صرّح مسؤولون حكوميون أفغان لـ”أخبار الآن” بأنّ القاعدة لم تُهزم في أفغانستان. وقد أعلن جافيد فيصل، الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأفغاني في مقابلة مع “أخبار الآن” أنّ “قياديي القاعدة غادروا أفغانستان لبعض الوقت وهربوا إلى إيران وباكستان، لكنّهم عادوا اليوم إلى أفغانستان ولديهم نفوذ”، مشيراً إلى أنّهم “يعيشون تحت حماية طالبان وينشطون في 13 ولاية أفغانية”. وأضاف أنّ مقاتلين كثر في تنظيم القاعدة هم من المقاتلين الأجانب ويأتون بغالبيتهم من باكستان.

يتضارب تصريح الحكومة الأفغانية هذا مع مواقف الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة، التي قال فيها إنّ القاعدة تلاشت قوتها في المنطقة، مبرّراً بذلك انسحاب القوات الأميركية من البلاد.

وفيما احتفلت الولايات المتحدة الأميركية بالذكرى العاشرة لمقتل زعيم القاعدة والعقل المدبر لاعتداءات 11 أيلول أسامة بن لادن، كان الرئيس جو بايدن ليتمنى أن يقنع العالم بأنّ المخاطر التي كانت تشكلها المجموعات الإرهابية قد دُفنت في البحر مع بقايا جثة بن لادن.

مسؤولون أفغان: القاعدة موجودة في أفغانستان تحت حماية طالبان

الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأفغاني جافيد فيصل لأخبار الآن

ولكن المسؤولين الأمنيين الأفغان على الأرض لا يدحضون هذه المزاعم فحسب، بل يؤكدون أنّ التنظيم ازداد تأثيراً وقوةً منذ توقيع الإتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان العام الماضي.

وفي هذا السياق، قال الجنرال سامي سعدات، قائد وحدة مايواند 215 التابعة للجيش الأفغاني، وهي وحدة خاصة ناشطة في الولايات الجنوبية، إنّ القاعدة ضعُفت لكنها لم تُهزم، معلناً أنّهم قد رأوا خبراء القاعدة يظهرون على طول خطوط المواجهة وحتى وراء خطوط العدو في الأشهر الماضية. وقال سعدات لـ”أخبار الآن“: “تجمعهما علاقة ودِية وتجمعهما أيضاً العقلية والإيديولوجيا والأجندة السياسية نفسها كما اللجوء إلى العنف لتحقيقها”.

سامي سعدات: “هم لا يقاتلون فقط بل يدرِبون حركة طالبان على صنع المتفجرات اليدوية الصنع واستعمال الهاون والطائرات المسيَرة الصغيرة الحجم بهدف مراقبة نقاط التفتيش الأفغانية”.

هذا وكانت الوحدة التي يقودها الجنرال سعدات، فيما كانت تنفذ عمليات في مراكز لطالبان في الجنوب، قد وجدت أعضاء في تنظيم القاعدة وألقت القبض عليهم، ما يدلّ على أنّ طالبان تستمر بتوفير المأوى للقاعدة.

وفي ضربة جوية أخيرة نُفذت الشهر الماضي في منطقة نهر السراج في ولاية هلمند، تبيَن أن 5 من بين المتمردين الإثني عشر المستهدفين ينتمون إلى فرع القاعدة في شبه القارة الهندية، ويعملون بالتنسيق مع زعيم طالبان الملاّ وكيل.

وقد توصّل تقرير صادر عن لجنة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى الخلاصة نفسها في شهر أغسطس/ آب الماضي، وجاء فيه: “لا تزال القيادة العليا لتنظيم القاعدة موجودة في أفغانستان على غرار مئات العملاء المسلحين وفرع القاعدة في شبه القارة الهندية ومجموعات من المقاتلين الإرهابيين الأجانب المنضوين تحت لواء طالبان. كما أنّ عدداً من المسؤولين المهمين في تنظيم القاعدة قد لقوا حتفهم في أفغانستان خلال الفترة التي شملها التقرير”.

وأشار التقرير أيضاً إلى أنّه “ما تزال العلاقات وثيقة بين طالبان والقاعدة بناءً على الصداقة وتاريخ حافل بالكفاح المشترك والتعاطف الإيديولوجي والزيجات المختلطة”، مضيفاً أنّ “طالبان كانت تنسِق مع القاعدة بشكل دوري وحتى خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية وقدمت لها ضمانات تؤكّد على أنّ طالبان ستحافظ على علاقاتها التاريخية مع التنظيم”.

وأكّد الجنرال سعدات على هذا الكلام مفصّلاً “أنّ طالبان والقاعدة ما زالا شريكين استراتيجيين، وأعلنت ولاءها تاريخياً للملاّ هبة الله وواصلت دعمها منذ ذلك الحين. وأردف أنّ علاقتهما لم تتراجع قط حتى أنّه في ذروة الهجمات الأمريكية  أمّنت طالبان المأوى لمقاتلي القاعدة والملاذ الآمن لهم أيضاً”.

كما أنّ مسؤولاً أفغانياً آخر، طلب عدم الإفصاح عن إسمه، شرح لـ”أخبار الآن“، أنّ عدداً كبيراً من أعضاء طالبان يتعاطفون مع القاعدة ومن غير المعقول أن يفضُّوا علاقاتهم بالتنظيم أو يقاتلوه كما وعدوا الولايات المتحدة الأمريكية. وأردف قائلاً إنّ الرابط الذي يجمعهم هو ليس فقط الإيديولوجيا، ولكن أيضاً الزواج ورابط الدم، وأنّ قياديين كبار في طالبان أقسموا الولاء لتنظيم القاعدة خلال زعامة الملاَ عمر الذي أوى بن لادن في العام 2001، ما أطلق شرارة الحرب الأمريكية وسقوط طالبان.

وأضاف أنّ مقاتليهم الذين يبجِّلون مؤسس طالبان لن ينتهكوا هذه العلاقة، ولن يحاربوهم لا حالياً ولا مستقبلياً عندما يغادر الأميركيون، محدّداً أنّ ما بين 6 آلاف و10 آلاف من مقاتلي طالبان أقسموا الولاء للقاعدة.

لكن الناطق باسم طالبان كان قد أنكر الولاء للقاعدة في مقابلة حديثة أدلى بها لـ”أخبار الآن“، إلّا أنّ محلّلاً أمنياً يدعى علي مير أسفنديار وهو باحث يقوم بأبحاث ما بعد مرحلة الدكتوراه في مركز الأمن والتعاون الدولي في جامعة ستانفورد، أشار إلى أنّ إعلان الولاء هذا كان موجوداً على الموقع الإلكتروني لطالبان الناطق بلغة البشتون. وينصُ هذا الإعلان الذي يعود إلى أغسطس/ آب  لزعيم طالبان السابق الملاَ اختار محمد منصور  على ما يلي: “أودُ أن أقبل بقسم الولاء هذا من الدكتور أيمن الظواهري وأن أشكره على أدائه واجب العزاء”.

أمّا الجنرال سعدات فأشار إلى أنّ طالبان لم تلاحق القاعدة بأيّ شكل من الأشكال، وقال :”لم نرهم قط يتحدثون ضدّ القاعدة أو حتى يمسكون بأيٍّ من مقاتليها أو يسجنونه في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم. فعلى العكس يشعرون بأمان أكبر بوجود طالبان ويستمعلونهم كمسهِّلين لعملهم”.

مسؤولون أفغان: القاعدة موجودة في أفغانستان تحت حماية طالبان

الجنرال سامي سعدات، قائد وحدة مايواند 215 التابعة للجيش الأفغاني

من المعروف أنّ دعم طالبان المستمر لتنظيم القاعدة ينتهك اتفاقهم مع الولايات المتحدة، علماً أنّ هذا الإتفاق يطلب من طالبان أن تقطع كلّ علاقاتها مع التنظيم وتخرجه من أفغانستان.

في غضون ذلك، أُحبطت جهود إحلال السلام التي قامت بها طالبان من قبل الحكومة الأفغانية الحالية بالرغم من محاولات متكرّرة قام بها العديد من المعنيين الدوليين. ويعلّق جافيد فيصل هنا قائلاً لـ”أخبار الآن“: “تعتقد الولايات المتحدة أنّ طالبان ستقطع علاقاتها مع القاعدة ولكن هذه العلاقات ازدادت قوةً في يومنا هذا”.

وحث فيصل المعنيين الإقليميين والدوليين على أن يعيروا الوضع اهتمامهم بغية تفادي تدهور أمني أكبر. وألمح إلى الإدارة الباكستانية التي لطالما اتُهمت بدعم طالبان ومجموعات متمردة أخرى، مضيفاً: “لقد لاحظنا خلال السنوات العشرين الماضية أنّ كلّ التنظيمات الإرهابية تتشارك الطموحات نفسها والراعين نفسهم، لذلك من المهم أنّ تقتلع القوى العظمى هذه العناصر التي تؤمن دعم الدولة للإرهابيين”.

ولكن بالرغم من المزاعم المتكررة والبراهين التي قدمتها الحكومة الأفغانية وانعدام وجود عملية سلام رسمية، مضت الولايات المتحدة الأمريكية قدماً في خطة انسحابها من أفغانستان، ما يهدد بتفجّر أزمة في المنطقة. وقال الشهر الماضي كينيث ف. ماكنزي جونيور ، قائد القيادة المركزية الأمريكية: “نراقب الوضع عن كثب”، معرباً عن وجود تخوّف  من أنّ “القاعدة وتنظيم داعش سيتمكنان من البروز مجدّداً إنْ خفّ الضغط عليهما”.

وأضاف: “صرّحت طالبان أنّها لن تسمح للقاعدة أو تنظيم داعش أن يجعلا من أفغانستان قاعدةً لهما، لذلك من الممكن أن تفي بوعدها إنْ كانت تريد أن تكون جزءاً من أيّ حكومة أفغانية مقبلة.” ولكن طالبان أظهرت التزاماً ضعيفاً بالإتفاق من خلال ازدياد العنف في البلاد بشنّها هجمات واسعة النطاق أوقعت الكثير من المدنيين.

 

شاهد أيضاً: حصري.. الناطق باسم طالبان يرفض بيعة الظواهري ويعبّر عن ازدرائه للقاعدة