الخلاص من مخيم الهول.. 

تاركة خلفها أيام صعبة رافقتهم طوال سنوات، تتهيأ عشرات العائلات السورية للخروج من مخيم الهول(40 كلم شرق الحسكة)، وهي مفعمة بالأمل في أن يكون خروجها بداية لحياة جديدة بعيدة عن مشاهد القتل والعنف التي طبعت مخيلة أطفالهم خلال سنوات قضوها مرغمين تحت احتلال “داعش“.

عائلات سورية تغادر مخيم الهول بحثاً عن مستقبل أفضل لأطفالها

سواء كانوا خلف الحديد أو أمامه..تظل عائلات مقاتلي داعش تحمل مسؤولية انضمامهم او انضمام أزواجهم أو أولادهم للتنظيم المتشدد

هؤلاء هم 105 عائلة سورية يشكلون 345 شخصاً، يتحدرون من مدينة منبج وريفها، ويعتبرون ثاني دفعة تعود إلى هذه المنطقة بعد خروج أخرى مماثلة في الـ28 من الشهر الماضي، وذلك ضمن سلسلة دفعات تقول إدارة مخيم الهول إنها بلغت اثني عشرة دفعة حتى الآن، خرجت بموجب مبادرة أطلقها مجلس سوريا الديمقراطية بهدف إفراغ المخيم من النازحين السوريين.

في مخيم الهول..عائلات الدواعش تنتظر المجهول

 

وتحت خيمة كبيرة تضم المئات من النساء والأطفال وعدد أقل من الرجل المنتظرين أن يحل دورهم للخروج من المخيم، يجلس أحمد عبدالكريم (11 عاما) إلى جانب جدته السبعينية أمونة، حاملاً على ظهره حقيبة مدرسية، فيما يبدو أن الحزن والتعب قد أنهكا ملامحه البريئة.

عائلات سورية تغادر مخيم الهول بحثاً عن مستقبل أفضل لأطفالها

بينما يعيش نظراؤهم الاستقرار بين أحضان العائلة وفي المدارس مع أصدقائهم..يعيش أطفال داعش الأهوال في مخيم الهول. فهم ضحية آبائهم الدواعش الذين لم يفكروا في حاضرهم ولا في مستقبلهم

كان من سوء طالع أحمد و أخواته الأربعة أن يفقدوا أمهم في معارك الباغوز قبل نحو عامين، وذلك بعدما كانوا قد فقدوا والدهم في ظروف غامضة قبل ذلك بخمس سنوات، لذا لم يتبق لهم سوى جدتهم أمونة مصطفى الخليل التي تقول لأخبار الآن إنها أصبحت المسؤولة عن تربية أحفادها بعدما بلغت من السن ما بلغته.

“أواجه صعوبة بالغة في تربية أحفادي الصغار. هذه الحرب دمرتنا ويتمت أطفالنا وحرمتهم من حقوقهم، وبقوا دون تعليم مناسب، فباتوا أميين لا يعرفون الكتابة والقراءة”.

تتحسر الجدة لما وصل إليه حال أحفادها حيث تضيف: “لم نكن نرسل أطفالنا إلى مراكز داعش التعليمية لأننا كنا نخشى من القصف كخشيتنا من أن يقوموا بضمهم إلى أشبال الخلافة فنفقدهم دون رجعة”.

حال عائلة أحمد أشبه بحال كثير من العائلات السورية ممن قضوا سنوات تحت احتلال التنظيم المتشدد ففضلت تدريس أبنائها في المنازل، أو إبقائهم دون تعليم خشية عليهم من تعاليم التنظيم المتشددة التي كان يحرص على زرعها لدى الأطفال في سن مبكرة.

عائلات سورية تغادر مخيم الهول بحثاً عن مستقبل أفضل لأطفالها

ما مصير هذا الطفل ابن داعشي؟ ماذا سينتظر العالم من هذا الطفل؟ هل سيكون داعشيا؟ ام سيكون انسانا عاديا يعيش طفولته وشبابه بصفة طبيعية؟

وتضيف المرأة السبعينية حيث تعيدها الذاكرة إلى تلك الفترة المؤلمة: “مشاهد القتل والدماء كانت في كل مكان والأطفال كانوا يتفرجون عليها، وقد أثرت عليهم ولربما ستبقى في مخيلتهم إلى أمد بعيد”.

وتؤكد الجدة أن “الأطفال هم الفئة الأكثر  تضرراً من التنظيم و من الحرب، ذلك أن الكثيرين فقدوا براءتهم، بعد كل ما عاشوه من دمار وقصف ومشاهد قتل، لذا نجد أن كلمات الحرب تطغى على كل ألعابهم من قصف وقتل ودفن، عدا أنها حرمتهم من حقهم في التعليم”.

ورغم كل ما عاشته الجدة أمونة وبناتها، إلا أن الأمل يعتريهن في إيجاد حياة جديدة لدى مغادرة المخيم، يحظى فيها أطفالهن بفرصة التعلم من جديد، وتكون الأيام القادمة واعدة بمستقبل أفضل ينسيهم ما عاشوه من سنين صعبة قضوها في ظل داعش.

عائلات سورية تغادر مخيم الهول بحثاً عن مستقبل أفضل لأطفالها

هذا الشاب يجلس وهو في حالة حيرة ..ربما تكون ندما أو خوفا من المجهول ومواجهة العالم الخارجي؟ كيف سيستقبله أهله وأصحابه؟ هل هو نادم لكونها مع الدواعش؟ هل هو مصر على أن يبقى داعشي؟ ماهي خططه؟ هل يفكر في مستقبله؟ أو يبحث عن كيف سيكون حاضره؟

 

وعلى بعد أمتار  من الجدة أمونة وما تبقى من عائلتها، يتحضر أيضا حسين علي الثلاثيني مع أبنائه وزوجته لمغادرة المخيم، فيما يمني مدرس اللغة العربية السابق نفسه في أن يعود إلى مزاولة مهنته في التدريس حال وصوله إلى مدينته، منبج.

يقول الشاب لأخبار الآن:

” تركت التدريس خلال فترة  سيطرة داعش وكنت أعلم أطفالي في المنزل لأننا لم نكن نرسلهم إلى مراكز التنظيم التعليمية، ذلك أنه كان تعليماً موجهاً هدفه زرع التطرف في الفئات الأصغر سناً ذلك أنهم يتأثرون بسرعة”.

ويلفت المدرس حسين علي إلى أن المخيم يضم مساحات آمنة كانت بعض المنظمات قد أنشأتها لتساعد الأطفال  على التعلم ونسيان الأحداث الدموية التي عاشوها مبكراً، ولكي تمكنهم من العودة إلى الحياة الطبيعية والتأقلم مع المجتمع بشكل أسرع .

عائلات سورية تغادر مخيم الهول بحثاً عن مستقبل أفضل لأطفالها

من بين سكان مخيم الهول…يعيش عدد كبير من أطفال الدواعش عيونهم تظهر أن يومياتهم تعيسة، محرومون من أبسط حقوقهم الانسانية فهم ضحية آبائهم المقاتلين في صفوف داعش وأمهاتهم كذلك. شكل هذه البنت وعيناها يضعاننا في مأزق..هل نحبهم ام نتجنبهم لأنهم قد يكونون قنابل موقوتة

 

ويضيف :” المدرسون في مراكز داعش التعليمية كانوا عناصر  أو مقاتلين  يتولون تعليم الأطفال، لذا كانت كثير من العائلات تتجنب أرسال أطفالها، فيما كان المتأثرون والموالون للتنظيم هم الأكثر إقبالاً على الانخراط معهم وأرسال أطفالهم”.

ويشير  النازح السوري إلى أن “الكثير من الأطفال تأثروا بمشاهد الحرب ، لذا هم بحاجة إلى فترة تأهيل حتى يستطيعوا العودة إلى التعليم والعيش بشكل طبيعي بعيداً عن التطرف”.

ويؤكد حسين أن المخيم يضج حالياً بالكثير من لأطفال ممن لا يزالون متأثرين بفكر داعش ويرددون بشكل دائم شعاراته، كما يبتعدون عن التعلم في المدارس داخل المخيم”.

عائلات سورية تغادر مخيم الهول بحثاً عن مستقبل أفضل لأطفالها

دائما في الحروب والنزاعات.. يكون الأطفال هم الضحايا بامتياز. كذلك في الإرهاب وخاصة إرهاب داعش فالأطفال هم ثمرة علاقات منها ماهو غير قابل للتصنيف. هل هؤلاء لهم أوراق ثبوتية وهويات؟

 

ويحدوا مدرس اللغة العربية الأمل  في أن يحظى أطفاله بمستقبل أفضل قد يحتاج إلى مزيد من التعب والتضحية  للتخلص مما ورثوه من ذاكرة مشبعة بالعنف والترهيب، خلفتها ممارسات التنظيم على نفوسهم البريئة.

وليس بعيداً عن حسين وعائلته، تقف فاطمة مخلف(22 عاما) قرب امتعتها وهي تودع عدداً من جاراتها من نازحي دير الزور ممن قضت معهن سنين تشاركن فيها الأيام والظروف الصعبة سوية.

تقول السيدة المتحدرة من مدينة حمص والمتزوجة من أحد سكان مدينة منبج: “أطفالي لا يعرفون سوى تهجئة الحروف وكان تعليمهم مقتصراً على التعاليم الدينية، لذا بقوا محرومين من الموسيقى و من التلفزيون ولم يعيشوا كما كنا نتمنى”.

وتضيف فاطمة:

“نريد أن نغادر المخيم الذي تنتشر فيه أفكار التنظيم، ونرغب في أن  ينخرط أطفالنا مع الناس في الخارج…كنا مجبرين على العيش في مناطق سيطرة داعش وكانت خياراتنا محدودة و قد أصبح أطفالنا أكثر عدوانية من هول ما رأوه من ممارسات التنظيم”.

وكما أقرانها السابقين  ترى فاطمة أن أطفالها ظلموا في صغرهم  وتتمنى أن يحظوا بمستقبل أفضل، في قادمات الأيام.