من مدينة الزرقاء المحاذية للعاصمة الأردنية عمان، وتحديداً من حي معصوم الذي يعد من أكثر أحياء المدينة المكتظة فقراً، بدأت رحلة أحمد فضيل نزال الخلايلة “أبومصعب الزرقاوي“، الذي أعلن عن مقتله في غارة أمريكية، بعد تزعمه قيادة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، السلف الواقعي لتنظيم داعش الإرهابي.

القيادي في تنظيم القاعدة ابتداء ورفيق مؤسس تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن، نفذ العديد من العمليات الإرهابية، إحداهما كانت على أرض بلاده عندما فجر ثلاث فنادق في العاصمة الأردنية عمان ما أودى بحياة 60 شخصاً وأدى إلى جرح وإصابة أكثر من 200 آخرين.

ثم عاد واعتذر في تسجيل صوتي عن ذلك واعتبره بمثابة “خطأ”، لكن الحكومة الأردنية ضبطت الإرهابية ساجدة الريشاوي التي فشلت في تفجير نفسها خلال عملية الفنادق، واستخدمتها كورقة ضغط على التنظيم الإرهابي مرات عدة، قبيل إعدامها على خلفية إعدام الطيار معاذ الكساسبة الذي أحرقه داعش الإرهابي علناً، وكان يعمل كطيار مقاتل ضمن قوات التحالف الدولي، لمحاربة التنظيم .

أبو مصعب الزرقاوي، الذي سحبت منه الحكومة الأردنية الجنسية، كان عضوا في تنظيم القاعدة في العراق، وعمل على قيادة معسكرات تدريب المسلحين في أفغانستان، وأسس في التسعينيات من القرن الماضي تنظيم “التوحيد والجهاد” وظل زعيمه حتى مقتله على يد قوات أمريكية مدربة في العام 2006، وأعلن عن مقتله من قبل رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي، ووصف الرئيس الأمريكي حينها جورج دبليو بوش مقتله بالضربة القوية لتنظيم داعش الإرهابي.

ومن أبرز الحوادث التي عرف فيها أبو مصعب الزرقاوي، قيامه في العام 2004 بذبح أحد الرهائن الأمريكيين، ويدعى يوجين آرمسترونغ، من خلال قيامه بجز عنقه بسكين، في فيديو مصور بثته جماعة التوحيد والجهاد.

نشأته

نشأ أبو مصعب الزرقاوي، يتيما لوالديه، وتوقف عن الدراسة عند الثانوية العامة، ثم عمل في بلدية المحافظة التي يقطنها عاملاً في العام 1983، وبعد التحاقه بالعمل البلدي بعام واحد فقط التحق بالتجنيد الإجباري في القوات المسلحة الأردنية، لمدة عامين، وبعد أن أنهى تجنيده، بدأ يتردد على مجموعة من المشايخ أبرزهم شخص يدعى عبدالمجيد إبراهيم المجالي من محافظة الكرك الجنوبية (120 كيلو إلى جنوب العاصمة الأردنية عمان).

كان المجالي حينها يعمل كمدير لمكتب “وهمي” لدعم المجاهدين الأفغان في المملكة، وهو من سهل سفر أحمد فضيل نزال الخلايلة إلى أفغانستان، عن طريق بيشاور في باكستان، لمحاربة القوات السوفيتية هناك، فالتقى بأسامة بن لادن، وأبو محمد المقدسي، منظر التيار السلفي، وعاد بعد عامين إلى الأردن، واعتقل في عام 1990 وحكم عليه من قبل محكمة أمن الدولة العسكرية الأردنية بالحبس لمدة 7 سنوات، لكن أفرج عنه في عفو ملكي عام، غادره بعده مباشرة إلى أفغانستان.

في السجن

عرف عنه في السجن محاولاته المستمرة لقيادة التنظيمات المتشددة؛ ضمن ما يسمى بـ”بيعة الإمام”، وكان يقود صراعات تؤدي في بعض الأحيان إلى الاشتباك مع تنظيمات متطرفة أخرى داخل الزنازين، ووصلت الاشتباكات بينهم إلى حد التكفير، ومن أبرز هذه الخلافات خلافات الزرقاوي مع حزب التحرير المحظور في الأردن، بقيادة أبو عطا الرشتة، وتنظيمات متطرفة اخرى.

وعلى الرغم من ثقافته المتواضعة، لكن الزرقاوي بقي قريبا من منظر التيار السلفي أبو محمد المقدسي، واسمه الحقيقي، عصام البرقاوي، الذي بقي حتى وفاة الزرقاوي، على علاقة معه، كما استخدمته الحكومة الأردنية في التفاوض مع تنظيم داعش الإرهابي، من أجل إخراج الطيار الأردني معاذ الكساسبة ومبادلته بالإرهابية ساجدة الريشاوي، لكنه فشل في ذلك، فرفض تنظيم داعش الإرهابي واسطته.

المقدسي، بعد إحراق الكساسبة انتقد تنظيم داعش الإرهابي، وانتقد عمليات الذبح والحرق التي يقوم بها تنظيم داعش الإرهابي؛ حيث أكد المقدسي في حينها أن “عملية الإحراق هي تعذيب بالنار، وهو أمر لا يجوز في الدين الإسلامي”، على حد وصفه.

تطور تنظيم الزرقاوي

تطورت جماعة التوحيد والجهاد بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، من فكرة “بيعة الإمام” في عام 1996، إلى جماعة التوحيد والجهاد منذ 2001، ثم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين التي أعلنها أبو مصعب الزرقاوي في العام 2004، ثم مجلس شورى المجاهدين في بداية سنة 2006، ثم دولة العراق الإسلامية نهاية العام 2006 إلى إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام منذ 2013 وهو تنظيم داعش الإرهابي.

الزرقاوي

لحظة الإعلام عن مقتل أبومصعب الزرقاوي – أرشيفية

رحلة العراق

انتقل الزرقاوي إلى العراق، بعد هجوم صاروخي على مكان تواجده في قاعدة عسكرية تابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان عام 2001، فقام حينها بإقامة روابط مع حركة أنصار الإسلام في شمال العراق، وبدأ بتدبير العديد من العمليات الإرهابية المتوالية ابتداء من حادثة اغتيال مسؤول المساعدات الأمريكي لوين فولي في العاصمة الأردنية عامان وليس انتهاء بمجموعة من عمليات التفجير من الدار البيضاء إلى تركيا.

لكن مقتله بعد سنوات خمس من انتقاله إلى العراق، أثار ردود فعل عالمية كثيرة؛ فقد وصف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مقتله بـ “الخبر السار جدا والضربة لتنظيم القاعدة في كل مكان، وخطوة مهمة في المعركة الأوسع ضد الإرهاب”، واعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مقتله “نبأً ساراً”، وأعربت الخارجية الفرنسية عن أملها في استقرار الوضع الأمني في العراق، وحذت حذوها العديد من وزارات الخارجية للدول الأجنبية.

أديب: الزرقاوي مر بتحولات نفسية وفكرية

وقال الخبير في شؤون التنظيمات المتطرفة منير أديب لـ “أخبار الآن” إن “معظم المنتمين إلى التنظيمات الإرهابية مروا من خلال ما قاموا به بتحولات نفسية وفكرية مختلفة”، مشيراً إلى أن الزرقاوي تعرض إلى الكثير من التحولات الجذرية في حياته، والتي أسهمت في تشكل شخصيته المتطرفة. وتابع أديب لـ “أخبار الآن” أن الزرقاوي كان معروفا عنه أنه تطرف ليس في العمل الإرهابي بل بقراءاته الفقهية التي تمكن من خلالها من شرعنة القتل والتدمير في العديد من الدول.