أخبار الآن | بيروت – محمد الجنون (خاص)

لم تكن العملية الإرهابية التي ضربت مدينة طرابلس – لبنان عشية عيد الفطر حدثاً عابراً. على الصعيد الأمني والعسكري، فإنّ شكل ومضمون العمليّة يدل على أنّ خطر بقايا تنظيم “داعش” الإرهابي في لبنان ما زال قائماً. فإذا عدنا بالسنوات القليلة إلى الوراء لمقاربة أسلوب العمليات الإرهابية التي هزّت الداخل اللبناني، سيتّضح لنا أن أسلوب الهجوم بات مختلفاً لناحية التنفيذ. اليوم، أصبحت العمليات تقوم على خلايا نائمة منفردة، تعمل وفق آليات محدّدة، أما سابقاً، فإنّ العمليات الإرهابية كانت تعتمد بشكل أبرز على الإنتحاريين والسيارات المفخّخة المرتبطة بمجموعة كبيرة من الأشخاص، والتي يحتاجُ تحضيرها إلى فريق من الخبراء، وهذا ما لم يعد موجوداً بعد سقوط الخلافة المزعومة.

تكتيكات هجوم طرابلس

منذ هزيمته في الباغوز السورية قبل شهرين، لم يعد لدى تنظيم “داعش” الإرهابي أي قدرة على التحكم بأي منطقة. وفيما خصّ لبنان، فإنّ الأوضاع قبل عامين تختلف عمّا هي الآن، لأنّ خطوط داعش نحو العمق اللبناني انقطعت بعد دحر المسلحين من سلسلة جبال لبنان الشرقية في أواخر العام 2017. وفعلياً، فإنّ أمر إرسال سيارات مفخخة قد انتفى بشكل كبير، مع تهالك “داعش” عسكرياً وتنظيمياً. ومع هذا، فإنّ التنظيم دأب على اعتماد خطوات هجينة للملمة ذيول هزيمته والسعي لبقاء قصير الأجل لن يدوم. بحسب خبراء أمنيين لـ”أخبار الآن“، فإنّ التنظيم بات يركّز على عنصرين:  الأول وهو استهداف عناصر أمنية واستنزافها، حيث تتنوع العمليات ضمن هذا العنصر ما بين إطلاق نار وزرع عبوات ناسفة ورمي قنابل على تجمعات عسكرية. أمّا العنصر الثاني، فهو  “الخلايا المنفردة”. وفقاً للخبراء، فإنه “هذه الخلايا تحمل أفكار التنظيم الدموية، وتنشط في شكل عناصر جائلة، تتبع التنظيم ومستعدة لتنفيذ أوامره، وهو يعمل على استخدامها في إطار استراتيجية محددة للثأر”.

ما حصلَ في لبنان قبل يومين يندرج في إطار هذين العنصرين بشكل خاص، إذ أن العملية الإرهابية التي تبناها التنظيم المهزوم طالت عدداً من عناصر الجيش اللبناني والقوى الأمنية بشكل أساسي، في حين أن شكل تنفيذها كان من خلال شخصٍ يحمل إيديولجية التنظيم وينشط على شكل “ذئب منفرد”، ويستخدمه التنظيم للثأر، وقد لا يكون مرتبطاً بخلية مؤلفة من عدّة أشخاص. وهنا، فإنّ ما قاله رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون في تعليقه على العملية الإرهابية، لناحية أنّ ما حصل يندرج في إطار الثأر من الجيش والقوى الأمنية، إنما يدلّ على أساس الهجوم الذي استهدف طرابلس. ورغم ذلك، فإنّ عناصر الهجوم التي بات يرتكز “داعش” إليها ضعيفة، وتدلّ على تهالك التنظيم لناحية التخطيط، لأنها ستساهم في كشف الملاذات الآمنة لعناصره، الأمر الذي يسهل على الجهات الأمنية استهدافها، ويقضي على كل المخططات لتنفيذ أيّ عمليات أخرى. وواقعياً، فإنّ هذا ما حصل، حيث تمكنت القوى الأمنية اللبنانية في إطار تحقيقاتها حتى الآن، من الكشف عن العديد من الخيوط المرتبطة بالهجوم الأخير، والتي تقودها إلى معرفة المزيد من المعطيات لإحباط مخططات أخرى.

ومع هذا، فإنّ ما برز في هجوم طرابلس، بحسب الخبراء، ارتبط بعنصر المباغتة، وكشف عن تكتيك العمليات المتعدّدة التي ينفذها عنصرٌ واحد. هذا الأمر بدا واضحاً بشكل كبير، حيث لجأ منفذ الهجوم عبد الرحمن مبسوط إلى الإنتقال بين 3 نقاط غير محدّدة لتنفيذ 3 عمليات بغض النظر عن الخسائر التي قد يوقعها. ما أراده الإرهابي هو استهداف أكبر عددٍ من الأشخاص الذين يواجههم وتحديداً من الجيش وعناصر القوى الأمنية، وهذا الأمر أظهرته مجمل اللقطات المصورة المرتبطة بالعملية، إذ تبين أن مبسوط استهدف ما صادفه من دوريات أمنية باستثناء الهدف الأول، وهو مركز عناصر قوى الأمن الداخلي في محيط مصرف لبنان. أما لناحية التوقيت، فإنّ العمليات الإنفراديّة للخلايا النائمة بمثل هذا الشكل، لا يمكن أن تكون إلّا في الليل، حيث يكون من السهل على منفذ العملية التنقل بسرعة ضمن المسار الذي رسمه شرط أن يكون عالماً بالمنطقة جيداً، في حين أنّ من يريد ملاحقته لن يتمكن من التعرف إليه. وفي حال كان الهجوم خلال النهار، فإنّ مبسوط ما كان يستطيع أن ينفذ هذه العمليات الـ3 بمفرده، لأنّ حرية تنقله ستكون ضعيفة، وسيتم كشف أمره وتصفيته على الفور من خلال قنصه على سبيل المثال وهو على شرفة المبنى الذي تحصن به. وبهذا، فإنه لن يكون هناك حاجة لاستقدام قوة خاصة لدخول المبنى وتعريض عناصرها للخطر. وما حصل، كان سعياً من مبسوط لاستدراج الدورية الأمنية إلى مكان تحصّنه لقتل عدد أكبر منها. وبحسب إحدى الروايات الأمنية المتعدّدة، فإنّ مبسوط كان ينوي رمي قنبلة على الدورية، إلا أن عناصرها عاجلته برصاصة أنهت حياته، الأمر الذي أدى إلى انفجار القنبلة بقربه. ولذلك، فإنّ ما تكشفه سلسلة المعطيات تشير إلى أنّ عناصر “الذئاب المنفردة” انغماسيّة، والأهم أيضاً هو أنه عليها أن تكون محترفة في حرب الشوارع التي تأخذ العمليات الأمنية في إطارها وقتاً أطول.

لبنان: ”أخبار الآن“ تكشف تكتيكات هجوم طرابلس الإرهابي

afp

الأمن ممسوك

العملية الإرهابية الأخيرة عزّزت مخاوف القوى الأمنية في لبنان، وبات الأمرُ يفرض رفعاً لمستوى التأهب على الصعيد الأمني تحسباً لأي عملية مماثلة. يشير ضابط في الجيش اللبناني فضّل عدم ذكر اسمه إلى أنّ “هناك مخاوف من أن يتكرر ما حصل في طرابلس في أي منطقة أخرى، لكنّ الأمن ممسوك والأجهزة الأمنية تعمل بصورة دائمة على ملاحقة الخلايا النائمة وكشفها”. ويقول لـ”أخبار الآن“: “لقد أسفرت العديد من العمليات الأمنية الاستباقية عن احباط مخططات إرهابيّة عديدة. ومع هذا، فإنّ العمل قائم على إخضاع العديد من العناصر المشتبه بها للمراقبة، والهدف هو تقييد حركتها والإطباق عليها قبل تنفيذ أي هجوم”.

أمر عمليات: لبقاء “داعش” في لبنان؟

وفي لبنان، فإنّ الخطر يتركّز بشكل أساس على البؤر المعروفة في الداخل اللبناني التي تحتضن العديد من الإرهابيين منذ سنوات طويلة. وهذا الأمر يطرح سؤالاً واحداً: من المستفيد من ذلك؟ يقول نائب في البرلمان اللبناني عن كتلة “اللقاء الديمقراطي” لـ”أخبار الآن” أن “ما يبدو واضحاً هو  صدور أمر عمليات لبقاء داعش في لبنان عبر بقاياه، والسؤال يدور عن المستفيدين من ذلك”. ويضيف: “تفعيل أدوار الخلايا النائمة هو الخطر الذي يجب على الجميع تداركه ومعرفة ذيوله الأخرى، والأمن الوطني يجب أن يكون فوق أي اعتبار، ولا يمكن التهاون مع الإرهاب”.
خلاصة القول أنّ ما حصل في لبنان يستدعي حذراً أكبر في السياسة والأمن، والأهم هو تحصين الساحة الداخليّة اللبنانية من خلال استهداف البؤر الحامية للخلايا النائمة التي تشكل قنبلة موقوتة بدأ فتيلها بالإشتعال.

مصدر الصور: afp

للمزيد:

داعش يتبنى هجومي درنة