أهلا بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من مرصد الجهادية نغطي فيها الفترة من ٤ إلى ١٠ أكتوبر ٢٠٢٠.

في العناوين:

– فتوى للمقدسي تثير حفيظة المجلس الشرعي لهيئة تحرير الشام ورجلِها الثاني عطّون

– هل لا يزال حراس الدين يشكلون خطراً على هيئة تحرير الشام؟ الهيئة تعتقل الليبي عبدالرحمن المكي

– إياد غالي أقرب إلى مفاوضات طالبانية مع حكومة مالي بعد صفقة السجناء

– ولماذا تبدل موقف الجهاديين من الرهينة الفرنسية صوفي بترونا، وما هي عقدة (الكردي هوكر)

ضيف هذا الأسبوع، الدكتور جليل الوناس، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة الأخوين في المغرب، وخبير في الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة التطرف العنيف

المرصد 57 | كيف أضرّت فتوى المقدسي بالجولاني وعطّون؟

الدكتور جليل الوناس

براءة الجولاني من المقدسي

الجولاني يبرأ من المقدسي. ما الجديد؟ إليكم المقدمات.

نشر ما يُسمى بجهاز الأمن العام في هيئة تحرير الشام إعلاناً للانتساب. حساب “رد عدوان البغاة” المعارض علّق بأنه لا بد من فتوى حول ذلك حتى لا ينتسب أشخاص ولو بداعي الفقر. فنشر المقدسي منشوراً أفتى فيه بـ”عدم جواز” الانتساب إلى الجهاز على أساس أن الجهاز يتعاون مع الاستخبارات التركية؛ وبالتالي فإن من يعين الاستخبارات التركية فقد أتى “ناقضاً من نواقض الإسلام.”

الحقيقة المقدسي هنا لم يُكفّر الجهاز أو من ينتسب إليه. وفي الأدبيات العقدية “الناقض” لا يعني بالضرورة التكفير. لكن العبارة غير صريحة. وبالفعل، حساب وريث القسام الموالي للقاعدة اعتبر ما قاله المقدسي تكفيراً بل ودعوةً للقتل، فحرّض على عناصر الهيئة وقال: “لا تتساهلوا معهم … وتقربوا بدمائهم إلى الله.”

رئيس المجلس الشرعي في هيئة تحرير الشام، عبدالرحيم عطون، والرجل الثاني بعد الجولاني كتب على حسابه التلغرام منشوراً قصيراً جداً مشيداً بعناصر الأمن العام، وملمحاً إلى أن المقدسي ظلمهم.

لكن بعد ذلك بساعات، أصدر عطون، باسم المجلس الشرعي العام، بياناً من أربع صفحات بعنوان “بحق عاصم البرقاوي الملقب أبو محمد المقدسي.” البيان لم يأتِ بجديد. فكل ما جاء فيه تناقله أنصار الهيئة سابقاً. فلماذا يصدر عطون بياناً ضد المقدسي على هذا المستوى؟

فتوى المقدسي أضرت بالهيئة، فبالرغم من التلاسن والتناحر بين الاثنين، لم يصل الأمر إلى حد أن كفّر المقدسي الهيئة؛ وحتى في هذه الفتوى، التكفير غير صريح لكن أنصار المقدسي التقطوا عبارة “ناقض من نواقض الإسلام”. واعتبروها تكفيراً ودعوة لقتل عناصر الهيئة كما حدث مع حساب وريث القسام الآنف الذكر.

كما أن أبو محمود الفلسطيني تلميذ أبي قتادة والموالي للهيئة جزم بأن المقدسي جزم بتكفير الهيئة بأن عاد إلى منشور سابق للمقدسي يقول فيه إن العمالة تكفير، لكن الاختلاف هو وجود أسباب ظاهرة. وتحدى الفلسطيني أن يأتي المقدسي بهذه الأسباب.

ثانياً، الشباب في المناطق التي تسيطر عليها الهيئة يشعرون بوزر التناحر العقدي هذا. فمثلاً لو نظرنا إلى حساب الفرغلي نفسه، أحد شرعيي الهيئة، نجد أنه كثيراً ما يُسأل عن الانضمام إلى جماعة مشكوك في أمرها؛ وكثيراً ما يفتي الفرغلي بأن الصلاح كله أمر غير واقعي لأن الخطأ من طبيعة البشر. فالمقاتلون والشباب يواجهون عبئاً نفسياً في هذه المسائل.

ثالثاً: بين رسالة المقدسي وبيان عطون وقعت أحداث تلعادة الثانية. الهيئة اجتاحت البلدة، لكن واجهت مقاومة عنيفة وسقط عدد من عناصر الهيئة. أنصار الهيئة لاموا فتوى المقدسي في ذلك. وسنأتي على أحداث تلعادة بعد قليل.

بالعودة إلى بيان عطون: هو كان براءة أخيرة من المقدسي: “فهو ليس منا ولسنا منه.” وفيه:

– على المقدسي ألا يتحدث في أمور الشام، “ففيها أهل علم يعرفون به دينهم بما يغنيهم عن أمثال البرقاوي.”

– المقدسي لم يشارك في الجهاد يوماً فهو لا يعلم.

– هو شخص يثير الفتن في ساحات الجهاديين

– يستسهل التكفير ويناقض نفسه وكتبه

– وينحاز إلى الدواعش ويتهم من يحاربهم بأنهم عملاء للتحالف

أنصار القاعدة انبروا للدفاع عن المقدسي. ولفت ما كتبه جلاد المرجئة الموالي للقاعدة. فهو يتفق تماماً مع الملاحظات التي جاءت في البيان: موقف المقدسي من مسألة الشهيد معاذ الكساسبة، وموقفه المساير لداعش وتركي البنعلي، وقصة اختلافه مع عبدالله عزام. لكن اعتراض جلاد المرجئة الوحيد هو أن كل ذلك معلوم لدى الجميع. يقول: ” لو حدثت تلك الأمور اليوم وعارضوها وانتقدوا المقدسي عند حدوثها، لكنت لهم من المصدقين! ولكن المشكلة أن ما حدث كان في السابق وكل شيء معروف، ولكن لم يهمس أحد منهم لو بكلمة واحدة بحق المقدسي أو حتى خالفه قيد أنملة!” جلاد المرجئة من الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في مفترق طرق مع المقدسي. حاول تبرير كلام المقدسي حول طالبان مثلاً وخرج بنظرية أن انتقاد المقدسي طالبان هو “نصح” لا تثبيط.

وحسماً لمسألة تكفير الهيئة، طارق عبدالحليم، منظر آخر للسلفية الجهادية، قال “نحن لا نرى كفر الهيئة، لكن نرى فِسقَهم.”

اعتقال آخر الحراس

مطلع الأسبوع، يوم الأحد ٤ أكتوبر، اعتقلت هيئة تحرير الشام أبا عبدالرحمن المكي أحد كبار قادة حراس الدين الباقين. وبحسب أنصار القاعدة فإن الاعتقال جاء بعد أيام من المراقبة بالكاميرات وبعد اعتقال اثنين من الحراس في كمين هما خلاد الجوفي وأبي بصير السهيل.

أبو عبدالرحمن المكي كان زعيم جيش الملاحم أحد مكونات حراس الدين عندما تشكل التنظيم، وهو عضو في مجلس شورى التنظيم. وكان أول من وجه رسالة إلى عناصر التنظيم بعد الانقضاض الشهير للهيئة على عرب سعيد في أواخر يونيو الماضي، حيث دعا العناصر إلى “المرابطة” والثبات وأن “للجهاد” بقية. لم يتحدث وقتها لا العريدي ولا أبو همام. فكان المكي في الواجهة.

في السيرة الذاتية التي نشرها أنصار القاعدة على التلغرام، قالوا إنه أبو عبدالرحمن المكي القرشي الحارثي. لكن الأرجح هو أن المكي هو ليبي عاش في السعودية. هو يوسف بن فارس بن عمر بن أحمد الدغاري الدرسي من قبيلة الدرسة في ليبيا ومن مواليد بنغازي.

درس في السعودية وفي فترة الربيع العربي سافر إلى السودان ثم ليبيا وظهر في الصفوف الموالية لـ الجنرال حفتر، ثم انتقل إلى الشام.

رسالة الحراس

بعد اعتقال مكي، وجه القيادي في حراس الدين، أبو محمد السوداني، رسالة إلى هيئة تحرير الشام يدعوهم فيها إلى التحاكم للشرع في مسألة التكفير والدعشنة، ويقترح أبا قتادة الفلسطيني محكماً. الفلسطيني يميل إلى هيئة تحرير الشام وهم يميلون إليه أيضاً وكان هذا من النقاط الخلافية بينه وبين صديقه القديم أبي محمد المقدسي.

السوداني مثّل الحراس إلى جانب أبي القسام الأردني في حلّ مسألة أبي عمر منهج والاقتحام الأول لـ عرب سعيد في رمضان الماضي وكان آخر ظهور لأبي القسام قبل قتله.

السوداني كتب أيضاً بيان اقتحام أرمناز في أبريل الماضي الذي كان من أهم مقدمات الانقضاض الشامل لهيئة الجولاني على معاقل الحراس في غرب إدلب. في ذلك البيان دعا إلى الشيئ نفسه وهو الاحتكام إلى الشرع لحل الخلاف بين الحراس وجماعة الجولاني.

هجوم تلعادة

يوم السبت، اجتاحت دبابات الجولاني بلدة تلعادي شمال إدلب. نذكر أن الهيئة اجتاحت تلعادي في يوليو الماضي واعتقلت أبا يحيى الجزائري، أحد قياديي الحراس. إعلام هيئة تحرير الشام قال إن “جهاز الأمن يلاحق خلايا إفساد واحتطاب في تلعادة.” أنصار القاعدة ومعارضو الهيئة قالوا إن الهيئة تلاحق الجماعات المستقلة التي ترفض الانضمام إلى غرفة الهيئة “الفتح المبين”. وقعت اشتباكات عنيفة. ووردت أنباء عن أن أربعة فجروا أنفسهم رفضاً للاعتقال من دون أن تتضح هوياتهم. أنصار الهيئة لامو فتوى المقدسي على العنف الحاصل.  بعد ساعات سيطرت الهيئة على البلدة، ووزعت الخبز على الأهالي، بحسب إعلام الجولاني.

صفقة مالي

أعلن هذا الأسبوع عن أن الحكومة المالية أطلقت سراح ١٨٠ جهادياً معتقلاً لديهم مقابل أربعة رهائن مختطفين لدى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بزعامة إياد غالي. الأربعة هم: صوميلا سيسي السياسي المالي الذي اختطفته جماعة غالي في أواخر مارس الماضي أثناء حملته الانتخابية في تمبكتو؛ وإيطاليان؛ والعاملة في الإغاثة الإنسانية صوفي بيترونا. معرفات أنصار القاعدة احتفوا بهذه الأخبار أيما احتفال وأطلقوا هاشتاغ “فكوا العاني” يلمزون هيئة تحرير الشام التي تعتقل مقاتلي القاعدة؛ وداعش الذي لا يزال عاجزاً عن تحرير عناصره المعتقلين بعد الباغوز. أنصار القاعدة نشروا أيضاً صوراً لمجموعة قالوا إنهم من المُطلق سراحهم وتضم أبو الدرداء الموريتاني، ونشروا صوراً لإياد غالي وهو يُحيّي هؤلاء ويقيمث لهم الولائم.

أنصار داعش وصفوا الصفقة بـ “المريبة” وتساءلوا إن كانت تمهيداً لانطلاق المفاوضات بين القاعدة وحكومة مالي؛ على نحو ما مهد تبادل إطلاق السجناء للمفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية.

عقدة هوكر

لا تزال معرفات القاعدة تحتفي بأن الرهينة الفرنسية صوفي بيترونا اعتنقت الإسلام أثناء خطفها، وهو ما اتضح لهم بعد أن وصلت إلى باريس. والحقيقة أنهم كانوا يصفونها قبل ذلك بساعات بأنها الصليبية و الشمطاء. وكلاهما لفظان يُستخدمان شعبوياً للتحقير. داعش أثاروا نقطة مثيرة للاهتمام. فتساءلوا كيف تُسلِّم القاعدة امرأة مسلمة إلى بلد يعتبرونه كفرياً؟ وقارنوا بين هذا وبين انقضاض القاعدة على جماعة الجولاني عندما أعادوا الطفل الإيزيدي هوكر إلى أهله. هوكر من سنجار، وجد طريقه إلى دار الأيتام في إدلب واحتضنته عائلة مسلمة ثم تعرف عليه أهله وطالبوا به فأعاده نظام الجولاني. أنصار القاعدة إلى اليوم يُذكّرون بقصة هوكر وينتقدون الهيئة على ما فعلت من باب أنها سلمت مسلماً إلى مرتد (كما يعتبرون الأكراد) إرضاءاً للتحالف والمجتمع الدولي. داعش يسأل: بماذا يختلف عمل هتش عن القاعدة وبما يختلف هوكر عن صوفيا؟

الدكتور جليل الوناس

وهذا نص المقابلة مع الدكتور جليل الوناس، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة الإخوين بـ إفران في المغرب، وخبير لدى الاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة التطرف العنيف، وأحد أفضل من كتب في الجماعات الجهادية في منطقة إفريقيا والساحل. شكراً جزيلاً دكتور لوجودك معنا.

نهاد: هذه الصفقة بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والحكومة في مالي، ماذا تعني بالنسبة للجهاديين في المنطقة خاصة بعد الانقلاب الأخير في باماكو وتبدل السلطة؟ 

د. الوناس: لا شك في أنها نقطة تحول. لو نظرنا إلى تاريخ المنطقة منذ السبعينيات وحتى اليوم: في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب. لوجدنا أن أمراً كهذا يحدث للمرة الأولى. هذه سابقة. ولم يحدث أن أطلق سراح هذا العدد من الجهاديين على هذا النحو. طبعاً، هذا يذكرنا بـ  طالبان في أفغانستان وتبادل السجناء هناك. ثمة نقاط شبه بين الحالتين. لا شك في أن هذه الصفقة ستعزز موقف نصرة الإسلام والمسلمين سواء بين السكان المحليين أو بين الجماعات الجهادية. ثم إن هذا التبادل سيعزز موقف إياد غالي زعيم نصرة الإسلام والمسلمين، الذي لعب دوراً مهماً في تاريخ العنف السياسي في المنطقة. اليوم سيأتيه مئة أو مئتا رجل لتعزيز قواته. من وجهة نظري، هذا التبادل سيعزز موقف جماعة نصرة وقائدها

نهاد: لماذا إذاً حدثت هذه الصفقة الآن؟

د. الوناس: ثمة مجموعة من العوامل. فكرة الحوار والمفاوضات بين الحكومة وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين ليست جديدة، بل تعود سنواتٍ عدة. حكومة باماكو انخرطت في مفاوضات مباشرة مع جماعة إياد غالي منذ يناير. تأجلت المفاوضات أكثر من مرة بسبب فيروس كورونا ولكنها قائمة منذ ستة أشهر. لكن أعتقد أن العامل الأهم هو وجود إمام ديكو. وهو شخصية قوية قاد الحركة التي أطاحت بالرئيس كيتا في باماكو. وهو من أنصار المفاوضات مع الجهاديين. ويعرفُ إياد غالي معرفةً شخصية وبينهما علاقات مباشرة. بحسب مصادري، فإن المفاوضات بدأت قبل أسابيع ولا شك في أن ديكو عجّل إجراءاها. من ناحية أخرى، لا شك في أن تبادل السجناء مؤشر على ضعف حكومة مالي والجيش والسلطات المحلية؛ ليس في هذه المرحلة وحسب وإنما لسنوات عدة. هذا هو رأيي. المفاوضات بدأت حتى قبل وقوع الانقلاب. ولكن بحسب مصادري، بدأت المفاوضات قبل عدة أسابيع. أما الاتفاقية فتم توقيعها قبل أسبوعين ولأسباب فنية تم تأجيل الإعلان عنها حتى قبل أيام. وعليه، وبالنظر إلى هذا الجدول الزمني، فأعتقد أن وجود ديكو، وضعف الحكومة أدّيا إلى هذه النتيجة.

 

 

نهاد: حضرتك ذكرت طالبان في بداية حديثك. لأي درجة هذه الصفقة تمهد لمفاوضات بين جماعة إياد غالي والحكومة في باماكو شبيهة بمفاوضات طالبان؟

د. الوناس: لنتحدث عن طالبان. فكرة المفاوضات مع الجهاديين والقاعدة، وأنا هنا أتحدث عن القاعدة وليس داعش، هي فكرة ليست جديدة، تأخذ أشكالاً مختلفة مثل الهدنة مع الحكومات المحلية كما حدث في الجزائر في التسعينيات وفي بلدان أخرى من المنطقة. طالبان المتحالفة مع القاعدة مهدت لمفاوضات شبيهة بين جماعة إياد غالي والحكومة المحلية. لو عدنا إلى توقيع اتفاق الهدنة قبل بضعة أشهر، سنجد أن جماعة إياد غالي أشاروا في ذلك الإعلان تحديداً إلى مسائل مستوحاة من طالبان. فالتأثير حاصل. ما أريد أن أقوله هو أن جماعة إياد غالي تتبع نهج طالبان في المفاوضات مع حكومة باماكو. وهذا واضح في مطالبهم والتي تلخصت بـ: أن تخرج القوات الغربية من مالي، أن تُقام إمارة إسلامية في شمال مالي تقوم على الشريعة، وبشكل ضمني أن تكون جماعة إياد غالي هي الحاكم في شمال مالي، لو قارنا هذا بما تم الاتفاق عليه بين طالبان وأمريكا، سنجد أنهما متشابهان إلى حد كبير، بالطبع، حكومة باماكو رفضت والفرنسيون رفضوا، لكن الفكرة هي أن مطالب جماعة إياد غالي تعكس مطالب طالبان.

نهاد: قلت إن الصفقة تدعم موقف إياد غالي. هل يحتاج إلى دعم؟

د. الوناس: سؤال جيد. جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هي أقوى جماعة جهادية في المنطقة. توجد ثلاث جماعات رئيسة. توجد جماعات. صغيرة طبعاً لكن هذه الجماعات الثلاث هي الكبرى. داعش في الصحراء الكبرى والساحل. أنصار الإسلام في بوركينا فاسو،

ونصرة الإسلام والمسلمين في مالي بزعامة إياد غالي وهي الأقوى، ما حدث سيعزز موقع إياد غالي بشكل منقطع النظير، فلا يستطيع أحد آخر أن يفعل ما فعله، وكأن لسان حاله: إذا أردت أن تنجز شيئاً فتحدث إلى إياد غالي. أعطيكم حرباً أو سلاماً. أنا من يقرر. ما حدث نقطة تحول بالفعل.

نهاد: إذاً، بالنظر إلى أن منصب زعيم القاعدة في شمال إفريقيا لا يزال شاغراً بقتل دروكدال، كيف تعتقد سيؤثر كل هذا الحراك على العلاقة بين جماعة إياد غالي وجماعة دروكدال؟

د. الوناس: هذا سؤال كبير. من ناحية، علاقة القاعدة في شمال إفريقيا بمنطقة الساحل انتهت. إياد غالي هو المسيطر الآن وهو يفعل ما يريد متى يريد. فمثلاً، دروكدال كان يرفض أي نوع من المفاوضات مع السلطات المحلية. لكن إياد غالي قبل المفاوضات وبشكل مستقل بغض النظر عن موقف أي شخص آخر. وسوف يمضي في المفاوضات. من ناحية أخرى، لا تزال القاعدة في شمال إفريقيا من دون زعيم بعد مرور أربعة أشهر على قتل دروكدال. وهذا أمر لم يحدث من قبل خلال ثلاثين عاماً من الجهادية في الجزائر. وعليه، عندما ننظر إلى تحركات الجماعة في الجزائر خلال الأشهر الماضية، نجد أنهم قاموا بهجوم أو اثنين غير مهمين. القاعدة في شمال إفريقيا ضعيفة إلى أبعد الحدود. ولا أدري كيف ستكون العلاقة بينهم وبين جماعة إياد غالي. لكن أعتقد أن فراغ منصب دروكدال بعد أربعة أشهر يعني مشكلة كبيرة جداً. فهذا يعني أنه لا يوجد توافق على تعيين خليفة ل دروكدال على هرم الجماعة أو ما تبقى منها. لا أرى مستقبلاً مشرقاً للقاعدة أو ما تبقى منها في المنطقة. أعتقد أن الجماعة انهارت أو تكاد. قتل دروكدال كان المسمار الأخير في نعشها. وعلى السلطات الجزائرية أن تستغل الفرصة الآن للانقضاض عليها.

نهاد: وفي نفس الإطار كيف ستكون العلاقة بين جماعة إياد غالي بختلف مكوناتها وبين المركز، القاعدة في خراسان، والظواهري تحديداً؟

د. الوناس: الجهاديون من شمال إفريقيا: ليبيا وتونس والجزائر كانوا دائماً يسيطرون على الساحة الجهادية في إفريقيا والمنطقة العربية. أبو إياد التونسي والليبي وغيرهما. دروكدال كان آخر هؤلاء الجهاديين. قتله نقل مركز ثقل القاعدة من شمال إفريقيا إلى الساحل. في المغرب، لا توجد أي جماعات جهادية. في الجزائر، توجد بقايا القاعدة. في تونس، ثمة ستون أو سبعون جهادياً منعزلون في الجبال، في ليبيا، الجهاديون في ضعف شديد ويتركزون في الجنوب. أما في الساحل، فالجهاديون أقوياء سواء جماعة إياد غالي أو داعش في الصحراء الكبرى. قتل دروكدال يعزز النمط السائد في السنوات الأخيرة وهو التحول التدريجي إلى منطقة الساحل. حتى إن قادة الجماعات الجهادية لم يعودوا من شمال إفريقيا بل من الساحل. لم يعد ثمة قادة جهاديون من الجزائر أو المغرب. القادة كلهم من الساحل الآن

هذا هو انتقال الثقل إلى الساحل. أما عن علاقة جماعة إياد غالي مع القاعدة في خراسان، فهذه مسألة مهمة. لا يبدو لي أن القاعدة تعير اهتماماً للساحل بما يزيد عن بضعة بيانات. وربما حدّد هذا مستقبل العلاقة بين الظواهري وجماعة إياد غالي. لا بد أن الظواهري سيأخذ هذا التحول بالحسبان. الساحل ليس غريباً على الظواهري والقاعدة. لكن الاتصال كان دائماً يتم من خلال قياديين في شمال إفريقيا مثل مختار بلمختار أو غيره ممن ذهبوا إلى أفغانستان في الثمانينيات أو كانت لهم علاقة بأفغانستان. دروكدال مثلاً لم يذهب إلى أفغانستان لكن الذين جنّدوه كانت لهم علاقة بأفغانستان. القيادة الجديدة في الساحل لم تأتِ من أفغانستان وليست لها خلفيات ذات علاقة بأفغانستان. أي أن الظواهري يتعامل هنا مع نوع جديد من الناس لا يعرفهم. ولا يبدو أن لديه علاقة مباشرة معهم. أعتقد أن الظواهري عندما كان يريد أن ينقل أي شي للساحل كان يخاطب دروكدال أو بلمختار. أما الآن فعليه أن يتعامل مع جهاديين جدد لا يعرفهم. وعليه أن يبني علاقة معهم. فالساحل يشكل منطقة جهادية ملتهبة ويحتل لمرتبة الثانية بعد الشرق الأوسط. على الظواهري أن يأخذ هذا في الحسبان. في المحصلة، أعتقد أنه سيدعم إياد غالي لأمرين: أولاً، استراتيجية إياد غالي تتفق مع توصيات القاعدة المتعلقة ببناء تحالفات بين الجماعات الجهادية، وعدم التعرض للمدنيين، والتركيز على قتال الحكومة وعدم غلق الباب أمام مفاوضات محتملة إن كان هذا يساعد الجهاديين. وإن نظرنا إلى سلوك إياد غالي نرى أنه يتوافق مع بروتوكول الظواهري. ثانياً، الظواهري يحتاج إلى إياد غالي إلى صفه. ولهذا لا أرى سبباً يمنع الظواهري من أن يدعم إياد غالي. لكن ما يثير فضولي حقاً هو صمتُ إياد غالي. فالرابط الرسمي بين إياد غالي والظواهري انقطع بقتل دروكدال. ولو نظرنا إلى بيان بيعة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في ٢٠١٧، فقد أعلن إياد غالي الولاء لدروكدال أولاً ثم الظواهري وثم أعلن الولاء لأمير طالبان وهو أمر لم ينتبه إليه كثيرون. إياد غالي يريد أن يكون في صف القاعدة. لكن الرابط بين الاثنين كان دروكدال وقد مات. فعليه الآن أن يؤسس لعلاقة مباشرة.

نهاد: أود أن أسألك عن ديناميكيات العلاقة بين داعش والقاعدة في غرب إفريقيا والساحل خاصة بعد الاقتتال الأخير بين الجماعتين. في ضوء هذه الصفقة، هل ستتغير العلاقة؟

د. الوناس: ثمة مجموعتان لداعش:  داعش في غرب إفريقيا و داعش في الصحراء الكبرى. رسمياً، داعش في الصحراء يقع تحت سلطة داعش في غرب إفريقيا. لكنهما عملياً جماعتان منفصلتنان. داعش في غرب إفريقيا تهاجم في تشاد والنيجير. والأخرى في مالي. الصراع الذي تشيرين إليه يحدث بين جماعة إياد غالي وداعش في الصحراء الكبرى. السبب في هذا الصراع هو آليات محلية. العلاقة بين الجماعتين كانت ودية، مختلفين في ذلك عن تناحر داعش والقاعدة في سوريا والعراق. في الساحل كانت المجموعتان تتعاونان وأحياناً تشنان هجمات مشتركة لكن مع نهاية العام ٢٠١٩، بدأت الأمور تتغير. داعش يعمل في الأجزاء الشرقية من الساحل. وإياد غالي في الأجزاء الغربية. في ٢٠١٩، بدأ نفوذ داعش يزداد في منطقة الصحراء. ففكروا أن بإمكانهم أن يتوسعوا في وسط مالي حيث مركز قوة جماعة إياد غالي. بدأ التناحر بمواجهات بين الأمراء المحليين. تطورت إلى قتال على الأموال وتوزيع المصادر الطبيعية، ثم تطور الصراع إلى قتال على مستوى الجماعتين. وهو ما وصل إلى حرب شاملة في منتصف العام الحالي. وبحلول أغسطس شنت جماعة إياد غالي هجمات واسعة وتمكنت من طرد داعش من مالي وحشرهم في المناطق الشرقية. وهكذا وبالرجوع إلى الاتفاق مع حكومة باماكو، يظهر إياد غالي القائد الأهم في المنطقة. أمر آخر أود أن أشير إليه هو أن لهذا الاتفاق جانب سيئ آخر. فقد تسعى داعش وجماعة أنصار الإسلام إلى تكرار تجربة إياد غالي. سيخطر لهم أن بإمكانهم اتخاذ رهائن لمبادلتهم بسجناء. فعندما بدأت الدول الغربية دفع الفدية للرهائن، أخذ الجهاديون يختطفون الرهائن بالآلاف. والآن بما أن باماكو أطلقت هذا العدد الكبير من السجناء وبما أن إياد غالي حاز على هذه الحظوة في المنطقة، فإن الجماعات الأخرى ستحاول تكرار التجربة. لكن بغض النظر عن كل هذا، جماعة داعش في أسوأ أحوالها سواء من ناحية هزيمتها من قِبَل جماعة إياد غالي أو من ناحية موقف حكومة باماكو منها.

وهنا ننتظر رد فعل الجزائر والفرنسيين والقوى المحلية. حسبما علمتُ، فإن هؤلاء وُضعوا أمام الأمر الواقع ولم تتم استشارتهم في الصفقة. مئتا جهادي لا يشكلون خطراً على مالي فحسب وإنما على الجزائر وحتى باريس.