إنّه التداعي الكبير الذي يعيشه تنظيم القاعدة منذ سنوات مضت وحتى اليوم، وارتفعت وتيرة هذا الإنهيار مؤخراً مع الإزدياد في حالات الإنشقاق الذي جعل الفوضى تعمّ التنظيم، وانشقاق بعد آخر، كرّت سبحة الإنشقاقات  في مختلف مناطق انتشار القاعدة.

عندما تنقلب القاعدة على نفسها!

نكسات كثيرة تعرّضت لها القاعدة، في سوريا واليمن وشمال أفريقيا، وكلّ ذلك يحدث على غياب غير معهود لزعيم التنظيم أيمن الظواهري، الذي تحدّثت المعلومات عن وفاته مؤخراً. فإلى جانب الإنشقاقات التي نتجت جرّاء الصراع على النفوذ والانتقال إلى تنظيمات أخرى لا سيما مع ظهور تنظيم داعش في العام 2014، ظهرت موجة أخرى من الإنشقاقات التي جنحت باتجاه الخلاص والعودة إلى الحياة الطبيعية، ما بعد الإنخراط في الجهاد.

مخبرون من القاعدة!

ضعف القاعدة وتقهقرها دفع أفرادها إلى العمل مع السلطات لتقديم القادة إلى العدالة ووضع حدّ لهذا التنظيم، الذي تعني خسارته نهاية وشيكة، إذ أنّ عدداً من أفراده تحوّلوا إلى مخبرين حول العالم، بما في ذلك القاعدة سوريا واليمن وشمال أفريقيا وأفغانستان.

بذرة تدمير القاعدة موجودة داخلها، فالعصابات والمافيات الأيديولوجية والجماعات الإرهابية تقوم بإغراء البعض في البداية، لكن دائماً ما تفشل هذه العلاقة، ومعظم الذين يقعون في أيدي الجماعات الإرهابية يكتشفون في النهاية أنّ أفضل خيار لهم هو أن يتحوّلوا إلى مخبرين، لإتقاذ حياتهم من جهة، والإنتقام من القاعدة التي كانت سبب معاناتهم.

البحث عن فرصة

البيعة… أكبر كذبة على الإطلاق. فالأسلوب الذي يعيش به أفراد القاعدة، ويختبئون ويموتون، تفتقر إلى الشرف، فلا يوجد ولاء، فيما البيعة ليست سوى آداة تحكم في أيدي قادة القاعدة غير الأكفياء والفاسدين.

وقد أظهرت الدراسات أنّ تسعين في المئة من أفراد القاعدة يتعاونون مع السلطات في نهاية المطاف، أمّا الـ10 في المئة المتبقية، فهم يريدون التعاون أيضاً لكنّهم يبحثون عن فرصة. والأذكياء هم أولئك الذين يكتشفون عدم جدوى السير في طريق القاعدة قبل فقدان حياتهم أو أطرافهم.

هل تعلم أن زعيم داعش كان مخبراً؟!

عندما تنقلب القاعدة على نفسها، ويحاول قادة مثل خالد باطرفي مطاردة الجواسيس داخل التنظيم، يدرك الجميع أنّه سيتم اتهامهم عاجلاً أم آجلاً بالتجسس، مع أو من دون أدلّة، لذا قرّروا الفرار وإنقاذ أنفسهم.

ضعف القاعدة من الداخل بسبب المخبرين ليس أمراً مستغرباً، فذلك في الواقع شائع جدّاً في التنظيمات والمافيات الجهادية الأخرى، وراهناً يعرف العالم أن زعيم داعش كان مخبراً.

كما أنّ المطاف انتهى بإثنين من أكبر زعماء مافياً المخدرات في التاريخ، إل تشابو وإيل مايو، بالعمل كمخبرين، وماضي الظواهري كذلك، مليء بأحداث غير قابلة للتفسير، ولا يمكن فهمها إلّا إذا سرّبت معلومات عن أعدائه الداخليين.

يكتشف الإرهابيون أن قادتهم لا يستحقون ولاءهم، وذلك أحد العوامل الرئيسية لقرارهم التعاون مع السلطات، لكن ثمّة سبباً آخر قوياً، وهو أنّ  السلطات تملك موارداً ووقتاً وفيراً، وفي الواقع، فقد أصبح من الواضح حتّى لأكثر المؤيدين والمتحمسين، أنّ أيّ حرب للقاعدة، لا يمكن الفوز بها.

حسنة التائبين“!

لقد أصبح الأمر أسهل من أيّ وقت مضى، خصوصاً في عصر شبكات التواصل الاجتماعي، إذ أنّ الإرهابي الذي يدرك أنّ طريقه لا يوصله إلى أي مكان، بات بإمكانه التواصل مع السلطات، أو حتى وسائل الإعلام، للبدء في التعاون.

في المحصلة، يمكن للإرهابيين التائبين إحداث فرق كبير من خلال هذا التعاون، لاسيما أنّهم يملكون معلومات قيّمة، وبذلك هم لا ينقذون أنفسهم فحسب، لكن يساهمون في إنقاذ الآخرين من أيدي التنظيمات المتطرّفة أيضاً. وفي جانب إنساني كذلك، ستكون عائلات أولئك التائبين أكثر المستفيدين، فالزوجات والأطفال هم الأكثر تضرراً، ويمكّن ترك التنظيم التأئبين من لمّ شمل العائلة، وذلك أكبر هدية لزوجة وطفل يعاني.