خلال الشهرين الماضيين، زاد نشاط الجماعات الجهادية الموالية لكل من القاعدة وداعش وصعّدت من هجماتها الإرهابية في غرب إفريقيا (منطقة الساحل وبحيرة تشاد) وفي شرقها (الصومال والقرن الإفريقي.


فبعد كلمة الأسبوع الماضي لـ محمد كوفا أمير منطقة ماسينا المنضوية تحت مظلة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بمناسبة مرور سبعة أعوام على قتالهم القوات الفرنسية في مالي، نشرت القيادة العامة للقاعدة بياناً بعنوان “تحية لأرباب المعالي وأنصار الإسلامي في مالي.”

أما داعش، فللأسبوع الثالث على التوالي تخصص الصفحة الأولى من صحيفة التنظيم الأسبوعية الصادرة عن ديوان الإعلام المركزي لهجمات “ولاية غرب إفريقيا.”

ثمة ديناميكية لافتة للانتباه في غرب إفريقيا سواء بين الجماعات الموالية للقاعدة أو هذه وجماعات داعش.

جماعات القاعدة

جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هو تكتل تأسس عام ٢٠١٧ ليشمل الجماعات الموالية للقاعدة وأهمها القاعدة في المغرب الإسلامي.

عن جماعة نصرة، يشرح وسيم نصر الصحفي في فرانس ٢٤ المتخصص بالجماعات الجهادية أن هذه الجماعة يقودها رجل “قلب المقاييس في المنطقة” ضمن خطة للقاعدة لضمان السيطرة على أكبر مساحة ممكنة في المنطقة وأدلجة أكبر عدد ممكن من المقاتلين باتجاه التطرف. ويقول: “إياد غالي وهو من الطوارق وشخصية سياسية في مالي. فهو سياسي قبل ان ينضم للجهاديين. قاتل مع البوليساريو وقاتل في لبنان عندما بعث القذافي مقاتلين إبان الحرب الأهلية. وكان من المفاوضين مع الدولة الفرنسية نسبة إلى المخطوفين قبل أن ينضم إلى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين. لقد كان قرار سياسي من القاعدة أن يتولى قيادة الجماعة الجديدة شخص من الطوارق. وكان معه أبو همام وهو جزائري وعلى الأرجح قتل. والأهم محمد كوفا وهو من الفلان نسبة لوجودهم على نهر النيجر حيث يوجد أكثر من ٤٠ مليون نسمة ولم يدخلوا سابقاً في الجماعات الجهادية. فوجود كوفا استقطب كثيرين رغم أنه داعية وليس شخصية متنفذة لأنه توجد طبقية في المجتمع الفلاني. ورأينا بصمتهم في عدة عمليات مثل غراند بسام في ساحل العاج حيث ان اثنين من المهاجمين كانوا من الفلان. وزادت العمليات في مناطق الفلان حيث كان هناك عرب وطوارق. ما حصل في أبريل ٢٠١٧ هو وضع طوارقي رئيساً على العربي والفلاني  ونجحت القاعدة في قلب المقاييس نوعاً ما فبعد أن كانت العمليات محصورة في شمشال مالي نزلت إلى وسط مالي.”

داعش

في ٢٠١٥، انفصلت مقاتلون بقيادة أبو الوليد الصحراوي وهو مغربي الجنسية عن جماعة المرابطين وأعلنوا البيعة للبغدادي. ورغم أن داعش كانت مترددة على ما يبدو في مساند الصحراوي إلا أنه شنّ هجمات نوعية ضمن “ولاية غرب إفريقيا.” يقول نصر: “استغرق الأمر سنة كاملة من اكتوبر ٢٠١٥ إلى اكتوبر ٢٠١٦ حتى تعترف الدولة الإسلامية بمبايعة الصحراوي في إعلان عبر أعماق. ومن ذلك التاريخ حتى مارس العام الفائت لم تحصل اي عملية باسم تلك الجماعة تعلن عنها أعماق. ولم يتكلم البغدادي صراحة عن الجماعة إلا في الفيديو الأخير قبل مقتله. ذكر أبو الوليد بالاسم ودعاه ليركز هجماته ضد الفرنسيين والموالين لهم. ومنذ مارس وحتى اليوم زادت العمليات وكله في إطار ولاية غرب إفريقيا.”

القاعدة في المغرب الإسلامي

هذا التردد من التنظيم “الأم” في قبول جماعات إفريقية ليس غريباً. ومن السخرية أن هذه الجماعات هي التي تحقق الآن “انتصارات” باسم القاعدة أو داعش في وقت تعيث الفوضى بالتنظيمين في الشرق.

القاعدة في المغرب الإسلامي تأسست بين عامي ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ بإعادة تشكيل النسخة السابقة من الجهاد الجزائري متمثلاً في الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي ولدت من رحم الجماعة السلفية المسلحة : الأعنف بين التنظيمات التي ظهرت في الحرب الأهلية الجزائرية في التسعينيات.

وعن انضواء هذا التنظيم تحت القاعدة، يلاحظ الدكتور داريو كريستياني المتخصص في الجماعات المتطرفة،  الباحث في صندوق مارشال الألماني في واشنطن والمعهد الإيطالي للعلاقات الدولية ويقول: “كان الجزائريون تاريخياً مهووسين بالهوية. فكان ثمة جدل في التسعينات وحتى أوائل الألفية الثالثة حول عدم رغبة تنظيم الجهاد العالمي بضمّ المجموعات الجزائرية لاعتقادهم أن الجزائريين يركزون على الجهاد المحلي ضد الحكومة وليس على الجهاد العالمي. وقع هذا الجدل في دوائر القاعدة: التركيز على العدو البعيد مقابل العدو القريب .

في حالة الجزائر، وحتى عام ٢٠٠٠ كان التركيز على العدو القريب أي الحكومة الجزائرية … ثم حصل التحول داخل الجماعة وكان عبدالمالك دروكدال عرّاب هذا التحول وأطلق الجهاد الجزائري إلى العالمي بدلاً من الانحصار في الصراع المحلي.”

بحسب كريستياني، بدأ التنظيم “الجزائري” مفاوضات الانضمام إلى القاعدة منذ ٢٠٠٣ إلى أن تمّ الانضمام في ٢٠٠٧.

وقد استغل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي حال سكان المنطقة فاستخدمهم “أدوات” للقتال باسم الجهاد، وأفتى لهم ما يحملهم على القتال لحلّ مشاكلهم. يتحدث كريستياني عمّا يُعرف بـ (الجهاد للمهمشين) وهو مفهوم طوّره أحد “علماء التنظيم” واسمه جمال عكاشة ويعني: “استخدام الفكر الجهادي لإقناع الجماعات الإثنية  التي على خلاف مع جماعات أخرى أو تشعر بالظلم بأن تلجأ إلى الجهاد لتدافع عن مصالحها. وبهذه الطريقة أصحبت القاعدة في بلاد المغرب  ذات حظوة في الساحل، إذ توجد خلافات تاريخية بين مجموعات إثنية مختلفة: البدو والحضر، مشاكل على الأرض والماشية. القاعدة في بلاد المغرب كانت تستغل هذا الأمر من أجل أن تنشر فكرها في المنطقة. ثم بعد ذلك لا يهمهم إن التزمت الجماعة بتعاليمهم حرفياً. كانوا يعتبرونهم أدوات للجهاد ضد الحكومة المحلية ووجود (العدو البعيد) في المنطقة الذي هو في هذه الحالة فرنسا. ونرى هذا في أدبيات القاعدة وفي نوع الأهداف التي يهاجموها.”

“أفرقة الجهاد”

تتميز الجماعات الجهادية في إفريقيا أنها تشكل منطلقاً إلى “العالمية الجهادية”. فالقاعدة وصلت إلى ما وصلت إليه بشنّ هجمات ١١ سبتمبر بعد أن ضربت المصالح الأمريكية في إفريقيا. وفي نفس الإطار، يقول كريستياني عن التوسع السريع للجماعات الجهادية في دول غرب إفريقيا أنه: “ومع التركيز على بوركينا فاسو، نستطيع أن نرى أهمية (أفرقة) الجهاد الذي يتوافق مع ظهور الدولة الإسلامية (داعش) في عدد من الدول مثل الكونغو وموزمبيق.”