قلب الحقائق وتزييف الأدلة، حقائق ربما ليست بالغريبة على صانعي السياسة الروسية، ولهم في ذلك باع طويل على مدار سنين خلت، ولعل قضية المعارض الروسي الأخيرة، أليكسي نافالني، تشكل خير دليل على ذلك.
ولكن ما يثير الاستغراب والحنق في آن معاً، أن تعمد موسكو إلى تزييف أدلة وإطلاق أكاذيب ثُبتت صحتها وفق تحقيقات دولية، مضيفة إلى سجلها الملطخ بالدماء بصمات التضليل وحملات التشويه، وهنا نتحدث عن سوريا.
ولكي لا نعيد اجترار ما بات حقيقة يعرفها الجميع، عن تورط روسيا في جرائم الحرب في سوريا، فإننا نتحدث هنا عن جديد ما كشفته “لجنة العدالة الدولية والمحاسبة بشأن سوريا” وهي منظمة غير حكومية، من أدلة تثبت تورط موسكو بحملة واسعة هدفها بث الأخبار المضللة عن الحقائق في ذلك البلد، وتزييف أدلة، وتهديد أعضاء في اللجنة، واستخدام شخصيات غربية تدين لموسكو بالولاء لمنع وصول أي مساعدات إنسانية إلى السوريين، إضافة إلى نشاط دبلوماسي روسي وظف محامين في لاهاي للتصدي لأي دعوى قضائية تقام في المحاكم الدولية ضد النظام السوري وحليفته موسكو.
وبعيداً عن التفاصيل وكيفية اختراق “لجنة العدالة الدولية والمحاسبة” لمجموعة “عمل سوريا للدعاية والإعلام”ذات الهوى الروسي، والقصة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“، فإن ما يميز الأدلة الجديدة التي انطوت على وثائق عديدة، اعتراف من قلب مجموعة عمل سوريا للدعاية والإعلام، بمحاولة تزييف الحقائق وتشويهها في سوريا، وخاصة فيما يتعلق بعمل “الخوذ البيضاء” وهي مجموعة تعنى بإنقاذ السوريين الناجين من قصف النظام وحليفه الروسي لمناطق في ذلك البلد.
تستند روسيا في محاولتها التضليلية إلى التشكيك في مصداقية المعارضة السورية وعمل لجان الإنقاذ، وأبرزهم كما أسلفنا الخوذ البيضاء، وإدعاء أن لجنة تقصي الحقائق عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، لم تُثبت تورط النظام باستخدام ذلك النوع من السلاح، رغم ثبوته وفق اللجنة الدولية وشهود العيان من الناجين.
شهادات حية
كاميرا أخبار الآن استطلعت أراء بعض السوريين، حول الإدعاءات الروسية وحملة التشويه التي تطلقها ضد المنظمات الإنسانية وعمل اللجان الدولية في سوريا.
رائد كبتاوي نازح من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، عزى سبب نزوحه وأسرته إلى ما اسماه “الاحتلال الروسي الغاشم”.
وقال لأخبار الآن: نزحت من مدينة معرة النعمان منذ نحو سنة و4 أشهر، الاحتلال الروسي تسبب بنزوحنا وخراب بيوتنا، القصف الروسي من الطائرات والبوارج البحرية دمر بيوتنا ومحلاتنا وأسواقنا ومدارسنا، تسبب بوقوع الكثير من المجازر.. الأطفال حرموا من المدارس، كل ذلك بسبب هذا القصف الذي بدأته موسكو منذ أكثر من 6 سنوات”.
من جانبه، اعتبر محمود الخالد وهو شاهد عيان على القصف الروسي في مدينة أريحا، أن الطائرات الحربية التابعة لموسكو، تسببت بتهديم عشرات المدن السورية المكتظة بالسكان.
وقال: “لم يدع الاحتلال الروسي بنى تحتية من أسواق ومدارس ومستشفيات إلا قصفها.. قصف جوامع وأماكن لا يوجد فيها إلا نساء وأطفال ومدنيون عزل، هي آلة حرب مجرمة بامتياز”.
وأضاف: “كنت شاهداً على العديد من المجازر الروسية، أخرجنا أشلاء أطفال من تحت الأنقاض في مدينة أريحا ومناطق جبل الزاوية، حتى الحيوانات لم تسلم من القصف الروسي”.
غياث المحمد، سوري فقد والده في مجزرة ارتكبتها الطائرات الروسية، تحدث بحرقة كيف فقد أباه وِشُردت عائلته بسبب تعنت النظام وموسكو، وقال: “الطيران الروسي عبر القصف الهمجي تسبب بقتل الكثير من الأبرياء، أبي عمره 75 سنة قتلته غارة روسية.. ما هو الذنب الذي ارتكبه ليموت بهذه الطريقة؟!! تحول إلى أشلاء مبعثرة جراء القصف، ماهو ذنب أخوتي الصغار أن يُحرموا من والدهم؟!!”.
وأردف: “منزلي يقع بجانب مستشفى الشامي في مدينة أريحا تعرض للقصف، شعرنا أن الأرض ستبتلعنا جراء شدة القصف.. أجهضت الحوامل جراء الرعب من القصف”.
عبدالله الطه، مدني سوري روى كيف تسبب القصف الروسي وقصف قوات النظام بشل الحركة والحياة في المدن السورية، وقال: “القصف الروسي وقصف قوات النظام تسببا بشل الحركة في جميع المدن المحيطة، دمروا البيوت والمدارس، المستشفيات تعتبر هدفاً محبباً للطائرات الروسية، نزح الآلاف من السوريين من مدنهم وقراهم جراء القصف.. أينما يحل الروس والنظام فإن هناك خراب ودمار”.
من جانبه اعتبر زكريا عابدين، وهو نازح سوري، أن الطيران الروسي المسؤول الأول عن الدمار الهائل في المدن السورية، وقال: “الطيران الروسي لا يقصف عشوائياً بل يتعمد استهداف نقاط محددة، وأبرزها المستشفيات والمدارس”.
وأردف: “مناطق عدة أصبحت خاوية على عروشها جراء القصف الروسي، على سبيل المثال منطقة جبل الزاوية باتت تفتقر إلى السكان جراء شدة القصف، قريتي كان يقطنها نحو 25 ألف نسمة، الآن لا يوجد بها إلا ما يقارب الخمسمائة نسمة، وهم بدورهم أرادوا النزوح ولكنهم لم يجدوا مكان آخر يؤويهم من القصف”.
وتابع: “ما يثير الحنق أن الطيران الروسي يتعمد استهداف المناطق المكتظة بالسكان، لم يسلم الأطفال من هذا القصف وحتى المرضى والنساء والحوامل والشيوخ، كلهم باتوا هدفاً محبباً للطيران الروسي”.
إضافة إلى الشهادات السابقة، حاولت أخبار الآن رصد آراء منظمة “الخوذ البيضاء” عن حملة التشويه التي تديرها موسكو ضدهم، إلا أن المنظمة اعتذرت عن التعليق في الوقت الحالي، لأسباب وصفتها باللوجستية.
توثيق للدمار
فريق أخبار الآن تجول في العديد من المدن في الشمال السوري، ووثق الدمار الهائل في البنى التحتية والبيوت والأسواق والمدارس، وجميعها أصبحت أطلالاً جراء القصف الروسي.
ما سبق يقودنا إلى تساؤل بسيط: هل السياسيون الروس مصابون بانفصام في الشخصية؟! هل باتوا يعتقدون أنهم قادرون على محي آلاف المجازر والجرائم من ذاكرة السوريين والعالم بأسره بحملات تضليل وتشويه، وتوكيل بعض المرتزقة لبث الأكاذيب وتزييف الحقائق؟! اسألوا الأطفال والثكالى والناجين وقبور الضحايا، إن أجبوا بنعم، فقد أفلحت موسكو..