أخبار الآن | الأحواز (خاص)

هل سمعتم يوماً بأن شعباً معدماً يعيش على أغنى بقاع الأرض؟! تلك ليست بأحجية ولا ضرب من ضروب الخيال، بل حقيقة مرة يعيشها الأحوازيون منذ نحو 95 عاماً بعد احتلال الإقليم من قبل الإيرانيين عام 1925.

وعلى رقعة جغرافية تصل مساحتها إلى نحو 370 ألف كم مربع، يعيش نحو 8 ملايين أحوازي تحت حكم بوليسي أُسس منذ عصر الشاه واشتد ضراوة بعد تسلم الولي الفقيه حكم إيران، ليصبح الإقليم سجناً كبيرا للأحوازيين.

وهنا قد يتبادر إلى أذهان المتابعين لملف الأحواز تساؤلاً على غاية في الأهمية، ماذا لو لم تتمكن إيران من احتلال الإقليم؟! يجزم خبراء أن ذلك التصور لو كان حقيقياً لما كانت إيران قد وصلت إلى ما هي عليه اليوم رغم تآكل اقتصادها تحت وقع العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى الأقل لم يكن لطهران القدرة على تمويل مشاريعها النووية التي تأتي بأغلبها من بيع المنتوج النفطي والغاز الذي يستخرج من الأحواز، إضافة إلى الثورات الطبيعية والموانئ التي تساهم بأكثر من نصف الدخول في إيران. من هذه النقطة تحديدا نلمس الأهمية البالغة للإقليم الأمر الذي يفسر تمسك طهران به إلى درجة الاستماتة، ومنع أي تظاهرات أو احتجاجات تنطلق منه نتيجة خنق أهلها وقمعهم واستعبادهم بشتى الأساليب وعلى رأسها الأسلوب البوليسي.

الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط، أمجد طه، اعتبر أن الأحوازيين يواجهون عملية تطهير عرقي من قبل النظام الإيراني، وقال في مقابلة مع أخبار الآن: “نحن أمام عملية تطهير عرقي ويشمل هذا التطهير كل الجوانب الاقتصادية والعلمية والفكرية والاجتماعية والثقافية”.

الأحواز العربية.. الإقليم المنهوب

تبدأ قصة نكبة إقليم عربستان كما كان يسمى قبل الاحتلال الإيراني، عندما دخلت القوات الإيرانية إليه عام 1925 بمباركة البريطانيين، وقامت باحتلاله تحت قيادة رضا خان، وتم كذلك اعتقال أميره خزعل الكعبي وأودع السجن. وبدون أدنى شك فإن الاهتمام الإيراني ومن خلفه البريطاني بتلك المنطقة يعود إلى غناها بالنفط والغاز والثروات الطبيعية، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي الذي يشكل بوابة العبور نحو الخليج العربي والعراق.

وتشير تقديرات الخبراء إلى أن نحو 87 بالمئة من نفط إيران يتم استخراجه من إقليم الأحواز، و100 بالمئة من منتوجها الغازي يتم استخراجه أيضا من الإقليم المنكوب، إضافة إلى احتواء الأحواز على 8 أنهار أهمها نهر الكارون الذي يصلح للملاحة، في حين أن 65 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة في إيران تقع في ذلك الإقليم.

وضمن هذا السياق، لفت طه إلى أن الأحواز تحتوي على معظم مصادر الطاقة في إيران، وقال: “أكثر من 95% من نفط إيران يأتي من الأحواز، ومع ذلك فإن سكان ذلك الإقليم هم الأفقر إلى يومنا هذا”.

ومن الجدير بالذكر أن وجود الأنهار بكثرة – يضم الإقليم 35 بالمئة من ثروة إيران المائية – وخاصة نهر الكارون في الأحواز، جعل منها منطقة مثالية لمد مفاعلات إيران النووية وأشهرها مفاعل “بوشهر” النووي بالمياه الذي يقع في محافظة بوشهر الملاصقة لإقليم الأحواز قبالة سواحل الخليج العربي، إضافة إلى وجود موانئ هامة تقع في الإقليم مثل مدينة عبدان التي تضم أحد أهم الموانئ في العالم، وتضم كذلك ثاني أكبر مصفاة للنفط في المعمورة.

ولم تأت مقولة الرئيس الأسبق محمد خاتمي من فراغ عندما قال إن “إيران تحيا بخوزستان” ويقصد بذلك إقليم الأحواز، فنحو 80 بالمئة من صادرات إيران يساهم بها الإقليم وكذلك المواد المستخرجة منه تساهم بنحو نصف الناتج القومي الصافي لإيران.

النظام لم يكتف بممارساته السابقة بل عمد في حال اندلاع انتفاضة في الأحواز إلى زيادة تلويث المياه الأمر الذي تسبب بزيادة حالات العقم لدى النساء، وبالمحصلة هي عملية تطهير عرقي عبر جميع الطرق الوسائل

الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط أكد أنه يوجد في الأحواز أكثر من 13 نهر ومع ذلك يعاني السكان من المياه الملوثة، وقال: ” أود ضرب مثال عن باحثة أمريكية من أصل فارسي ذهبت إلى إيران لإجراء بحث شامل عن الأوضاع الاجتماعية والصحية وغيرها وزارت أغلب المناطق في ذلك البلد، وأودرت في ختام تلك الزيارة بحثاً عن الأوضاع في إيران وكان ملخصه أن منطقة الأحواز تختلف عن باقي مناطق إيران.. فالأوضاع تزداد سواء في الإقليم وقالت إنها لم ترى أي مركز صحي أو حتى عيادة متواضعة، فضلا عن انتشار الملاريا بفعل المياه الملوثة رغم غنى الأحواز بالمياه العذبة.. وأود أن أشير إلى أن النظام لم يكتف بممارساته السابقة بل عمد في حال اندلاع انتفاضة في الأحواز إلى زيادة تلويث المياه الأمر الذي تسبب بزيادة حالات العقم لدى النساء، وبالمحصلة هي عملية تطهير عرقي عبر جميع الطرق الوسائل”.

الإقليم المنهوب.. ماذا لو لم تتمكن إيران من احتلال الأحواز؟

الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط، أمجد طه

سياسة التجويع

لم يرضخ عرب الأحواز إلى سياسة المحتل الإيراني رغم التباين الهائل في ميزان القوى، وبدأت أولى ثورات الأهالي في العام ذاته الذي احتل به الإقليم وعرفت بثورة الغلمان، ولاحقا اندلعت العديد من الثورات في الإقليم كان أخرها الاحتجاجات التي اندلعت في الـ15 من شهر نوفمبر العام الماضي بسبب رفع أسعار البنزين، وكانت شرارتها الأولى من الأحواز، وقال طه: “هناك عدد كبير من الإعدامات في الأحواز، نتحدث عن أكثر من 1730 شخص تم إعدامهم خلال العام الحالي في الإقليم، من بينهم ما نسبته 30 بالمئة من الأطفال والنساء.. السجون تعاني بسبب انتشار فيروس كورونا.. أعداد الوفيات جراء تفشي الفيروس كبيرة للغاية حتى أن الأهالي باتوا يجدون صعوبة بالغة في دفن موتاهم”.

خوف نظام ولاية الفقيه من ثورات أهالي الإقليم ضد نظامه، دفعه إلى تطبيق نهج استبدادي يزيد قسوة عن النهج الذي يطبقه أصلا على أبناء جلدته من الإيرانيين، فستخدم الأسلوب القمعي والبوليسي، ودمر كل مظاهر الثقافة العربية واحرقت أمهات الكتب وصودر قسم آخر منها وتم التحفظ عليها في العاصمة طهران، كما مُنع الأحوازيون من ارتداء أي لباس عربي أو التحدث باللغة العربية حتى داخل المدارس والجامعات التي يحظر فيها أي كتابة بتلك اللغة. ولم يسلم النظام القضائي من نهج ولاية الفقيه الاستبدادي تجاه عرب الأحواز، فمنع التقاضي باللغة العربية أو حتى إحضار مترجم يتقن اللغتين.

ما سبق جعل الشعب الأحوازي من أكثر شعوب العالم فقراً رغم الثروات الهائلة التي يتمتع بها الإقليم، وتشير التقديرات إلى أن 50 بالمئة من شباب الإقليم عاطلون عن العمل، كما أن منظمات تقدر بأن ما بين 4 إلى 6 حالات انتحار تحدث بشكل أسبوعي في الإقليم جراء الفقر المدقع، وقال طه: “أكثر من 87 بالمئة من الشعب الأحوازي يعيش تحت خط الفقر وفق مصادر أحوازية، إضافة إلى ما أكدته مؤسسة (بورغن) الأمريكية والتي قالت إن أكثر من 75 بالمئة من الشعب الإيراني يعيش تحت خط الفقر وهؤلاء بأغلبيتهم من أهالي الأحواز العربية.. سكان الأحواز هم الأفقر إلى يومنا هذا، معدل دخل الأسرة المكونة من 4 أفراد يصل إلى نحو 5 دولارات شهرياً”.

يجب أن لا ننسى أن النظام الإيراني لا يوظف أبناء الأحواز العربية، فهو يمارس العنصرية تجاههم على جميع الصعد والمسارات ويمنع توظيفهم ويوظف بدلا منهم الفرس وخاصة في شركات الطاقة والنفط

التغيير الديموغرافي الذي انتهجه النظام الإيراني كان حاضرا وبقوة في الأحواز بهدف تغيير التركيبة السكانية لأهالي الإقليم، فستقدم إيرانيين وأحللهم مكان الأحوازيين العرب، وأمن لهم وظائف وخاصة في مصافي البترول والبنى التحتية التي تمد إيران بالمال والطاقة، كل ذلك على حساب الشعب العربي الذي يئن تحت وطأة احتلال وصف بالأبشع في التاريخ، وقال طه: “يجب أن لا ننسى أن النظام الإيراني لا يوظف أبناء الأحواز العربية، فهو يمارس العنصرية تجاههم على جميع الصعد والمسارات ويمنع توظيفهم ويوظف بدلا منهم الفرس وخاصة في شركات الطاقة والنفط. حتى أنه في الآونة الأخيرة عمد إلى بيع الكثير من الأراضي والمزارع في الأحواز إلى الفرس الآتين من مناطق عديدة مثل أصفهان وشيراز وغيرها، كل ذلك أدى إلى تفاقم البطالة في أوساط الشباب الأحوازي لتتجاوز الـ 93%”.

الأشد إيلاماً من كل ما ذكر سابقاً هو تعمد النظام الإيراني تلويث البيئة في الأحواز وتجفيف أنهار الإقليم، ومنذ عام 2011 تتصدر الأحواز قائمة منظمة الصحة العالمية لأكثر المناطق تلوثاً في العالم، إضافة إلى تجريف الأراضي الزراعية وتدمير مساحات شاسعة من تلك الأراضي وتجفيف الكثير من الأنهار ليضرب الجفاف الإقليم وتنضب منه مياه الشرب بعد أن كان مصدرا رئيسيا للمياه في المنطقة، وهو الأمر الذي أزكى ثورة العطش كما سميت عند اندلاعها عام 2018 بسبب الجفاف الشديد وانقطاع المياه عن مدينتين بالكامل هما مدينتي المحمرة وعبدان، وكذلك انتشار أخبار عن تصدير مياه الأحواز إلى العراق، الأمر الذي اشعل فتيل الثورة قبل وأدها من قبل أجهزة البطش الإيرانية.