أخبار الآن | (تحليل)

في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الثلاثاء، تطرق الرئيس الصيني “شي جين بينغ” عبر تسجيل مصور إلى العديد من القضايا التي تواجه العالم وبلاده إلا أن موضوعا في غاية الحساسية لم يذكره، وهو أزمة الأمن الغذائي الهائلة التي تواجهها الصين.

داخليا، تعتبر تلك القضية في غاية الأهمية بالنسبة للرئيس شي. الرئيس الصيني يتعامل مع القضية من زاوية الحد من هدر الطعام، على الرغم من أن القضايا الأساسية أكبر وأكثر خطورة بكثير.

في رسالة حديثة، أشار الرئيس الصيني إلى مقاطع الفيديو الشهيرة للغاية والتي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لمآدب ضخمة وأشخاص يأكلون ويهدرون كميات هائلة من الطعام، وكان يقول: “صادم ومحزن“.

يشعر الحزب الشيوعي الصيني الحاكم بالتهديد الشديد من تلك المشاهد لدرجة أنهم يوجهون اللوم الآن إلى هذا النوع من المحتوى. بطبيعة الحال فإن التهديد الحقيقي ليس من مقاطع الفيديو تلك ولكن من مخاطر الإمدادات الغذائية الشاملة التي تواجهها البلاد.

وهنا لا بد أن نسأل: كيف يمكنك إطعام 22٪ من سكان العالم بـ 7٪ فقط من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم؟ وهذا في حد ذاته يمثل تحديًا كبيرًا على ضوء سوء الإدارة والهدر المعتاد في الصين، وخاصة أن الحزب الشيوعي الصيني يجد صعوبة في النظر إلى المرآة ومعالجة سوء الإدارة، بل يلقي باللوم بدلاً من ذلك على المواطنين في هدر الطعام.

الحزب الشيوعي الصيني يجد صعوبة في النظر إلى المرآة ومعالجة سوء الإدارة، بل يلقي باللوم بدلاً من ذلك على المواطنين في هدر الطعام.

ووفقًا لأرقام صاردة عن الحزب الشيوعي نفسه، فإن كمية الطعام المهدور تكفي لإطعام ما بين 30 إلى 50 مليون شخص سنويًا، كما أن المواطن الصيني يهدر في كل وجبة نحو  93 جرامًا من الطعام في المتوسط.

وأطلق شي جين بينغ مؤخرًا حملة ” حملة الأطباق النظيفة 2.0 “، وهي نسخة جديدة من حملة تم إطلاقها عام 2013 تهدف إلى تقليل هدر الطعام.

في الوقت الحالي، يهدد الرئيس شي بمعاقبة المواطنين الذين يهدرون الطعام، وأوضح الحزب الشيوعي الصيني أنهم سيراقبون عدد الوجبات التي يتناولها المواطنون. كما طلب من الصينيين الإبلاغ عن من يهدر الطعام. ولاحظ المراسلون الأجانب بالفعل الاحتكاك والتوتر بين رواد المطاعم الذين يتجادلون حول الوجبات “الناقصة” وغير المكتملة.

هل سيكون الحزب الشيوعي قادراً على إطعام الشعب الصيني؟

إلا أن الطعام المهدر هو مجرد تهديد من ضمن مجموعة تهديدات أخرى تنذر بعدم قدرة الصين على إطعام سكانها. ففي عام 2019 وحده، أثرت إنفلونزا الخنازير على 40٪ من إجمالي أعداد الخنازير في الصين مما أضر بمصدر رئيسي لغذاء المواطنين. كما أدت هجمات الحشرات والجراد التي بدأت نهاية عام 2019 إلى تدمير 3 ملايين “فدان” من الأراضي الزراعية، ودمرت الفيضانات مليون فدان أخرى، مما أثر بشكل مباشر على إنتاج الأرز الذي يعتبر الغذاء الأساسي الوطني.

ولم تسلم الحبوب في الصين من الكوارث كذلك، فعلى الرغم من كون بكين ثاني أكبر منتج للقمح في العالم فقد اضطرت إلى شراء القمح من الخارج هذا العام، كما أنها تلهث وراء شراء الذرة وفول الصويا من أي بلد في العالم لأنها ببساطة لا تستطيع إنتاج ما تحتاجه.

أزمة كوفيد -19 أتت لتزيد الأعباء على الصين، الأمر الذي أدى إلى الضغط بشدة على الإمدادات الزراعية. اعتبارًا من يوليو الماضي، شهدت أسعار المواد الغذائية الإجمالية في الصين زيادة سنوية بنسبة 13 بالمائة. تضاعفت كذلك أسعار لحم الخنزير.

وصف خبراء رسميون في الصين وضع الأمن الغذائي بأنه “خطير للغاية”.

وفي مقال، تساءل “هو شينغدو Hu Xingdou” الخبير الاقتصادي بمعهد بكين للتكنولوجيا، كيف يمكن للصين دون تحسين الإنتاج المحلي، شراء ما يكفي من الغذاء لإطعام 1.3 مليار شخص نظرًا لعلاقات بكين المتوترة مع الغرب واحتياطي النقد الأجنبي المستنفد، نتيجة حرب تجارية مع الولايات المتحدة. وصرح الخبير الإقتصادي: “إن معدل الاكتفاء الذاتي من الغذاء في الصين يجب زيادته من 80٪ إلى 90٪ على الأقل”.

كما تحاول الصين بشكل محموم شراء أراض زراعية في الخارج. وقد أنفقت حوالي 94 مليار دولار لهذا الغرض خلال 10 سنوات. لكن هذه المبادرة تعتمد أيضًا على النوايا الحسنة للبلدان الأخرى، ومن الواضح أن دولًا أخرى تراقب الخطوات التي يقوم بها الحزب الشيوعي الصيني لأنه عندما ترتفع واردات الصين، فإن هذا يؤثر على أسعار الغذاء العالمية بشكل كبير.

يذكر أن أزمة الغذاء في الصين تزداد تفاقماً منذ سنوات وأصبحت الآن قضية وطنية.

ومنذ بدايات عهد “ماو” في عام 1949، فقدت الصين 20٪ من أراضيها الصالحة للزراعة في حين دمرت المجتمعات التقليدية لتحل محلها شقق ومصانع خرسانية. اليوم، لم يتبق في الصين سوى 10-15 في المائة من الأراضي للزراعة. هذا الرقم هو 50 في المئة مقارنة بجارتها ومنافستها الهند.

كما أن لدى الحزب الشيوعي الصيني تجربة مريرة حول العلاقة بين القدرة على إطعام الناس والاستقرار الاجتماعي. فبين عامي 1959 و 1961 ، تسبب ما يسمى “القفزة العظيمة للأمام” لـ “ماو” في مجاعة واسعة النطاق، مما أدى إلى وفيات تقدر بما بين 15 إلى 55 مليونًا، وتدمير شبه كامل للاقتصاد تزامنا مع مرحلة عدم استقرار سياسي دامت سنوات طويلة.

اليوم، الصين بطبيعة الحال تختلف بشكل جذري، إلا أن عدم كفاءة الحزب الشيوعي تعني أن بكين لا تزال تفتقر إلى الأمن الغذائي.

العالم يكافح كورونا.. والصين منشغلة بنقص الغذاء