خيبات الأمل المتلاحقة التي طالت غالبية المنخرطين في صفوف التنظيمات الارهابية على خلاف مسمياتها، والمصير الأسود الذي طال من سبقهم وينتظرهم، ويهدد عائلاتهم أيضاً، بات يحتم عليهم الهروب من دائرة اللهب التي ستأتي على آخر الفرص التي ستجنبهم أن يكونوا حطباً لمعارك خاسرة، اكتشف أن لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

فالإنتماء إلى التنظيمات الإرهابية ليس أمراً صعباً، خصوصاً أنّ البروباغندا التي تستهدفُ جذب الشبّان، تصوّر عالم الإرهاب على أنّه طريق للخلاص، وهي تعتمد على عناصر عديدة منها، محاربة الكفر والدفاع عن الدين والعرض والشرف، ويبقى على الشبّان فقط، إثباتُ الولاءِ وتأكيدُ البيعة. والنظرة إلى التنظيمات المتطرفة من الخارج، تختلفُ تماماً عن الحياةِ في دائرتِها، أو التعايشِ مع تفاصيلِها، أو بتعبيرٍ آخر، الإنغماسْ فيها، وهنا سرعان ما يتحول الإنشقاق أو الهروب، إلى فكرة ترواد كل شخص كان انتمى بدوافع انفعالية أو مادية.. وفي منطقِ هذه التنظيمات، القتلُ مصيرُ كلِّ عنصرٍ خائن، بتهمةِ الكفر إذاً.

حالات الإنشقاق والهروب من براثن الإرهاب، لم تكن وليدة اللحظة، هناك ما وُثّق منها، فيما البعض الاخر فضل السكوت والعودة إلى حياته الطبيعة، ليتجنب خطر الملاحقة والتصفية من قبل اذرع التنظيمات الإرهابية. “أخبار الآن” وعلى مدار سنين طوال، التقت بأشخاص منشقين عن تلك التنظيمات، منهم من تبوأ مناصب هامة، وآخرون كانوا مجرد ارقام تنتهي قيمتهم ومهمتهم فور قتلهم.

الهاربون من النار.. بوادر التململ من التنظيمات الارهابية ليست جديدة وهذه شهادات قديمة تثبت ذلك

كاريكاتير يوضح حالة الإنشقاقات في صفوف التنظيمات الإرهابية والتحول إلى مخبرين

قادة لا يستحقون البيعة

قد يكون هناك أسباب عديدة دفعت وتدفع مقاتلي التنظيمات الإرهابية الى الإنشقاق، لكن سخط العناصر تجاه القادة غير الأكفياء بنظرهم، دفعهم الى ذلك. ويلاحظ المتابع لشؤون الجماعات الإرهابية خصوصاً في الوقت الذي تشهد به تلك الجماعات تغييرات في قياداتها، كثيراً من الخلافات التي تحدث عنها المنشقون لـ”أخبار الآن“، وتتمثل بانتقاد خبرات القادة من الناحية العملية والعلمية، وسعي الكثير من القيادات لتحقيق مصالحهم الشخصية، وبطشهم بعناصر الصفوف الأدنى لضمان استمرار بقائهم، ناهيك عن انقلابهم على مبادىء التنظيم الرئيسة التي اتخذوها كشعارات بهدف التجنيد.

اكتشاف حقيقة انهم في الطريق الخطأ

انحراف التنظيمات الإرهابية وانكشاف حقيقتها المخيبة للآمال بالنسبة للمقاتلين دفعهم إلى الإنشقاق بوتيرة مختلفة، إذ لاحظ اتباع التنظيم المنخرطون في جبهات القتال الرئيسة أنّ غالبية أهدافهم هم من المدنيين والأبرياء الذين لا ذنب لهم بالمعارك. ومع زيادة المدة التي يقضيها المقاتل داخل التنظيم وتنقله في مهام مختلفة، تكونت له بطبيعة الحال صورة أكثر وضوحاً عن التنظيم مقارنةً بالفترات الأولى لانضمامه، خصوصاً عندما يجد نفسه خصماً لأقاربه وأبناء منطقته الذين يدرك بأنهم أبرياء، الأمر الذي يسرّع بانشقاقه وهروبه لأنّه اكتشف أنّه في الطريق الخطأ.

عدم البقاء في الجانب الخاسر ومواجهة السلطات

يسعى العنصر الملتحق بالتنظيمات الإرهابية بهدف الإرتزاق لاختيار التنظيم الإرهابي الاقوى والأكثر استمراراً، لضمان استمرار حصوله على المكافآت المادية التي دفعته أساساً للإلتحاق والانخراط في ذلك العمل. وفي ظل سيناريوهات النكسات التي تعرض لها تنظيم القاعدة على سبيل المثال، اندفع كثير من مقاتلي التنظيم للانشقاق والهروب، منهم من التحق بتنظيم داعش المنافس للقاعدة، والبعض الاخر فضل العودة الى حياته الطبيعية والاندماج في المجتمع، في حين توجه قسم كبير للتحول الى مخبر يتعاون مع السلطات لقاء المكافآت التي تقدمها حكومات الدول بهذا الخصوص، لكن في الدرجة الأولى بغية النجاة من مصير اسود محتوم.

إنقاذ حياتهم وعائلاتهم

توالي الهزائم والخسائر التي تعرضت لها التنظيمات الإرهابية، جعلت مصير جميع اتباعها تحت تهديد الضربات العسكرية المستمرة والمتلاحقة التي تنفذها الدول في إطار ما يسمى الحرب على الإرهاب، الامر الذي دفع كثيراً من المقاتلين للانشقاق حفاظاً على أنفسهم في الدرجة الاولى، وليجنبوا عوائلهم ذاك المصير المحتوم في حال كانوا برفقتهم، هذا من جهة، ولعدم تعريضهم للملاحقات الأمنية المتعلقة باستجواب السلطات المحلية لهم، وما سيترتب على ذلك من صعوبات في حال عودتهم الى الحياة الطبيعية من جهة أخرى.

الإنشقاقات تزعزع التنظيمات وتقضي على ثقة الأشخاص بعضهم ببعض

وتعقيباً على مسألة الإنشقاق الذي تعيشه التنظيمات الإرهابية، أجرت “أخبار الآن” مقابلة مع الخبير في شؤون الأمن ومكافحة الإرهاب موسى القلاب، فأكّد أنّ السبب الرئيس في الإنشقاقات الحاصلة هو انهيار التنظيمات الإرهابية بعد وصولها الذروة. وقال: “تنظيم داعش في العراق وسوريا عندما كان يشكل جيشاً كاملاً بآلياته ومعداته وأسلحته، وفي فترة كانت فيها عمليات الاستقطاب والتجنيد في أوجها، بدأ التحالف الدولي في ملاحقة التنظيم وتدميره لينهزم في العام 2017. وتلك المرحلة ولغاية 2020، هناك تفكك وتراجع كبيرين للتنظيم باستثناء بعض البؤر المنعزلة في شمال شرق سوريا، وأيضاً في المناطق الغربية والشمالية من العراق”. وأضاف: “بالنسبة لتنظيم القاعدة في أفغانستان، تراجع كثيراً وتفكك وغابت قياداته الرئيسية من الصف الأول، لذلك لا بد أن نرى أنّ هناك تحولاً جذرياً سيجري على توظيف وتجنيد العناصر الإرهابية مع تلك التنظيمات، وقد ينطبق ذلك على أفريقيا في المستقبل”.

وتابع الخبير في شؤون الأمن ومكافحة الإرهاب، أنّ “فرضية انشقاق المقاتلين وتحولهم إلى مخبرين، لا تنطبق على جميع الأشخاص، وأنّ العناصر الضعيفة ايديولوجياً الذين لم يتم تجنيدهم بناءً على فكر إيديولوجي وقناعة تامة بأهداف التنظيم الإرهابي ورسالته الجهادية العالمية، باعتقادي أنّه عند انكشاف التنظيم وتراجعه، سيتوجه أولئك الأشخاص الضعفاء وبسرعة إلى السلطات في مختلف الدول وتزويدها بمعلومات تفيدها”.

واعتبر القلاب أنّ “أؤلئك الاشخاص المنشقين هم بمثابة مصدر للمعلومات الاستخبارتية، خصوصاً عندما يتمّ استجوابهم من قبل هيئات استخباراتية محترفة لديها خبرات مهمة في انتزاع الأجوبة والمعلومات وتنسيقها وتصنيفها، والحصول منها على تقارير مهمة”، مشيراً إلى أنّه “بإمكان تلك الهيئات معرفة الصحيح من الخطأ أو الكذب من الصدق في ما يتعلق بالمعلومات المقدّمة من المنشقين الذين تحوّلوا إلى مخبرين يتعاونون مع السلطات لتحقيق اهداف خاصة بهم”.

وأكّد القلاب أنّ “تلك الإنشقاقات لها جوانب سلبية على التنظيمات، وتفقد العناصر الموالية العاملة ثقة قياداتها بها، ما يتسبب بحالة فقدان ثقة عام داخل التنظيم، جرّاء خوف القيادات من تمرير العناصر المعلومات المهمة للسلطات”، لافتاً إلى أنّ العناصر أيضاً سيتخوفون من بطش قادتهم بهم جرّاء تلك الحالة من انعدام الثقة، كما حصل مع زعيم فرع تنظيم القاعدة في اليمنخالد باطرفي، الذي شكك بجميع مَنْ حوله ونفّذ بحق بعضهم اعدامات بتهمة التجسس.

ومن هنا، فإنّ المرحلة المقبلة لا شك أنّها ستكون محفوفة بالخيبة تِلوَ الأخرى، إذ أن العناصرَ المنشقة التي غرر بوعود كاذبة في البداية، تشكل مصدر قلق للقيادة، وهكذا تكون بذرة تدميرِ التنظيماتِ هذه داخلها.