العام 2019، وقبل أيّام على اندلاع أكبر ثورة شعبية في العراق احتجاجاً على الفساد والتبعية لدول الجوار، صرّح رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي باكتشاف حكومته أنّ المخدرات تصل إلى العراق قادمة من “الأرجنتين” عبر قطع آلاف الكيلومترات… ورغم أنّ تصريح عبد المهدي سبقه قبل 6 أشهر تصريح لقائد عمليات البصرة رشيد فليح بأنّ 80 % من المخدّرات الداخلة إلى البصرة تأتي من إيران، فقد أصبح تصريح عبد المهدي حول “الأرجنتين” محط سخرية كبيرة لدى العراقيين الذين رأوا فيه تهرّباً من قبل رئيس الحكومة والأحزاب القريبة من إيران، في الإفصاح عن الحقيقة التي يعرفها الكثير من العراقيين من دون أن يستطيعوا الحديث عنها، وهي أنّ معظم المخدّرات تقطع حدود العراق الشرقية قادمة من إيران، لتغزو كلّ شبر في العراق بحماية من جماعات مسلّحة وجهات متنفّذة جعلت من العراق محطّة للمخدّرات، بعد أن كان مجرد بلد للمرور. ومنذ تصريح عبد المهدي وحتّى اليوم، أصبحت مفردة الأرجنتين إشارة يستخدمها جميع العراقيين عند الحديث عن إيران وعلاقتها بالمخدّرات في العراق.

حقيقة ساطعة

لم يُخفِ وزير الداخلية عبد الأمير الشمري عند حديثه لـ”أخبار الآن” حول المخدّرات أنّ تلك المواد تستخدم لتمويل المليشيات، وأنّها مشكلة معقّدة تسعى وزارته لمواجهتها بصعوبة بسبب وقوف دول وعصابات خلفها. كان الشمري صريحاً في حديثه ولم يخشَ الإدلاء بالحقيقة كونه قائداً عسكرياً كبيراً في الجيش العراقي قبل أن يكون وزيراً للداخلية، وهي أنّ المخدرات مازالت تهرّب حتى اليوم من عدة ممرّات حدودية منها ما وصفه بثغرتين عند شطب العراق المحاذي لإيران، ويصل طولهما لأكثر من 100 كم، معلّلاً سبب بقائهما بصعوبة وضع حواجز على النهر في تلك النقطة الوعرة هناك.

أكثر من 50 % من شباب العراق يتعاطون المخدرات.. سلاح إيران الموازي الأكثر تدميراً

وقد استشهد الشمري بحادثة إلقاء القبض مؤخّراً على زورق يحتوي على أطنان من المخدّرات عند شط العرب قادماً من هاتين الثغرتين، وفي الوقت نفسه معترفاً بوجود ممر آخر عند الحدود العراقية الإيرانية شمالاً عند محافظة السليمانية، والتي قال حرفياً إنّ المخدرات تهرّب منها حتى اللحظة. وكشف لـ”أخبار الآن” كذلك أنّ المخدرات تهرّب إلى بعض دول الخليج، وأنّ العصابات بدأت بخطط جديدة تتمثل بتهريب المخدّرات إلى أوروبا، ومن ثمّ إعادتها إلى دول الخليج، وذلك بسبب تشديد تلك الدول إجراءاتها تجاه دول المنطقة ومنها العراق.

تصريح الوزير ليس بالجديد وقد تمّ تداوله من قبل أكثر من مسؤول على مدى السنوات السابقة، لكن تأثير إيران ونفوذها تمنع اعتراف الحكومات العراقية بالأمر علانيةً. قبل أقل من عام صرّح محافظ العمارة جنوب العراق علي دواي بأنّ أغلب المخدرات تأتي إلى العراق قادمة من إيران، وقبله بـ3 سنوات قال قائد عمليات البصرة رشيد فليح إنّ 80 % من المخدّرات القادمة للعراق تأتي من إيران.

نهاية حتمية أمام الشباب … الموت أو السجن

داخل مركز لعلاج الإدمان يقضي الشاب كرار (اسم مستعار) ساعات من الندم على 7 سنوات قضاها في تعاطي الكبتاغون بشكل جنوني، وقد وصل إلى حدّ تعاطيه 12 حبّة في اليوم الواحد. بدأت قصّة كرار مع الكبتاغون منذ أن كان عمره 18 عاماً. بدأ مع مجموعة من رفاقه بالتعاطي وكانوا يحصلون عل لحبوب من أحد تجّار تلك الحبوب في العاصمة بغداد. كانت “تعطيه القوّة والنشاط” لكنّها حرمته في النهاية من كلّ شيء وجعلته يخسر كلّ ما لديه، تعليمه، زواجه، مستقبله… يقول كرار إنّ الكثير من الشباب يلجؤون إلى التعاطي هرباً من واقعهم المرير.

وعن أسباب لجوئه للتأهيل، يوضح أنّه لم يجد خياراً آخر أمامه وأمام عائلته، فكلّ الخيارات مع المخدرات تؤدّي إلى “السجن أو الموت”، وذلك ما حصل مع آخرين، لذا اختار أن يرحم نفسه وأهله.

أكثر من 50 % من شباب العراق يتعاطون المخدرات.. سلاح إيران الموازي الأكثر تدميراً

“كرار” شاب عراقي تعاطى حبوب الكبتاجون بشكل جنوني على مدار 7 سنوات والآن يخضع للعلاج في أحد مراكز التأهيل – أخبار الآن

ويبيّن علي عبدالله، المعاون الإداري في مركز القناة للتأهيل الاجتماعي في بغداد، أنّ في المركز 40 متعاطياً غالبيتهم من فئة الشباب، وأعمارهم تنحصر بين 15- 40 سنة، مؤكّداً أنّ بين المتعاطين 3 من القاصرين. فيما يشير حسين التميمي من وهو إعلام  المديرية العامة لتجارة المخدّرات، إلى أنّ مديريته ألقت القبض على 10 آلاف متهم بتجارة وتعاطي المخدّرات حتى الآن، وضبط أكثر من 500 كلغ من المواد المخدّرة، و10 ملايين حبّة كبتاغون، فيما تتعالى أصوات الناشطين بالتحذير من تغييب الشباب العراقي من خلال المخدرات، إذ تقول هناء أدور رئيسة منظمة الأمل العراقية، إنّ الوصف الحقيقي لما يحدث هو أنّ الوضع بات كارثياً وأنّ المخدّرات تسرح وتمرح بحماية مجهولة حتى تفشّت بين الشباب.

وأشارت إحصائيات مجلس القضاء الأعلى في العراق لعام 2021، إلى أنّ “نسبة الإدمان على المخدرات قد تصل إلى 50 % من فئة الشباب، وأنّ النسبة الأكبر للتعاطي تصل إلى 70 %، في المناطق والأحياء الفقيرة التي تكثر فيها البطالة.

 

كيف تهرب المخدرات  الى داخل العراق؟

العام 2021 تمّ إلقاء القبض على شبكة لتجارة المخدّرات في محافظة البصرة جنوب العراق، حكم على أفرادها بالسجن بمدد مختلفة. يروي الموقوفون الذين تمكّنت “أخبار الآن” من لقائهم خلف القبضان كيفية وصول المخدّرات إليهم.

أحدهم كان يسكن في الفاو قرب النهر المتصل بشط العرب، في البداية كان يبيع طيور الزينة. يبلغ من العمر 31 عاماً، قاده قدره للقاء أحد أقاربه ممن اقترح عليه استغلال موقعه للعمل في تجارة المخدّرات. كانت مهمته تقضي باستلام المخدّرات عند قيام شخص إيراني بإحضارها له عند ضفة النهر بواسطة زورق صغير يستخدم للتنقل في النهر هناك، ومن ثمّ يقوم بدوره بنقلها إلى المدعو م.س. عمره 31 عاماً متزوج وله 4 أطفال، كان يتعاطى المخدرات لكنّه تحوّل إلى تاجر، يتكفل هذا الرجل بنقل المخدّرات إلى طرف ثالث في وسط المحافظة، وهكذا تتفرع الشبكة إلى عدة فروع.

أمّا عن طريق تحويل الأموال، فيقول إنّه يحوّلها عن طريق مكتب للتحويل المالي في منطقة الجزائر بالبصرة إلى عنوان التاجر الإيراني في طهران، وهكذا يوجد العشرات من الشبكات الأخرى التي تستخدم الطريقة نفسها. لكن تمّ القبض على م.س. متورّطاً وضبط معه كيلوغرام من الحشيشة ونصف كيلو غرام من الكريستال.

في نينوى تمّ القبض قبل عام على صيدلاني يبيع المخدّرات في صيدليته، يقول إنّه يسافر إلى إيران ويجلبها معه من قريبه الذي يعمل مصنّعاً لها هناك. وفي كربلاء قبض العام الجاري على صيدلاني هو الآخر يعمل تاجراً للمخدّرات التي تجلب من إيران. وقبلها قبض على رجل دين إيراني في البصرة يهرّب المخدّرات داخل عماته وينقلها إلى العراق لبيعها.

وفي يونيو العام الماضي، أسقطت القوّات الأمنية في البصرة طائرة شراعية محلية الصنع قادمة من إيران محمّلة بمليون حبة مخدّرة. ويأتي ذلك في وقت كشف وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري مؤخراً صراحة، أنّ المخدّرات تأتي من إيران وسوريا بشبكات مرتبطة ببعضها البعض. وبيّن الشمري أنّ حرب المخدّرات حرب مفتوحة وستطول لأنّ فيها مصالح وأرباحاً كبيرة، مشيراً إلى تحقيق طفرة نوعية هذا العام في ضبط المواد المخدّرة والقبض على المتعاطين والمتاجرين.

أكثر من 50 % من شباب العراق يتعاطون المخدرات.. سلاح إيران الموازي الأكثر تدميراً

عينة من مواد مخدرة تم ضبطها من قبل السلطات العراقية

تطور مسار المخدرات في العراق  من ممر إلى موطن

كان العراق مجرّد ممر لتهريب المخدّرات إلى باقي الدول، لكنّه سريعاً ومع استشراء التجارة، تحوّل إلى مستوطن للمخدّرات التي أخذت تنهش في شبابه من دون رادع. تحوّل العراق من معبر للمخدّرات إلى مستهلك في العقدين الأخيرين، ووصلت تجارة وتعاطي المخدرات في البلاد إلى آفاق غير مسبوقة قامت بنخر ونهش جسد المجتمع.

كما يؤكّد اللواء أحمد الزركاني، رئيس مديرية شؤون المخدرات في وزارة الداخلية، أنّ العقد الأخير شهد تحوّل العراق من ممر إلى مستهلك وموطن للمخدّرات. تطوّر تجارة المخدرات في البلاد وصلت إلى الحد الذي كشفت فيه القوّات الأمنية عن ضبط معمل لتصنيع المخدّرات، وهي سابقة يعدّها كثيرون بالأخطر.

ووفق مختصين، فإنّ هناك عوامل اقتصادية وأخرى أمنية كانت خلف تحوّل العراق من ممر لعبور المخدرات إلى مستهلك كبير. الجانب الاقتصادي لتلك الآفة يتمثل بارتفاع نسب الفقر والبطالة وعدم توفّر فرص العمل للشباب العراقي، حيث يرى مختصون نفسيون أنّ أولئك الشباب يهربون من واقعهم المرير عبر المخدرات، وذلك ما يبرّر انتشارها في المناطق الفقيرة بشكل كبير. وكشفت  وزارة التخطيط العراقية في أبريل الماضي، أنّ نسبة الفقر في العراق تبلغ 22 %، أي ما يعادل نحو 10 ملايين نسمة، بينما تقترب نسبة البطالة من 20 % من العراقيين.

أمّا الجوانب الأمنية فتتمثل بانفلات الحدود العراقية بعد العام 2003 وسيطرة الجماعات المسلّحة التي وجدت في تجارة المخدّرات مكسباً سهلاً وكبيراً، لاسيّما أنّ الكثير من تلك الجماعات تسيطر على المنافذ الحدودية الرسمية وغير الرسمية أسوة بما يحصل في سوريا ولبنان.

الخبير الأمني صفاء الأعسم يرى في حديثه لـ”أخبار الآن” أنّ العراق على مرّ الأنظمة السابقة كان خالياً من المخدّرات، ولكن ضعف الدولة وتهاونها أدّى إلى انتشار كبير للمخدرات”، خصوصاً أنّ الجهات العليا أكّدت مراراً أنّ ما نسبته 50% من الشباب يتعاطونها. ويضيف وجود ضعف في ضبط الحدود وأذرع تعمل على إدخال المخدرات إلى العراق.

أكثر من 50 % من شباب العراق يتعاطون المخدرات.. سلاح إيران الموازي الأكثر تدميراً

السلطات العراقية أعلنت في يوليو الماضي عن ضبطها مصنعاً لإنتاج الكبتاغون في محافظة المثنى المحاذية للسعودية. وقال مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية حينها  سعد معن، في فيديو قصير نشر على مواقع التواصل الاجتماعي: “اليوم ربّما، لأوّل مرة، يتمّ ضبط معمل لصناعة المواد المخدّرة، خصوصاً الكبتاغون”.

وقالت وزارة الداخلية، في بيان، إنّ المصنع المضبوط يقع في المثنى، المحافظة الجنوبية الحدودية مع السعودية، وأوضح البيان أنّ المعمل المضبوط  معدّ لتصنيع حبوب الكبتاغون المخدّرة، مع مواد أوّلية تقدر بـ 27.5 كيلوغرام، مع الأختام الخاصة بالحبوب المخدّرة”.

وفي الشهر نفسه، أعلنت المديرية العامة لشؤون المخدّرات والمؤثرات العقلية، القبض على 10 آلاف تاجر ومتعاط خلال 8 أشهر فقط، آخرها القبض على شبكة دولية لم تسمّ أطرافها في محافظة المثنى التي كشف فيها عن ضبط مصنع إنتاج الكبتاغون.

ويقول مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إنّ مخدّر الكريستال يعتبر الآن المخدّر الأخطر والأكثر انتشاراً في العراق، محذّراً في تقرير صدر في فبراير من العام الماضي، من أنّه أصبح يصنع سرّاً داخل العراق بعدما كان يهرّب سابقاً من إيران. وبحسب التقرير، فإنّ البؤر الرئيسية لانتشار الكريستال هي المحافظات الحدودية الجنوبية، مثل البصرة وميسان.

أكثر من 50 % من شباب العراق يتعاطون المخدرات.. سلاح إيران الموازي الأكثر تدميراً

الجماعات المسلحة غطاء للتجارة

وفي إطار البحث عن اتساع ظاهرة تجارة المخدّرات بشكل خطير والجهات التي تقف خلف ذلك الأمر، يؤكّد مسؤول أمني لـ”أخبار الآن” فضّل عدم الكشف عن اسمه، أنّ توريد المخدرات خصوصاً مادة الكريستال يأتي بشكل دائم عبر منفذ الشلامجة الحدودي بين البصرة والأهواز الإيرانية ومنفذ مهران الحدودي بين محافظة واسط وكرمنشاه، مضيفاً أنّ قيادات في فصائل مسلّحة هي المتهمة بالاستيراد من إيران، موضحاً أنّ تلك المجاميع المسلّحة تستثمر وجودها الأمني والاستخباري في تلك المنافذ لتسهيل عمليات التهريب.

كلام المسؤول الأمني جاء متماهياً مع محمد كمال (اسم مستعار) 35 عاماً، وهو أحد المتعاطين عمل فيما بعد موزّعاً للمخدرات، ومن ثمّ توجّه مؤخّراً للعلاج من الإدمان في بغداد. اعترف الرجل بأنّ جماعات مسلّحة في بغداد كانت الموزّع الرئيسي للمخدّرات التي يحصل عليها، خصوصاً الكريستال والكبتاغون كما أنّها هي من كانت تحمي التجّار الفرعيين والموزّعين أمثاله كانت تستغل وجودها في المناطق الشعبية وسيطرتها عليها، وكذلك الفقر الكبير في تلك المناطق كحاضنة رائجة لتجارتها.

كما أكّد مصدر حقوقي عمل في المحاكم، أنّ الجماعات المسلّحة ذات الولاء العقائدي لإيران تحاول فرض هيمنتها على عقول السكان في مناطقهم وإبعادهم عن المطالبة بحقوقهم بالحصول على الخدمات والفقر المدقع الذي يعيشون فيه، مؤكّداً أنّ تلك الجماعات تعمل على حماية مستثمريها من تجار المخدّرات من أجل خلق عملية توازن بين السطوة الأمنية والاقتصادية.

إحصائيات خطيرة

اتساع حجم تجارة وتعاطي المخدّرات يظهر جلياً من خلال بيانات الاعتقال والضبط، والتي تظهر أرقاماً خطيرة، إذ تشير آخر إحصائيات وزارة الداخلية إلى أنّ عدد الملقى القبض عليهم بتهمة حيازة المواد المخدّرة منذ بداية العام 2023 وحتى تشرين الثاني منه، بلغ 17294 منهم 121 تاجراً أجنبياً، وغالباً ما تطلق التصريحات الحكومية على الإيرانيين المعتقلين تسمية الأجنبي تجنّباً لحساسية ذكر الجنسية الإيرانية”.

أكثر من 50 % من شباب العراق يتعاطون المخدرات.. سلاح إيران الموازي الأكثر تدميراً

 

أمّا عن حجم ما ضبط من المخدرات وفق الداخلية، فقد بلغ 3 أطنان ونصف فضلاً عن 15 طناً من المؤثرات العقلية، وذلك طبعاً المكتشف أو المصرّح عنه. أمّا غير المكتشف فيبلغ أضعاف المعلن. وبحسب وزير الداخلية السابق عثمان الغانمي، فإنّ 50 % من الشباب العراقي يتعاطون المخدرات، بينما ترتفع تلك النسبة إلى أكثر من 70 % من الشباب في المناطق الفقيرة والمدن التي تسجل نسب بطالة مرتفعة، كما يبيّن على البياتي عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان السابق، الذي أشار أيضاً إلى وجود نسب كبيرة بين المتعاطين من النساء والأحداث أيضاً، وهو ما يشكل خطراً كبيراً. ويلفت البياتي إلى أنّ العام الماضي 2022 شهد اعتقال 15 شخصاً ما بين متعاط وتاجر بينهم 500 بين النساء والأحداث، موضحاً أنّ عصابات الاتجار تستغل تلك الفئات لغرض الترويج والنشر.

في المقابل، تقول وزارة الصحة إنّه قد تمّت معالجة 4500 مدمن ومتعاط للمخدّرات خلال عام 2022، منوهةً إلى أنّ أكثر المتعاطين بأعمار تتراوح من 15 إلى 30 عاماً. كما كشفت وزارة الصحة العراقية أنّها قامت نهاية العام الماضي 2022، بإتلاف 5 آلاف طن من المخدرات والمؤثرات العقلية، و54 مليون حبة مخدرة و31 ألفاً أنبولة و9 آلاف قنينة من المخدرات المختلفة، وهي الكمية الأكبر من المخدرات التي ضبطت في تاريخ العراق، كانت مخزنة منذ سنوات في دائرة الطب العدلي.

وفي مؤشر خطير على مدى انتشار تعاطي المخدرات في العراق، أوصت اللجنة البرلمانية المكلفة بوضع توصيات لمكافحة المخدرات في نيسان من هذا العام، بإجراء فحص للموظفين والأجهزة الأمنية والطلبة، كما ولجأت وزارة الداخلية إلى إصدار قرار في تشرين الثاني الحالي لإلزام المواطنين الراغبين بإصدار إجازة السوق أو الحصول على رخصة حيازة السلاح، إلى إجراء فحص المخدّرات للتأكّد من عدم تعاطيه لها قبل منحه الرخصة.

المخدّرات تتسلل بين صفوف القوى الأمنية.. 5% منهم يتعاطون

الأخطر من انتشار تعاطي المخدرات بين العراقيين، هو تعاطي القوى الأمنية المكلّفة مكافحة تلك المواد السامة، وذلك هو المؤشر الذي يراه كثيرون بأنّه ناقوس الخطر الحقيقي والأكبر. تلك المخاطر تظهر جلية بما كشفته وزارة الداخلية بعد إجرائها فحصاً للمخدّرات لقرابة ألفي عنصر أمن وضابط من عناصرها، وتمّ الاشتباه بتعاطي 100 من الذين تمّ فحصهم للمخدرات من أصل كلّ الفحوصات.

وذكرت وزارة الداخلية أنّها شكلت لجنة بأمر من الوزير عبد الأمير الشمري لإجراء فحص المخدّرات لمنتسبي وزارة الداخلية، أكّدت من خلاله الاشتباه بـ100 عنصر بتعاطي المخدّرات. وقال مدير قسم الإعلام لشؤون المخدّرات في وزارة الداخلية حسين يوسف التميمي، إنّه تمّ إجراء الفحص من تاريخ 4/1 ولغاية 4/11، وحتى الآن وصل عدد الذين خضعوا له لنحو 2000 ضابط وموظف ومنتسب في مختلف مفاصل الوزارة، وفي أوقات متفاوتة وبشكل مفاجئ، من دون وجود أيّ مجاملات ومن دون أن يستثنى أيّ فرد من أفراد قوى الأمن الداخلي بهذا الفحص.

إلّا أنّ ذلك الإعلان يعدّ مؤشراً خطيراً للغاية وفق حقوقيين، إذ أنّ وجود 100 حالة اشتباه من بين ألفي عنصر أمن تمّ إخضاعهم للفحص، تعتبر نسبة كبيرة جدّاً مقارنة بأهمية الوزارة ومسؤوليتها عن ملف المخدرات أساساً، كما أنّ ذلك قد يعني وجود 500 متعاط لكلّ 10 آلاف منتسب أمني بوزارة الداخلية، ويطرح سؤالا آخر، وهو: إذا كانت هذه النسبة في وزارة الداخلية، فكمْ نسبة المتعاطين في وزارات أخرى، مثل الدفاع والبلدية وأجهزة ومؤسسات أخرى؟

وبحسب الخبيرة في علوم الأدلّة الجنائية زينب البيروتي، فإنّ أفراد الشرطة يتورّطون في تعاطي تلك المواد، الكريستال والكبتاغون، عن طريق الاحتيال عليهم، بإعطائهم جرعات مجانية أولى وثانية لإيقاعهم واستغلال مناصبهم أو مكانتهم، وبعد تلك الجرعات يصبحون مدمنين ولا يستطيعون تركها، وهي ما تسمى مرحلة الاحتراق، ويقوم المدمن حينها بمختلف الجرائم في سبيل الحصول على تلك المواد المخدّرة.

كيف يواجه العراق المخدرات؟

بناءً على كل ما تقدّم، ما هي الأولويات الأكثر إلحاحاً لإنقاذ الشباب في العراق من المخدّرات؟ مَنْ هو المسؤول؟ والأهم ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها قبل فوات الأوان لإنقاذ الجيل القادم؟ وزارة الداخلية العراقية اتخذت خطوات كثيرة للحدّ من تجارة المخدرات لكنّها اعترفت في النهاية أنّ المشكلة كبيرة وتقف خلفها دول وميليشيات وشبكات دولية، لذا فإنّ أوّل طرق القضاء على المخدرات ومحاربتها تبدأ من الجانب الأمني عبر ضبط الحدود وكبح جماح الجماعات المسلّحة المرتبطة بإيران، والتي تسهّل دخول المخدّرات إلى البلاد وخروجها منه.

كما ثمّة جهود يجب أن تبذل من أجل معالجة الواقع الاقتصادي المتردّي وارتفاع نسب الفقر والبطالة في صفوف الشباب، فيما توازياً يحتاج العراق إلى إنشاء مصحّات أخرى وكثيرة لمعالجة المتعاطين من الشباب – والتي وعدت الحكومة بإنشائها – مع العمل على تعديل التشريعات المتعلّقة بمكافحة المخدّرات وتشديد العقوبات بحقّ المتاجرين والمهرّبين.

شاهدوا أيضاً: كيف تسمم إيران مستقبل العراق بالمخدرات؟