شهود عيان يروون كيف قتلت جماعة الشباب 148 طالبًا في غاريسا بدم بارد
في وقت تتوقع كينيا مزيدًا من التهديدات الجديدة من جماعة الشباب الصومالية التي تعد يد تنظيم القاعدة الضارب في الصومال ومنها لشرق أفريقيا، بات من المقرر أن تكمل قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، البعثة الانتقالية الأفريقية في الصومال، انسحابها بحلول ديسمبر 2024، ومن المتوقع أن يصاحب رحيل القوة، التي تضم وحدة كينية كبيرة، بناء قواعد عسكرية جديدة وزيادة المراقبة على حدود كينيا الطويلة مع الصومال، للتصدي لهجمات جماعة الشباب المرتقبة عقب سحب القوات الأفريقية.
وكانت تلك الحدود الطويلة بين الصومال وكينيا وصعوبة تأمينها هي السبب الرئيسي في أكبر حادث إرهابي استهدف طلاب جامعة غاريسا في 2 أبريل عام 2015.
وفي فجر الثاني من أبريل عام 2015، كان الظلام والهدوء يخيمان على أجواء الجامعة الكينية الواقعة بالمقاطعة التي تحمل نفس الاسم (Garissa) والمحاذية لحدود الصومال، حتى قطعه صوت انفجارات وأزيز رصاص في أرجاء المكان، معلنة بدء هجوم وحشي لحركة الشباب الإرهابية الصومالية على الجامعة.
في لحظات تحول المشهد إلى مئات من الجثث مكدسة في الفناء والأشلاء متناثرة في كل مكان والدماء غطت أروقة وطرقات الجامعة، كان ذلك المشهد المأساوي هو ختام الهجوم الذي خلف وراءه نحو 148 قتيلا ومئات الجرحى والمصابين ممن لازالوا يتذكرون تلك التجربة المريرة حتى يومنا هذا.
4 من مسلحي جماعة الشباب نفذوا هجوم غاريسا الدامي
طرنا في “أخبار الآن” إلى العاصمة الكينية نيروبي لنتقصى تفاصيل الحادث ومن هناك ارتحلنا إلى غاريسا لمقابلة بعض شهود العيان على ما حدث في ذلك اليوم، والتقينا عبدالله أحد الطلبة الناجين من الحادث الشهير داخل الحرم الجامعي لنسأله:
كيف يمكن أن تصف لنا ما حدث في هذا اليوم؟
عن ذلك اليوم الدامي يجيب عبدالله “أتذكر ذلك اليوم، كان فظيعا جدًا، بدأ في الصباح الباكر وكنا نبدأ عند البوابة الرئيسية، التي بتنا نسميها الآن، البوابة الرئيسية B، حيث جاءت مجموعة من المسلحين إلى الجامعة، وأخذونا إلى مسرح الجامعة ثم سيطروا على الجامعة وقتلوا رجال الأمن على البوابة، وتوغلوا إلى النزل الذي كان يعيش فيه الطلاب”
وفقا للتحقيقات الأمنية التي أجريت بعد ذلك فقد نفذ الهجوم 4 من مسلحي حركة الشباب، وهو الأمر الذي جعلنا نسأله ماذا حدث عندما وصلوا إليكم؟.
ويجيبنا عبد الله “أتذكر بوضوح الكثير من أصدقائي الذين قتلوا في الحادث، كنت في المسجد أثناء حدوث ذلك، وكان هناك العديد من الأصدقاء يتعبدون كنا نطلق عليهم الاتحاد المسيحي، وكانوا يؤدون الصلاة في الرابعة صباحا، وعندما أتى هؤلاء الجناة إلى الجامعة، ذهبوا إلى هناك وقتلوا جميع الأعضاء.. ثم انتقلوا إلى النزل وبدأوا في جعل الناس تقف في طوابير وأطلقوا عليهم النار الواحد تلو الآخر.. كان الأمر فظيعا جدا”.
وقد تبنت حركة الشباب للهجوم تنفيذا لتهديدها بتحويل كينيا إلى “حمام دم” إذا لم تسحب نيروبي قواتها التي تعمل ضمن البعثة الأممية في الصومال، فهل حاول أحد أن يوقفهم عما يفعلونه أو الفرار منهم خلال الهجوم؟.
ويشرح عبدالله هذا اللقاء.
الجامعة تحولت إلى مسلخ بشري كبير
“لقد بدأوا بإطلاق النار على أي شخص حاول الفرار وعلى أي شخص حاول المساعدة، كان هناك أشخاص تم وضعهم في أماكن مرتفعة يمكن أن تسميهم القناصة، كانت مهمتهم الرئيسية هي القتل، قتل القادمين من بعيد، أو أي شخص يحاول الهرب”
تقول أغلب الشهادات إن المكان تحول في لحظات إلى ما يشبه المسلخ البشري الكبير مع أشلاء وجثث متناثرة في كل مكان، فما الذي تذكره عبد الله عن تفاصيل ذلك في حديثه معنا
يتذكر عبد الله تفاصيل الحادث ويبدأ في سردها قائلًا “ما أتذكره هو قتل الأرواح.. وبكاء في كل مكان.. والجثث في كل مكان.. ومازال كل ذلك يطاردني، حين فقدنا شباب صغار أذكياء، واحد منهم كان رئيسي، وكان يحاول إنقاذ أكبر عدد ممكن من الناس عندما حاول تقييد أحد الإرهابيين، ولكن دون جدوى كان الإرهابي يحمل سكينا في وسطه وانتزعه وقتله، أستطيع أن أتذكر الفوضى وضياع الأرواح”.
رغم مرور سنوات على الهجوم إلا أنه لم يستطع أن يتمالك دموعه عندما تذكره مجددا وهو يصف الأحداث قائلا “كان الأمر مروعا حقا ومازال يؤرقني حتى الآن عندما أستدعيه من ذاكرتي، يمنحني الأمر ذكرى مرعبة، وحتى الآن هذه الذكرى تبقى معي”.
وفي الوقت الذي كان عبدالله محتجزًا في يد عناصر الشباب داخل مسرح الجامعة، كانت زميلته في الجامعة روزماري تكافح من أجل الهروب من الموت المحقق على يد الشباب، خاصة وأنهم في تلك الفترة بدأوا بإطلاق سراح الطلبة المسلمين وقتل المسيحيين لكن رحلة هروبها كانت محفوفة بالكثير من المخاطر، فماذا حدث مع روزماري في تلك الليلة؟.
تقول روزماري شارلو، وهي طالبة ناجية من هجوم حركة الشباب على الجامعة “عندما حدث الهجوم في الجامعة، كنت طالبة هناك في السنة الأولى، وكان ذلك في حوالي الساعة 4 صباحًا حين بدأت الانفجارات تحدث، اعتقدت أن الأمر يتعلق بالكهرباء، لذلك أيقظت رفيقاتي في الغرفة، وأخبرتهم أن شيئا ما يحدث، وما إن استيقظوا حتى انبطحوا أرضا لأنهم سمعوا صرخات الشباب”.
أعلن الشباب عن نفسهم: جئنا لنَقتُل أو نُقتَل
في تلك اللحظة بدأ الجميع يهرول في كل مكان وفي جميع الاتجاهات من أجل الفرار من حركة الشباب، لكن روزماري اتجهت مباشرة إليهم لتكتشف بنفسها ما يحدث، حيث تضيف روزماري “لقد دلفوا إلى الداخل إلى مبنى الرجال، منذ تلك اللحظة سمعتهم يقولون نحن جماعة الشباب جئنا لنقتل أو نُقتل، ثم قاموا برفع الأذان، انتظرت هناك لأرى ما سيحدث ثم عدت لزميلاتي لأخبرهن أن علينا الانتظار قبل الخروج، لكن بعد بضع دقائق بدأ الشباب في التقدم نحو المبنى الخاص بنا”.
في ذلك الهجوم لم يفرق مسلحو الشباب بين الفتيات والرجال فكانوا يطلقون الرصاص على الجميع، وهو ما جعل روز ماري وباقي رفاقها عرضة للخطر.
وتشرح لنا روزماري “كان هناك ممر صغير قررنا أن نمر منه بدلا من الممر الرئيسي الذي تم إغلاقه وبينما كنا نمر منه للخروج بدأوا في إطلاق النار علينا، وعندها قمنا بالركض وانبطحنا للأسفل، ثم ركضنا، وانبطحنا مرة أخرى، حتى نتجنب الطلقات، ثم خرجنا للفناء ومع ذلك استمروا في إطلاق الرصاص علينا”.
ولم يكن البقاء في فناء الجامعة أمرًا ممكنًا مع استمرار إطلاق مسلحي الشباب الرصاص باتجاههم، ليتمكنوا بعد ذلك بمساعدة بعض الأفراد من الخروج من الجامعة.
وتشرح روزماري شارلو كيف خرجوا من الجامعة فتقول “تمكنا من الخروج من السياج الكهربائي الذي كان يحيط بالجامعة، وذهبنا إلى جارة لنا، والتي قامت بإيوائنا في منزلها وأخبرتنا أننا علينا فقط أن ننتظر، حتى يصبح الوضع آمنا وبقينا هناك وفي تلك الفترة جاءت جارتنا وأبلغتنا أن مدرستنا تعرضت لهجوم من قبل حركة الشباب”.
لكن لسوء الحظ لم ينج بعض أصدقاء روزماري من الهجوم حيث تتذكرهم قائلة “كانت هناك إحدى زميلاتي في الفصل، كانت صديقتي، صلينا معا في تلك الليلة، طلبت منها أن تأتي وتنام في مبنى الفرقة الأولى، لكنها رفضت، وفي أثناء الهجوم سألنا أين هي؟.. وجاء التقرير بعد ذلك بأنها لم تنجو، وأنها قتلت في الهجوم”.
انتشرت شائعات مسبقة بين الطلبة أن الشباب سيهاجمون الجامعة
وبالرغم من انتشار شائعات عن احتمالية وقوع هجوم لمسلحي الشباب على الجامعة قبل حدوثه، إلا أن سببا ما منع السلطات من التحرك في الوقت المناسب وتأمين حياة الطلاب وعن ذلك تقول روزماري شارلو”كانت هناك شائعات منتشرة، أنه عندما يكون هناك هدوء وتوقف لإطلاق النار فإنهم يستعدون للهجوم، ومن هنا عرفنا أن الشباب يجهزون للهجوم على المكان”.
وبالتالي فالطلبة كان لديهم معرفة سابقة بالهجوم حتى لو كان حينها الأمر مجرد تكهنات، وفي هذا الشأن تضيف روزماري شارلو”كانت هناك شائعات بأنهم يخططون لمهاجمة مدرستنا، أبلغنا مجلس الإدارة داخل المدرسة، ولكن لم يكن هناك أي تدخل، قالوا إن هذه مجرد شائعة، ليس لدينا أي دليل على حدوث شيء ما، لكن هناك شيئان أساسيان ندركهما حقا عن جماعة الشباب، قبل الهجوم على أي مكان يقوموا بالبحث عنه وجمع المعلومات جيدًا ويأخذون وقتهم للحصول على المعلومات حول المكان”.
قادنا كلام روزماري عن الشائعات التي انتشرت عن الهجوم قبل حصوله، إلى نقل التساؤلات المشروعة إلى سلومون كومان لنسأله لماذا قامت حركة الشباب بمهاجمة الجامعة؟.
يقول سلومون كومان المفوض الأمني لمقاطعة غاريسا “عندما يتعلق الأمر بالعدو أو حركة الشباب، نعلم أنها مليشيا رثة والجامعة كانت هدفا سهلا، حيث يمكنهم اختراقه بسهولة، أريد أن أصدق أن ذلك حدث لأن الضحايا كانوا هدفا سهلا، فهناك الكثير من المنشآت الأمنية في جاريسا لكن لم يتم استهدافهم”.
طول الحدود بين كينيا والصومال ساهم في صعوبة التأمين
كينيا بلد كبير ومتعدد الأقاليم فلماذا اختارت حركة الشباب استهداف جامعة في مقاطعة غاريسا تحديدًا؟.
وعن ذلك يقول سلومون كومان”في رأيي الشخصي، تقع مقاطعة جاريسا كحدود كبيرة جدا ممتدة مع الصومال وهي حدود يسهل اختراقها مما يزيد من تعقيد إدارة شؤون الحدود، لأن الجالية الصومالية تعيش على جانبي الحدود، فيصبح من الصعب جدا معرفة ما إذا كان هذا هو العدو أو ليس العدو”
لكن هجوم كهذا لم يكن يتم من دون دعم تلقته الحركة من عناصر موالين لها في الداخل، فهل حدث هذا في هجوم الجامعة ؟، هذا ما كشفه مفوض المقاطعة سلومون كومان قائلًا “التحدي الرئيسي الذي نواجهه في مقاطعة غاريس، ولكن كل البلاد أنه في وقت من الأوقات تم إغراء شبابنا للانضمام إلى جماعة الشباب لذا فإن قضية العائدين ومسألة التسلل من قبل شبابنا الذين تم تجنيدهم من الشباب تمثل تحديا كبيرا، لأنهم يعرفون التضاريس، ويعرفون المكان جيدا، ويمكنهم التواصل مع السكان المحللين، الذين يكون لبعضهم أبناء في جماعة الشباب فينتهي الأمر بكونهم متعاطفين معهم وعندما يصبح لديك متعاطف مع عدو ما، فسيكون من السهل جدا له اختراق النظام الأمني في بلادنا”.
لكن هذا الأمر لا يمكن تجاهله أو السكوت عنه، فماذا تفعلون لمواجهة المتعاطفين مع جماعة الشباب؟.
سلومون كومان”ما نفعله هو أننا نستمر في توعية أفراد الشعب من خلال أجهزتنا وشركائنا الذين يساهمون في توعية أفراد الأمن، بأهمية الأمن بحيث يبدأ الأمن من عند المواطن، كذلك نقول لعامة الشعب أن الأمن يبدأ بك وبعائلتك عندما تكون آمنا فهذا فقط هو الوقت الذي ستكون فيه المقاطعة آمنة”.
عدنا أدراجنا إلى نيروبي، ومن هناك أقلعت طائرتنا محملين بذكريات شهود العيان وبعض تجاربهم وأحاسيس الفقدان لأحبائهم الذين رحلوا في الهجوم البشع الذي كشف غيضا من فيض إجرام حركة الشباب ووجهها الحقيقي القبيح.
ويبقى السؤال: إلى متى تظل حركة الشباب ومن يدعمها تستبيح أرواح الأبرياء في الصومال وكينيا؟.