نوعها، وما حدث في المنطقة الثلاثية الحدودية يأتي أيضًا ضمن الاغتراب اللبناني الشيعي؛ لكن قانون التجارة التقليدية وباقتصاده غير الشرعي الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات، يوفر فرصة فريدة لتبييض الأموال” يقول إيمانويل.

وفي ذات السياق يقول المحلل السياسي اللبناني رامي العلي:

 عمليات حزب الله الإجرامية تنطلق من أمريكا اللاتينية، وتتم عمليات التهريب من خلالها مباشرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهم، سواء عبر البحر أو المكسيك وأحيانا يتم تصديرها إلى إفريقيا أو جزر الكناري

ويكمل رامي، منذ بدء الأزمة السورية هناك باب آخر للتهريب تم فتحه عبر البحر المتوسط بشكل مباشر إلى السواحل الإيطالية أو اليونانية وهو ما يتم محاربته من الجانب الأوروبي.

مسارات "المزاج".. كيف يتاجر حزب الله في الموت عبر الحدود؟

سوريا.. الأسد يمهد الطريق لتجارة “الكيف”

مهدت سوريا الطريق أمام حزب الله لإنتاج أصناف جديدة من المواد المخدرة، في مقدمتها يأتي الكبتاجون، الذي بات في صدارة الأنواع التي يقبل عليها المدمنون مؤخرا، بحسب رامي العلي، الكاتب والمحلل السياسي.

وخلال حديثه مع أخبار الآن، يشير رامي إلى أن الأزمة التي شهدها الداخل السوري، فتحت بابا جديدا لخروج المواد المخدرة التي ينتجها حزب الله اللبناني، في مقدمتها الطريق الأبرز، الذي يمر عبر البحر المتوسط إلى أوروبا بشكل مباشر من خلال سواحل إيطاليا واليونان.

الأزمة السورية فتحت بابا جديدا لخروج المواد المخدرة التي ينتجها حزب الله اللبناني

رامي العلي

 

وبتتبع مسار شحنات حزب الله، قبل خروجها من مواقع الإنتاج، فالعملية تتم في الغالب بشكل غير مباشر عبر ميليشيات موالية للحزب، في مناطق بعينها في الداخل السوري، أبرزها وادي بردة والقلمون الغربي وغيرها من مناطق ريف دمشق.

 

ويقول مدير المرصد السوري المعارض رامي عبد الرحمن، إن هناك نحو 14 معملا، توزعت على الشكل التالي: 3 معامل في سرغايا ومعملان اثنان في كل من رنكوس وعسال الورد والجبة، ومعمل واحد في كل من تلفيتا وبخعة والطفيل ومضايا والصبورة، حيث يتم بيع منتجات تلك المعامل في المنطقة ويتم تصديرها لمناطق سورية مختلفة لا تقتصر على مناطق النظام، بالإضافة لتهريبها خارج الأراضي السورية.

ويوضح مدير المرصد في تصريحات لـ”أخبار الآن”:

 سيطرة حزب الله الكاملة على ريف دمشق وضعته في صدارة المواقع التي يستخدمها في إنتاج المخدرات، وباتت المخدرات منتشرة بشكل واسع للغاية في الداخل السوري

وكان “المرصد السوري” أشار في وقت سابق إلى أن قضية مادة “الحشيش والحبوب المخدرة تتصاعد بين أوساط السوريين داخل البلاد عامة، وبين الشبان والفتيات على وجه الخصوص.

وقال “المرصد السوري” إن “مجموعات عسكرية موالية لـ”حزب الله”، هي المسؤولة عن انتشار مادة الحشيش والحبوب المخدرة بكثافة في مناطق النظام.

مسارات "المزاج".. كيف يتاجر حزب الله في الموت عبر الحدود؟

حيث لا تزال شحنات الحشيش تدخل من لبنان عبر المعابر غير الرسمية التي يسيطر عليها الحزب في ريف دمشق، كمنطقة سرغايا الحدودية وعسال الورد والتي تعد من أبرز المناطق التي يتم إدخال شحنات الحشيش منها إلى الأراضي السورية.

العراق.. سوق جديدة لميليشيات حزب الله

لا يخفى على أحد تعاظم الدور الذي تقوم به إيران في الداخل العراقي، عبر ميليشياتها المنتشرة في البلاد من جهة، أو حتى عبر الأحزاب والأطراف السياسية والدينية من جهة أخرى، وهو ما استغلته ميليشيات حزب الله في توسيع تجارة المخدرات في العراق.

يقول المحلل السياسي رامي العلي:

 ظهر خلال السنوات الأخيرة، الحشد الشعبي وميليشيات حزب الله العراقي وكذلك ميليشيات ربع الله وهي تقوم بدور كبير في دائرة الإنتاج للحزب في مناطق مختلفة

ويضيف رامي: “تستهدف إيران الشباب العراقي، فالعراق كان يمثل ممرا للمخدرات فحسب، لكن الآن ينتج ويبيع بسبب الحرس الثوري والميليشيات الإيرانية، ومن هناك تخرج المخدرات إلى أوروبا”.

 

في السياق ذاته يشير إيمانويل أوتولينغي، كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إلى أن العراق بات يمثل أهمية كبرى لدى تجارة ميليشيات حزب الله غير المشروعة.

ويلفت أوتولينغي إلى أن أستراليا الآن تعد واحدة من كبرى أسواق الكوكايين حول العالم، وهو ما حمل ميليشيات حزب الله على استخدام العراق ليمثل محطة بين مناطق الإنتاج في أمريكا اللاتينية وسوق التوزيع في أستراليا، في ضوء قدرة الميليشيات على توفير كافة الأمور اللوجستية المطلوبة في العراق بسبب نفوذه الواسع هناك.

وتابع إيمانويل: “المفتاحان الأساسيان وراء عمليات إدارة المخدرات لحزب الله في تلك المنطقة هما عبد الله صفي الدين ممثل حزب الله في إيران وأدهم طباجة المدرج على قوائم العقوبات الأمريكية منذ 2015 والذي يرجح بقوة وجوده في العراق”.

“بالتالي بفضل الموقع، والقدرة على إدارة العمليات بسهولة بسبب ظروف العراق السياسية، باتت البلاد مكانا مثاليا لتوسيع عمليات حزب الله غير المشروعة في تجارة المخدرات”، أضاف إيمانويل.

المغسلة.. شبكة معقدة لتبييض الأموال

تعتمد ميليشيا حزب الله على قنوات رسمية وأخرى غير رسمية كمصادر للتمويل، لكن دراسة لـ”معهد الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكي“، ذكرت أن الميليشيات تعتمد على الأنشطة الإجرامية لتأمين جزء ضخم من تمويلها.

وتمتد شبكة معقدة من تبييض الأموال من أمريكا الجنوبية إلى إفريقيا، فالولايات المتحدة، وصولا لمرحلة عودة تلك الأموال إلى الميليشيات، حيث يتم الاعتماد على النظام المالي الرسمي اللبناني والدولي.

ولكن لماذا يلجأ حزب الله إلى عمليات غسيل الأموال؟ سؤال يجيب عليه إيمانويل أوتولينغي، كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فيقول:

الأموال التي يتم ربحها من تجارة المخدرات لا يمكن أن يتم إعادتها مباشرة إلى الأنظمة المالية المعتادة لأن البنك سيسأل من أين جاءت تلك الأموال وسيقوم بعمليات مراجعة

وبالتالي لكي تتم عمليات إعادة تلك الأموال إلى كولومبيا بشكل لا يثير الشبهات يستخدم حزب الله مجموعة من الأساليب من بينها العمل على شراء سلع معينة في المناطق التي تتعامل بالدفع النقدي كالعمل في تجارة السيارات المستعملة في غرب إفريقيا، مثلما يحدث في دولة كبنين على سبيل المثال، يضيف إيمانويل.

 

وبالحديث عن بنين على وجه التحديد يضيف أوتولينغي: “هي واحدة من تلك الدول التي يستخدمها حزب الله في غسيل الأموال، هم يقومون ببيع السيارات المستعملة ومن ثم الحصول على المال، وإعادته إلى البنوك قبل أن يتم تحويله إلى أمريكا اللاتينية للحصول على البضائع من الصين أو غيرها وإعادتها من جديد إلى أمريكا اللاتينية عبر شركات تتبع حزب الله التي تضخها في أسواق فنزويلا وكولومبيا وباراجواي في شكل سلع عادية كالإلكترونيات وغيرها وبعد ذلك تذهب الأموال إلى حزب الله وعصابات التهريب والمخدرات”.

ويشير إيمانويل إلى أن حزب الله يوفر نظاما ماليا للعصابات مقابل الحصول على نسبة مالية تقدر بنحو من 8 لـ15%، لتمهيد كل تلك العملية المعقدة.

أما رامي العلي، المحلل السياسي اللبناني، فتحدث عن أن الحزب يعمل على إعادة تدوير أمواله عبر وسطاء يستخدمون تلك الأموال عبر طرق مشروعة في مناطق مختلفة في العالم.

هناك تعاونا وثيقا بين حزب الله وعصابات الجريمة المنظمة عبر عدة طرق بهدف توصيل المخدرات وغسيل الأموال من وإلى أوروبا وأمريكا

رامي العلي

ويوضح العلي أن الحزب وجد كذلك طرقا جديدة مؤخرا، من بينها جزر الكناري وكذلك القارة الإفريقية باتجاه أوروبا.

ويكمل رامي: “عند الوصول إلى أوروبا يتم غسيل الأموال عن طريق جمعيات تابعة لإيران، خصوصا وأن التعاون بين الجانبين يتم بشكل عال المستوى في هذا الملف”..

الغاية تبرر الوسيلة

ومن خلال التتبع الذي أجريناه لمسارات تجارة حزب الله المترامية الأطراف، يتضح جليا تعاظم الدور الإيراني في دعم الميليشيات فكريا ولوجستيا.

فوفقا لتقارير أمنية وتحقيقات استخباراتية يتضح أن حزب الله استخدم علاقاته في عمليات الإنتاج في أمريكا الجنوبية مع بعض الأنظمة كنظام مادورو ومع بعض العصابات في كولومبيا وباراغواي، لكنه اعتمد بشكل أكبر على الدور الإيراني في عمليات التوزيع وهو ما يبدو جليا في دول كالعراق وسوريا.

وعمد الحزب على العمل بأسلوب عصابات المخدرات في أمريكا الجنوبية في ميدلين وكالي وغيرهم، من المناطق التي لطالما كانت موطنا لأباطرة الإجرام في العالم، فعمدت “عصابة نصر الله” على العمل عبر بؤر مختلفة، سواء في الإنتاج أو التوزيع أو عمليات غسيل الأموال.

وفي الختام، لا يؤكد واقع الحال سوى أن الحزب استخدم نهجا وحيدا في تعامله مع الإتجار في “الحرام” وهو أن الغاية تبرر الوسيلة.

النهج استخدمته “نصر الله كارتيل”، للوصول إلى أهدافها حتى وإن كانت نتيجة ذلك هي وقوع ملايين الشباب حول العالم في براثن المخدرات، وهو ما لم تبال الميليشيات المدعومة من إيران بحدوثه في أمريكا الجنوبية أو إفريقيا أو في الجارة سوريا أو حتى في الداخل اللبناني.