نتحدث عن هاربين من نار تنظيمات إرهابية، انخرطوا فيها وحاربوا إمّا من أجل معتقدات اكتشفوا لاحقاً زيفَها، وإمّا من أجل المال، فتحوّلوا إلى ذئاب تطارد الأبرياء هنا وهناك. لا يستغرق من يدخل نطاقَ التنظيمات هذه، وقتاً طويلاً حتى يدرك أنّه في الجهة الخاسرة في كلّ الأحوال، فيبدأ في التفكير بترك التنظيم، هروباً أو إنشقاقاً، لكن لذلك مخاطر، توصله في غالب الأحيان إلى التهلكة.

ويقول القيادي السابق في تنظيم القاعدة نبيل نعيم، في حديث لـ”أخبار الآن“، إنّ الشخص الذي يفكر بالإنشاق ليس غبياً، وهو لو أعلن انشقاقه أثناء تواجده داخل التنظيم سيقتل، ومعظم الراغبين بالانشقاق ينتظر الفرصة المواتية، مثلاً في حال تمّ إرساله بمهمّة بعيدة تمكنه من ذلك، فيعلن إنشقاقه وتعاونه مع الأمن… إنّما لو انشق بينما يكون داخل التنظيم، فذلك يحدث ضمن مجموعة مثل أبو محمد الجولاني الذي انشق عن تنظيم القاعدة ومعه أشخاص برفقته.. فمن ينشق بمفرده فهو غبي وسيقتل”.

ما الخطوة الأولى التي يتوجب على المنشق فعلها؟

يشير نعيم إلى أنّ “أوّل خطوة يجب أن يقوم بها المنشق هي الابتعاد الحيوي عن التنظيم، وتأمين نفسه لأنّه لن يتمكن من لعب دور العمالة وستتمّ تصفيته، وثانياً يجب أن يشرح للأمن دوره داخل التنظيم من أجل تقييم أهميته من أجل توظيفه بشكل سليم”.

يتابع: “إذا كان الشخص الراغب بالانشقاق يخشى أن تتعرض عائلته للأذى من قبل التنظيم، فهو يقوم بتأمينهم قبل الانشقاق (يسفرهم ويبعدهم عن الاماكن التي يستطيع التنظيم الوصول إليهم)، وعادة التنظيم عاجز وله حدود، وقدرته على العمل خارج مناطق معينة محدودة جدّاً، على عكس الحكومات، فهي أقوى وتستطيع الوصول إلى أيّ مكان. ويضيف: “كثير من الانشقاقات تحدث بنفس الطريقة ومع عائلاتها، وهناك أشخاص منشقين في مصر تعرضوا للقتل وتلك الحادثة معروفة باسم حادثة “عادل عوض” التي وقعت في منطقة الوايلي، والتي قتل خلالها شخصان أعلنا انشقاقهما داخل التنظيم. وفي غالب الأحيان، فإنّ معظم المنشقين ينفذون انشقاقهم بالتواصل مع الاجهزة الأمنية.

وسط هذه الأجواء التي يلفها الاضطراب، يبدأ الذي يفكر بالانشقاق، بتعبيد الطريق للعبور إلى بر آمن، واللجوء إلى السطات قد يكون الحل الأمثل. في هذا السياق، يقول نعيم لـ”أخبار الآن“: “هناك فرق بين الإنشاق وأن يكون الشخص عميلاً، فقد ينشق لعدم قناعته الفكرية، وقد ينشق لأنّه قبل التزامه بالتنظيم كان لديه تصور ذهني عن التنظيم وأعماله، لكنّه وعند انخراطه يكتشف أن أعمال التنظيم غير الذي كان يفكر فيه ويتصوره”.

الانشقاق نواة تفكك التنظيمات الإرهابية.. كيف يمكن لمنشق الهروب من النار وما عواقب تلك الخطوة؟

الإنتقام أو تأمين نفسه

وتابع: “أمّا في حال أراد أن يلعب دور العميل، فذلك لسببين إثنين، إمّا الانتقام من التنظيم، أو محاولة تأمين نفسه والعودة إلى أسرته من خلال التعاون مع سلطات الأمن وتزويدها بمعلومات مخفية عن التنظيم”. وأردف: “هناك أشخاص يلجؤون إلى ذلك عندما يلاحظون أنّ التنظيم ينهار، فيحاولون القفز من السفينة والاستسلام، لكن هؤلاء الأشخاص في الإجمال لا يلقون المعاملة الجيدة من الأمن، فإذا كان الشخص غير متورط بشيء يتمّ تأمينه وإخلاء سبيله، أمّا إذا ثبت تورّطه فلن يلقى مساعدة من الأمن”.

واضاف نعيم: “المال له دور طبعاً، لكن الأشخاص الذي يمتلكون عقيدة لا يتأثرون به… وعلى سبيل المثال الشخص الذي يفّجر نفسه لا يمكن لأحد إقناعه بالمال ليصبح عميلاً.. فهو بحاجة لإقناع فكره بأنّ التنظيم غير جيد، فيبدأ بالتعاون الأمن أو الهروب من التنظيم بالإنشقاق”.

وأشار إلى أنّ “معظم التنظيمات تضم أشخاصاً أغنياء وميسورين، فمثلاً أيمن الظواهري ليس فقيراً، واسامة بن لادن كذلك الأمر، وقد قابلت أشخاصاً كثراً مرتاحين من الناحية المادية، لكن عندما يقتنع الشخص بأنّ التنظيم على خطأ، فهو يسعى للانتقام من التنظيم ويتعامل مع الامن، أو للهروب من التنظيم وتعمل على تأمين نفسه ويعود لحياته الطبيعية”.

 

الانشقاق نواة تفكك التنظيمات الإرهابية.. كيف يمكن لمنشق الهروب من النار وما عواقب تلك الخطوة؟

عوامل أخرى لتشتت التنظيمات.. الهزيمة الفكرية وتساوي الرؤوس

يتابع نعيم لـ”اخبار الآن“: “أكتر ما يؤدي إلى تفتت التنظيمات هو الهزيمة الفكرية، ومن المعروف أنّ التنظيم يحمل فكراً، والقاعدة تقول إنّ سلوك الانسان وليد فكره.. فإذا تمّت هزيمة التنظيم فكرياً وظهر أنّ أفكاره غير متوافقة مع الشريعة، وأنّها مخالفة ومعارضة للأصول الشرعية، سيبدأ التنظيم بالتحلّل والتفكك، وهذا ما حصل مع تنظيم التكفير والهجرة الذي كان موجوداً في مصر.

الأمر الثاني، إذا كانت القيادات متساوية في الرؤوس ومستواياتها القتالية والعلمية متساوية كذلك، فلن يقبلوا بأن يسيطر عليهم شخص واحد لأنهم يشعرون أنّهم متشابهون، الأمر الذي يسهّل تفتتهم وانشقاقاتهم، إلّا في حال وجود شخص يعتبر “طفرة”، وشارك في معارك لم يشارك القادة فيها، وأيضاً شارك في أحداث كبيرة تاريخية، فستكون السيطرة له ويخضع الجميع له.

 

الانشقاق نواة تفكك التنظيمات الإرهابية.. كيف يمكن لمنشق الهروب من النار وما عواقب تلك الخطوة؟

ما هي الفائدة التي يقدمها المنشقون للأمن؟

يشرح نعيم أنّ “هناك فائدة يقدما المنشق للأمن، وفائدة يقدمها لنفسه كذلك، تتمثل بإسقاط المحاكمات والتهم عنه، وبالتالي يحصل على تأمين لنفسه وعائلته بعيداً عن التنظيم كما حصل مع اشخاص أثناء عملهم بتنظيم الجهاد، حيث تمّ تسفيرهم، ولم يتمكن التنظيم من الوصول إليهم”.

وتابع: “جميع الأشخاص الذين ينخرطون في التنظيمات الإرهابية يتميزون بالجرأة في اتخاذ القرار، حتى لو كانت هناك مخاطر، وأوّل ما يدفعه للإنشقاق كرهه التنظيم. وهناك أشخاص التحقوا بالتنظيمات ووجدوها تغتصب النساء أو أنّ المسلم يقتل المسلم كما حصل في أفغانستان عقب خروج القوات السوفياتية عندما اصطدم الأفغان بعضهم البعض، حقاني ضرب رباني ورباني ضرب سياف، ونظرنا إليهم على أنّهم مجرمون. فيجب على المنشق الاقتناع بكرهه للتنظيم، ويبحث عن كيفية خروجه وانتقامه منه، بالإضافة إلى عوامل قد تساعده في ذلك، مثل استيعاب الدول والحكومات لهم”.

اختراقات نتيجة العمالة

يقول نعيم: “للأسف الشديد ومن بعد مقتل أسامة بن لادن، كثر الإختراق، كما حصل مع ناصر الوحيشي الذي قتل بإرشاد طائرة مسيرة، ومن بعده قاسم الريمي والعولقي، وتمكنت فرنسا أيضاً من قتل 40 شخص من القاعدة في شمال المغرب، وتمّ تفجير اجتماع شمال سوريا لقيادات القاعدة، وكلّ ذلك نتيجة العمالة”. ويضيف: “العملاء يندرجون تحت احتمالين، إمّا شخص نجحت المخابرات في زرعه وهو أصلاً ليس من التنظيم، وذلك أخطر أنواع الإختراق لكنه يمتلك خلفية اسلامية معروفة للتنظيم، ويسعى الاخيره لتجنيده طمعاً بانظمام كواحد من الدعاة المعروفين، وتطلب منه المخابرات في نفس الوقت الاستمرار بدوره بالتنظيم. وذلك الشخص يكون خطيراً جدّاً ويرشد الأمن إلى أماكن التجمعات والقيادات. وإمّا أن يكون منشقاً عن التنظيم ويتواصل مع المخابرات التي تخبره بدورها بعدم كشف انشقاقه وبضرورة وأهمية البقاء داخل التنظيم”.

الانشقاق نواة تفكك التنظيمات الإرهابية.. كيف يمكن لمنشق الهروب من النار وما عواقب تلك الخطوة؟

الهزائم المتكررة ترهق التنظيمات

ومع هذه الأهمية، فالبعض أو الكثيرون قد لا يلقون معاملة جيدة تشجعهم على المضي في التعامل مع السلطات أو الانخراط بالمجتمع من جديد. ويقول نعيم لـ”أخبار الآن“: للأسف الشديد، قد ينجح المنشق بلعب دور العميل، لكن كثيراً من الاشخاص ينشقون والسلطات لا تستوعبهم ولا يحصلون على وظائف، ويتعرضون للضياع، والمفروض أن يتم توفير الوظائف لهم ليعتاشوا منها، وذلك على ما أظن، لا يحصل في مصر وهناك كثير من المنشقين لم تسأل الحكومة بهم”.

وتابع: “الإنشقاقات التي تحدث داخل التنظيمات لا تأتي من تشجيع الحكومات، بل من:

  • الهزائم المتكررة التي تؤدي إلى التمرد والاختلاف على القيادة.
  • الأمر الثاني يتمثل بفشل التنظيم بتحقيق أهدافه كما حصل مع الاخوان المسلمين.
  • وثالثاً إفلاس التنظيم فكرياً ومادياً، لأنّ إفلاس التنظيم مادياً يفقده القدرة على المحافظة على قواعده وأفراده، ولو توقف التمويل التنظيم حتماً سينهار”.

الانشقاق نواة تفكك التنظيمات الإرهابية.. كيف يمكن لمنشق الهروب من النار وما عواقب تلك الخطوة؟

ويختم نعيم: “يتوجب على الحكومات أن تهزم تلك التنظيمات وتفشلها، فعندما ينهزم داعش سيتعرض للإنشقاقات.. ففي حال استمرار داعش مثلأً بالإنتصار لن يشهد انشقاقات، كما حصل معه عندما احتل الموصل والرقة وتمكن من احتلال أراض تفوق مساحة فلسطين بخمس أضعاف. لذلك على الحكومات أن تغرق تلك التنظيمات بالمشكلات التي تضرب التنظيم، مثلاً قطع التمويل واستهداف القيادات وهزيمة التنظيم على الارض وفكرياً”. ولفت إلى أنّ “التنظيمات الارهابية عندما تتخلى عن السلاح تنهار، فتحاول قيادات إحياء التنظيم من جديد عبر القيام بعمليات إرهابية مبهرة كما حصل مع تنظيم القاعدة واصبح قوياً بعد أحداث 11 سبتمبر. فكلّ التنظيمات قائمة على التمويل الذي يعد أهم جانب، وفي حال توقف التمويل عن أيّ تنظيم سينهار ويتفتت”.

وأكّد نعيم لـ”اخبار الآن” أنّ “مشكلة القاعدة أنّها تشرذمت في الأرض، فباتت القاعدة في بلاد اليمن وليبيا والمغرب وسوريا، وفقدت مركزيتها، خصوصاً مع خبر موت أيمن الظواهري، الذي يعني أنّ التنظيم سيضيع لأنه كان آخر قيادة متميزة تستطيع السيطرة على القيادات الأقل منها، وستحصل انشقاقات بعد موته خصوصاً بعد قتل الكثير من القيادات”.

المرحلة القادمة لن تكون خفيفة على صدر التنظيمات التي تسعى جاهدةً، لإعادة إحياء هيكلها. ومع توالي الإنشقاقات، الهزائم ستكون سمة المرحلة وعنوانها، خصوصاً أن التنظيمات الإرهابية تتلقى ضربات موجعة في مناطق مختلفة، وهي تتارجع وفق ما يقول مراقبون لشؤون هذه التنظيمات، يبقى أن على السلطات معرفة كيفية الإستفادة من كنز المعلومات، بحرفية ودقة.