خلفَ بوابة مخيم الهول المغلقة بحراسةٍ دائمة من قواتِ سوريا الديمقراطية، يعيشُ أكثرُ من 60 ألف شخصٍ، بأكثر من 60 جنسية بين عرب وأجانب، حيث الهاربونَ من النار بأفواه مكمومة، وخاصرة المنطقة الرخوة في آن.

الطقسُ باردٌ هنا وقد يميلُ إلى هطولِ الأمطار، فالرياحُ في هذا الموسم لا تسيرُ دائماً كما تشتهي النسوة في المخيم أو ربما كما لا يشتَهَيْنَ على مدارِ السنة.

مخيم الهول.. الهاربون من النار والخاصرة الرخوة في آن

صورة لطفلة من داخل مخيم الهول

صمّمَ هذا المخيّم الذي يقعُ شمالَ شرقِ سوريا ليضّمَ في الأصلِ نحوَ عشرينَ ألفَ شخصٍ كحدٍ أقصى، لكنّه اليوم يختنقُ من شدّةِ الازدحامِ داخلَهُ. كلُّ شيء هنا يسيرُ خارجَ إطار كلّ قوانين الحياة التي نعرفُها في الخارج، والحساباتُ ما زالت لدى الكثيرين تسيرُ على وقعِ أفكارٍ متشدّدة، سيّما وأنّ معظمَ القاطنين في المخيم، هم من النساءِ والأطفال، وتصلُ نسبتُهم إلى نحوِ تسعين في المئة أو ربّما تفوقُ ذلك. والغالبيةُ من أسرِ مقاتلي تنظيمِ داعش، الذين تمَّ أسرُهم خلالَ المعاركِ مع التنظيم.

ينقسمُ المخيمُ إلى قسمين، فهناك القسمُ الخاص بالسوريين والعراقيين وهو الجزء الأكبر في المخيم، وهناك القسمُ الآخر وهو أصغر، ومعروفٌ باسمِ “الملحق” ويضمُّ بشكلٍ عام الأجانبَ أو المهاجرات، وهو ما يعرفُ أيضاً بقسم المهاجرات.

مخيم الهول.. الهاربون من النار والخاصرة الرخوة في آن

صورة لأطفال من داخل مخيم الهول

في هذا السوق، تفترشُ نسوةٌ البسطات التي تترامى في أنحاءَ مختلفةٍ من المخيّم، يعرِضْنَ فيها الخضار وأموراً أخرى كثيرة. فالحركة لا تهدأ ذهاباً وإياباً بين الكم الهائل من الخيام.

تُسيّرُ النسوةُ هنا أمورَهُنَّ بما تيسّر، كونُهُ لا خيارَ آخر أمامَهُنَّ في الوقتِ الراهن، بانتظارِ فرصةٍ للهروبِ إلى خارجِ المخيم أو العودةِ إلى بلادِهن مع أطفالِهن الذين يوجد الآلاف منهم تحت سنِّ الثانية عشرة، فيما عددٌ كبيرٌ منهم منفصلٌ عن عائلاتِهم.

مخيم الهول.. الهاربون من النار والخاصرة الرخوة في آن

صورة تظهر الخيام داخل مخيم الهول

كرجلٍ، ليس مسموحاً لك أن تقتربَ من النُسوةِ هنا أو التحدّثْ إليهُنَّ بشكلٍ علني أقلُّه، حتى أنّ بعضَهن يستَدِرْنَ هرباً من الكاميرا عندما تشاهِدْنَها فكلُّ ما يمكنُ أن تجدَهُ حولَك في هذا المخيم من أسلوبِ حياةٍ ولباسٍ وتعابيرَ مستخدمة أيضاً، يعطيكَ انطباعاً وكأنّك تعيشُ في مكانٍ ما زالت تسيطرُ عليه أفكارُ التنظيم المتطرفة.

قنبلةٌ موقوتة قد تنفجر بين ليلةٍ وضحاها، خصوصاً أنّ تنظيمَ داعش يحاولُ إحياءَ الأفكارِ المتشدّدة لدى هؤلاء في أيّ لحظة.

“داعش أكبر كذبة”

التونسية آمنة محمد، خمسةٌ وعشرون عاماً، ترفضُ الحديثَ إلينا، لذلك استعنّا بفتاةٍ لإجراءِ هذا الحديث معها داخل المخيم. اتخذتا جانباً في المخيم بالقرب من خيمتها وراحَ الكلامُ يسيرُ من خطِ البدايةِ إلى خطِّ النهاية الموقتة.

منذُ سبعِ سنوات، أتت آمنة إلى سوريا قادمةً من تونس برفقةِ زوجِها، وانتهى بها المطاف في مخيّم الهول. تدّعي آمنة أنّها لم تعدْ تقتنعُ تماماً بشعاراتِ تنظيمِ داعش الذي قتلَ زوجَها بتهمةِ الردّة، فيما تقول رداً على سؤال، إن “داعش أكبر كذبة عشناها”.

مخيم الهول.. الهاربون من النار والخاصرة الرخوة في آن

صورة تظهر الأطفال وهم يلعبون داخل مخيم الهول

تزعمُ آمنة أنّ انشقاقَها عن التنظيمِ أمرٌ في غاية الصراحة، لكنّها في المخيّم ووفق ما تقول “مجبرةٌ على عدمِ تخطّي حدودِ معينة، ترسِمُها لجانٌ نسويةٌ تراقبُ مدى تمسكِ النسوةِ هنا بأفكار داعش. تريد آمنة العودةَ إلى بلدِها، لكنّها لا تلقى مبادرةً من قبل حكومتِها من أجلِ استعادتها، وفق ما أخبرتنا.

على ما يبدو أنّ الجميع، خصوصاً الدولُ التي تنتمي إليها هؤلاء النسوة، يخشى عودَتَهُنَّ بسببِ الأفكارِ المتطرفةِ التي يحمِلْنَها منذ الانتماء إلى تنظيمِ داعش، وهنّ عِشْنَ لفتراتٍ طويلةٍ في تلك الحِقبة إبّانَّ احتلالِ التنظيم لمساحاتٍ كبيرةٍ قبل هزيمته. وحتى الآن، فإنَّ استجابةَ الدولِ لاستعادةِ رعاياها من المخيم خجولةٌ جداً، وسط تحذيرِ القائمينَ على المخيم من أنّه قد يخرجُ عن السيطرة.

حوادثُ العنفِ داخلَ المخيم أصبحت شائعة، حيث سجلَ المخيمُ العديدَ من أحداثِ العنف المرتبطة بالتطرف وينخرطُ فيها أطفالٌ في بعضِ الأحيان. ويقول القائمون على المخيم إنّ هناك عواملَ عديدةً ساهمت في تشتيتِ الانتباهِ إلى الإمساكِ بالأمنِ داخلَهُ.

الجنسيات المتواجدة في مخيم الهول، هي:

أفغانستان، ألبانيا، الجزائر، أستراليا، النمسا، أذربيجان، بلجيكا، بنغلاديش، البوسنة والهرسك، كندا، الصين، الدنمارك، مصر، إستونيا، فنلندا، فرنسا، جورجيا، ألمانيا، إندونيسيا، الهند، إيران، كزاخستان، لبنان، ليبيا، المغرب، ملديف، مقدونيا الشمالية، ماليزيا، هولندا، النرويج، باكستان، الفلبين، بولندا، البرتغال، رومانيا، روسيا، جنوب أفريقيا، إسبانيا، فلسطين، السعودية، السودان، السنغال، الصومال، صربيا، السويد، سويسرا، طاجكستان، ترينيداد وتوباغو، تونس، تركيا، أوكرانيا، بريطانيا، أمريكا، أوزباكستان، فيتنام واليمن.

المخيم قد يخرج عن السيطرة

وقال علي الحسن، المتحدث الرسمي بإسم قوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا، “بالنسبة لـ”مخيم الهول“، ونتيجة انشغال قواتنا بالشهرين الفائتين بعد الهجمات المتكررة على مناطق شرق سوريا، ادى ذلك الى محاولة انتعاش خلايا داعش بالاستهدافات الدائمة لأعضائنا وايضاً استهداف بعض المدنيين الموجودين في المخيم.

مخيم الهول.. الهاربون من النار والخاصرة الرخوة في آن

علي الحسن: المتحدث الرسمي بإسم قوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا

وأضاف الحسن، بالنسبة للعوائل ومن خلال الإدارة الذاتية الديموقراطية في شمال وشرق سوريا، اعلنا في مؤتمرات صحافية كثيرة، رغبتنا في ان تتعاون الدول بأخذ رعاياها ومحاكمتهم ضمن دولهم، بعض الدول استجابت ولكن الكثير من الدول لم تستجب بشكل نهائي، مما يشكل عبئاً أكبر علينا وعلى العالم في حال حدث اي شيء في المنطقة وقد يتسبب ذلك بخروج مخيم الهول عن السيطرة وهو ما يهدد ليس سوريا فقط، انما يهدد المجتمع الدولي كاملاً لأنهم خطيرين ويتم تنظيمهم واعادة انعاشهم وانتشارهم بشكل مستمر.

وأردف المتحدث الرسمي بإسم قوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا قائلا وتعقيبا على خطورة الوضع في المخيم، “طبعاً، خلال الشهر الفائت حدث أكثر من اغتيال في مخيم الهول، وأيضاً تم استهداف اعضائنا بشكل مباشر مما أدى الى استشهاد احدهم”.

وأوضح الحسن ان الاجراءات مستمرة والحماية مستمرة من قبل قوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا، لمحيط مخيم الهول وايضا ضمن المخيم، ولكن هذا الامر يحتاج الى تفرغ كامل لقواتنا حتى نستطيع ضبط المخيم. واضاف، ضمن الاستهدافات اليومية والاستهدافات المباشرة على مناطقنا الحدودية بشكل دائم، لا نستطيع التركيز بشكل كامل على المخيم.

واشار المتحدث الى انه تم القاء القبض على عدد من المشتبه بهم وتم التحقيق معهم بشكل متواصل، وان هناك عدد من الخلايا القي القبض عليها. وأكد ان قوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا، تعمل بشكل مستمر على مدار الساعة وبكل طاقتها لتأمين المنطقة من كافة الخروقات الامنية التي تنفذها خلايا داعش وغيرها، وايضا نولي اهمية قصوى لـ”مخيم الهول” بشكل مستمر.

وأفاد الحسن بأنّ عدداً من القاطنين في المخيم يشعر بالندم ويبدي دائما ندمه على ما فات من انخراطهم في تنظيم “داعش“، لكن هذا الامر مرتبط بان اغلبهن مرتبطات يحملن جنسيات اخرى ويجب المعالجة بشكل دولي وقانوني لوضع هؤلاء النسوة، لافتا الى ان الموضوع غير مرتبط فقط بقوى الامن الداخلي، ونحن نطالب بتسوية اوضاع المتواجدين في مخيم الهول من النساء المهاجرات اللواتي يحملن جنسيات اوروبية واجنبية.

من الصعب إحصاءُ عددِ النساءِ اللواتي مازلن يؤيِّدْنَ تنظيمَ داعش داخلَ المخيم في ظلّ غيابِ سياسةِ عدمِ فصلِ النسوة اللواتي يتشبعُ الكثيرُ منهُنَّ حتى الآن بأفكارِ التنظيم عن باقي أجزاء المخيم، وهنا تمكن الخطورة.