“شكراً من صميم القلب لكلّ هؤلاء العاملين من أجل الكرامة الإنسانية. اليوم نحن نحييكم ونحيي تلك القناعة بالانسانية وبالتنوع بغض النظر عن لون بشرتكم وعرقكم ودينكم وجنسكم… ويبقى ذلك التنوع أساس تقدّم بلادنا. والليلة بالذات، ستصبح بلجيكا بلدنا الصغير، أكبر بقليل لأنّنا قد تجاسرنا على إنقاذ بعضٍ من الإنسانية”… ذلك الكلام للنائب في البرلمان البلجيكي سامويل كوغولاتي (Samuel Cogolati)، الذي أخذ على عاتقه قضية أقلية الإيغور التي تتعرض للاضطهاد والإبادة لجماعية على أيدي الحزب الشيوعي الصيني، فيما صمتُ العالم ومنظمة الأمم المتحدة حيال انتهاكات حقوق الإنسان، مدوٍّ للغاية.

أخبار الآن” استوقفها اهتمام هذا الشاب البلجيكي بقضية هؤلاء، فيما يمكنه – بكلّ بساطة – الإنصراف إلى قضايا أبناء وطنه، وتحقيق طموحاته السياسية وغيرها بعيداً من الضوضاء. فلماذا قرّر أن يكون صوت الإيغور؟ لماذا أراد أن حمل همّهم ويعلي أمرهم على كل منبر اعتلاه، وفي كل تحرك شارك فيه؟

سامويل كوغولاتي.. صوت الإيغور في أوروبا فلماذا يأخذ القضيّة على عاتقه؟

صوت الإيغور في أوروبا

ينخرط معنا في ذلك الوثائقي إكبير تورشون.. هو إيغوري يعيش في بلجيكا بعدما فرّ من إقليم شينجيانغ هرباً من بطش الحزب الشيوعي الصيني. يسير في شوارع العاصمة بروكسل وفي ذهنه أسئلة كثيرة لا تتركه أبداً.. لماذا ولماذا ولماذا… هذا الرجل هو صديق سامويل، فقد تكوّنت بينهما صداقة متينة بعدما التقيا العام 2019 في العاصمة بروكسل، ويمكن القول إنّ القضية جمعت الرجلين، وقد سارت الأمور على ذلك النحو منذ تلك الفترة، وكان النضال المشترك من أجل الإيغور.

يقول تورشون لـ”أخبار الآن” إنّ سامويل كوغولاتي داعم لي بشكل كبير، “لقد التقيته عندما كنت أحاول التحدّث مع رجل إيغوري يعيش في بلجيكا عن المشاكل العائلية في الصين، وفي ذلك العام تمّ انتخاب كوغولاتي كنائب في المجلس النيابي لبلجيكا. في تلك الفترة، توقف كثيرون ليس عن دعمنا فقط، بل أيضاً عن الاتصال بنا، وكثيرون التزموا الصمت، إلّا أنّ سامويل كان شخصاً مختلفاً عن الآخرين. فمنذ البداية وحتى اليوم، لم يوقف دعمه لنا، وعندما نتصل به لا يرفض بل يكون حاضراً دائماً، حتّى أنه رغم انشغالاته فهو لا يؤجل الحديث إلينا”.

سامويل كوغولاتي.. صوت الإيغور في أوروبا فلماذا يأخذ القضيّة على عاتقه؟

 

ما الذي دفعه لأن يكون صوت الإيغور الشاب في بلجيكا؟

في إطاره على ذلك السؤال الذي طرحه إكبير تورشون، يقول كوغولاتي: “أعتقد أنّ  ما أثّر بي كثيراً هو أنّني تمكنت من لقاء عدد كبير من الضحايا الإيغور، مثل تورشون تماماً. ومن خلال اللقاء بأشخاص وبينهم كالبي نوسيتيك، الذي قبع في مخيمات الاعتقال وخضع لعملية تعقيم قسري، تأثرت كثيراً وشعرت أنّه لا بدّ أن أتحرّك وأن أقدّم مشروعاً جدّياً هنا في البرلمان”.

يتابع النائب الشاب: “عندما تلتقي بعدد كبير من الأشخاص الذين يعرفون  الكثير من ضحايا الإبادة الحالية والجرائم ضدّ الإنسانية، والذين يعرفون أشخاصاً يقبعون راهناً في المعتقلات الصينية، أعتقد أنّنا كبرلمانيين منتخبين بالسبل الديمقراطية، علينا أن نتحرك وأن نذهب إلى البرلمان ونطرح على أنفسنا السؤال التالي: هل نحن نبذل ما يكفي من الجهود لتحرير كلّ هؤلاء الأبرياء من المعتقلات؟ برأيي لقد كانت تلك الفكرة المحفّز لي للتحرك هنا في البرلمان”.

سامويل كوغولاتي.. صوت الإيغور في أوروبا فلماذا يأخذ القضيّة على عاتقه؟

 

“عقوبات الصين عليّ تجعلني أضحك”

في جلسة ودّية، يتوجه إكبير تورشون إلى كوغولاتي بالقول: “قبل قيام البرلمان البلجيكي بالاعتراف بإبادة الإيغور وإقدام الحكومة الصينية على إدراج اسمك على لائحة الأشخاص غير المرحب بهم في الصين، كيف شعرت حينها بسبب تلك الخطوة الصينية ضدّك شخصياً؟ هنا يجيب النائب البلجيكي: “لقد رأيتني أضحك قليلاً لأنّ المعاناة التي تعيشها عائلتك منذ سنوات طوال، هي أعظم وأسوأ بأشواط من العقوبات التي فُرضت على أفراد مثلي في الاتحاد الأوروبي. لقد كانت تلك العقوبات كمزحة لأنّ الصين ظنت حقاً أنّها ستؤثر فينا وستمنعنا من التحرّك ضدّ الإبادة الجارية بحقّ الإيغور بمجرد فرض عقوبات علينا”. وأشار إلى أنّ تلك العقوبات لم تؤثر فيه البتة، “وها أنت ترى اليوم أنّنا نواصل النضال ولن نوقفه ولن نتأثر بأي عقوبات. فأنا أعتقد أنّ كلّ الديمقراطيات لا يجب أن تتردد في محاربة أنظمة سلطوية على غرار النظام الصيني، علينا أن نقوم بعملنا بكلّ بساطة وتلك العقوبات لن تحملني على تبديل رأيي”.

سامويل كوغولاتي.. صوت الإيغور في أوروبا فلماذا يأخذ القضيّة على عاتقه؟

 

“لا مكان للعبودية في القران الحادي والعشرين”

وشدّد كوغولاتي على أنّ “المطلوب هو العمل على تحويل حظر العمل القسري إلى حجر زاوية في الشركات التجارية حول العالم”، مضيفاً: “علينا أن نقول إنّ العبودية لا مكان لها في القرن الحادي والعشرين على الأقل بنظر الأوروبيين وبنظرنا، لأنّه لا بدّ من حظر العبودية بالكامل. نحن نرتبط بعلاقة قوية ولدينا مبادىء. إنْ استثمرنا مثلاً في صناعة قمصان قطنية مصنوعة على يد إيغور يخضعون للعمل القسري نكون شركاء بالتأكيد إنْ كنا نعرف حقيقة ما يجري. أنا متأكّد من أنّ المارة في أيّ شارع يمكن أن يختاروا بين قميص قطني منخفض الثمن وقميص آخر غير مصنوع بفضل العبودية، وسيختارون وفق مبادئهم الأخلاقية، وبالتالي أعتقد أنّ تلك هي المهمة الكبرى التالية التي تقع على عاتق السياسيين في أوروبا”.

بالنسبة للإيغوري إكبير تورشون، يروق له ما قاله سامويل كوغولاتي، فيقول: “أتمنى ألا يتوقف عن دعم الإيغور، وعن محاولة تشجيع زملائه وسياسيين آخرين على إثارة قضية تلك الأقلية في البرلمان أو في أيّ محفل آخر، وأودّ أن أرى عدداً أكبر من السياسيين يتحدثون عن الإيغور في المستقبل لأنّ تلك المسؤولية لا تقع فقط على كاهل سامويل كوغولاتي فحسب، بل هي مسؤولية كلّ السياسيين الذين يجب أن يتحدثوا عن الإيغور، وطرح قضيتهم على جدول أعمالهم لأنّ الإيغور يموتون في معسكرات الاعتقال، وذلك ما يجعل تلك القضية ملحّة جدّاً”.

إذاً في قرار مجلس النواب البلجيكي الأخير ذات الصلة، كانت انضمت بروكسل إلى عداد العواصم العالمية الأخرى التي اعترفت بأنّ الصين ارتكبت إبادة جماعية ضدّ عرق الإيغور، ليصبح يوم التاسع من ديسمبر يوم الاعتراف بالإبادة الجماعية للإيغور لأنّه شكّل علامة بارزة في التاريخ المعاصر لتلك الأقلية.

شاهدوا أيضاً: المليارات و 100 ألف برميل نفط يومياً من العراق للصين مقابل مدارس غير آمنة للطلاب!