رجّح تقرير صدر  حديثاً عن الأمم المتحدة أنّ زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ربما يكون متواجداً في منطقة تقع على الحدود الأفغانية – الباكستانية.

وكانت مصادر إستخباراتية ومصادر طالبان، كشفت لـ”أخبار الآن” في العاشر من أيّار الماضي، أنّ أيمن الظواهري لا يزال في المنطقة ويبدّل أماكنه في المناطق الحدودية بين إيران وأفغانستان وباكستان.

وأفاد التقرير الأممي بأنّ “جزءاً كبيراً من أفراد القاعدة يقيم في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، بما في ذلك زعيمها أيمن الظواهري الذي ربّما يكون على قيد الحياة، ولكنّه أضعف من أن يظهر في الدعاية”. وأضاف التقرير أنّ أعداداً كبيرة من إرهابيي القاعدة وعناصر أجنبية متطرفة أخرى متحالفة مع طالبان توجد في مناطق مختلفة من أفغانستان.

ويأتي هذا الخبر في وقت تحاول فيه طالبان الإستيلاء على السلطة من جديد في أفغانستان، حيث من المقرر  أن تغادر القوات الأمريكية بحلول 11 سبتمبر المقبل، وذلك بالتزامن مع ذكرى مرور 20 عاماً على هجمات الحادي عشر من سبتمبر العام 2001.

بالنسبة للحركات المؤيّدة لتنظيم القاعدة، تأتي هذه الأخبار في وقت تركّز فيه الفروع على الأمور المحلية، مع الإبتعاد عن الجهاد العالمي للقاعدة المركزية، التي تهالكت بفعل عوامل عديدة، وأهمّها الصراعات التي ساهمت في تدهور حال القاعدة جراء مقتل عدد كبير من القادة. فهل يمكن أن تكون هذه الأيّام الأخيرة لتنظيم القاعدة؟ خصوصاً أنّ بحثاً مفصلاً أدناه، يشير إلى أنّ المنظمات المتشددة لا تعيش طويلاً بعد تصفية قائدها.

إلى أي مدى يمكن ان تستمر "الجماعات الجهادية" بعد خسارة قادتها؟

هل تبدأ الجماعات الجهادية بالإنحدار مع قطع رأسها؟

سؤال آخر، هل تلك الجماعات الجهادية الراديكالية ذاتُ الطابع السري، كتنظيم القاعدة مثلاً، منظمة إلى حدّ أنّها لا تتأثر مع القضاء على قادتها؟

في الحقيقة ثمّة رأيان، وهما يختلفان، تماماً كما يختلف مسار تلك التنظيمات على أرض الواقع. بعض المحللين يصطف إيجاباً مع السؤال الأول، والبعض الآخر يخالفه الرأي.

ربّما للوصول إلى الجواب اليقين وإنهاء هذا الجدل، علينا أن نطرح سؤالين هما بمثابة فرضيتين: ماذا يحدث لمثل هذه الجماعات الجهادية بعد القضاء على قادتها؟ وإلى أيّ مدى يمكن أن تستمر تلك الجماعات على قيد الحياة، بعد خسارة قيادية كبيرة؟

هاتان الفرضيتان تلخص محتوى دراسة موسعة أجراها الباحث برايان سي برايس. ووفق الدراسة، تشير الأدلّة العلمية إلى أنّ معظم المجموعات في الواقع لا يمكنها التعافي بعد القضاء على زعيمها، وفي الحد الأدنى، تنتهي في غضون أربعة عشر عاماً من القضاء على زعيمها.

لو أخذنا تنظيم القاعدة كمثال، فإنّنا نجد أنّ التنظيم بقي لديه القليل من الوقت حتى يندثر، خصوصاً أنّه مضى على مقتل  مؤسسه أسامة بن لادن أكثر من عشر سنوات، إضافةً إلى الإهتراء في قيادة زعيمه الحالي أيمن الظواهري.

دراسة الباحث برايان سي برايس، تفيد بأنّ هناك عاملاً مهماً لا يمكن إغفاله، فطبيعة الجماعات المتشدّدة أنّها تستند بشكل أساسي على القادة، وبالتالي فإنّ أيّ خللٍ في التركيبة الهرمية لتلك التنظيمات، سيؤدّي إلى خلل في إصدار القرارات وإدارة شؤون التنظيم.

أيضاً ثمّة سبب آخر لا يقل أهمية، هو أنّ قادة التنظيمات الراديكالية عادةً ما يميلون إلى إضفاء الطابع الشخصي على التنظيم الذي يقودونه، ويبتعدون عن إدارته بشكل مؤسساتي، وخير دليل على ذلك أنّ هؤلاء القادة لا يخشون فقط أن يتم القبض عليهم أو قتلهم من قبل الدولة أو الجماعات المنافسة، لكنهم يخشون كذلك من إزاحتهم عن سلم القيادة.

الإرتياب رفيق درب دائم لقادة التنظيمات الذين يدركون أنّهم في خطر

فالإرتياب إذاً رفيق درب القادة الذين يدركون أنهم في خطر، ومهدّدون في كلّ لحظة، لذلك فهم يترددون بتزويد المرؤوسين بالمعرفة والمهارات لإدارة المنظمة في حال غيابهم، ما يعقّد قدرة الخلف على إدارة المنظمة بفعالية.

 

الجماعات المتشددة

اسامة بن لادن وايمن الظواهري – Getty

إشارات تصعّب عملية الخلافة

الدراسة ترى كذلك أنّ الجماعات المتشددة التي تتمتع بخصائص تنظيمية فريدة، تزيد لديها أهمية القادة، وتجعل خلافتهم أمراً صعباً للغاية للأسباب التالية:

أولاً: المجموعات الإرهابية التي خسرت زعيمها تشهد خسارة بشرية بشكل أعلى، من تلك التي مازال زعيمها قائماً على إدارة شؤونها.

ثانيًا: كلّما تمّ القضاء على رأس المنظمة مبكراً، كلما ارتفع معدل الوفيات ضمن المجموعة.

ثالثًا: كل الطرق في هذه الدراسة، أي قتل القائد أو أسره، أو أسره ثم قتله، تزيد بشكل ملحوظ من معدل وفيات في الجماعات المتشددة.

رابعاً: أي تبدل في القيادة وليس فقط القضاء عل الرأس المجموعة، يزيد من معدل وفيات الجماعات المتشددة.

خامساً: لا يؤثر حجم المجموعة على المدة اللازمة لاندثار الجماعة المتشددة.

سادساً: الدراسة التي أجراها برايان سي برايس وجدت أنّ الجماعات المتشددة الدينية كانت أقل مرونة وأسهل في التدمير من الجماعات القومية، التي تتبع قطع رأس القيادة، على الرغم من أن احتمال انتهاء الجماعات الدينية أقل بنسبة 80 في المئة من الجماعات القومية القائمة على الأيديولوجيا وحدها، إلا أنها كانت في بعض الأحيان أكثر عرضة للإنتهاء من الجماعات القومية بعد تعرضها لقطع رأس القيادة. ويُرد ذلك إلى الدور المهم الذي يلعبه قادة الجماعات المتشددة الدينية في تأطير وتفسير الأهداف والاستراتيجيات التنظيمية.

إلى أيّ مدى يؤثر قتل الزعيم على انحدار التنظيم؟

الجهادي السابق في تنظيم القاعدة نبيل نعيم، قال لـ”أخبار الآن“، إنّ “أغلب التنظيمات المسلّحة تبدأ الإنحدار مع قتل زعمائمها إلّا إذا كانت حركة من حركات التحرر الشعبية، فتلك التنظيمات لا تتأثر بمقتل الزعيم لأنّها تواصل أهدافها.. إنّ قتل الزعيم يؤثر في التنظيمات الإرهابية العابرة للقارات، مثل القاعدة وداعش، وتلك التنظيمات تستمر بسبب عدة عوامل، الأمر الأوّل إقناع الأفراد أو العناصر التنظيمية بالجهاد، الأمر الثاني تأمين التمويل الذي يساعد على تنفيذ المخططات، والأمر الثالث وجود زعيم له كاريزما وأيديولوجيا، وبالتالي فإنّ أي خلل يؤدّي إلى اختلال في التنظيم وربّما يتلاشى”.

 كيف أثر قتل أسامة بن لادن على القاعدة؟

أوّلاً: مر شهر ونصف الشهر قبل أن ترد القاعدة على مقتل بن لادن وتسمي النائب القديم أيمن الظواهري خلفاً له. ذلك يعتبر أمراً غريباً بالنسبة لمنظمة لها حضورها عبر وسائل الإعلام.

ثانياً: قبل قتل بن لادن، اعتقد مراقبون أنّ الهيكل التنظيمي اللامركزي وغير المتبلور للقاعدة، جعل المجموعة أكثر خطورة على المدى الطويل، وهذا لم يكن صحيحاً، وفقاً للدراسة المعنية.

ثالثاً: بن لادن كان زعيماً يتمتع بالكاريزما ومن الصعب استبداله. وعند ترك الظواهري المنظمة التي كان ينتسب إليها قبل القاعدة، قدم له صديق مقرب النصيحة التالية: “تذكر، إذا كنت عضواً في أيّ جماعة، فلا يمكنك أن تكون القائد”.

الجهادي السابق في تنظيم القاعدة نبيل نعيم قال لـ”أخبار الآن“، إنّ “أسامة بن لادن كان شخصية تتمتع بالكاريزما، وكان عليه إجماع أينما كان في الأوساط الجهادية، وبعد مقتله حصل نوع من الإنشقاق داخل التنظيم على خلفية “مَنْ يتولى القيادة” واجتمع أغلبهم على أيمن الظواهري الذي حصلت مشاكل عديدة خلال توليه القيادة”.

وأضاف نعيم أنّ “الظواهري هو أقدم من أسامة بن لادن في تنظيم القاعدة، وهو من المؤسّسين وقد بدأوا بالتنظيم من العدم وكنّا معه.. لكن أيمن الظواهري هو من الشخصيات المترددة، يأخذ القرار ثم يتراجع ويتردد، وهو كذلك من الشخصيات الضعيفة والتي يُغلب على أمرها”.

نعيم: الظواهري شخصية متردّدة وهو رجل ضعيف يُغلب على أمره

ما أهمية وجود قائد على رأس التنظيم؟

معدّة ومقدّمة برنامج “مرصد الجهادية” نهاد الجريري تحدّثت لـ”أخبار الآن”، عن أهمية وجود القائد على رأس التنظيم، موضحةً أنّ “وجود القائد هو ما يميّز التنظيم عن العصابات وقطّاع الطرق، فالقائد بالنسبة للتنظيمات ضرورة وذلك يعني أن هناك هيكل وضوابط وأسس.. فالفرق هو في وجود القائد الذي يرسم الخطة ويتمتّع بالكاريزما”.

وقد سردت الجريري بعض الأمثلة على تهالك تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن وضعف خليفته أيمن الظواهري، فقالت: “إذا أردنا أن نتحدّث عن القاعدة أين أصبحت اليوم بعد أكثر من عشر سنوات على مقتل بن لادن، لدينا القاعدة المركزية والفروع، وبالتالي الصورة تكون أكثر وضوحاً عندما ننظر إلى حال الفروع وماذا يحصل فيها من تآكل في القيادات”.

شاهد أيضاً: يوهان غوستافسن.. 6 سنوات مع القاعدة