منع قسري عن التكاثر

نشر المعهد الاسترالي للدراسات القومية APIS تقريرا تفصيليا، أوضح من خلاله أن السلطات الصينية اتخذت إجراءات غير مسبوقة لتقليل معدل المواليد في منطقة سنجان أو كما تنطق بـشينجيانغ”، ضد أقليات الإيغور.

معدل المواليد انخفض بشكل غير مناسب في مناطق مسلمي الإيغور، إذ شهدت المناطق ذات الأغلبية الأصلية للسكان انخفاضا حادا، إلا أن مناطق هان كان بها استقرار نسبي.

كيف حدث ذلك؟ وكيف لوحظ انخفاض معدل المواليد وتقليله بالأمر المباشر من الحكومة الصينية؟ ننقل لكم التقرير كاملا.

أوامر رسمية

خلال أواخر شهر أبريل عام 2017، عقد أمين الحزب الشيوعي في سنجان اجتماعا، ثم وجه خلاله السلطات المحلية بـتقليل معدلات الخصوبة لتصبح معتدلةوفقا لوصف التقرير. والتركيز بشكل خاص على مناطق أغلبية الإيغور، والمقاطعات الجنوبية، وضمان أن المسؤولين قادرين علىاحتواء الولادات غير القانونية”.

الخطة كانت تقتضي تقليل معدل المواليد لتصبح على الأقل 4 أطفال لكل ألف شخص من معدلات 2016، في الأعوام التالية، يأتي ذلك عقب سنوات من الاستثناءات التفضيلية للمواطنين الأصليين من قواعد تنظيم الأسرة.

الحملة أدت إلى انخفاض غير مسبوق وسريع في معدلات المواليد الرسمية في شينجيانغ (الإيغور) منذ عام 2017 وانخفض معدل المواليد في جميع أنحاء المنطقة بما يقترب من النصف 48.74% في الفترة ما بين عامي 2017-20219.

أكبر انخفاض حدث في المقاطعات التي يتواجد بها الإيغور وغيرها من مجتمعات السكان الأًصليين، وفي جميع المجتمعات ذات الأغلبية من السكان الأصليين.

  • عدد التعقيم القسري لكل 100 ألف شخص في شينجيانغ مقارنة بباقي الصين:

 

 

معدل المواليد انخفض في المتوسط بنسبة 43.7% في سنة واحدة. ومعدل المواليد في المقاطعات التي تضم 90% أو أكثر من السكان الأصليين (الإيغور بشكل خاص) انخفض بنسبة 56.5% في المتوسط خلال نفس العام 2017-2018.

نهج الحكومة الصينية في عام 2017 في عمليات تحديد النسل بين الأقليات (أبرزهم الإيغور) منالمكافأة والتشجيعإلى المزيد من القسر والتدخل في عمليات الإنجاب، إذ تم فرض غرامات كبيرة أو عقوبات تأديبية أو حتى الاعتقال خارج نطاق القضاء أو التهديد بالحبس لأي ولادة غير قانونية.

إذ قيل لمسؤولي تنظيم الأسرة في شينجيانغ أن يقوموا بـالكشف المبكر عن النساء الحوامل اللاتي يثبت انتهاكهن للسياسة العامة والتخلص منهن مبكرا”.

في المقابل، تشير الحكومة الصينية إلى أنها تبنت سياسة موحدة لتنظيم الأسرة في شينجيانغ، فيما تشير بيانات الولادة إلى عكس ذلك، إذ أن السياسات المتبعة تؤثر بشكل غير متناسب على المناطق التي يتواجد بها عدد كبير من السكان الأصليين، ما يعني أن تطبيق هذه السياسات يتم على أساس تمييزي ويطبق بهدف خفض معدل المواليد من الإيغور والأقليات الدينية والعرقية الأخرى، كما تتناقض تلك السياسة بشكل صارخ مع تخفيف القيود المفروضة على تحديد النسل في أماكن أخرى من الصين.

كيف ذلك؟ لنشرح بالشكل البياني

هذا هو معدل المواليد الخام من خط الأساس قبل الحملة إلى معدل المواليد لعام 2018 مع تصنيف المقاطعات إلى المقاطعات ذات الأغلبية من الهان ومن السكان الأصليين.

في الماضي، كانت الصين تسمح لأسر الأقليات التي تعيش في المناطق الحضرية بإنجاب طفلين والأسر الريفية بإنجاب ثلاثة أطفال، مع اتباع سياسة الطفل الواحد بين الأسر ذات الأغلبية من الهان.

السياسات الحالية وغيرها من السياسات التفضيلية للمجتمعات من غير الهان أثارت جدلا حادا.

في عام 2014 دعا وزير حرب شينجيانغ، والذي كان تشيانغ تشون شيان وقتها إلىتنفيذ سياسة تنظيم الأسرة المتساوية لجميع القوميات، لخفض الخصوبة واستقرارها في المنطقة”.

منذ عام 1991 وحتى 2019 انخفض معدل المواليد حوالي 125% مقارنة بمعدل المواليد الوطني، وهي نسبة كانت مستقرة نسبية منذ عام 1990 إلى أقل من 80%.

في عام 2019 انخفض معدل المواليد في شينجيانغ بالنصف تقريبا.

 

إذ تظهر بيانات معدل المواليد لمدة 10 سنوات مدى سوء الوضع في شينجيانغ، إذ انخفض معدل المواليد إلى النصف.

ما وجده المعهد الاسترالي بعد مزيد من البحث على نطاق جغرافي أدق، أن كل هذا الانخفاض كان يأتي من مقاطعات في شينجيانغ مع نسبة كبيرة من السكان الأصليين.

مقارنة بالانخفاض العام بنسبة 48.7% في شينجيانغ، من بين المقاطعات التي يقطنها السكان الأصليين والتي نُشر لها أرقاما لمعدل المواليد بين عامي 2019-2020، والتي تم إخفائها بشكل متزايد، انخفض معدل المواليد بنسبة 58.5% مقارنة بخط الأساس قبل بداية الحملة.

  • انخفاض معدل المواليد في شينجيانغ – المعهد الاسترالي للدراسات القومية

 

وفقا للإحصائيات المعلنة، فإن معدل المواليد في مقاطعة ختن والتي يقطنها 99.4% من السكان الأصليين، انخفض من 25.4 لكل ألف في 2012 إلى 7.4 في 2019، أي انخفاض يزيد عن نسبة 70%.

أما مدينة اشغر فانخفضت من 41.8 في 2017 بمعدل انخفاض يصل إلى 85%.

ويظهر هذين الشكلين بشكل واضح، انخفاض معدل المواليد منذ 2017 ونسبة السكان الأصليين في المقاطعات، الأول يظهر الأرقام الكاملة من عام 2018 والثاني أرقام جزئية من عام 2019.

الأرقام الكاملة من عام 2018

الأرقام الكاملة من عام 2018 – المعهد الاسترالي للدراسات القومية

أرقام جزئية من عام 2019

أرقام جزئية من عام 2019 – المعهد الاسترالي للدراسات القومية

المعهد الأسترالي، أوضح أنه في عام 2018 بين المقاطعات ذات الأغلبية من الإيغور، والقوميات الأصلية الأخرى، كان هناك تناقص واضح في الأرقام، إذ أنها أوضحت أن هناك 162 ألف و700 طفل ينقصون عن الرقم المتوقع، إذا ما ظل معدل المواليد مستقرا.

سياسات قمعية لتقليل الإنجاب

قال هايريجول سوات نائب عمدة مقاطعة باي في تصريحات للإعلام المحلي عام 2017: ”كل من يتخطى تعليمات تحديد النسل يجب أن يعاقب ويعاقب بحزم، لا يجب أن يكون هناك تفاهما أو رقة“.

وواصل: ”لكي نحقق معدل مواليد أقل وأفضل ونتحكم في المواليد بشكل قانوني، يجب أن يكون هناك عقوبات قاسية، لكي تكون أداة هامة لمعاقبة وجود أي مولود بشكل غير قانوني، ولكي نصنع عبرة من أجل الحفاظ على عملية تحديد النسل“.

هذه السياسات وتكتيكات الإنفاذ القسرية، سواء كانت غرامات مفرطة أو احتجاز خارج نطاق القضاء، هي محاولات من مسؤولي الحزب الحاكم لتغيير البنية العرقية لمنطقة شينجيانغ.

على سبيل المثال لا الحصر، في مقاطعة تشابشال، وعلى مدى فترة 4 أشهر في عام 2017، جمع المسؤولون ما يقرب من مليون دولار أمريكي من الغرامات من النساء في المقاطعة، اللاتي انتهكن سياسات تنظيم الأسرة المتبعة، وكن حوالي 630 امرأة أو أكثر.

كما ظهر بعد تسريبقائمة كاراكاشالشهير في 2020 وما سبقها من أعوام، أن أكثر أسباب احتجاز الأفراد كانت انتهاكات سياسة تنظيم الأسرة وعدم دفع الغرامات المرتبطة بها، وهو السبب الذي تكرر كثيرا ضمن التسريبات.

  • تسريبات ”قائمة كاراكاش“ – المعهد الاسترالي للبحوث القومية

 

هذه السياسات مستوحاة من مبدأ تسحين النسل وهي الوقود المحرك لعمليات القمع التي تلت الإعلان عام 2017، والإحصائيات الحكومية تشير إلى أن هذا الانخفاض في معدل المواليد يؤثر بصورة غير متناسبة على مجتمعات السكان الأصليين، ويبدو أنه ينطوي على تمييز منهجي ويهدف للحد من زيادة مواليد الإيغور.

المعهد الأسترالي أوضح في تقريره أن تحديد فكرةالإبادة الجماعية الممنهجةتتطلبتقييما للركن العقلي من الجريمة نفسها (القصد والتعمد)“. وهو أمر لا يمكن تقييمه بشكل ملموس، لكن البحث المنشور يوحي بقوة أن هذه السياسات قد تشكل أفعالا من أفعال الإبادة الجماعية بموجب البند D من المادة الثانية لاتفاقية الإبادة الجماعية التي اعتمدت من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1948.

وهذا لا يفي بالغرض إلا في إثبات الركن المادي للجريمة، ويجب أن تتم تقييمات مستقلة لإثبات الركن العقلي للإبادة الجماعية ووفقا للمعاير الاستدلالية التي تراها الحكومات وصناع السياسات مناسبة.

إبادة جماعية

على الصعيد الدولي، يمكن أن يتم تصنيف ما يحدث حاليا بأنها إبادة جماعية ممنهجة، إذ أن المعدل الحالي يعد سيئا للغاية مقارنة بمعدل دولة كانت في وسط واحدة من أسوأ المذابح في القرن الـ20، ففي فترة الإبادة الجماعية الكمبودية من قبل نظام الخمير الحمر تحت قيادة بول بوت والتي شهدت خسارة عدد سكان ما بين 1.671 مليون إلى 1.871 مليون بين عامي 1975 و1979  فمعدل المواليد بين النساء من عمر 20-28 انخفض 22% مقارنة بـ49% للمعدل الحالي في شينجيانغ.

  • معدل المواليد بين النساء من عمر 20-28 خلال فترة الإبادة الجماعية في كمبوديا من قبل نظام الخمير الحمر – المعهد الاسترالي للبحوث القومية

 

 

 

إبادة جماعية ممنهجة في شينغيانغ

على مدار عامين انخفض معدل المواليد في شينجيانغ من كونه مشابها للدول المجاورة مثل كازاخستان واليابان إلى مستوى منخفض تقريبا مثل معدل المواليد في اليابان وهي دولة تعاني من أزمة كبيرة مع معدل المواليد بها.

وتتناقض السياسات المتعلقة بولادة الإيغور مقارنة بالآخرين في شينجيانغ بشكل حاد مع توجه السياسة نفسها في الصين بشكل عام، إذ أن الصين تشجع وتحفز على الولادة في جميع الأنحاء إذا لم تكن من الإيغور.

إذ تقول السياسات المعلنة في الصين: ”التقدم العلمي والتقني لا يمكن أن يتعادل مع نقص السكان، ولكي نحقق هدفنا طويل الأمد في 2035، فالصين يجب أن تحرر وتشجع على المواليد“.

ويتواصل التناقض في النص التالي: ”زيادة معدل الأعمار وانخفاض معدل المواليد في الدول المتقدمة سبب مشاكل خطيرة للاقتصاد والمجتمع، عملية التحول في مجتمعنا سريعة، وانخفاض معدل المواليد خطير للغاية، الصين قد تواجه تحديا أكبر من الدول المتقدمة“.

ولكي تصعب الصين إحصاء الأمر وضعت العديد من العوائق أمام الأبحاث، فالبيانات الرسمية فصلت معدل المواليد الإجمالي والأقلية حسب المقاطعة، وبالطبع توقف ذلك في أعقاب حملة 2017.

  • المواليد في عام 2014

 

ولكي يتضح ذلك أكثر، فأكبر كتاب سنوي إحصائي للبيانات من عام 2019 توقف بشكل مباشر عن توضيح أي تناقض أو انخفاض كبير في معدل مواليد المنطقة، ولهذا السبب اضطر المعهد الأسترالي للاعتماد على إيجاد البيانات بشكل فردي على مواقع المقاطعات عبر الإنترنت، والتي كانت تقريبا 50 مقاطعة للفترة من 2019-2020.

وبشكل غريب فإن الدعاية الرسمية للصين تتفق مع واقع الأمر حول الكثير من النتائج التي توصل لها المعهد الأسترالي، لكنه يقدمها بشكل مختلف، إذ نُشر مقالا على نطاق واسع لعالم الاجتماع لي شياو شيا حول هذا الانخفاض الحاد في المواليد.

وقال شياو: ”في 2018، معدلات الخصوبة والنمو الطبيعيين للسكان من الأقليات العرقية (الإيغور بشكل خاص) في شينجيانغ تقلص بشكل ملحوظ، كل ذلك يمكن تحقيقه بسبب التطبيق القوي لسياسة تنظيم الأسرة“.

لي شياو شيا قال إن معدل المواليد المرتفع والذي كان يوازي الدول المجاورة، كان بسببالمتطرفين الدينيينالذينسحروا أو اجبرو الناسعلى الزواج أو الولادة، ما يثبت وجهة نظر دراسة المعهد في نظام الإبادة الجماعية الممنهجة للإيغور.

 

ناثان روسر الذي شارك في هذه الدراسة كتب على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعيتويتر“: ”في الواقع أن نشر تلك الإحصائيات دون ذكر أن قيود الولادة شديدة التمييز والمفروضة على السكان الأصليين في شينجيانغ، هي عل الأرجح السبب خلف توقف الصين ببساطة عن نشر تلك الإحصائيات بشكل رسمي“.

وواصلأعتبر أن هذه النتائج وثيقة الصلة بتحديد الإبادة الجماعية في شينجيانغ، وفي اعتقادي أن هذا البحث يقدم دليلا أكثر إقناعا الآن، على أن سياسات منع الحمل هذه ترتقي إلى مستوى أعمال الإبادة الجماعية وتؤهل وجود العنصر المادي لها“.

تعريف الإبادة الجماعية في المادة 2 في اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية CPPCG من عام 1948 ينص على: ”أي من فعل من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة وطنية أو عرقية أو عنصرية أو دينية، مثل قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، ونقل الأطفال قسرا من مجموعة إلى أخرى“.

ما يوضح جليا أن ما تفعله الصين هي إبادة جماعية ممنهجة للإيغور، بما يستوجب الوقوف أمامه ومعاقبة الفعل لأنه من طرق الإبادة الجماعية ضمن الاتفاقية.