سوريا: مثال صارخ على عجز العدالة الدولية

يصادف اليوم الذكرى السنوية لدخول “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” في الأمم المتحدة حيز التنفيذ عام 1951 بعد أن عُرضت للتوقيع عليها في 9 ديسمبر عام 1948.

ووفق الموقع الرسمي للأمم المتحدة (حقوق الإنسان)، فإن الجمعية العامة للمنظمة الدولية، اعتبرت عام 1946 أن الإبادة الجماعية “جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن”.

وتُلخص 19 مادة ضُمنت في نص الاتفاقية، ضرورة منع ارتكاب الإبادة الجماعية في العالم، وإيجاد آلية لمعاقية الجناة مهما كانت صفاتهم ومناصبهم في دولهم، وكذلك الوصول إلى مرحلة تنعدم فيها تلك الأنواع من الجرائم في العالم وإنشاء محاكم متخصصة لمحاكمة المسؤولين عنها بعد تسليمهم من قبل دولهم أو أجهزة أمنية مختصة.

ورغم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 2002 في هولندا، والتي تعتبر أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية وبزمن غير محدد لمحاكمة مجرمي الحرب وجرائم الإبادة الجماعية، فإن تلك المحكمة وإن نظرت ببعض القضايا وقدمت متهمين للمحاكمة فإن سلطتها تبقى من حيث الواقع محدودة بسبب عوائق قانونية وكذلك تهرب او امتناع الكثير من الدول والأنظمة على تسليم مجرمي الحرب إلى تلك المحكمة، والأمثلة على وقوع جرائم إبادة جماعية كثيرة حول العالم وللأسف في منطقتنا العربية ربما هي الأبرز والتي كانت على رأسها جرائم الإبادة الجماعية في سوريا.

لعل من أبرز الأمثلة كما أسلفنا الجرائم التي حدثت ومازالت تحدث في سوريا منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا. وما يثير الاستهجان أن الجرائم التي وقعت في ذلك البلد، لم تكن من قبل جهة واحدة، بل تعددت الجهات التي ترتكبها، فكان النظام السوري على رأسها والذي صنف مرارا وتكرارا على أن أفعاله ترقى إلى جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية، وخاصة في المدن التي مارسها فيها اتباعه وعلى رأسهم ميليشيا حزب الله سياسة التطهير العرقي والتهجير الجماعي للسكان بهدف قلب الديموغرافيا السكانية.

سوريا جرائم الإبادة الجماعية

مخيم للنازحين السوريين – رويترز

سوريا: جرائم كيماوي بالجملة

ولا يتسع المجال لذكر جرائم النظام بالتفصيل ولكن لا يمكن أن نمر دون التطرق إلى أبرزها وهي جريمة الكيماوي في ريف دمشق، والتي تعرف بجريمة “هجوم الغوطة الكيميائي” في 21 من شهر آب /أغسطس عام 2013 وراح ضحيتها نحو 1500 شخص معظمهم من النساء والأطفال.

المثال السابق ربما يشير بشكل واضح إلى عجز المحكمة الجنائية الدولية على ردع مجرمي الحرب في كثير من الأحيان، والمفارقة أن فرق التحقيق الدولي وإن أشارت باستحياء إلى تورط النظام في تلك المجزرة والمجازر التي لحقتها سوءا كانت كيميائية أو بأسلحة تقليدية، فإنه لأول مرة في نيسان العام الماضي اعترف فريق تحقيق دولي بأن مجزرة كيماوية وقعت في قرية اللطامنة بريف حماة بغازي الكلور والسارين، كانت من تدبير النظام السوري.

جرائم ضد الروهينغا

بعد قتل وتهجير مئات الآلاف من منازلهم وقراهم في ميانمار، وافقت المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر عام 2019، على فتح تحقيق حول جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبها الجيش ضد الأقلية المسلمة الموجودة في تلك المنطقة.

وللأسف حتى يومنا هذا مازال التحقيق جارياً دون أن يصل إلى نتيجة ملموسة لتسليم المسؤولين عن تلك الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية.

الإيغور جرائم بالجملة

المثال الصارخ على ضعف العدالة الدولية وربما عجزها في كثير من الأحيان، الجرائم التي يرتكبها الحزب الشيوعي الصيني بحق الإيغور، الأقلية المسلمة في إقليم شينجيانغ.

ومنذ عام 2015، دأب الحزب الحاكم على توسيع أساليبه القمعية من قتل وتهجير وتشريد واعتقال وإخفاء قسري، فكانت معسكرات الاعتقال الجماعية سيئة السمعة التي يُحتجز خلف أسوارها أكثر من مليون إيغوري، وكذلك إنشاء أفران خاصة لحرق جثث الإيغور المنتزعة أعضائهم بهدف المتاجرة فيها، دون أن ننسى جرائم الاغتصاب وتحويل الفتيات إلى عقيمات، كل ذلك بهدف طمس الهوية الثقافية لتلك الأقلية.

سوريا

جنود يرفعون العلم الصيني – رويترز

ما سبق دفع عشرات المنظمات حول العالم إلى التأكيد على أن الجرائم التي يتعرض لها الإيغور هي جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، مع التشديد على ضرورة محاسبة مهندسي تلك الجرائم ومن ابتكرها واغلبهم من أقطاب الحزب الشيوعي الصيني.

الأمثلة السابقة وإن تحدثنا عن جزء يسير من جرائم الإبادة الجماعية التي تحدث في عالمنا المعاصر، تدفعنا إلى التساؤل عن مدى فاعلية نظام العدل الدولي، وهل هو فعلا بحاجة إلى مزيد من الأدوات التنفيذية التي تتيح له القبض ومحاكمة مجرمي العالم المسؤولين عن مجازر الإبادة الجماعية، وكما يُقال: كل هدف وغاية، يبقى طي الأفكار مالم يُرتقى به إلى التنفيذ، أو كما يقول المثل العامي: ” يبقى حبرا على ورق”.