ما كانت القاعدة يوماً في حال أسوأ من حالها اليوم: قيادة غائبة وفروع مأزومة، وما كان أنصار القاعدة أحوج إلى “قيادة” كما هم اليوم.

الذكرى التاسعة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت فرصة أمام قيادة القاعدة المركزية حتى تعيد التذكير بما كانت عليه يوماً، ولو على استحياء، وأن تنتشل أنصارها من يأسهم ولو ليوم واحد.

لكن كعادتها، القاعدة المركزية متأخرة في كل شيئ وتخطئ كل هدف حتى تبدو في واد وأنصارها في واد.

صباح يوم ١١ سبتمبر، افتقد أنصار القاعدة إلى بيان أو تصريح من النوع الذي يُعيدهم إلى ذلك اليوم، لم يجدوا من القاعدة المركزية شيئاً فأعادوا نشر مقال لأبي خديجة الأردني، بلال خريسات، القيادي في حراس الدين الذي قُتل في أواخر ٢٠١٩.

المقال بعنوان “نعم نحن من فعلناها” ويعود إلى تاريخ سبتمبر ٢٠١٨. في المساء، “بشّرت” السحاب الإعلامية بتسجيل “مرتقب”.

وفعلاً، ظهر الظواهري لكن بدلاً من الحديث عن “الذكرى” وما تلاها؛ مجترّاً أحداثاً وقعت منذ أكثر من عام!

أنصار القاعدة يشعرون بالإحباط هذه الايام ولم يعودوا يخفون ذلك، فالتنظيم أصبح شبحاً أو ظلّاً لما كان، وفي الوقت الذي نرى فيه تنظيمات تعرّف عن نفسها بالارتباط “الإسمي” بالقاعدة، نجد القاعدة المركزية مختفية.

أين هم اليوم؟ ما هي بالضبط الإديولوجية التي يومنون بها؟ هل أخذها قاداتها كلٌّ في اتجاه حسب أهوائهم؟

القاعدة اليوم: تنظيم يتلاشى

حسن أبو هنية، الخبير في الجماعات المتطرفة، صاحب كتاب الجهادية العربية: اندماج الأبعاد النكاية والتكمين بين “الدولة الإسلامية” و”قاعدة الجهاد” يشخّص وضع القاعدة اليوم ويقول: “قبل ١١ سبتمبر، كان هناك تنظيم مركزي يقوده أسامة بن لادن، ثم بعد ذلك، تحوّل التنظيم إلى نوع من اللامركزية في صنع القرار والتنفيذ وبدأت شبكة من الجهاديين المحليين ممن تبنوا استهداف “العدو القريب” بمبايعة بن لادن وبالتالي أنشأت شبكة واسعة من قاعدة الجهاد … وأصبح لدينا ما يُعرف بالجهادية العالمية فإذا نظرنا مثلا إلى تنظيم داعش الذي كان تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين فقد كان جزءاً من هذا الائتلاف أو التحالف (الشبكة) ثم أصبح منفصلاً وتنامى.

وعليه، إذا نظرنا إلى وضع القاعدة في فترة هجمات ١١ سبتمبر نجد أنه كان تنظيماً له سمعة ولكنه محدود جغرافياً، وفي أعقاب ١١ سبتمبر أصبحت الجهادية منتشرة في بلدان عديدة … لكن تنظيم القاعدة تحديداً، الذي كان يقوده بن لادن الذي قتل في أبوت أباد في ٢ مايو ٢٠١١ ثم ليتولى الظواهري الزعامة، ذهب ولم يعد له وجود في المركز – في خراسان: أفغانستان وباكستان- حيث هو ضعيف جداً.

هذا التنظيم يكاد يتلاشى؛ لا جاذبية له ولا حضور كما هو حال جماعات جهادية أخرى في مقدمتها داعش.”

الظواهري الغائب

من المسؤول إذاً عن حالة التردي هذه؟ لماذا تمردت الفروع على “الأصل”؟ أسوأ حالات التمرد هذه جاءت مزدوجة.

في ٢٠١٣، تمرّد تنظيم داعش على الظواهري في قصة تبعية الجولاني زعيم جبهة النصرة آنذاك (هيئة تحرير الشام اليوم).

يومها،انحاز الظواهري للجولاني. وفي ٢٠١٧، تمرّد الجولاني على الظواهري.

ومرّة أخرى، استنجد ما صار يُعرف بجماعة النهديين في اليمن بالظواهري كي ينتصر لهم من “ظلم” قيادة فرع القاعدة في اليمن الذي، بحسبهم، يقتل القادة والشرعيين من غير حق بعد توجيه تهم باطلة بأنهم جواسيس.

لم يطالبوا بأكثر من “محكمة مستقلة” وذلك بحسب الوثائق التي نشروها في أبريل الماضي. لكن الظواهري لم يستجب، وانتهى الأمر “باعتزال” هؤلاء التنظيم ثم الانشقاق عنه.

يرى أبو هنية أن “بن لادن كان رجلاً صاحب كاريزما لكنه أيضاً كان سلطوياً وهذا ما تثبته رسائل أبوت أباد.

فمثلا كان ناصر الوحيشي يخاطب بن لادن ويقول له إنه يستطيع أن يسيطر على صنعاء، لكن بن لادن كان يرد بالنفي وأنه يجب التركيز على النكاية (قتال العدو البعيد) محافظاً على الخط الأساسي لتنظيم القاعدة (الجهاد العالمي).

حتى أبو مصعب الزرقاوي لم يكن متوافقاً مع القاعدة لكنه وافق على الإلتحاق به لشخصية أسامة بن لادن الكاريزمية.

ونرى صرامة بن لادن في الطريقة التي تعامل بها مع فرع الصومال. فلم يعترف ببيعة فرع الصومال لأنه كان يركز على الشأن المحلي وليس الدولي.

ورفض أعمالهم لكن ما حدث عندما تولى الظواهري الزعامة هو أنه قبل مباشرة بيعة فرع الصومال.

والأمر نفسه مع دروكدال وبقية الفروع. إذاً، بعد مقتل بن لادن، لم يعد أحد يسمع للظواهري، وحتى من كانوا يستمعون إليه (أخذوا مكانه) فانتقل مركز التنظيم من الظواهري إلى أبي بصير الوحيشي (في اليمن) الذي أخذ ينفذ نهج بن لادن (الجهاد العالمي) وآخر هجمات فرع اليمن كانت شارلي إبدو.

هنا حدث الاختلال، رؤية بن لادن كانت واضحة منذ البداية، فهو صاحب فكرة (الجهاد العالمي)، الظواهري نظّر لها وحسب في “فرسان تحت راية النبي”.

لكنّ الظواهري مَصّر تنظيم القاعدة (رفع من شأن المصريين فيه) بعد مقتل بن لادن فكان يريد أن يعود إلى مصر مع جماعة الجهاد وبالتالي يعود إلى “العدو القريب”.

لم يستطع الظواهري أن يعيد التوازن الذي كان حققه بن لادن عبر شخصيته ومراعاته الموجودين في التنظيم (المصريين والخليجيين).

الظواهري اليوم يبعث توصيات إلى الصومال، فلا أحداً يستمع إليه؛ إلى المغرب، لا أحد يستمع إليه؛ في الشام؛ لا أحد يستمع إليه؛ بل إن عبدالرحيم عطون (رئيس المجلس الشرعي في هيئة تحرير الشام) كاد أن يشتمه.”

انتقاد القاعدة علنا

في شمال سوريا، لا بد أن أنصار القاعدة يشعرون بالإحباط من قيادة القاعدة التي لم تستطع أن تحمي فرعاً مهماً مثل حراس الدين من تغول هيئة تحرير الشام، ابن القاعدة المدلل العاقّ.

عندما وصلت حملة هيئة تحرير الشام ضد حراس الدين أوجها في يونيو الماضي، أوصى أبو محمد المقدسي، القاعدي المخضرم، بحلّ حراس الدين “تجنباً للاسئصال الذي يُخطَّطُ لهم”.

هذه التوصية النادرة جاءت بعد ثلاثة أيام من إصدار القاعدة المركزية بياناً ركيكاً لم يُقدم أو يؤخر في أزمة الحراس حتى إنّ غرفة عمليات فاثبتوا، المظلة التي انضوى تحتها الحراس، لم تلتفت إلى بيان الظواهري وجنحت إلى الصلح مع هيئة تحرير الشام تلبية لدعوة مُصلحين من خارج القاعدة.

عروة عجوب الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة لوند في السويد، يرى أن الظواهري أخفق في حماية حراس الدين وهم “الفرع الأكثر وفاءاً وتقرباً من الظواهري؛ فهم ملتزمون بالجهاد، لا يقبلون أي اتفاقية أو ديموقراطية أو اندماج مع فصائل تقاتل مع جيش علماني مثل الجيش التركي. عملياً هم أكثر أفرع القاعدة الملتزمة بتعاليم الظواهري وتعتبره قائداً كبيراً.”

ويلحظ عجوب أن الظواهري بات من الضعف بحيث أنه “يستجدي هيئة تحرير الشام في كل مرة للترفق بالحراس.”

ويردف: “اليوم مع غياب الشخصية الكاريزماتية القادرة على احتواء الخلافات مع الأفرع أو ضبط إيقاع القاعدة المركزية، نرى أصواتاً علت تنتقد الظواهري وتنشق عنه.”

ويُذكّر عجوب هنا بما كتبه عدنان حديد وهو كاتب معروف في أوساط القاعدة، عاد في الأشهر الأخيرة للكتابة في موقع بيان الذي يوثق للجهاد الشامي. ومثله هاشم العظمة الذي عاد أيضاً على التليغرام بعد غياب سبعة أعوام.

يقول عجوب: “(حديد) انتقد بن لادن لقبوله بيعة البغدادي وانتقد الظواهري لتجديده بيعة البغدادي وقبول بيعة الجولاني، ويتحدث الرجل وكأن القاعدة الأم تستطيع أن تفعل شيئاً، لكنها غير قادرة على إعطاء الأوامر للفروع. كل ما تفعه هو رد فعل بدل أن تكون فاعلة.”

وفي نفس الإطار، يرى مروان شحادة الخبير في الجماعات المتطرفة، صاحب كتاب تحوّلات الخطاب السلفي ” الحركات الجهادية من ١٩٩٠ ٢٠٠٧ ، ” أن أنصار القاعدة يلومون الظواهري أيضاً لأنه ولّى سيف العدل مسؤولية “مكتب بلاد الشام” وأوكل له تنظيم الأمور في الشام.

وأضاف “أنصار القاعدة يعزون فشل التنظيم في سوريا إلى قيادة سيف العدل.” سيف العدل، رئيس اللجنة العسكرية في التنظيم، كان في إيران حتى عام ٢٠١٥، ولا يُعلم يقيناً أين هو الآن وإن كان البعض يظن أنه لا يزال في إيران؛ لهذا يتخوف أنصار التنظيم من مسألة “إدارة التنظيم من طهران.”

معضلة طالبان: الرسالة السرّية

من الأمور الشائكة التي تقض مضاجع انصار القاعدة هو بيعة تنظيم القاعدة لطالبان وتجديد البيعة بعد أن وقعت طالبان اتفاقية السلام مع الولايات المتحدة الأمريكية.

أي أيديولوجية تتبع القاعدة اليوم؟ كيف تفسر ذلك لأنصارها؟

يقول شحادة إن البيعة لطالبان شكلت مسألة خلافية وأثارت جدلاً داخل تنظيم القاعدة.

ويكشف شحادة عن رسالة “غير متداولة” وجهها الظواهري إلى أمراء الفروع تشرح البيعة.

يقول شحادة: “تلقى أيمن الظواهري عديد الأسئلة  من قيادات القاعدة حول العالم تتعلق بالبيعة، ولماذا يجدد البيعة لطالبان على الرغم من أن طالبان تهتم بالشأن الوطني المحلي فقط والقاعدة نشاطها عابر للحدود ضمن الجهاد العالمي، فكيف يجدد البيعة لجهة لا تؤمن بالجهاد العالمي؟!.

أعتقد أن الظواهري ردّ في رسالة مطولة أسماها ‘أجوبة على سؤال بيعة إمارة طالبان الإسلامية’ وقد تمّ توزيعها على بعض قيادات القاعدة، بين فيها موقفه من البيعة وأنها جاءت لحماية التنظيم وما إلى ذلك وأخذ يسرد الذرائع في الموضوع وأنه لا يسعى لإقامة إمارة إسلامية وإنما يركز على إيديولوجية القاعدة القائم على النكاية بالعدو (البعيد).”

ويلفت شحادة إلى أن طالبان لم يردّ على البيعة “إعلامياً” إلا أن الظواهري “تلقى رداً شفهياً من الوسيط الذي بينه وبين أمير طالبان بقبول البيعة.”

ويُعلّق شحادة على غياب الظواهري ويقول: “أعتقد أن أحد أركان اتفاقية أمريكا وطالبان هي موضوع أيمن الظواهري وتجميد نشاطاته؛ وربما منعه من الإدلاء بأي تصريحات وربما يكون معتقل لدى طالبان في هذه المرحلة أو طُلب منه أن يغادر المنطقة التي تسيطر عليها طالبان.”

ويختم شحادة: “الظواهري يصلح لأن يكون أحد مستشاري زعيمٍ للقاعدة مثل أسامة بن لادن أو ابنه؛ لكنه لا يصلح أن يكون أميراً على تنظيم بحجم القاعدة.”