ألقت المقابلة التي اجراها أبو محمد الجولاني زعيم “هيئة تحرير الشام” مع وسائل الإعلام الأمريكية بضلالها سلباً على صورته وصورة هيئته في نظر الفصائل المتطرفة الناشطة في الشمال السوري من جهة، وجعلته “لقمة” سائغة يلوكها اقل الاشخاص مرتبة في عالم التنظيمات الإرهابية من جهة ثانية. وذلك وفقا لردود الأفعال التي انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي عقب نشر بعض من مقاطع الفيديو للمقابلة قبل عدة ايام.

وللحديث عن ذلك الامر أكثر، التقت “أخبار الآن” بالصحافي السوري محمد الخضر، وهو باحث في شؤون الجماعات المتطرفة، والذي قال: هيئة تحرير الشام وفي احدى لقاءات ابو محمد الجولاني مع الاعلام، قالها علنا عندما اجاب عن المشكلات مع تنظيم داعش، قال بانها “خلافات البيت الواحد”، والهيئة اليوم تدفع ثمن ما ارتكبته في سنوات سابقة، وقسم منهم كانوا يدينون بالولاء لداعش، ويحملون كثير من الافكار المتطرفة حتى بالنسبة لتحرير الشام وقسم من اؤلئك العناصر اعتبرو ما يقوم به ابو محمد الجولاني من انشاء جناح سياسي والانفتاح على الغرب والقيام بلقاءات صحفية، “انحراف” ومخالفة للخط الجهادي بالنسبة لهم، وبالتالي ووفقا لحالات سابقة وعند انحراف القيادات عن الخط يتم القصاص والانقلاب عليهم، واليوم تلك القيادات لا يتفقون تماما مع رؤية الجولاني بالانفتاح على الغرب الامر الذي يؤدي الى الانشاق بغية تشكيل جماعات جهادية تتناسب مع توجهاتهم.

وأضاف الباحث محمد الخضر: “بالنسبة للموضوع شعبيا، لا نستطيع القول بان المقابلة كان لها تاثير على رفع شعبية ابو محمد الجولاني، وقد استطعنا رصد هذا الامر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عندما ظهرت له الصورة مع الصحافي الأمريكي بزيه المدني وليس باللباس الجهادي، تحولت صورته الى ايقونة كوميدية وتم تداولها مع الكثير من النكات والاستهجان والضحك، والكثير منهم قال “التغيير في المظهر لا يعني بالضرورة التغيير في المضمون وهو غير منظره ولكن المضمون ما زال واحدا”.

وأشار الخضر الى أن هناك نوعان من التنظيمات، كل واحدة لها وجهة نظر بخصوص رؤية ابو محمد الجولاني باقامة جناح سياسي، فالقسم الأول ايدوه باعتبار ان في ذلك مكاسب لهم، في حين ان القسم الثاني، وهو القسم الذي يعد اشد تطرفا حتى من هيئة تحرير الشام، هم الاشخاص الذين عارضوه والذي راينا اعتقالهم من قبل الهيئة او انشقوا او انهم فضلوا كتم رايهم في صدورهم في سبيل ان لا يتعرضوا للاعتقال الى حين الالتحاق بجماعة اخرى او الخروج من مناطق سيطرة الهيئة.

وأسهب الباحث قائلا: بالنسبة الى صورة ابو محمد الجولاني بعد تصريحاته، هي تصريحات رايناها سابقا ومكررة واصبحت ممزوجة من قبل المتابعين سواء مدنيين او جماعات متطرفة، وبالنسبة للجماعات المتطرفة التي سمعت تصريحات الجولاني فمنهم اعتبر انه يفيد مصلحة التنظيم ولا ضرر من الكذب في سبيل عد جلب الضرر لهم، ومنهم من هو معتاد على الكذب والمراوغة، اما بالنسبة للمدنيين تلك التصريحات ليس جديدة عليهم وهم اساسا يعرفون بان سجون الجولاني مليئة بالمدنيين والمعارضون له وبالتالي جميع تلك الامور مكشوفة لهم.

وأضاف ايضا في السياق ذاته: “تصريحات الجولاني الاخيرة كانت مرفوضة بشكل كامل تماما، والمقابلة برمتها لا اعتقد بانها استطاعت ان تاثر بأي شيء على شعبية الجولاني او المواقف الاخرى تجاهه سواء كانت معه او ضده”. وبالنسبة لهيئة تحرير الشام وقائدها ابو محمد الجولاني، فالتصريحات بالنسبة لهم اقتضتها المرحلة خصوصا وانه يسعى الى فتح بوابة مع الغرب وتشكيل جناح سياسي، والامر ليس جديد بخصوص موضوع التلون.

واوضح الخضر أيضا ان التناقض كبير بتصريحات الجولاني وتلك التناقضات موجودة دائما، ومع الاسف الاطفال هم الخاسر الاكبر من كافة التنظيمات المتطرفة، سواء كان منها اليمينة او اليسارية، ولاحظنا ان هناك تجنيد للاطفال من قبل تنظيم داعش والنظام السوري، وتجنيد الاطفال موجود لدى كافة التنظيمات المتطرفة.

ولفت قائلا الى أن “هيئة تحرير الشام، تستغل الوضع الاقتصادي السيء بمناطقها، من خلال الاغراءات المادية وجلب الاطفال وغسيل ادمغتهم ويبقى الامر بالنسبة لهم اسهل من التعامل مع الكبار في السن، وبالنسبة لموضوع تجنيد الاطفال، هم قد يكونوا سحبوا مقاطع واصدارات تدريب الاطفال من الانترنت، وحتى وان اعلنوا عن ايقاف معسكرات تدريب الاطفال فهم كاذبون في هذا الامر، ومعسكرات الاطفال موجودة وستبقى موجدة حتى لو اعلنوا عن خلاف ذلك لان الاطفال بالنسبة لتلك التنظيمات هم الرافد الاكبر للمقاتلين وبالتالي من شبه المستحيل ايقاف ذلك”.

وبخصوص ادعاء ابو محمد الجولاني انهاء العلاقة مع تنظيم القاعدة، قال الصحفي السوري محمد الخضر: “قد يكون قال انه اوقف علاقته مع تنظيم القاعدة، لكن هذا الامر ليس صحيحا، ولا يزال الكثير من قياداته في الهيئة يدينون بالولاء والبيعة للقاعدة، ومن المستحيل ان يكون تصنيف الهيئة على انها معارضة معتدلة خصوصا وان في رقبتهم كثير من الدما والثارات سواء الشخصية او العامة، وانا هنا اتحدث عن قيادات هيئة تحرير الشام وليس الاشخاص المغرر بهم من السوريين في الصفوف الدنيا، وبالنسبة للقيادات هم يعون تماما ما ارتكبوه ويعرفون انهم بعيدون كل البعد عن الاعتدال وهم اشخاص متطرفين تماما ولو اوضحوا غير ذلك”.

وختم الخضر حديثه بالقول: “لا اعتقد ان المجتمع الدولي قد يقبل بالجولاني كبديل سياسي او الجلوس على طاولة المفاوضات، خصوصا وانه باليوم الذي انتشرت صورته مع الصحافي الامريكي قامت وزارة العدل الامريكية وفي اطار برنامج المكافآت بنشر صورته بشكل مضحك وذكرت بان هناك جائزة لمن يدلي بمعلومات تؤدي الى القبض عليه، وبالتالي، المجتمع الدولي رافض لذلك الموضوع تماما والمدنيين ايضا يرفضون ذلك وليس هناك اي داخل سوريا او خارجها مقتنعة بحديث الجولاني”.

الجولاني يبرر مقابلته مع الإعلام الأمريكي

 رغم المبررات التي ذكرها أبو محمد الجولاني رداً على الانتقادات الشديدة التي وجهت له من قبل منافسيه الجهاديين عندما أعلنت قناة “PBS” لأول مرة أن الصحفي مارتن سميث، التقى زعيم “هيئة تحرير الشام” في محافظة إدلب، لكنه فشل في تحسين صورته على الساحة وفقد ثقة الدائرة الضيقة المحيطة ودفعتهم الى الانشقاق والأمثلة كثيرة.

ودافع أبو محمد الجولاني عن خطوته بلقاء الإعلام الامريكي، بأن هيئة تحرير الشام بحاجة الى كسر عزلتها ونقل رسالتها بشكل واسع النطاق، خاصة بعدما قطع الجولاني علاقاته مع تنظيم القاعدة في العام 2016.

ورغم اعتقالات “هيئة تحرير الشام” لعناصر وقيادات الفصائل المنافسة لها ولبعض عناصرها ايضا وما يتعرضون له من تعذيب في سجونها، وفقا لكثير تصريحات مواليها، لكن الجولاني نفى ذلك بكل ثقة خلال المقابلة ودعا المجموعات الحقوقية لزيارة تفقدية لتلك السجون.

زعيم “الهيئة” يهدم تاريخه الحافل في عالم التنظيمات الإرهابية

واهماً، غير مدركاً لتبعيات المقابلة التي اجراها مع الإعلام الأمريكي، وتشديده على أن جماعته لا تشكل أي تهديد للدول الغربية ،وحثه واشنطن على إزالته من قائمة الإرهابيين المصنفين لديها، هدم أبو محمد الجولاني صورته أمام منافسيه الذين اعتبروه خنجرا في خاصرتهم ومنحرفاً عن بوصلتهم خاصة بعد ملاحقته لهم والتضييق عليهم، وارتباط اسمه بالمسؤولية عن كثير حوادث التصفية لقياداتهم.

وسعى زعيم “هيئة تحرير الشام” إلى استثمار المقابلة لصالحه على اكمل وجه، من خلال العزف على وتر قتاله ضد النظام السوري من جهة، وملاحقته لخلايا تنظيم داعش الإرهابي من جهة ثانية، وذلك في محاولة لأضهار وربط الاهتمامات المشتركة بينه وبين الغرب.

وأوضح الجولاني أنه لم يستخدم الأراضي السورية كنقطة انطلاق لشن هجمات خارج البلاد، قائلاً: إن السلطات في دمشق يجب أن تصنف على أنها إرهابية لارتكاب جرائم حرب مثل استخدام الأسلحة الكيماوية والاستهداف المتعمد للمدنيين.

وأكد الجولاني أنه قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة الإرهابي، معتبرا ان تصنفيه كشخص إرهابي “غير عادل”.

تعرية الجولاني وكشف أكاذيبه وتناقضاته من قبل موالي الفصائل المنافسه له

اعتقال المنافسين للجولاني وتعذيبهم

بعدما تناقلت الحسابات الموالية لهيئة تحرير الشام ومنافسيها أيضاً، مقاطع المقابلة التي اجراها الإعلام الأمريكي مع زعيم “الهيئة” أبو محمد الجولاني، ترصد الكثير من أنصار تنظيم القاعدة إلى كشف التناقض بأقول الجولاني ومزاعمه خصوصا المتعلقة بعدم وجود تعذيب للمعتقلين السياسيين في سجونها، مشيرين الى الحملات الامنية التي نفذتها هيئته خلال الاشهر الاخيرة والتي طالت شخصيات عدة بارزة من الفصائل المنافسة لها.

وانتقد صاحب احد الحسابات المناوئة لهيئة تحرير الشام ما قاله الجولاني بخصوص اعتقالهم لتوقير شريف المكنى بأبي حسام البريطاني وهو مؤسس منظمة “تطورات حية من سوريا” (Live Updates From Syria)، موضحا انه سجن لاسباب متعلقة بـ اراء متطرفة.

تناقضات الجولاني وتنصله من تنظيم القاعدة

وتعقيبا على ما ذكره أبو محمد الجولاني بخصوص تخليه عن العلاقة مع تنظيم القاعدة وعدم تنفيذه لهجمات خارج سوريا، قال صاحب حساب “جلاد المرجئة” المثير للجدل على الساحة الجهادية  والمحسوب على على فصيل “حراس الدين” الموالي للقاعدة، إن الجولاني لم ينفذ هجمات خارج سوريا، لأن زعيم القاعدة أيمن الظواهري أمره بعدم القيام بذلك”.

واستمر “جلاد المرجئة” بانتقاده لزعيم هيئة تحرير الشام، قائلاً: “بدا وكأنه قيد الاستجواب، ساخراً منه لمحاولته كسب ود الغرب.

وفي السياق ذاته، ولتسليط الضوء على تناقضات الجولاني من خلال تاريخه الحافل في صفوف التنظيمات الإرهابية وتنقله بينها، انتقد أحد مؤيدي القاعدة استخدامه لـ “مصطلح إعلامي رئيسي متطرف”، بينما قال آخر أن الجولاني كعضو سابق في داعش، لا يمكنه اتهام الآخرين بالتطرف.

ووصف حساب موالي للقاعدة تحت اسم  “مرصد إدلب الأمني”، أبو محمد الجولاني بـ “الخائن” الذي تخلى عن القضايا الجهادية المشتركة مثل تحرير القدس.

والجدير بالذكر، أنه لم يلاحظ ردود أفعال من قبل موالي هيئة تحرير الشام على الانتقادات الموجهة لزعيمهم بعد المقابلة، لكنهم قارنوها بالمقابلات التي أجراها زعيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن مع الصحفيين الغربيين.

ويذكر أن أبو محمد الجولاني كان أجرى مقابلات مع مؤسسات اعلامية عربية وغربية، واكد أيضا في مقابلته الاخيرة مع الاعلام الغربي العام الماضي، أن تنظيمه ليس لديه طموحات خارج سوريا.

وتعد هيئة تحرير الشام أقوى فصيل متمرد في شمال غرب سوريا، وتحاول طرح نفسها كلاعب سياسي شرعي ليس لديه طموحات جهادية عالمية.