أخبار الآن | خاص 

بتنا نسمع كثيراً هذه الأيام عن اغتيال واحد من كبار قادة داعش تلو الآخر،  آخرهم كان أبو سعد الشمالي الذي قتل الأسبوع الماضي. وعادة ما تكون غارات التحالف الجوية هي السبب في هذه الاغتيالات. لكن داعش تنظيم تجاوز خسارته الخلافة المزعومة والخليفة. في تحليلنا التالي، نتساءل ما إذا كانت هذه الغارات تكلف داعش ما لا يمكن تعويضه أم أنها نكسات مؤقتة؟ 

الشمالي كان معادياً لأعضاء داعش من المهاجرين، وطلبة العلم، والشرعيين 

حتى نفهم الضرر الذي يلحق بداعش عندما يموت شخص مثل الشمالي، علينا أن نتعرف على حياته. كان شخصية خلافية. استحوذ هو وأقرباؤه وحاشيته على سلطان ومال بسبب انخراطهم بشكل رئيس في تحييد خصومهم من داخل التنظيم. فمن كانوا يبغضون؟ كانوا يكرهون المهاجرين والمتعلمين. اتهم الشمالي بإعدام من يُسموا طلبة العلم والشرعيين في داعش. ويعتقد أنه كان يقتل خصومه من أعضاء داعش ويتظاهر بأنهم قُتلوا في غارة للتحالف. 

ولهذا نتوقع أنه عندما يسمع خصوم الشمالي من داعش بقتله، سيفرحون فرحاً عظيماً. 

 

 

فكثير من مقاتلي داعش سيرون في قتله نتيجة حتمية للعداء والبغض اللذين ضمرهما للآخرين من التنظيم. وهؤلاء هم الأعضاء العاديون. 

  •   ورد اسم أبو سعد الشمالي في كتاب “كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي” لـ أبو محمد الهاشمي، وكان شرعياً لدى داعش وممن انتقدوا منهج التنظيم وانشقوا مع تيار تركي البنعلي على خلفية المخالفات الشرعية التي ارتكبها كبار قيادة التنظيم بدءاً بالبغدادي نفسه: من غلو وتكفير وفساد ومحاباة. أهدر البغدادي دمه لكنه توارى عن الأنظار. في كفوا الأيادي، يصف الهاشمي أبو سعد الشمالي وكان والياً على الرقة بأنه “عدو الله .. المجرم الكذاب ذو الوجهين” ونقل عنه قوله “أنه كان  يرسل الشرعيين للصفوف الأولى للتخلص منهم” وبالفعل أمروا بإرسال عدد من طلبة العلم إلى الجبهات المشتعلة علّهم  يقتلون فكان يُقتل في الأسبوع أكثر من ٣٠ أو ٤٠ منهم بالطائرات المسيرة. 

هل خسائر قيادات داعش المتواصلة تضرّ حقاً بالتنظيم؟

  • الشمالي كان يسير في النهج المتبع في داعش فيما يتعلق بتعاملهم مع المهاجرين. الهاشمي يذكر أيضاً كيف كان الولاة يستهينوا بحياة المهاجرين ومعظمهم كانوا انتحاريين فيزجون بهم في المعارك. ويروي أنه خلال أربعة أيام طلب والي ستين انتحاري ماتوا جميعاً في معارك بيجي وكان يمكن تجنب الخسارة. 

 

هل خسائر قيادات داعش المتواصلة تضرّ حقاً بالتنظيم؟

 

  • أبو عيسى المصري وهو شرعي ضرير وكبير السن ومن جماعة البنعلي وقضى وقتاً في سجون داعش بسبب قضية التكفير يذكر كيف كان الولاة وكبار المسؤولين يؤمنون احتياجات عوائلهم فيما يُقتّرون على المهاجرين حتى أصابهم الجوع خاصة في فترة قبل السقوط. 

 

هل خسائر قيادات داعش المتواصلة تضرّ حقاً بالتنظيم؟

 

 

  • وبما أننا نتحدث عن قضية التكفير، فإن أكبر فضيحة في تاريخ داعش هي قتل طلبة العلم والشرعيين ممن احتجوا على الغلو في التكفير. معظم هؤلاء كانوا من المهاجرين وأبرزهم أبو يعقوب المقدسي الذي كان أمير مركز البحوث. لفق له بعض الولاة ممن لم تعجبهم فتاواه تهمة التجسس وحتى أمروا أن تقرأ لائحة الاتهام في المساجد. وأعدم في ٢٠١٨. نذكر أبو حفص الهمداني وكان أمير المكتب الشرعي للجند ومن الاتهامات التي وجهت له أنه هو من باشر كتابة بيان طلبة العلم دفاعاً عن المقدسي. نذكر أيضاً أبو عبدالرحمن الزرقاوي قتل بعد أن طالب بفتح قضية ردة ضد والي دمشق. 
  • هؤلاء جميعاً كانوا مهاجرين. وكان يشرف على قتلهم كبار المسؤولين في داعش مثل حجي ناصر قرداش المعتقل حالياً لدى القوات العراقية (نائب البغدادي سابقاً)، وحجي عبدالله الذي يعتقد أنه الخليفة الجديد. 

 

هل خسائر قيادات داعش المتواصلة تضرّ حقاً بالتنظيم؟

 

 

أين تذهب الأموال؟ 

بالنسبة لكبار المسؤولين في داعش، قتل الشمالي أمر مهم لا بد من تداركه بشكل عاجل. فأين ذهبت الأموال والثروات التي جمعها؟ من أخذها وإلى أين؟ ملاحقة هذه المصادر لا بد أن يكون أولوية لديهم. سيفكرون أيضاً في طريقة لاسترجاع العلاقات التي كوّنها الشمالي محلياً ومع الدول المجاورة. لكنهم على الأرجح لن يسترجعوا الأموال وبالتالي فإن غياب الشمالي من المشهد سيلحق ضراراً بالغاً بالتنظيم الذي خسر مسؤولاً قاسياً متوحشاً ومصادر هائلة كانت في حوزته. في الوقت الذي يحاول فيه داعش العودة من الخلف بمصادر محدودة، هكذا خسائر لن يكون سهلاً تعويضها. 

  • عندما سيطر داعش على مساحات واسعة من العراق وسوريا فيها آبار نفط، أفتى تركي البنعلي للبغدادي بما يسمح له ببيع النفط إلى “الكفار” فكان يدخل على داعش يومياً حوالي مليون دولار. ونعلم من قرداش المعتقل حالياً لدى القوات العراقية إن ميزانيته في ٢٠١٥ لولاية البركة (الحسكة) فقط كانت ٢٠٠ مليون دولار. 
  • ونعلم أيضاً من قرداش أن بعض الولاة والأمراء كانوا يأخذون ميزانياتهم ويهربون بها ليؤسسوا حياة خارج التنظيم. 
  • كانت هذه المبالغ الضخمة تُحفظ في بيت المال ويتحكم بصرفها حفنة محدودة من الناس. بحسب قرداش، كل من كان قريباً من البغدادي كان يُمنح امتياز التحكم ببيت المال. آخر اثنين كانا قريبين من البغدادي هما عبدالله قرداش المرجح أن يكون الخليفة أبو إبراهيم، وأبو سعد الشمالي. 
  • لا أحد يعلم أين يحتفظ داعش بهذه الأموال، لكن يُعقتد أنه بعد السقوط استثمرت أموال في مشاريع تدر أرباح. مشاريع يمكن أن تمرّ كاستثمار عادي مثل معرض لتجارة السيارات، أو إنشاءات. وقد يقوم بنقل الأموال أقرباء الدواعش الكبار. نعلم أن جمعة شقيق البغدادي كان مسؤولاً عن أموال البغدادي وكان يتنقل كثيراً عبر شمال سوريا إلى تركيا. 
  • الشمالي كان يتنقل أيضاً مع شقيقه فضل، مسؤول المتفجرات في داعش، وحضر (فضل) في أبريل اجتماعاً في تركيا ضم ٥٠ داعشياً من وزن خالد العقال مؤسس أعماق بهدف تشكيل خلية لاغتيال الأكراد بمباركة تركية. إذا نعلم أن الرجل كان يتحرك بحرية وبالتالي نتوقع أن أمواله كانت تتحرك بحرية أيضاً.   

 

كيف تدور دائرة الاغتيالات؟ 

من المهم لقيادات داعش معرفة كيف تمّ العثور على الشمالي. سيخطر ببالهم إن كان التنازع على الأموال والسلطة والإديولوجية أدى إلى موت الشمالي. في هذه الحالة، لا بد ستقع اغتيالات أخرى. عوامل الكشف عن مواقع المسؤولين والإخبار عنهم ستظل قائمة. لا يستطيع داعش أن يمنع هذا لأن مصالح مسؤوليه الكبار متباعدة. 

  • التخلص من الخصوم بتلفيق التهم وتنفيذ الحدود محلياً أو بتسريب إحداثيات المواقع لطيران التحالف ليس أمراً غير معهود في داعش. تركي البنعلي مفتي داعش في وقت من الأوقات ومقرب من البغدادي لُفقت له تهم وهُمّش وأتباعه يتهمون التنظيم بكشف مكانه للتحالف الذي قتله في ٢٠١٧. 
  • في نوفمبر ٢٠١٨، قالت مؤسسة التراث العلمي الموالية لتيار البنعلي في داعش إن ثلاثة شرعيين هم: أبو حفص الهمداني وأبو مصعب الصحراوي وأبو أنس الغريب قتلوا في قصف للتحالف استهدف السجن الذي كانوا فيه بالرغم من المطالبة بإخراجهم من هناك حتى لا يكونوا هدفاً سهلاً للتحالف. وجميعهم كان من التيار الذي تصدّى للغلاة وانتقدوا علناً سلوك داعش.  

 

هل خسائر قيادات داعش المتواصلة تضرّ حقاً بالتنظيم؟

 

ماذا بقي من داعش؟ 

كان الشمالي على هرم القيادة في داعش. قتله وغيره من المسؤولين الكبار يُظهر لغيرهم ممن لا يزال حياً أن تنظيمهم لم يعد نافعاً. غياب الشمالي من المشهد جزء من سلسلة طويلة من اغتيالات تطال القادة الكبار الأمر الذي يبرهن أن التنظيم في انحدار متسارع. لا يزال يتعين على داعش أن يعوض خسارة أرض خلافته المزعومة وخليفته البغدادي الذي قتل العام الماضي. 

  • بالعودة إلى وثائق مؤسسة التراث العلمي التي تكشف خفايا تنظيم داعش من الداخل – لأنهم ببساطة داعش – وإذا نظرنا في منشور”سلطان باريشا” لأبي عيسى المصري وهو من الشرعيين المعتبرين أيام داعش والآن ضمن مؤسسة التراث العلمي، سنجد التالي: 

*خسارة داعش الأرض يفقدها المسوّغ الشرعي لإطلاق اسم “الخلافة” على أي شكل من الحكم قد يتخيله أفراد التنظيم 

* وعليه، فلا مسوّغاً شرعياً للقب خليفة. فلا “خليفة” من دون سلطان؛ من دون أرض. 

* من تبقى من قادة القاعدة ينامون بالأحزمة الناسفة خوفاً وتحسباً وهذه ليست صفات التمكين 

* لا أحد ممن أحاط بالبغدادي يتمتع بالملكة العلمية والشرعية لاكتساب لقب خليفة. وبالتالي ليس لداعش خلافة ولا خليفة. 

* لم يبق لداعش سوى الإصدارات المرئية البشعة التي يتفنن فيها أفراد التنظيم بالذبح والتعذيب ويطلقون الفتاوى لتبريرها ويتناقلها أنصار التنظيم بين الحين والآخر.

 

هل تستطيع المافيا العراقية أن تتجاوز هذه الخيانات؟ 

كان الشمالي سورياً؛ وقتله سيشكل تحدياً لقيادة داعش العراقية الذين أصبحوا أقلّ تمثيلاً للتنظيم وأقرب إلى زعماء مافيات قائمة على تجارة العائلة ومسقط الرأس. 

من سمح للتركمان بالسيطرة على التنظيم؟ من شأن هذه الحالة المتقلبة أن تعمّق الشعور بالقلق ومقاومة استحواذ العراقيين على المشهد. في المقابل سيجد قادة داعش العراقيون أن فرض أوامرهم على المقاتلين أصبح أصعب شيئاً فشيئاً. 

  • لطالما كان التركمان قريبين من سدة الحكم في داعش. نعلم من حجي ناصر قرداش المعتقل لدى العراق رئيس اللجنة المفوضة سابقاً، أن التركمان كانت لهم الحظوة عند البغدادي. ونذكر منهم حجي ناصر نفسه وحجي عبدالله قرداش الذي يُعتقد أنه الخليفة أبو إبراهيم. 
  • للتركمان أفضلية العرق. فهم عراقيو المولد والنشأة لكن علاقاتهم التركية قوية وهذا يعطيهم أفضلية الحركة بحرية. 
  • وفي المحصلة، الزعيم الفعلي للتنظيم هو من يملك الأموال التي ينفقها على المقاتلين. فإن خسرت القيادة العراقية هذه المصادر، أصبحت سيطرتها مهددة أكثر فأكثر. وهنا نعود إلى المربع الأول: أين ذهبت ملايين داعش؟

لنجب إذاً على السؤال الذي طرحناه في البداية. نعم؛ تشكل هذه الغارات ضربة قوية ومباشرة لداعش وخسارة قادتهم ومصادر تمويلهم. وفي نفس الوقت تُوقع ضرراً أكبر على المدى الأبعد إذ تُعمّق الخلافات الداخلية التي يصبح جسرها مع الزمن أمراً صعباً. المشكلة هي أن داعش يدركون أن خلافاتهم الداخلية تلعب دوراً أساساً في تمكين هذه الغارات. انعدام الثقة والخيانات تنتشر كالنار في الهشيم على كل المستويات داخل داعش. لهذا نجد أنه بعد كل غارة ناجحة، يتساءل زعماء داعش عمّن سيكون التالي حتى ينجو كلّ بنفسه. 

هل خسائر قيادات داعش المتواصلة تضرّ حقاً بالتنظيم؟

السر وراء استمرار داعش في خسارة كبار القادة

للمزيد: 

برنامج مكافآت من أجل العدالة الأمريكي يوجه رسالة لزعيم داعش الجديد