أهلا بكم إلى حلقة هذا الأسبوع نغطي فيها الفترة من ١٨ إلى ٢٤ أكتوبر ٢٠٢٠. في العناوين:

– تآكل الصف الأول من القاعدة: أنباء عن قتل حسام عبدالرؤوف عضو شورى التنظيم ومسؤوله الإعلامي؛ ونظرية اغتيال أبي محمد المصري نائب الظواهري

– من بقي في إدلب يزاحم الجولاني؟ التحالف يقتل مستقلين ومنشقين؛ وجناح صوفان/الجولاني يسيطر على مقرات الفوعة وأريحا

– عام على قتل البغدادي وتنصيب أبي إبراهيم الهاشمي خليفة لداعش. أين التنظيم اليوم؟

ضيف الحلقة: تام حسين، الصحفي في تلفزيون ITV البريطاني، والحائز على جوائز عالمية عن عمله الاستقصائي المتخصص بالجماعات الجهادية. حسين شارك مع عبدالله أنس (صهر عبدالله عزام) في تأليف كتاب: “إلى الجبال: حياتي مع الجهاد من الجزائر إلى أفغانستان To the Mountains: My Life in Jihad, from Algeria to Afghanistan”

المرصد 59 | عام على قتل البغدادي وتنصيب أبي إبراهيم الهاشمي خليفة لداعش. أين التنظيم اليوم؟

ويمكن الاطلاع على أعماله كاملة في الموقع https://www.tamhussein.co.uk.

القاعدة

نقل صحفيون أفغان عن مصادر رسمية أن الفرقة الخاصة في جهاز الدفاع القومي تمكنت من قتل حسام عبدالرؤوف، مسؤول القاعدة الإعلامي ومساعد الظواهري. عبدالرؤوف أو أبو محسن المصري، ويُعرف أيضاً باسم عبدالهادي مصطفى، هو عضو مجلس شورى قيادة تنظيم القاعدة. ويُعتقد أنه كان التالي في زعامة التنظيم خلفاً للظواهري. لدينا ملف كامل عن هذا الخبر هنا.

وهذا الأسبوع تتبعنا خبراً غريباً ورد في حساب على تويتر اسمه (أنباء جاسم) معروف بقربه من القاعدة. الحساب توقف فلم نستطع تتبع الخبر من خلاله. الخبر يقول إن أبا محمد المصري، نائب الظواهري، اغتيل في طهران مطلع أغسطس وأن أكثر من جهة غطّت على الخبر وقالت إن المقتول هو إيراني أو لبناني من حزب الله، اسمه حبيب داوود أو داوودي. اغتيل مع الرجل شابة قالت السلطات الإيرانية إنها ابنته واسمها مريم. هذا الحساب يقول إن المقتول هو أبو محمد المصري وأن مريم هي ابنته وأرملة حمزة بن أسامة بن لادن. وخلص إلى أن القاعدة تتستر على النبأ حتى لا تُحرج “الضيافة الإيرانية”. نذكر أنه عاش ويعيش في إيران كبار قادة القاعدة الذين فروا من أفغانستان عقب الغزو في ٢٠٠١. أطلق سراح البعض في صفقة مع القاعدة في اليمن، وبقي آخرون منهم المصري وسيف العدل يعيشون بحرية باستثناء مغادرة البلاد. لماذا نلاحق هذه القصة؟ فيها ما يدعونا إلى السؤال: لماذا قيادة القاعدة أو أنصارها المتنفذون لا يؤكدون أو ينفون الخبر؟

المكتب الإعلامي في حزب الله قال لي إن المقتول ليس لبنانياً. ومصدر في طهران قال إن المقتول ليس إيرانياً، ولا لبنانياً ولا سورياً ولا فلسطينياً. هل الرجل على قيد الحياة أم أنه مات؟

الملف كاملاً هنا.

حركة أحرار الشام

ماذا يحدث في حركة أحرار الشام؟ حركة أحرار الشام، أكبر مكونات الجبهة الوطنية للتحرير التابعة للجيش الوطني السوري وهو نسخة أخرى من الجيش الحر. في ١٢ أكتوبر، قرر قائد الحركة جابر علي باشا ونائبه علاء فحام أبو العز أريحا عزل أمير قطاع الساحل أبي فارس درعا. لكن أبا فارس رفض القرار؛ وسانده قائد الجناح العسكري عناد درويش أبو المنذر وأيّدهما حسن صوفان القائد السابق للحركة.

هيئة تحرير الشام آزرت الرافضين بأن أقامت حواجز في المنطقة واعتقلت قائد المغاوير الموالي لجابر علي باشا. صوفان، في بيان نشره وقتها، رفض أن يكون مؤيداً للتمرد لكنه اتهم جابر علي باشا بالتهور وتدمير الحركة ودعا إلى تغييره. وأبو المنذر دعا إلى إعادة تنصيب صوفان. أبو العز أريحا تفاوض مع صوفان وجماعته للتوسط عند الهيئة وإطلاق سراح المعتقلين وانسحب من المنطقة وقتها. في ٢٠ أكتوبر، أصدرت قيادة الحركة قراراً بعزل أبي المنذر وإعادة هيكلة قيادة الألوية. ويبدو أنه تمّ الاتفاق على عقد جلسة صلح لكنها لم تنجح.

في ٢٣-١٠ توجهت أرتال الهيئة وحاصرت مقرات الأحرار في الفوعة وأريحا. جابر علي باشا وصف ذلك بـ طعنة جديدة تُطعن بها الحركة. وفي المساء ترددت أنباء أن الحركة اتخذت قرار عدم المواجهة وأن صوفان والهيئة يسيطرون على أريحا والفوعة. هيئة تحريرالشام أصدرت بياناً تخلي فيه مسؤوليتها عمّا حدث. يقول البيان: إنهم تفاجأوا بما حدث، وإن الاقتتال شأن داخلي، وإنهم جمعوا الطرفين وعرضوا عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل النزاع وتمت الموافقة ولكن قيادة الحركة عادت عن الاتفاق، وإنه تناهى إلى أسماع الهيئة نية صدام عسكري بين الطرفين، وإن من سيطر على المقرات في الفوعة وأريحا هو أحد طرفي النزاع من دون أن يُسميه البيان. ويختم بيان الهيئة بأنهم حفظاً لأمن المنطقة سيسعون إلى حل يُرضي الطرفين.

حساب الأحرار قال: “إن هيئة تحرير الشام تحاول حسم الأمر لصالح بعض الأشخاص الإنقلابيين، ضد القيادة الشرعية للحركة”. وإن الهيئة تأخذ “دور الحمل الوديع المصلح وما هم إلا الثعلب المكار.”

الخلاصة: ما يحدث في حركة أحرار الشام هو محاولة الجولاني إضعاف الجماعات الأخرى وتذويبها أو ضمها إلى مجلس عسكري يسيطر عليه.

غارة جكارة

في ٢٢ أكتوبر، قال الجيش الأمريكي إنه قصف مزرعة في قرية جكارة قرب سلقين شمال غرب إدلب اجتمع فيها رجال على وليمة عشاء. ماذا نعرف ولا نعرف؟

عدد القتلى لا يقل عن عشرة أشخاص؛  الوليمة كانت مجلس صلح، لكن لا نعرف بين من ومن؛ الجيش الأمريكي قال إنه استهدف قادة من القاعدة من دون أن يُسمّيهم؛ الإعلام الصادر من إدلب أكّد قتل قياديين وُصفوا بأنهم يعارضون الهيئة، بالإضافة إلى أبناء عشائر مثل شيخ العكيدات أبي حسن شاش، وعناصر تعمل مع هيئة تحرير الشام.

تأكد مقتل: أبو طلحة الحديدي، أمير كتائب الفتح، ونائبه حمود سحارة؛ وهذا هو الرجل الأهم. موقع أورينت نيوز كتب ملفاً ممتازاً عن الرجل. حمود سحارة هو حمود كني. انضم إلى القاعدة في سن مبكرة.

سافر إلى العراق في ٢٠٠٣ وعاد في ٢٠٠٨ حيث اعتقلته قوات الأسد وسُجن في صيدنايا. أطلق سراحه في ٢٠١١ ليؤسس جبهة النصرة، فرع القاعدة في الشام، مع خاله عبدالقادر رمضان الديبو الذي قُتل في ٢٠١٢ وهو العام الذي وصل فيه الجولاني إلى الشام واستلم زعامة الجبهة. أما حمود فظلّ والي حلب. بعد خلاف الجولاني مع القاعدة، اعتزل حمود هيئة تحرير الشام رغم أنه ظلّ والياً على قطاع البادية؛ لكنه كان يديره عبر أبي طلحة الحديدي. مع تأسيس حراس الدين، انضمّ حمود إلى التنظيم أياماً معدودات ليغادره إلى أنصار الدين ثم أسس مع أبي طلحة الحديدي وعصام التونسي “كتائب الفتح”. في حزيران ٢٠١٨ أصدر أبو طلحة وحمود بياناً عن إنهاء العمل مع الهيئة للأسباب التالية: دخول الهيئة في تفاهمات سياسية مع دول أخرى” في إشارة إلى تركيا، واعتبار ذلك “إغلاقاً لباب الجهاد”، الصراعات الداخلية، “وغموض الهيئة.”

تأكد أيضاً قتل أبي حفص الأردني وهو حلبي عاش في الأردن وكان أمنياً في “جبهة النصرة” عام ٢٠١٦. عصام الخطيب الذي كان قاضي تحقيق في هيئة تحرير الشام قبل أن ينشق عنها قال إن أبا حفص كان يتولى ملف الطيران في الهيئة وهو من الملفات الأمنية الحساسة وإن الرجل أعفي من هذا الملف لكن ظلّ عنصراً في الهيئة.

وهذا يأخذنا إلى جدل دار حول ولاءات المقتولين. معارضو الهيئة قالوا إن المزرعة تعود إلى سامر سعاد وهو أمني يعمل في الهيئة ويختص بتهريب الأفراد والبضائع من وإلى تركيا. لكن المكتب الإعلامي لهيئة تحرير الشام نفى أن يكون الاستهداف طال أي قيادي في الهيئة. بعد يومين وعلى غير العادة، قدمت الهيئة التعزية بالقتلى في بيان رسمي. لفت في البيان ما يلي: الاجتماع المستهدف كان مدنياً لمناسبة اجتماعية، حضرها وجهاء عشائر وقيادات عسكرية مستقلة ومدنية، الهيئة تدين “الجريمة” لانها تمت دون بينة واضحة أو محاكم عادلة. نذكر أن الهيئة لا “تعزي” بمن يستهدفه التحالف ولا يذكره إعلامها. ونذكر أن الهيئة اشترطت على تنظيم حراس الدين في الاقتتال الأخير بألاّ يعزوا فيمن يُقتل. ولهذا جاء البيان مفاجئاً. لكنه أثار سخرية المعارضين الموالين للقاعدة. يقول حساب معارض: “شر البلية ما يضحك .. وكأن استهداف التحالف لأبي خديجة الأردني وخلاد والقسام .. كان بعادلة وبينة واضحة حتى لم تخرج الهيئة بيان تنديد فيهم.”

عام على قتل البغدادي وظهور الخليفة الغائب

في ٢٦ أكتوبر العام الماضي ٢٠١٩، قُتل أبو بكر البغدادي، زعيم داعش، في عملية لقوات التحالف في قرية باريشا غرب إدلب. وفي اليوم التالي قُتل وزير إعلامه أبو الحسن المهاجر. بعد أيام أعلنت قنوات داعش الرسمية أن المتحدث الجديد باسم التنظيم هو أبو حمزة المهاجر القرشي عندما أطلّ بكلمة صوتية أعلن فيها اسم الخليفة الجديد: أبا إبراهيم الهاشمي القرشي. في هذا الأسبوع، وتحديداً في ١٨ أكتوبر، بثت قنوات داعش كلمة جديدة للمهاجر. الكل توقع أن يكون في الكلمة ما يشي بهوية الخليفة الغائب منذ عام.

لكنها حقيقة لم تأتِ بجديد. نفس الإنشاء الحماسي الذي اعتدناه. وهنا استعراض لما جاء فيها.

ويبدو أن أنصار داعش شعروا بخيبة أمل من عدم ظهور هذا “الخليفة”.  فسرعان ما نشروا عبارات تجديد البيعة.

في اليوم التالي لكلمة المهاجر، أعلن داعش أنه هاجم سجن كانغبايي في الكونغو وأطلق سراح ألف وثلاثمئة شخص. لم يعلن داعش عن صفة المُطلق سراحُهم.وسائل إعلام دولية قالت إن من السجناء متمردين في حركة ماي ماي ومنهم تجار حرب وزعماء قبليين، وأعضاء القوات الديمقراطية المتحالفة التي تنشط في أوغندا. لكن أنصار داعش اعتبروا ذلك تلبية لما جاء في كلمة المهاجر وأطلقوا حملة “غزوة لبوا النداء” وهو اسم مجترّ من حملات سابقة.

بالعودة إلى الخليفة المزعوم، ما الذي نعرفه عنه؟ ثمة تكهنات بأنه حجي عبدالله قرداش، أمير مولا.

لكن جماعة التراث العلمي، تيار البنعلي، يشككون في أن يكون هو “الخليفة” لأن رجله مبتورة وهذه مخالفة شرعية لشروط الخلافة. في المقابل، لفت في حساب مخصص لكشف دواخل داعش استدلال على أن هذا ألـ أبو إبراهيم الهاشمي القرشي هو فعلاً حجي عبدالله قرداش. فكما توصلت الاستخبارات الغربية إلى هوية البغدادي بعد أشهر فقط من توليه زعامة ما كان يُسمى دولة العراق الإسلامية، كذلك وضعت أمريكا اسم قرداش على قائمة مطلوبيها قبل بضعه أشهر من توليه المنصب. كان ذلك بعد أن نُشر بيان مزور في أغسطس ٢٠١٩ نُسب إلى داعش يقول إن البغدادي عيّن قرداش نائباً له.وبالتالي يخلص هذا الحساب إلى أن هذا التنظيم مخترق من خلال “الوشاية”  في السجون كمصدر لمعلومات الاستخبارات.

أمير مولا، حجي عبدالله قرداش، سُجن في العراق واستجوبته الاستخبارات الأمريكية في ٢٠٠٨. محاضر الاستجواب تشير إلى أنه كشف هوية العشرات من عناصر التنظيم.

ماذا يعني كل هذا بالنسبة لداعش؟

نرحب بالأستاذ تام حسين، الصحفي المتخصص في الجماعات الجهادية.

الآن: إذاً، بعد مرور عام على قتل البغدادي، ماذا تغير على التنظيم؟ هذا سؤال عريض لكن أي أحداث تحضرك في هذا الإطار؟

تام حسين: لا شك في أن التنظيم تراجع بشكل كبير. وهنا لا بد من الإضاءة على الأمور التالية: أولاً، صحيح أن التنظيم تراجع وتحوّل إلى ما يشبه الجماعة المارقة التي تحاول تغيير الساسية المحلية حسبما تراه مناسباً لها. أنا حذر عندما أستخدم صوراً من التاريخ، لكن ما يفعله داعش اليوم يشبه ما فعله، رشيد سنان، شيخ الجبل، (أمير جماعة الحشاشين). هو رجل من البصرة وكان له أتباع وكان يستطيع أن يؤثر في السياسة المحلية. كان يشن حرب عصابات. وهذا هو حال داعش اليوم. تشن حرب عصابات وتحاول تغيير السياسة المحلية. ويستغلون عدم الاستقرار في أي منطقة. في رأيي، هذا هو ما تغير. عادوا إلى الطرق القديمة التي عرفوها في الماضي. في المقابل أفعال داعش وما يرمز إليه التنظيم لا تزال موجودة ولن تختفي في يوم وليلة حتى لو انتهى التنظيم.

الآن: ذكرت الجانب الرمزي المتعلق بقتل البغدادي كخليفة. ماذا نعرف عن الخليفة الجديد؟ لأي درجة هويته مهمة بالنسبة لأنصار التنظيم؟

تام حسين: أعتقد أن الأنصار لا يهمُّهم إن كنا نعرف هوية الرجل أم لا. خاصة أتباع التنظيم من الصفوف المتقدمة. هؤلاء يعيشون في أبراجهم العاجية. ما أريد أن أقوله هو أن أتباع التنظيم لن يكترثوا بما قيل عن أن الرجل وشى بأصحابه لأنهم سيقولون إن هذا الكلام صادر من الغرب أو جهات غير مسلمة. يعني لو قلت لمؤيدي ترمب: صوتوا لـ بايدن، وبالعكس، لن يستمع أحد إلى هذا الكلام. ثمة أمور تهمهم مثل أنه قُرشي وأنه “عالم”، لأن هذه الأمور تتعلق بالإرث الإسلامي. أبو بكر البغدادي كان مهماً لديهم وحقق أموراً عظيمة برأيهم. وحتى في المنطقة. تخيلي معي عندما سيطر على المدن والبلدات. كان ذلك كالصاعقة بالنسبة لنا ولن ننساها. أما هذا الخليفة الجديد، فلم يأتِ بأي فعل على الإطلاق، وما من شك في أن ذلك سيؤثر ذلك على نظرة الآخرين له. يحتاج إلى أن يأتي أمراً يكون له كالبصمة. البغدادي سيطر على الموصل، والموصل ليست مدينة صغيرة. ولهذا يُنتظر من الخليفة الجديد أن يأتي بما يوازي ما فعله البغدادي بغض النظر عن نظرتنا نحن إلى هذا التنظيم.

الآن: بالنسبة للنسب القرشي، نعلم من جماعة البنعلي أن البغدادي نفسه زوّر نسبه القرشي. هل سيأتي أحد من أنصار داعش ليشكك في نسب الخليفة الجديد؟

تام حسين: أعتقد أن المتنفذين في التنظيم لن يكترثوا وسيقولون “على راسي”. إن قال إنه قٌرشي، فسوف يصدقه الأتباع بغض النظر عمّا يقوله الآخرون سواء جماعة البنعلي أو غيرهم. أنصار التنظيم اليوم يتصرفون كأتباع طائفة مثل طائفة الحشاشين التي ذكرناها سابقاً. يتبعون زعيمهم تبعية عمياء. خاصة المتنفذين. فإن قال إنه قريشي وعالم، فلن يشككوا في ذلك. لكن أعتقد أن عليه أن يماثل ما فعله سَلَفُه.

الآن: مضى على  تنصيب الرجل أبو إبراهيم الهاشمي سنة ولم يفعل أي شيئ. ماذا يعني هذا بالنسبة لهويته إن سلمنا أنه حجي عبدالله قرداش الذي يوصف بالمدمر والمعروف بقسوته؟

تام حسين: لا يتعلق الأمر بشخص الرجل بقدر ما يتعلق بالتنظيم. ما جاء به داعش هو حرب عصابات طوّرها على مدى عشرين عاماً. ومعظم عناصر التنظيم تخرجوا من هذه المدرسة. تربوا على هذه التعليمات منذ التسعينيات عندما كانوا أطفالاً. وحيثما وجدوا عدم استقرار في منطقة،  دخلوها وبنوا على مآسيها. يعرفون كيف يستغلون الخوف والجوع. هؤلاء أشخاص اعتادوا هذه الظروف وكونوا تنظيماً يستطيع التأثير على المنطقة. حتى اليوم، لا يزالون يؤثرون في بعض المناطق. لا يزالون قادرين على شن هجمات من قبيل حرب العصابات. لا يعني هذا أن تأثيرهم خطير. ولكن إن لم تُطوَّرْ استراتيجية لمكافحتهم وتحولَ الأمر إلى حرب طويلة الأمد، فسيصبح التنظيم مشكلة.

الآن: إذا نظرنا إلى قيادات الصف الأول في داعش، يتعرضون للتصفية واحداً تلو الآخر. وإذا فكرنا في الملاييين التي كانت في حوزتهم. لا أحد يعلم أين هي. إلى أي درجة هذه الحالة تشكل حرجاً لأنصار التنظيم بعد سنة من قتل البغدادي؟

تام حسين: ارتكبَ داعش خطأ استراتيجي عندما أعلن الحرب على العالم. وتسبب هذا في تراجعهم وتدمير بُنيتهم التحتية. ولهذا لا نتوقع للتنظيم أن يتعافى خلال عام. لا يستطيع أي تنظيم أن يتعافى في هذه المدة. قد يستغرقُ سنتين أو ثلاثة حتى يجدَ موطئ قدم ويعود إلى هجماته المعتادة. هذا لا يعني أنهم صاروا يشكلون حرجاً لأننا نرى أنهم بدؤوا هجمات أكثر تأثيراً في العراق. والأذرع الإعلامية التي تدمرت في وقت ما عادت إلى كل القنوات. في المقابل، ثمة أمور تجعل التنظيم أضحوكة. وأقصد هنا مرحلة ما بعد داعش. لدينا أيضاً القاعدة التي تراجعت. لكن التنظيمين يأتيان من ذات المكان. لا أعتقد أنهما مدرستان مختلفتان

بل هما ظلّان لشيئ واحد. وأعتقد أن ما تعلمته الجماعاتُ الجهاديةُ الأخرى، خاصة في إدلب، من سقوط داعش هو أن المشروع السلفي الجهادي غير ناجح، وأن عليهم تطوير استراتيجية مختلفة. وهذا تسبب في الشقاق بين الأصوليين مثل القاعدة وحراس الدين وحتى داعش. ولهذا ليس غريباً أن نجد تقارباً بين عناصر من جماعات مختلفة. فهناك تواصل بين المجموعات الأصولية. أما البرغماتيين فيقولون إنهم يقبلون الجهاد طريقاً للمستقبل لكنهم يدركون أنه لا بد أن يتصرفوا كدولة. وأن سلوك الدولة مختلف عمّا يعتقدون وهذا سبّبَ خلافاً بين الجماعات.

الآن: لكنهم أعلنوا الخلافة خلال سنة أو أقل. وهذا يجلعنا نراجع الظروف التي كانت سائدة في العراق والتي سهّلت مهمتهم. فهل هذه بين قوسين القوة تنبع من الداخل أم أنها تتعلق بظروف خارجية يمكن تحييدها؟

تام حسين: هذا سؤال جيد. ثمة مسألة تتعلق بالأيديولوجية في هذا المجال. لننظر إلى العراق مثلاً. أو إلى موزمبيق. سنرى أنهم يشنون هجمات في المناطق التي تعاني طويلاً من مشاكل بين السكان المحليين والحكومة حول استحقاق الغاز. داعش استغل هذه المشاكل. وكذلك الحال في غرب إفريقيا. نجدهم ينشطون في المناطق التي تغيب عنها الدولة فلا تقدم خدمات للمواطنين. ولهذا يسعون إلى تشكيل حكومة ظل في تلك المناطق. حدث هذا في أفغانستان حيث طالبان تتصرف وكأنها جماعة معارضة. سكان القرى لديهم مشاكل مع حكومة كابول. فيساندون طالبان اعتقاداً منهم أنها مجموعة تعارض الحكومة. لهذا أقول إن الأمر يتعلقُ بحضور الدولة وتقديمها خدمات إلى السكان. في الموصل، استغل داعش شعور السُّنّة بأنهم مهمّشون. لا أريد أن أقول إن المسألة برمّتها كانت طائفية، لكن فهمي لما حدث هو أن الطائفية شكلت جزءاً مهماً من نجاح داعش في المنطقة. ويجب أن نلتفت هنا إلى سهولة استغلال هذه المسائل في الشرق الأوسط. لهذا استخدمتُ نموذجَ شيخ الجبل الذي استطاع أن يبسط نفوذه بشنّ هجمات محددة من شأنها أن تؤثر على السياسة المحلية. فمثلاً، اغتال الحشاشون ملك بيت المقدس (كونراد مونفورات)

وتسبب هذا في تحويل السياسة في المنطقة. وقاموا بعمليات اغتيال محددة غيرت المعطيات في المنطقة ولولا هذه الاغتيالات ما استطاعوا التغيير. هذا هو الدور الذي يقوم به داعش. قرأتُ مقالاً في الـ (فينانشال تايمز). الصحفية قالت إن داعش أداة مناسبة لمن يريد. نستطيع القضاء على التنظيم إن أردنا

لكنهم أداة مناسبة لبعض الدول. لا أحب نظرية المؤامرة. ولكن التنظيم أداة مناسبة يستطيع أي طرف استغلالَها ليؤثرَ على السياسة المحلية. لنأخذ الأتراك مثلاً، أرادوا خلق مشاكل للأكراد فساندوا داعش

وكذلك الحكومة السورية. لهذا، ترى بعض الأطراف أنه من المناسب الإبقاء عليهم. إنهم مثل البيدق في رقعة الشطرنج.

الآن: هجوم فرنسا، هل لاحظت كيف أن القاعدة وداعش يتقاتلان على تبني الجريمة. هذه الرغبة في إمعان العنف والبشاعة كجزء من الهوية. كيف تنظر إلى هذا الأمر خاصة من تجربتك في كتاب (إلى الجبال).

تام حسين: أتفق معكِ. أعتقد أنهم سيقومون بهجمات صغيرة وربما يقومون بهجوم كبير قد يكون العلامة الفارقة لإبراهيم الهاشمي. على أساس أنه طعن الغرب في القلب أو ما شابه. أعتقد علينا أن ننظر إلى ما يحدث اليوم كاستمرار لما بدأ منذ التسعينيات. ولهذا أردت أن أؤلف هذا الكتاب. نقرأ في الكتاب عن أحداث مضت لكنها تحدث اليوم بشكل أكبر وأوسع. أذكر أنه عندما كنتُ شاباً، انتشر فيديو نحر جندي روسي في الشيشان. قالوا وقتها إن الرجل اغتصب نساء. عندما التقيت رجل دين في منطقة ( ليسون غرين Lisson Green) قال لي إن بعض الشباب كانوا يحيّيون بعضهم بإشارة الذبح. فلماذا نستغرب اليوم عندما نرى ما فعله محمد إموازي (جهادي جون) الذي جاء من هذه المنطقة. ما نراه اليوم بدأ منذ وقت طويل. نحن اليوم نحصد ما زرعناه. الكلمات التي كان يتفوه بها الشباب كنوع من المزاح تحوّلت إلى شيئ آخر. وعلينا أن نأخذ حذرنا من هذه الأمور.

الآن: أستاذ حسين، بعد كل هذه السنوات في العمل على ملف الجهادية، هل لا يزال يدهشك شيئ؟

تام حسين: تهمني مناطق الصراع بشكل عام. وما يثير فضولي هو أن كثيراً منا نحن المسلمين نشأنا مع قصص حمزة وعلي وأبي بكر رضي الله عنهم. وقصص البطولة التي كانت تحكيها لنا أمهاتنا ونحن صغار. نشأنا على هذا الإرث النبيل. لكن عندما نرى أن البعض يحاول أن يأخذ ذلك العالم ويطبّقَه على الواقع اليوم، ندرك حجم الفوضى الحاصلة. في نفس الوقت، ما يدهشني حقاً هو شجاعة الناس العاديين الذين يجدون أنفسهم في مناطق الصراع هذه. عندما يستوقفنا طفل برجل واحدة يبيع علبة مناديل كي يسدّ رمقه وعائلته وأنا أجلس في سيارة جيب ومعي جنود يحمونني. أشعر بالخجل. هذا الطفل لا يشعر بالخوف بل يريد أن يعيش. يدهشني أننا في هذا العالم المقيت نجد جواهر حقيقية. تحت الضغط يتحول الناس العاديون إلى أشخاص مذهلين. لهذا عندما ألتقي بأحد هؤلاء، أمسك به ولا أتركه لأنني أرى فيهم أمراً نادراً وجمالاً وأملاً. وهذا ما نبحث عنه. لننظر إلى ما حدث في مانتشستر أو يحدث في سوريا، ثمة أشخاص قادرون على أن يسامحوا ويتسامحوا .. يريدون أن يربوا أبناءهم ويمضوا في حياتهم. أشعر بواجب تجاه هؤلاء. وأريد أن أقول أيضاً إننا لا نزال نرتكب نفس الأخطاء. وكأن الشبابَ يسخرون من الكبار ولا يقيمون لهم اعتباراً لأنهم ارتكبوا أخطاءً فلا يستمعون إليهم. لكنهم هم أنفسهم يرتكبون نفسَ الأخطاء. من الأسباب التي جعلتني أؤلف هذه الكتب هو أنه عندما ألتقي مع مقاتلين شباب يعتقدون أنهم يقومون بمغامرة العمر. أراهم يرتكبون نفس الأخطاء التي ارتُكبت في الماضي. وأجدُ أن فهمَهم للتاريخ منقوص. وهذه مشكلة. لأنهم لا يفهمون التاريخ فلا يفهمون العلاقاتِ السببية المعقدة. ينظرون إلى أفغانستان فيخطر لهم البطولة وما إلى ذلك. لكن لو نظرنا إلى ما حدث في بروكسل وما فعله (أبا عود) في باريس. نجد أنه استلهم ذلك من أفغانستان ومن أشخاص اغتالوا أحمد شاه مسعود. العلاقات موجودة لكن الناس لا يدركونها في إطارها التاريخي. وعندما أراهم يتحدثون عن التاريخ بثقة ولكن بطريقة مغلوطة أشعر أن ثمة حاجة لحفظ التاريخ الصحيح  للأجيال المقبلة. أريدهم أن يفهموا تاريخ هذا العالم الذي يزداد تعقيداً ويختلط فيه الأبيض بالأسود. أن أكون مسلماً لا يعني أن أتعامل مع غير المسلم بطريقة مختلفة. كلنا بشر. إن استطعنا أن نتعامل مع الآخر بإنسانية فسيكون هذا العالم مكاناً أفضل.