العناوين الرئيسة:

  • قتل البغدادي وإعلان خليفة جديد
  • حملة الحظر على التليغرام
  • مناوشات الجولاني في شمال سوريا ضد حراس الدين والأهالي
  • والتحرك باتجاه ليبيا

قتل البغدادي

أولاً: إدلب

عند منتصف ليل ٢٦ اكتوبر ٢٠١٩، وردت أنباء عن عملية إنزال في شمال غرب سوريا: في قرية بريشا بين سرمدا وسلقين على بعد ٥ كم من الحدود التركية.

القرية كانت مقراً لهيئة الأركان ثم أصبحت مقراً لمستودعات أحرار الشام وثم أخدتها هيئة تحرير الشام النصرة سابقاً والآن هي مقر لحراس الدين.

تحدثت أنباء عن أن الإنزال استهدف منزل شخص يعرف باسم أبو أحمد سلامة ويقال إنه نازح وإن منزله حوصر وطلب منه تسليم نفسه وضيفه  أي البغدادي. أنباء أخرى قالت إن المنزل كان لـ أبو البراء الحلبي أحد قيادات حراس الدين.

في اليوم التالي، أكد الرئيس الأمريكي قتل البغدادي وقال إنه فجّر في نفسه حزاماً ناسفاً كان يلبسه.

بعد أربعة أيام في ٣١ أكتوبر، الناطق الجديد باسم داعش أبو حمزة القرشي أكد الخبر. وأضاف أن الناطق السابق أبو الحسن المهاجر قُتل بعد ساعات من قتل البغدادي. في نفس البيان أُعلن عن اسم الخليفة الجديد.

السؤال المهم هنا هو ما الذي دعا البغدادي للخروج إلى إدلب، دار الكفر في أدبيات داعش، والإقامة عند حراس الدين الذين يفترض أنهم يدينون بالولاء للقاعدة عدو داعش الأول.

الإجابات التي حصلنا عليها من باب التكهن تشير إلى احتمال وجود انشقاق في حراس الدين ورغبة في الانضمام إلى داعش؛ أو ببساطة أن البغدادي كان أقرب في إدلب إلى تركيا التي كان يتردد عليها وعائلته.

مروان شحادة، الباحث المتخصص في الجماعات المتطرفة، يعتقد أن أحداً لم يكن ليبحث عن البغدادي في إدلب فخرج إليها طلباً للأمان.

ثانياً: البصمة الإلكترونية

من الأسئلة التي شغلتنا في ذلك الوقت أيضاً هو كيف تمكنت القوات الأمريكية من الوصول إلى البغدادي. صحيح أن الأكراد كشفوا لاحقا عن دور محوري في العملية من خلال عميل لهم من بين مرافقي البغدادي. لكن برزت أيضاً مسألة البصمة الإلكترونية التي خلفها البغدادي والتي ساعدت في تعقبه. نذكر أن البغدادي قبل شهر ونصف فقط من قتله وتحديداً في ١٦ سبتمبر ٢٠١٩، خرج بكلمة صوتية بعنوان “وقل اعملوا” بمناسبة ما قال إنه مرور خمسة أعوام على تأسيس التنظيم باسمه الجديد (داعش) في يونيو ٢٠١٤.  بعض الجهاديين تشاءموا لأنه في أدبياتهم يُقتل زعيمهم بعد فترة وجيزة من إلقائه خطاباً كما حدث مع أبو مصعب الزرقاوي مثلاً.  فلربما كان لهذه البصمة الإلكترونية علاقة.

بحسب  خبير أمن المعلومات دلشاد عثمان ثمة تقنيات حديثة تعزل الأصوات وتصنفها كـ”بصمة صوتية”، فلكل صوت خصائص فريدة، ومن ثم يمكن إطلاق مجسات تلتقط الأصوات في مساحة جغرافية معينة ومطابقتها مع البصمة الصوتية للشخص المعني.

ثالثاً: الخليفة الجديد

إذا قتل البغدادي وأعلن عن خليفة جديد هو أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.

فمن هذا الرجل؟ إلى اليوم لم يظهر للعلن اسمه أو رسمه. ما لدينا حتى الآن مجرد تكهنات. مثلاً، هو حجي عبدالله قرداش، المعروف بالمدمر ونائب البغدادي.

لكن آخرين يشككون في أن يكون خليفة داعش الجديد هو عبدالله قرداش. ببساطة لأن الرجل قُتل. جاسم محمد، مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات يقول إن تقريراً للاستخبارات العراقية بناء على معلومات أدلت بها ابنة قرداش المحتجزة لدى السلطات العراقية أفاد بأن قرداش قُتل إلا أن أحداً لم يعلن ذلك لا الحكومة العراقية ولا تنظيم داعش. “فمصير الرجل لا يزال مجهولاً،” يستدرك محمد.

وفعلاً، يبدو أنه حتى أنصار داعش كانوا يتساءلون عن هوية الخليفة الجديد. مايكل كرونا الأستاذ المساعد في جامعة مالمو في السويد وصاحب كتاب (عالم داعش الإعلامي) ومن خلال متابعته حسابات أنصار داعش في تلك الفترة لاحظ حالة من “عدم الاستقرار” في أوساط داعش في تلك الفترة. ويقول: “”بدأت مجموعات خاصة على التليغرام، مجموعات محادثة خاصة وصغيرة، بدأوا يسألون بعضهم البعض عن هوية الرجل من خلال الرسائل التي استطعت أن أقرأها وبدأوا يتكهنون ويقترحون أسماء لا تختلف عن الأسماء التي وضعها محللون غربيون كمرشحين للخلافة بعد مقتل البغدادي. كنت أشعر أن لديهم حالة من عدم الاستقرار. لكن بعد أيام عندما طُلب منهم مبايعة الخليفة الجديد، قلت هذه التساؤلات. ولهذا استنتجت أن هوية الرجل غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه خليفة وأنه يحتاج إلى دعمهم.”

رابعاً: الخليفة الوهمي

وهنا، خلال الأشهر الماضية كان لمؤسسة التراث العلمي مساهمة مثيرة للاهتمام في هذا المجال.

مؤسسة التراث العلمي تمثل شرعيين وطلاب علم انشقوا عن داعش ولما ينضموا إلى أي فصيل آخر. يكتفون بتسريب وثائق ونشر مقالات تفند ممارسات داعش التي يصفونها بالغلو. وهم أتباع تركي البنعلي الذي كان من كبار القضاة لدى داعش واختلف مع البغدادي وأمراء حربه في مسألة المبالغة في تكفير الآخرين.

نشرت المؤسسة سلسلة من المقالات تفند مبدأ الخلافة بعد أن خسر داعش الأرض و”السلطان” بعد هزيمته في الموصل والرقة. آخر مقال في هذه السلسلة كان بعنوان سلطان باريشا وفيه يستدل أبو عيسى المصري وكان قاضياً شرعياُ لدى داعش، يستدل بالدليل العلمي على أن أتباع البنعلي وهم العارفون بمداخل داعش ومخارجها لا يعرفون رجلاً يحمل لقب أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وأن ليس من بين قيادات الصف الأول من يتمتع بالشروط الشرعية لتولي الخلافة أياً كانت. ويزيد أن إن كان المقصود هو عبدالله قرداش، فالرجل مبتور الرجل مخالفاً بهذا الشروط الشرعية التي تحتم أن يكون الخليفة صحيح الجسد.

ويكشف المقال أيضاً عن أن تسمية البغدادي نفسه زعيماً وقرشياً جاءت بطريقة مثيرة للسخرية. ففي عام ٢٠١٠، عندما قتل أبو عمر البغدادي زعيم تنظيم دولة العراق الإسلامية آنذاك، والتي أصبحت لاحقاً داعش، أعلن المتنفذون في التنظيم أن أميرهم الجديد هو رجل يُكنّى بأبي بكر البغدادي القرشي.  ثم جاءوا بأبي دعاء السامرائي  (وهي كنية قديمة استعملها ابراهيم بن عواد البدري المكنى بأبي بكر البغدادي). فقالوا له نعينك أميرا حتى نجد قرشيا مناسبا. فقال لهم أبو دعاء: أنا قرشي. فقالوا له اذهب فأتنا بنسبك. فذهب فجاءهم بنسبه فقالوا أنت إذا أبو بكر البغدادي.  وهكذا كان.

حرب التيليغرام

في الأسبوع الأخير من نوفمبر ٢٠١٩، شن اليوروبول حملة على حسابات داعش على منصات تواصل اجتماعي خاصة التيلغرام.

حذفت الحسابات الرسمية وحسابات كل من له اشتراك في هذه الحسابات حتى الصحفيين والباحثين.

أنصار داعش سرعان ما انتقلوا إلى منصات أخرى مثل تطبيق المراسلة الروسي TamTam. وتطبيق bcm  و Hoop.

وبالرغم من امتداد حملة اليوروبول إلى هذه المنصات إلا أن أنصار داعش ظلوا نشطين على الإنترنت بشكل أو بآخر.

فقدرتهم على إنشاء حسابات جديدة كانت أكبر من قدرة الأجهزة الأمنية على تعليق الحسابات.

الجولاني

في شمال سوريا، وتحديداً في إدلب المعقل الأخير للجهاديين هناك، وقعت ثلاثة حوادث مهمة.

أولاً: اتساع موجة الامتعاض الشعبي من هيئة تحرير الشام. مظاهرات في مختلف بلدات الشمال السوري تطلق شعارات ضد الجولاني. واعتقال إعلاميين ومعارضين. مثل أبو العبد أشداء وهو من قيادات هيئة تحرير الشام الذي نشر شهادة مصورة بعنوان “حتى لا تغرق السفينة” يتهم فيها الجولاني وقيادات التنظيم بالفساد. وحتى الاشتباك بالسلاح كما حصل في كفرتخاريم في ١١ نوفمبر عندما رفض أهالي البلدة تسليم محصول الزيت والزيتون إلى ما يعرف بلجنة الزكاة. وطردوا ممثلي الجولاني منها.

ثانياً: تصفية قيادات حراس الدين. تأسس تنظيم حراس الدين في فبراير ٢٠١٨ من مجموعة موالين للظواهري انشقوا عن الجولاني عندما أعلن فك ارتباطه بالقاعدة في يونيو ٢٠١٦.  نواة هذا التتنظيم جهاديون أردنيون مثل سامي العريدي أبو محمود الشامي، خالد العاروري أبو القسام الأردني، إياد الطوباسي أبو جليبيب الأردني، ساري شهاب أبو خلاد المهندس وبلال خريسات أبو خديجة الأردني.

العلاقة بين الطرفين: حراس الدين وهيئة تحرير الشام (الجولاني)، ظلت غامضة. صحيح أن الجولاني سجن قيادات حراس الدين أكثر من مرة، واشتبك الطرفان في حرب كلامية أكثر من مرة لكن لم يصل الأمر إلى حد المواجهة المفتوحة. ومع هذا يعمل حراس الدين ضمن غرفة عمليات (وحرض المؤمنين) مع عناصر الهيئة في معارك ضد النظام السوري في حماة.

المهم والثابت في هذه العلاقة هو أن ثمة استهداف بالاغتيال ضد قيادات حراس الدين خاصة الأردنيين مثل أبو جليبيب، وأبو خلاد المهندس الذي قتل في أغسطس ٢٠١٩، وأخيراً في الأسبوع الأخير من العام، اغتيل بلال خريسات أبو خديجة الأردني في هجوم للتحالف بطائرة مسيرة.

ثالثاً: كلمة مصورة للجولاني نُشرت عشية عيد الميلاد بعنوان: “حرب تحرر واستقلال”.

في الردود التي رصدناها:

١- أن الجولاني الذي فك ارتباطه بالجهاد العالمي يعود ويذكر بالجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي، وكأنه يحاول استجماع صفوف الجهاديين المنتظمين تحت ألوية فصائل موجودة أو المعتدلين المستقلين،

٢- ويحاول صرف النظر عن الوجود التركي في شمال سوريا

٣- ويحاول صرف النظر عن تردي الأوضاع في المناطق التي تخضع لسيطرته

ليبيا

وفي تطور لافت خلال الأيام الأخيرة من ٢٠١٩، وردت أنباء عن توجه عناصر موالية لهيئة تحرير الشام، أو تركيا حقيقةً، للقتال في ليبيا إلى جانب حكومة السراج في طرابلس ضد قوات حفتر.

هشام النجار  الباحث في الإسلام السياسي والصحفي في الأهرام المصرية كان تحدث عن العلاقة التركية-الليبية- الداعشية. وقال:

“عودة أكثر من ٣٠٠ داعشي إلى ليبيا تحت قيادة أبو معاذ التكريتي ترتبط بحاجة إردوغان إلى تقوية حلفائه لإعاقة الجيش الوطني في تنفيذ مهمته وتحرير طرابلس. مهمة داعش  بالتفاهم مع تركيا هي بإشغال الجيش اللليبي الوطني بقيادة المشير حفتر في معارك جانبية حتى لا يتفرغ تماماً لمعركة طرابلس وإرسال رسائل إلى الخارج أن الجيش الليبي غير مسيطر تماماً على المناطق التي قال إنه سيطر علهيا. لهذا يحرص داعش على تنفيذ عمليات في مناطق سيطرة الجيش الليبي.”

غرب إفريقيا

في غرب إفريقيا، يواصل أنصار داعش شن هجمات واسعة وبشعة في نيجريا ومالي وبوركينافاسو. في الأسبوع الأخير من ٢٠١٩، نشر داعش فيديو يظهر فيه إعدام ١١ مسيحي في نيجيريا فيما قال أنصار التنظيم إنه ثأر لقتل البغدادي.  أعدم أحدهم بإطلاق النار على رأسه فيما ذُبح العشرة الآخرون. وفي نيجيريا في ١٠ ديسمبر، قتل ١٠٠ جندي نيجيري في هجوم على قاعدة عسكرية قرب الحدود مع ماليوفي مالي في نوفمبر، أعلن داعش عن قتل ١٣ جندي فرنسي في حادثة تصادم مروحيتين في كمين.

المراقبون يتوقعون تصاعداً للهجمات في إفريقيا لأنها باتت تشكل بيئة خصبة للتنظيمات الإرهابية وخاصة داعش بعد انحسار وجوده في العراق وسوريا. إدريس القنبوري، الباحث المغربي المتخصص في الحركات المتطرفة، يقول: ”

“جاء اختيار منطقة شمال افريقيا: منطقة الساحل والصحراء لأنها منطقة شاسعة ولأن الدول المحاذية لها تعاني من مشاكل حدودية فلا تستطيع التنسيق فيما بينها لمحاربة الإرهاب. ثم إن ظاهرة الفساد منتشرة فيمكن شراء الذمم. كما أن الطبيعية السوسيوليوجية والقبلية لهذه المجتمعات تمكن الجماعات الإرهابية من استقطاب أفراد من القبائل واستغلال العلاقة غير الطبيعية بين المواطنين والمركز  البعيد مع غياب الخدمات والديموقراطية وتفشي الفساد السياسي.”