سودا تهليل.. وجه طفولي ويد تطلق الرصاص ضد جماعة الشباب

ما زالت الحرب التي تشنها الحكومة الصومالية على جماعة الشباب الإرهابية تسير على قدم وساق في مناطق متفرقة وعديدة بالصومال، وتشهد الحرب بين القوات الحكومية وجماعة الشباب تصاعدًا مطردًا مع اعتماد قوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية (أتميس ATMIS) أساليب قتالية جديدة في معاركها الدائرة مع الجماعة، منها قطع الأشجار لكشف الغطاء النباتي الذي تستفيد منه الجماعة في إخفاء أنشطتها.

بحدو” أو “Baxdo” بالصومالية هي بلدة صغيرة في وسط صحراء الصومال، استطاعت أن تظل صامدة على مدار عقود في وجه جماعة الشباب الإرهابية، حيث ما زالت البلدة عصية على احتلالها من الجماعة الإرهابية رغم محاولات الجماعة المستميتة للسيطرة عليها وهجمات مقاتليها المتتالية، لتصبح “بحدو” هي المدينة الوحيدة بوسط الصومال التي لم يتم تحريرها لأنها من الأساس لم تقع يوما تحت وطأة الجماعة الدموية، لذا كان كل شئ في البلدة مختلفًا، رجالها ونساؤها حتى أطفالها الصغار يبدون رغبة في حمل السلاح ضد الجماعة.

وأينما وجد الإرهاب كانت الأنثى هي الضحية الأولى والمفضلة لعناصر أي جماعة إرهابية، وعلى رأسهم الشباب الإرهابية في الصومال وشرق أفريقيا، النساء والفتيات هن الأكثر عرضة لوحشية وهمجية تلك الجماعات.

أثناء تجوالنا في جبهات النزاع بين الحكومة الصومالية وجماعة الشباب في وسط البلاد، قضينا ليلة ويومان في مدينة بحدو،  وبينما يتحسس الجميع في البلدة الصامدة  سلاحه، تحسبا لاندلاع نيران المعركة في أي وقت، لمحنا من بعيد سلاحًا لم يكن مختلفًا عن باقي الأسلحة لكن المختلف كانت تلك اليد الناعمة التي حملته، إنها سودا تهليل حسن، فتاة صومالية ذات 22 ربيعا، بسيطة ناعمة الملامح وقوية الشكيمة في آن واحد، ملهمة هي كباقي نساء الصومال اللائي ما زلن يقاومن الخضوع للجماعة، حيث تقف الشابة الصغيرة، كالجبل ممسكة بزمام سلاحها، وهي ترسم على وجهها الطفولي ملامح الجدية.”

مقاتلة صومالية: حملت السلاح ضد جماعة الشباب دفاعا عن أبي وأمي وحماية لشرفي

 سودا تهليل: وجود الشباب منعنا أن نكمل تعليمنا أو نكون أسرة

تعرفنا على سودا وكان  كان السؤال الحتمي الذي طرأ  في أذهاننا  للوهلة الأولى قبل أن ننقله إلى مسامعها هو:

ماذا تفعلين هنا؟ ولماذا تحملين السلاح وتقاتلين؟، خاصة وأن الفتاة ذات ملامح بريئة ووجه طفولي، وقد تتعارض تلك الصفات مع قبضتها القوية على بندقيتها.

وكما فاجأتنا الشابة في أول مرة بتعاملها مع السلاح بتمكن وحسم، فاجأتنا في المرة الثانية بثقتها الكبيرة عند الإجابة على السؤال حيث قالت سودا “دفعني للحرب أولئك “الخوارج” الذين هاجمونا  ونحن ندافع عن ديننا ووطننا لقد كنت شاهدة على حربيين وقعتا في بلدة بحدو كل مرة هم الذين هاجمونا وليس نحن من نذهب إليهم، والآن نحن جاهزون رجالا ونساء لنحاربهم وحملنا السلاح رغم أننا فتيات في عمر صغير نحتاج أن نكمل تعليمنا أو أن نتزوج ونصبح أمهات لكننا اخترنا الحرب وحمل السلاح ضدهم وأن ندافع ضد هؤلاء الخوارج ممن هاجموا مدينتنا نحن مستمرون في الدفاع أيضا عن بلدات أخرى بخلاف بحدو الحرب ليست مقتصرة فقط على بحدو بل نذهب إلى مدن أخرى”.

فتاة صومالية: لأجل هذه الأسباب.. حملت السلاح ضد جماعة الشباب

 

محاربة صومالية: ليس بيننا وبين “الشباب” إلا هذه البندقية

ولكل مقاتل في أرض الميدان ثأر أو حمل وشئ يخاف عليه ويحارب من أجله وكان لسودا حملين تخاف عليهما حيث تبرر وجودها على جبهة القتال قائلة “أبي وأمي كبيران في السن، وهما موجودان في هذه المدينة في بحدو، يعانيان من أمراض كثيرة فاخترت أن أحمل البندقية حتى لا يعيش أبي وأمي تحت الخوف حملنا جميعا  السلاح رجالًا ونساء، وسنظل نحمله إن شاء الله وعهدنا معهم هذه البندقية وليس بيننا وبينهم أي تسامح ”

تحدثت الفتاة بصرامة وقوة شديدين إعتادتهما من وجودها على الجبهة وسط المقاتلين لفترات طويلة، فسألتها: ألم يكن أولى بفتاة صغيرة أن تترك السلاح للرجال ليقاتلوا؟

كان السؤال نابعًا من مشاهداتنا للمجتمع الصومالي المحافظ تجاه المرأة، فأجابتنا الفتاة أن “لكل سيدة ثأر خاص مع الشباب الذين انتهكوا ومازال حرمتهن وحقوقهن، لذا فالفتيات أولى بأخذ ثأرهن خاصة لإن لم يكن لها زوج أو أخ أو ابن يأخذه، فلتحمل هي السلاح وتدافع عن نفسها.”

سودا تهليل: لا أهاب الموت في الميدان ولا عفو ولا تسامح مع جماعة الشباب

قبل أن نصل إلى سودا كنا قد قابلنا مجموعة من ضحايا جماعة الشباب من الفتيات والسيدات اللائي أوقعهن حظهن العثر تحت حكم الجماعة الدموية بوسط الصومال قبل أن ينجحن في الهروب من قبضة مقاتليها، وعن سؤالها عن مدى معرفتها بإجبار الجماعة لبعض الفتيات على خدمتهن بل وقيامهم باغتصابهن بعد ذلك، أجابت سودا: نعم سمعت أن الفتيات يخدمن الجماعة ويقعن تحت رحمتهم ولكن هذا لن يحدث معنا ولن نخدمهم ليس بيننا وبين الشباب إلا هذه البندقية ليس لدينا عفوا لهم وهذه المدينة لنا ولدنا وتربينا وكبرنا فيها”

فماذا عن شعور الخوف؟ ألا تخاف المرأة في ميدان قتال الرجال من الموت؟

تجيب سودا  باستغراب واستهجان شديدين “الموت! يموت الشخص مرة واحدة فقط ولا يموت مرتين ونحن جميعًا سنموت سواء ببندقية في معركة أو يقلتونا الخوارج أو نموت موتة طبيعية لذلك أنا لا أخاف من الموت”

تركنا الفتاة ورحلنا، لكن حديثها لم يكن أبدا يوحي بأنها فتاة بدوية نشأت في فترة حالكة من تاريخ الصومال،  بل تحدثت وكأنها قائدة تقود ثورة نسوية في أمريكا أو فرنسا في منتصف القرن الماضي، ليبقى اسمها محفورا في أذهاننا.. سودا تهليل حسن.