ارتفاع وتيرة هجمات طالبان

خلال الأسابيع الأربعة الماضية، زادت حدّة الهجوم الذي تشنه طالبان على قوات الدفاع وقوات الأمن القومي الأفغانية. وبحسب تقارير مؤكّدة، فقد سقط أكثر من 20 مركز ولاية في قبضة طالبان في شرق أفغانستان وغربها وشمالها وجنوبها، وفي الوسط أيضاً.

  • سقوط أكثر من 20 ولاية بيد طالبان في شرق أفغانستان وغربها وشمالها وجنوبها ووسطها
  • ما سبب سقوط الولايات المستمر، وهل تبدّل طالبان من تكتيكها القتالي؟
  • تصعّد طالبان عملياتها العسكرية ضدّ قوات الدفاع القومي الأفغانية منذ مارس 2020
  • أصبح تجهيز الجنود الأفغان ودعم سلاح الجو الحربي وتأمين المساعدات الطبية من أكبر التحديات
  • الأمم المتحدة وثّقت مقتل 573 شخصاً وجرح 1210 آخرين خلال الربع الأول من العام 2021
  • حتى بناءً على حسابات طالبان فلن يكون سقوط كابول ممكناً قبل العام 2023

لم يكن مقاتلو طالبان يتوقعون حتى سقوط مراكز الولايات الواحد تلو الآخر، الأمر الذي أثار اعتراضات قوية من السياسيين الأفغان والمراقبين الأمنيين والنواب والسكان المحليين على قدرة قوات الدفاع القومي الأفغانية ومصير أفغانستان.

ويبقى السؤال التالي من دون جواب. ما سبب سقوط الولايات المستمر في كافة أنحاء أفغانستان؟ هل يُعزى إلى ضعف  قوات الدفاع القومي الأفغانية؟ هل تبدّل طالبان من تكتيكها القتالي؟ هل يؤثر انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي على الوضع؟

بناءً على اتفاق الدوحة الموقّع بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان في 29 فبراير/ شباط من العام 2020، يجب أن يتراجع العنف بقوّة من أجل تعبيد الطريق أمام حوار أفغاني داخلي من أجل السلام، وأخيراً أمام التوصل إلى اتفاق للسلام الدائم في أفغانستان إلّا أنّ طالبان لم تحترم يوماً هذا البند من الإتفاق كما أنّها تتجاهل بنداً آخر حول قطع علاقاتها بالمجموعات الإرهابية الأجنبية، بمن فيها تنظيم القاعدة.

لم تنظر طالبان قط إلى اتفاق الدوحة على أنّه اتفاق سلام مع الأفغان، بل تستعمل الإتفاق بينها وبين الأمريكيين كخدعة لإخراج القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان، كي تتمكن بعد ذلك من انتزاع العاصمة الأفغانية كابول.

فمنذ مارس/ آذار من العام 2020، تسرّع طالبان عمليتها العسكرية ضدّ قوات الدفاع القومي الأفغانية بطرق مختلفة.. وتضع سيارات مفخخة في قواعد قوات الدفاع القومي الأفغانية وتشنّ هجمات داخلية وتضع  أجهزة متفجرة يدوية الصنع في السيارات، وتشنّ هجمات واسعة النطاق على مدن رئيسية مثل قندهار وغزني ولغمان وهلمند. كذلك تشنّ حملة شرسة على وسائل التواصل الإجتماعي لإضعاف معنويات القوى الأمنية. وقد برزت من جديد الهجمات على مراكز الولايات النائية والضعيفة.

طالبان تصعّد عملياتها بأفغانستان وتحتل أكثر من 20 ولاية.. فماذا عن كابول؟

مقاتلون في طالبان على بعد كيلومترات من العاصمة كابول

وأعلن شاه حسين مرتضوي، المستشار الإعلامي للرئيس الأفغاني أشرف غاني، أنّ “شنَّ هجمات على الولايات بدلاً من المدن هي نقطة ضعف بالنسبة لطالبان، ففي شهر رمضان الفضيل، جهدت طالبان في انتزاع ولايات لكنّها فشلت وخسرت الكثير من الضحايا. لذلك تشنّ الآن هجمات على نقاط تفتيش نائية لتتصدر عناوين الصحف وتستفيد من العنف كورقة على طاولة المفاوضات”.

وقال مرتضوي إنّ زعامة طالبان فقدت السيطرة على المقاتلين والقادة على الأرض، وحان الوقت لتعيد التفكير بمحادثات السلام. في غضون ذلك، قال مسؤولون في وزارة الدفاع إنّ قوات الدفاع القومي الأفغانية تراجعت في بعض المناطق من أجل تفادي وقوع ضحايا مدنيين. وصرّح الناطق باسم وزارة الدفاع روح الله أحمدزاي بأنّ لدى القوات الأفغانية خططاً أفضل لاستعادة المناطق التي خسرتها ولنشر قوات الدفاع القومي المعزّزة القدرات فيها.

يُعتبر السقوط الأحدث لولاية أفغانية بيد طالبان، ما حدث في 12 يونيو/ حزيران في ولاية بلخ الشمالية على الرغم من أنّ مسؤولين محليين أسموه انسحاباً تكتيكياً، إلّا أنّ المتحدث الرسمي باسم طالبان زابيه الله مجاهد أعلن في موقف على تويتر، أنّ مقاتلي الحركة سيطروا على مركز ولاية زاراي وموقع قوات الدفاع القومي الأفغانية ومبانٍ تابعة له إثر معارك ثقيلة، وأنّهم صادروا أسلحة ثقيلة العيار وآليات مصفّحة وذخيرة.

بالمقارنة مع هجمات طالبان على المدن في جنوب البلاد وغربها، يُعتبر سقوط الولايات شائعاً وغالباً ما يحصل في الشمال والشرق ووسط البلاد إلى جانب معقل طالبان في الجنوب.

في عدّة ولايات حوصرت القوات الأفغانية لأشهر، وكان المسؤولون المحليون وفي كابول يتجاهلون مشاكل الجنود

وتقع ولايتا أب باند وجاغاتو في وسط مقاطعة غزني، وقد سقطتا بيد طالبان خلال 5 أيّام بالرغم من أن جاغاتو قد تُركت من دون تبادل أيّ رصاصة بين الطرفين. ويلقي عارف رحماني، النائب عن مقاطعة غزني، اللوم على قيادة قوات الدفاع القومي الأفغانية المسؤولة بنظره عن سقوط الولايات.

بعد أن غادرت قوات الدفاع القومي الأفغانية ولاية جاغاتو في 8 يونيو/ حزيران، كتب رحماني على تويتر: تُضاف جاغتو إلى لائحة الولايات التي تُترك بداعي الإنسحاب التكتيكي. لا نعرف إلى مَن نشكي قيادة المسؤولين الفاشلة؟

ليست جاغتو وحدها التي تُركت من دون قتال، ولكن العديد من الولايات ونقاط التفتيش قد تُركت بالطريقة نفسها في مقاطعات ميدان ورداك وغزني وبدغيس وقندهار وزابول.

ومنذ أن وضعت الولايات المتحدة الأمريكية حدّاً لتعاونها مع قوات الدفاع والأمن الأفغانية، منذ 1 مايو/ أيار 2021، أصبح تجهيز الجنود الأفغان ودعم سلاح الجو الحربي وتأمين المساعدات الطبية، من أكبر التحديات التي تواجههم على الأرض. إنّ معنويات الجنود مرتفعة وهم مستعدون للقتال، لكنّهم لم يحصلوا على الطعام والماء والذخائر والإجلاء الطبي في الوقت المحدد، ما أثار نقمتهم على كبار المسؤولين واستسلموا في المعركة ضدّ طالبان.

في عدّة ولايات، حوصرت القوات الأفغانية لأشهر، وكان المسؤولون المحليون وفي كابول يتجاهلون مشاكل الجنود، فلم يكونوا يوصلون الطعام إليهم، فيما كانت طالبان تعزز الحصار على القواعد العسكرية في المناطق النائية.

ولزيادة الضغط على الجنود، منعت طالبان موظّفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر من نقل جثث الجنود القتلى من ساحة المعركة وتسليمهم لأهلهم، فكان الجنود الجرحى يموتون متأثرين بجروحهم لأنهم لا يتلقّون العناية الطبية في الوقت المناسب، ويُعتبر عدم نقلهم إلى العيادات الطبية في الوقت المناسب ونقص الطعام والذخائر وحتى مياه الشفة، عقبات أخرى أمام الجنود المحاصرين. فتدفع كلّ هذه الأسباب قوات الدفاع القومي الأفغانية إلى ترك نقاط التفتيش والولايات وإلى إنقاذ حياتهم.

ولايات سيطرت عليها طالبان

إنّ ولاية بوركا في بغلان وولاية دولة شاه في لغمان وولايتي دواب ومندول في نورستان وولايتي غيزاب وشينارتو في أوروزغان وولايتي بلا مرغاب وقاديس في بدغيس، وولاية جلريز في ميدان ورداك وولايات دهياك وأب باند وجاغاتو في غزني وولاية شهرك في لوغار وولاية شنكاي في زابول وولاية فارسي في هيرات، من بين الولايات التي سيطرت طالبان عليها أو التي تركتها قوات الدفاع القومي الأفغانية حتى 8 يونيو/حزيران 2021.

الأمم المتحدة: مقتل 573 شخصاً وجرح 1210 آخرين خلال الربع الأول من 2021

بالرغم من أنّ طالبان ترحّب علناً بنجاحاتها الحديثة في الولايات، تشير الرسائل التي يتبادلونها على مواقع التواصل الإجتماعي إلى أنّها لم تكن تتوقع هذا العدد الهائل من الولايات التي سقطت بقبضتها. وكتب أحد المستخدمين لتطبيق واتساب في مجموعة لطالبان: حتى قبل أن يبدأ هجومنا الربيعي لقد وقعت الولايات بيدنا الواحدة تلو الأخرى. وقال مستخدم آخر إنْ وقعت 20 ولاية كل شهر بقبضتنا، لن يكون معدل بقاء الحكومة الأفغانية أكثر من 18 شهراً.

وسواء كانت الحكومة الأفغانية تسمّي سقوط الولايات إنسحاباً تكتيكياً أو كما تسمّيه طالبان غزواً، فإنّ القتال على السيطرة على الولايات والمناطق قد أوقع الآلاف من الضحايا المدنيين وشوّه وهجّر كثيرين.

وقد وثّقت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان مقتل 573 شخصاً وجرح 1210 آخرين خلال الربع الأول من العام 2021.

وبالرغم من أنّ غالبية الولايات في أفغانستان والتي سقطت ليس لديها أهمية كبيرة من الناحية الجيو – سياسية، وغالبية المباني هي مراكز سابقة لحاكم الولاية والشرطة الوطنية الأفغانية، إلّا أنّ الإنسحاب السريع لقوات الدفاع القومي الأفغانية يشكل ضربة قوية لسيطرة الحكومة والدعاية الخاصة بها في أوساط الشعب.

كتب نانغيالاي لاوانغ، النائب في المجلس الأدنى في الجمعية الوطنية (والاسي جيرغا)، على صفحة فيسبوك الخاصة به: “إنْ استمر الإنسحاب كما هو عليه، سنصل قريباً إلى نقطة نخسر فيها كلّ أراضينا”.

طالبان تصعّد عملياتها بأفغانستان وتحتل أكثر من 20 ولاية.. فماذا عن كابول؟

مقاتل من طالبان في إحدى ولايات أفغانستان

ولم يؤدِّ فقط سقوط الولايات المتتالي إلى بثّ الرعب في نفوس السياسيين والمدنيين، بل أدّى إلى تأسيس مجموعات مسلّحة جديدة من قبل أمراء حرب الهزارة والطاجيك والأوزبك في مناطق تخضع لسيطرتهم من أجل معالجة الخطر المتزايد الذي تمثله طالبان على قوتهم وأراضيهم.

وحتى بناءً على حسابات طالبان، لن يكون سقوط كابول ممكناً قبل العام 2023، إلّا أنّ سقوط الولايات بأعداد كبيرة وفي وقت قصير يزيد حتماً من الضغط على المدن الكبرى وكابول نفسها، ويضع عملية السلام الضعيفة في خطر كبير.

يشكّل العنف الوسيلة القوية الوحيدة بيد طالبان لتستعملها ضدّ خصومها الداخليين والخارجيين، ويزداد اعتمادها عليه ولكن بسيطرتها على الولايات فهي تخسر ثقة المجتمع الدولي وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية، والأهم دعم الأفغان بالنظر إلى اتفاق السلام و تقاسم السلطة مع خصومها في المستقبل.

مع بدء الأمريكيين عملية إنهاء دورهم القتالي ووجودهم في أفغانستان، يتطلع إليهم الشعب الأفغاني والمجتمع الدولي لاستبيان مدى مسؤوليتهم في الإنسحاب، وكيف سيطبّقون اتفاق الدوحة للضغط على طالبان لتوقف العدوان وتخفف من حدّة العنف؟