أخبار الآن | لبنان – أخبار الآن

تعتبر السلاحف البحرية من أكثر الكائنات المعرضة للانقراض في العالم، لذا تم تخصيص يوم عالمي لها يُصادف في السادس عشر من شهر حزيران (يونيو) من كل عام، ليكون مناسبة سنوية لتكريم هذه الكائنات البحرية التي يرقى تاريخ وجودها إلى أكثر من 110 مليون سنة، وتسليط الضوء على أهميتها في النظم الإيكولوجية البحرية.

وتُعتبر أشهر أيار/مايو وحزيران/يونيو وتموز/يوليو هي الفترة الأساسية التي تقوم السلاحف خلالها بعملية التعشيش، وكذلك تشهد فترة تفقيص البيض، وبهذه المناسبة اخترنا في موقع “أخبار الآن” أن نسلط الضوء على قصة امرأة كرّست 19 عاماً من حياتها من أجل حماية هذه الكائنات المميزة التي تلعب دوراً رئيسياً في حماية التوازن البيئي.

امرأة عربية كرّست 19 عاماً لحماية السلاحف البحرية المهددة بالإنقراض (خاص)

بدأت منى خليل قصتها عام 1999، عندما جاءت من هولندا حيث كانت تقيم، لزيارة منزل والدها المحاذي لشاطىء بلدة المنصوري (جنوب لبنان)، وأثناء تجولها على الشاطىء لاحظت وجود سلحفاة بحرية خضراء “فكانت اشارة لي بأنه يجب عليّ العودة الى هنا، وأن أقوم بشيء ما” كما تقول خليل في مقابلة خاصة مع “أخبار الآن“.

لم يمضِ عام، حتّى قررت المرأة التي شارف عمرها على السبعين عاما، أن تتخلّى عن حياتها في هولندا وأن تعود لتبدأ مشروعها الذي أطلقت عليه اسم “Orange House” أو “البيت البرتقالي”.

امرأة عربية كرّست 19 عاماً لحماية السلاحف البحرية المهددة بالإنقراض (خاص)

باكورة النجاحات التي سجلتها “خليل” لبلدها تمثلت في تمكنها من تحويل الشاطىء الى “حِمى” بما يحمل هذا التصنيف من قواعد وشروط بيئية تُلزم أي شخص يوّد اقامة مشروع ما عليه، بعد أن تمكنت من إثبات أن هذا الشاطىء الذي يبلغ طوله نحو كيلومتر هو موئل لتعشيش السلاحف البحرية، وبامكاناتها المتواضعة استطاعت خليل من وضع اسم بلدها على الخارطة العالمية للسلاحف البحرية، فاستضافتها المؤتمرات الدولية ذات الصلة، خصوصاً أن عملها لا يقتصر على حماية السلاحف وحسب، وانما كذلك على تجميع المعلومات العلمية الميدانية عنها، فعلى سبيل المثال تقوم خليل بتوثيق حركة السلاحف وأعدادها وأنواعها، فضلا عن قياس حجم بيضها ووزنها عند حماية ورعاية أعشاشها.

لا شكّ أن الصعوبات والعقبات التي واجهتها خليل كثيرة ومتعددة، فـ”الدولة لم تهتم يوماً بهذا الموضوع، ووزارة البيئة اللبنانية بقيت غائبة عن هذا الميدان طيلة السنوات الـ 19، وتُضيف خليل “في عهد وزير البيئة الأسبق ناظم الخوري صدر قرار بإيقاف أحد المشاريع المخالفة، وفي عهد وزير البيئة الحالي فادي جريصاتي فهو الوحيد الذي زار وتفقد الحمى وأبدى استعداده للوقوف إلى جانبي لحماية هذه الثروة البيئية، ويساعدنا اليوم في مواجهة بعض التعديات”.

امرأة عربية كرّست 19 عاماً لحماية السلاحف البحرية المهددة بالإنقراض (خاص)

لم تنتهِ معاناة خليل عند هذا الحد لجهة التعديات، فقد عانت من “البعض بالمجتمع المحلي الذي لم يعتد على فكرتها، فكان لزاماً عليها أن تقوم بتنظيف الشاطىء صباح كل يوم، وتوعية محيطها على أهمية حمايته والعناية بالسلاحف.

اما التحدي الأكبر برأيها فيتمثل “بالمنتجعات الاسمنتية التي بدأت تغزو الشاطىء في السنوات الأخيرة دون مراعاة الشروط القانونية والبيئية، فالاضاءة والضجيج الناجمين عن هذه المنتجعات تؤثر سلباً على السلاحف التي تضع بيوضها على هذا الشاطىء”، وللمفارقة فإن “السلاحف التي تفقس على شاطىء معين تعود بعد أن تصل سن البلوغ، أي بعد نحو خمس وعشرين عاما تعود وتضع بيوضها على الشاطىء نفسه”.

وتُضيف خليل أن “أحد المشاريع المخالفة تسببت بانخفاض كبير في عدد أعشاش السلاحف العام الماضي وخلال هذا الموسم، ففي حين وصل عدد هذه الأعشاش الى 88 في العام 2006، لم يتجاوز الـ 20 عشا في السنة الماضية”.

وفي هذا السياق، تعتمد خليل في مشروعها هذا على مجهودها الشخصي وتمويل ذاتي يغطي نفقات موظفين دائمين وبمساعدة عدد من المتطوعين، اما تمويل المشروع فيتم من خلال الأموال الخاصة بها وجزء آخر من “البيت البرتقالي الذي يستقبل بعض محبي السياحة البيئية الذين يودون مشاهدة هذه السلاحف”.

امرأة عربية كرّست 19 عاماً لحماية السلاحف البحرية المهددة بالإنقراض (خاص)

اما عن كيفية حماية السلاحف، ففي شهر أيار (مايو) تبدأ هذه الكائنات بالاقتراب من الشاطىء والصعود نحو الرمال لتحفر أعشاشها وتضع بيوضها، حينها تقوم خليل فجرا مع بعض المتطوعين وزوار “البيت البرتقالي”، بتعقب آثار خطوات السلاحف للوصل الى الأعشاش، بعدها يتم وضع شبك حديد مربع وتثبيته بقطع حديدية لحمايته من السرقة والتخريب ومنعا لوصول الحيوانات من ثعالب وغيرها إلى البيوض.

وتتم مراقبة الأعشاش يوميا ولمدة تتراوح بين 45 الى 60 يوما، أي الموعد المحتمل لفقس البيوض، فيتم فتح الأعشاش وجمع السلاحف الصغيرة لإطلاقها عند المغيب إلى البحر، وتقول خليل “لم يعد ممكنا ترك السلاحف لتسلك طريقها وحيدة إلى البحر وبدون مساعدة، لأن الشاطئ لم يعد آمنا بسبب انتشار الأضواء”، مشيرة إلى أن “السلاحف الصغيرة تتوجه بالفطرة إلى البحر مسترشدة بضوء القمر وصوت الموج، وهنا تكمن خطورة الأضواء القريبة التي تضللها وتعرضها للمفترسات أو تتعرض للنفوق بسبب تعرضها للجفاف”.

يمكن القول أن هذا الشاطىء تحول بفضل خليل الى مدرسة بيئية نموذجية، اذ عند موعد اطلاق السلاحف الى البحر تدعو المدارس والأطفال وكذلك كل مهتم في هذا الشأن من أجل توعيتهم على أهمية هذا الموئل للسلاحف. وهكذا “نكون قد زرعنا في الجيل الجديد أفكار محبة للطبيعة ولحمايتها” بحسب خليل.

امرأة عربية كرّست 19 عاماً لحماية السلاحف البحرية المهددة بالإنقراض (خاص)

مصدر الصور: أخبار الآن (خاص)

للمزيد:

بالأمل والعمل .. لاجيء سوري ينتصر على مرض السرطان

حرق المخلفات الطبية في غزة يخالف المعايير البيئية الدولية