يوم الجمعة ٨ يناير ٢٠٢١، بثت مؤسسة الملاحم الإعلامية التابعة لأنصار الشريعة، القاعدة في اليمن، تسجيلاً جديداً لأمير التنظيم خالد باطرفي. ومثل معظم إصدارات القاعدة، الفيديو منسلخ عن الواقع.

ما نشرته الملاحم كان الدرس السابع عشر من سلسلة دروس “تأملات في سورتي الحجرات والنور”. السلسلة بدأت بمقدمة في  ٢٤ أبريل٢٠٢٠ مع بداية شهر رمضان المبارك واستمرت على مدى ١٦ درساً كان آخرها في ١٣ مايو. كان واضحاً أن السلسلة توقفت فجأة. الشهر الفضيل لم ينتهِ بعد وباطرفي كان يرغب في أن يكون حاضراً طوال الشهر وهو الذي يحب الكاميرا والتحدث إلى الناس. فهو لم يتوانى عن مخاطبة أنصاره بعد  ثلاثة أسابيع فقط من إعلان تعيينه خلفاً لأبي هريرة قاسم الريمي الذي قُتل في ضربة أمريكية مطلع ٢٠٢٠. بيان التعيين كان في ٢٣ فبراير، وخطبة باطرفي بعنوان “إنما هي إحدى الحسنيين” كانت في ١٩ مارس ٢٠٢٠؛ وفيها خطّ استراتيجيته لما سيأتي: قضية التعامل مع الجواسيس.

تسجيل خالد باطرفي الجديد من سلسلة “تأملات”

تسجيل جديد منسلخ عن الواقع لباطرفي من سلسلة "تأملات".. قراءة في تفاصيله وأبعاده

إذاً، لماذا توقفت السلسلة فجأة في رمضان عند الدرس السادس عشر؟ قبل ذلك بيوم، أصدر التنظيم بيانا جاء فيه: “ولا تكن للخائنين خصيماً” الذي يرد على اتهامات ما صار يُعرف بجماعة النهديين. أبو عمر النهدي قاد حراكاً غير متمرد وإنما شاكٍ طلب فيه الإنصاف والعتق من الاتهامات الجزافية بالجاسوسية. وطلب ومن معه الاحتكام إلى أمير القاعدة أيمن الظواهري. باطرفي كان مكلفاً وقتها بأن ينقل المظلمة إلى خراسان؛ لكن لم يحدث ذلك. قُتل الريمي، فجدد النهديون المظلمة ضد باطرفي. سحقهم باطرفي في الخطاب وألمح إلى أنهم هم من كانوا يفتكون بـ”الجواسيس.” انتهت المسألة بأن أعلن النهديون الانشقاق عن تنظيم اليمن.

الحدث الآخر الذي تزامن مع انقطاع سلسلة “تأملات” هو اعلان مكتب التحقيقات الفدرالية الأمريكي قتل عبدالله المالكي، بوصفه قائداً بارزاً في التنظيم ونقطة الوصل مع منفذ هجوم بنساكولا فلوريدا في ديسمبر ٢٠١٩.

فهل استشعر باطرفي أنه لم يكن مناسباً نشر المزيد من تلك الدروس؟ هل انشغل بالاختباء هو وفريقه المقرّب؟ ربما. أغلب الظن أن الدروس سُجلت في جلسة واحدة تمتد كل منها ما لا يتجاوز ربع ساعة. وأغلب الظن أنها سُجلت قبل أن تعصف بالتنظيم مسألة النهديين واغتيال المالكي ومن معه، وأخيراً تسليم قيفة للحوثيين في الخريف الماضي.

 

إذاً، لماذا ينشر التنظيم هذا الفيديو الآن بعد ثمانية أشهر؟

في الواقع، قد لا يتجاوز الأمر قراراً فردياً بأن تضخ قنوات القاعدة الإعلامية أكبر كمية من الفيديوهات والبيانات منافسة إعلام داعش المركزي والمنتظم. وقد لوحظ في الأسابيع الأخيرة أن حساباتٍ قاعدية نشطة مثل وكالة ثبات ووريث القسام يحاولون إنعاش إعلام القاعدة بضخ أكبر عدد ممكن من الفيديوهات والبيانات حتى يقتربوا شيئاً فشيئاً من إعلام داعش المركزي والمنتظم. وكأنها محاولة للتصحيح. فلا يكاد يمر أسبوع إلا ونرى إصداراً من القنوات الرئيسة التابعة لقاعدة الصومال، أو اليمن أو غرب إفريقيا، ناهيك عن إصدارات القاعدة في شبه القارة الهندية وإن كانت بالأوردية. وفي الأسبوع الأخير هذا، كان واضحاً “التناغم” بين هذه القنوات. وهو تناغم نادر. مرة أخرى، إعلام القاعدة منسلخ عن الواقع: يجترّ ما لديه من مرئيات أو صوتيات ويعرضها بمناسبة وبغير مناسبة. وأوضح انسلاخ يظهر في “سحاب” القيادة المركزية.

بالرغم من ذلك، ما أن صدر بيان القاعدة المركزية في ٣ يناير بعنوان “إن عدتم عدنا” الموقع بتاريخ نوفمبر ٢٠٢٠ والذي تناول أحداثاً من أكتوبر الماضي، قام إعلام القاعدة في اليمن وغرب إفريقيا بتأكيد ما جاء في البيان وكأنهم يريدون تصحيح خطأ التوقيت.

ولنتذكر سلسلة “معاً إلى الله” التي يقدمها الظواهري زعيم القاعدة. بُثت الحلقة الأولى في ٢٩ ديسمبر ٢٠١٩، ولا تزال السحاب تنشر حلقاتها أو الترجمة الإنجليزية لحلقة سابقة وكل هذا حتى يظل الرجل “موجوداً.”

في الفترة الأخيرة، شاعت أنباء عن أن الرجل تُوفي في أكتوبر ٢٠٢٠. وآخرون يقولون إنه على الأرجح ممنوع من الظهور الإعلامي بموجب اتفاقية طالبان مع أمريكاً، أو ربما بحكم مرضه الشديد. المهم أن الرجل غائب.

فهل باطرفي غائب أيضاً؟ هل هو مشغول بانشقاق في صفوف التنظيم بعد “تفاهمات” ربما توصل إليها الرجل مع فاعلين آخرين على الساحة اليمنية؟ لا شيئاً أكيداً.

لكن ما يُشاع هو أن كثيرين باتوا ينشقون عن التنظيم غير راضين بما حصل في قيفة قبل أشهر عندما خانوا ثقة القبائل السنية هناك وتركوهم في مواجهة الحوثيين الذين سيطروا على المنطقة. وغير راضين بما يُقال إنه تفاهمات مع الحوثيين.