أفريقيا الوسطى تتآمر على فرنسا

في خطوة لافتةً، أعلنت فرنسا مؤخراً أنّها جمدت مساعدتها للموازنة لجمهورية أفريقيا الوسطى، كما علّقت تعاونها العسكري مع هذه الدولة الواقعة في وسط أفريقيا، التي اعتبرتها باريس بأنّها “شريك” في حملة مناهضة للفرنسيين بقيادة روسيا.

  • تشهد أفريقيا الوسطى نزاعاً كبيراً بين إثنتين من القوى الكبرى
  • تزيد حدّة الأزمة الجيوسياسية بين روسيا وفرنسا
  • انعدام ثقة بين فرنسا وحكومة جمهورية أفريقيا الوسطى
  • عدد كبير من المرتزقة الروس ينشطون بأفريقيا الوسطى
  • أفريقيا الوسطى ضعيفة جدّاً أمام وجود روسيا وقوى أخرى
  • روسيا أرسلت قوات شبه عسكرية لمساعدة جيش تواديرا

وأكّدت الدوائر الفرنسية، في مناسبات عديدة، أنّ سلطات أفريقيا الوسطى لم تفِ بتعهدات سياسية التزامت بها بشأن المعارضة لفرنسا والسلوك تجاهها. وفي نهاية أبريل\نيسان، تمّ استدعاء عمال الإغاثة العسكريين الفرنسيين الـ5 الذين كانوا متمركزين في وزارة الدفاع وسط أفريقيا إلى باريس. وقالت الوزارة إنّ التدريب العسكري الذي قدمته القوات المسلحة لجمهورية أفريقيا الوسطى (FACA) للقوات المتمركزة في الجابون قد توقف.

إنّ ما نشهده اليوم هو رفض علني من قبل الحكومة الفرنسية لمساعدة حكومة البلد الأفريقي في مواجهة المتمردين المقاتلين، وبما أنّ البلاد تخضع لحظر دخول أسلحة  إليها، فقد أصبحت ضعيفة للغاية أمام المتمردين، ما دفع بحكومة جمهورية أفريقيا الوسطى إلى طلب المساعدة، فجاء ذلك من روسيا التي وعدت بأن تحمي النظام، إذ قامت بتدريب القوات الحكومية لتعزيز قدراتها المختلفة، إلى جاب تقديم النصائح، ما دفع إلى شدّ حبال جيوسياسي وديبلوماسي بين روسيا وفرنسا التي لطالما لعبت دوراً مهماً في جمهورية أفريقيا الوسطى.

أفريقيا الوسطى تفقد ثقة فرنسا.. وشد حبال مع روسيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستان آرشانج تواديرا في سان بطرسبرغ 2018 (getty image)

مع وجود روسيا حالياً في هذا البلد من خلال القوات الخاصة، استُبعدت فرنسا، وهذا ما حصل منذ الإنتخابات الرئاسية في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2020، حيث أسست مجموعة سي بي سي التابعة للرئيس السابق فرانسوا بوزيزي مجموعة من المتمردين، وثمّة مزاعم ومزاعم مضادة بأنّ البعض من مجموعات المتمردين هذه، يحظى بمساعدة ودعم المصالح الفرنسية، وقد امتدّت المزاعم لتشمل دولاً مثل تشاد الذي يشهد تأثيراً فرنسياً كبيراً.

لذلك نرى اليوم في جمهورية أفريقيا الوسطى نزاعاً كبيراً وشدّ حبال قوي بين إثنتين من القوى الكبرى، في ما يعرف باسم حرب بالوكالة، تقاتل فيها فرنسا ليكون لديها تأثير في أفريقيا الوسطى حيث تعتمد كثيراً على النظام هناك لتضمن الموارد التي تحتاجها.

كما أنّها تقاتل روسيا التي عززت بدورها وجودها في تلك المنطقة، ولهذا السبب يلعب ذلك دوراً مهماً، وقد امتدّ الصراع إلى مناطق مثل مالي حيث استلمت الطغمة السلطة وأسقطت الحكومة الإنتقالية. لذلك لا تتراجع حدّة الأزمة الجيوسياسية بين روسيا وفرنسا بل تزيد لأنّ البلدين يقاتلان من أجل ضمان موقع لهما في أفريقيا الوسطى، ما قد يستمر لبعض الوقت.

 

انعدام الثقة

إنّ سبب ما يحصل اليوم يعود إلى انعدام الثقة الكبير بين الحكومة الفرنسية وحكومة جمهورية أفريقيا الوسطى، بزعامة الرئيس فوستين تواديرا، إذ تعتبر حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى أنّ مجموعات المتمردين تحظى بدعم مباشر أو غير مباشر من فرنسا، وقد حصلت مؤخراً عملية توقيف لمواطن فرنسي تونسي يبلغ من العمر 55 عاماً، وكان يملك الكثير من الأسلحة والذخائر.

أفريقيا الوسطى تفقد ثقة فرنسا.. وشد حبال مع روسيا

الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع تواديرا  العام 2019 قبل توتر العلاقات بين البلدين (getty image)

وهنا تقول القوات الخاصة التابعة لحكومة أفريقيا الوسطى، إنّ هؤلاء الأفراد يحظون برعاية مباشرة أو غير مباشرة من فرنسا، وأنّ بعض مجموعات المتمردين تحظى بدعم مَنْ له مصلحة في الوجود الفرنسي أم أنّ فرنسا تتطلع في الإتجاه المعاكس.

يؤكّد الفرنسيون أنّ ثمّة عدداً كبيراً من المرتزقة الروس ينشطون بأفريقيا الوسطى

إذاً هناك شدّ حبال قوي بين فرنسا من جهة، وروسيا وجمهورية أفريقيا الوسطى من جهة ثانية، لكنّ ذلك تمّت مناقشته في إطار مهمة مينوسكا، أي بعثة الأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى، كما هناك شد حبال أيضاً على مستوى الإلتزامات. لذلك لقد ازداد معدّل انعدام الثقة بين فرنسا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وقد زاد الطين بلّة لأن فرانسوا بوزيزي الذي انتخب في العام 2012 يُنظر إليه على أنّه يملك علاقات وطيدة مع فرنسا. لذلك هناك اعتقاد محلّي في بعض الأوساط بأنّ فرنسا تقف وراء المجموعة، فيما تنفي فرنسا كل تلك المزاعم، إلّا أنّ روسيا بقيت تدعم علناً جمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك ليس بالخبر السار بالنسبة لفرنسا التي تعتبر نفسها كبيرة المستعمرين في جمهورية  أفريقيا الوسطى كما كانت في السابق.. إذاً التوتر مستمر في الفترة المقبلة.

يؤكّد الفرنسيون أنّ ثمّة عدداً كبيراً من المرتزقة الروس الذين ينشطون في جمهورية أفريقيا الوسطى، وبغض النظر إنْ كان ذلك صحيحاً أم لا، فهناك عملية تحقيق وتأكيد لهذا الأمر.

أفريقيا الوسطى تفقد ثقة فرنسا.. وشد حبال مع روسيا

مقاتلون من الشركات العسكرية الروسية على متن آلية عسكرية روسية وتظهر خلفهم صورة رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستان آرشانج تواديرا (getty image)

حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى تنفي وجود المرتزقة الروسية، وتقول إنّ روسيا موجودة في جمهورية أفريقيا الوسطى بموجب اتفاق ثنائي تم توقيعه، ويبرّر الوجود الروسي، مشيرةً إلى أنّ روسيا تدافع عن حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى ضدّ قوى المتمردين الذين يسيطرون على كمّ هائل من الأراضي خارج العاصمة بانغي. وتضيف حكومة جمهورية أفريقيا الوسطى أنّ الروس ليسوا بمرتزقة، بل هم أشخاص يرافقون قواتنا ويدرّبونهم ويتأكدون من قدرتهم على حماية النظام، بموجب الاتفاق الموقع، لأنّ جمهورية أفريقيا الوسطى تخضع لحظر من الأمم المتحدة لا يسمح لها بشراء الأسلحة أو الذخائر على مستوى معين.

حكومة أفريقيا الوسطى ضعيفة جدّاً أمام وجود روسيا

في الحقيقة، يتوقف الأمر على الجهة التي تقف فيها، فإنّ كنت تقف في معسكر الفرنسيين وإلى الموالين لوجود فرنسا  في جمهورية أفريقيا الوسطى، يسهل عليك القول إنّ هناك مرتزقة روس (الفاغنر) يدرّبون القوى المسلحة التابعة للدولة، في كنت معارضاً يسهل قول العكس أيضاً.

حكومة أفريقيا الوسطى ضعيفة أمام روسيا

لا شك أنّ حكومة أفريقيا الوسطى ضعيفة جدّاً أمام وجود روسيا وقوى أخرى في البلاد، لذلك أشك كثيراً في أن تتمكن من تأمين نفوذ ضدّ الوجود الروسي. فما أراه الآن هو حكومة تستميت على الإستمرار، لذلك تتمسك بأيّ نوع كان من الحماية الروسية، ولن تتنبه كثيراً إلى الإنتهاكات التي قد تحصل نتيجة للوجود الروسي، لذا أرى أنّ هناك اعتماداً قوياً على إجراء تحقيق دولي ربّما يضطلع به الإتحاد الأفريقي وليس بعثة مينوسكا التابعة للأمم المتحدة، والمرتبطة أكثر بفرنسا ودول أخرى.

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إنّ مساعدات الميزانية الفرنسية التي تبلغ قيمتها 10 ملايين يورو، “علقت حتى إشعار آخر”. ومن ناحية أخرى، تحتفظ بمشاريع تعود بالنفع المباشر على سكان أفريقيا الوسطى، إضافة إلى مساعداتها الإنسانية، أي حوالي 6 ملايين يورو.

وفي ديسمبر / كانون الأول 2020، أرسلت روسيا المئات من القوات شبه العسكرية لمساعدة جيش فوستين أرشانج تواديرا. وأكّد العديد من الشهود والمنظمات غير الحكومية أنّ هذه الجماعات شبه العسكرية هي مقاتلون من مجموعة الأمن الروسية الخاصة فاغنر، وهو ما تنفيه موسكو.

وتعيش جمهورية أفريقيا الوسطى معدلاً مرتفعاً من عدم الإستقرار بسبب القتال بين مجموعات بالاكا وسيليكا. وقد وقعت جمهورية أفريقيا الوسطى، التي يبلغ عدد سكانها 4.5 مليون نسمة، وهي من بين أفقر دول العالم، في أعمال عنف وفوضى في العام 2013، بعد الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزي على يد تمرّد سيليكا. في هذا البلد حيث لا تسيطر الدولة إلّا على جزء ضئيل من الأراضي، تتنافس الجماعات المسلّحة للسيطرة على الموارد (الماس والذهب والماشية…).