ارتفع منسوب التشنّج على الحدود الليتوانية – البيلاروسية في الآونة الأخيرة، خصوصاً بعد تهديدات روسيا بوضع أسلحة نووية في بيلاروسيا وعلى حدودها مع ليتوانيا، وفق ما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي سياق الإطلاع على ما يجري على طول الشريط الذي يمتد على نحو 680 كيلومتراً، قصدت “أخبار الآن” منطقة ميدينينكاي الحدودية (Medininkai) حيث عاينت عن قرب حجم التشنّج السائد.

"أخبار الآن" على الحدود الليتوانية البيلاروسية ترصد التشنج السائد.. وقوّات لوكاشينكو تستنفر

حرس الحدود يشرح لأخبار الآن الإجراءات الروتينية اليومية

“أخبار الآن” على الحدود الليتوانية البيلاروسية

مع بداية الأسبوع، نشرت بيلاروسيا ما لا يقل عن 12 دبابة ومعدّات عسكرية أخرى بالقرب من الحدود مع ليتوانيا، وفقاً لمشروع المراقبة المستقل بيلاروسكي هاجون (Belaruski Hajun)، الذي يراقب التحرّكات العسكرية في بيلاروسيا، وتمّ نقل الدبابات إلى محطة غودوجاجي (Gudogaje)، التي تبعد نحو 9 كيلومترات عن الحدود مع ليتوانيا. وتبيّن أنّ القطار حمل ما لا يقل عن 20 وحدة من المعدّات العسكرية، بما في ذلك 10 إلى 15 دبابة T-72B وناقلات جند مدرعة وعربات قتال للمشاة.

وتعود تلك المعدّات بالطبع إلى القوّات المسلّحة البيلاروسية، المتمركزة في مينسك، كما تمّ نشر جنود من إحدى الكتائب الميكانيكية التابعة للواء 120. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، كانت أعلنت وزارة الدفاع البيلاروسية أنّها بصدد إجراء فحص آخر للجاهزية القتالية لجزء من القوّات المسلحة، مع الإشارة إلى أنّه حالياً تجري مناورات عسكرية مشتركة بين الجيشين البيلاروسي والروسي في بيلاروسيا.

"أخبار الآن" على الحدود الليتوانية البيلاروسية ترصد التشنج السائد.. وقوّات لوكاشينكو تستنفر

ذلك الشريط الحدودي يبلغ طوله نحو 680 كيلومتراً، ما زال يخضع للمراقبة الدائمة

القوّات الليتوانية على أهبّة الإستعداد.. “اليد على الزناد”

الوضع على طول الشريط الحدودي يُظهر أنّ التشنّج سيّد الموقف، إذ أنّ المراقبة قائمة من قبل الدولتين، ليتوانيا وبيلاروسيا، ما يؤشر إلى حجم التوتّر الذي زد اليوم أكثر مع الاضطراب الذي تعيشه أوروبا بسبب حرب بوتين على أوكرانيا. وهناك على الحدود، التقينا رئيس مجلس تنظيم مراقبة الحدود سوليوس نيكراسيفيسيوس (Saulius Nekrasevicius)، الذي شدّد في حديثه لـ”أخبار الآن“، على أنّ قوات الأمن مستعدة ليس فقط لضبط الحدود، بل للتصدي لأيّ عدوان قد يأتي من البلدان المجاورة، قائلاً: “حرّاس الحدود الليتوانيون يقومون بمهامهم ليلاً نهاراً، وكلّ يوم على مدار 24 ساعة، وخلال الصيف والشتاء. وبالرّغم من كل القرارات التي تصدر عن أيّ من الدول، نحن مستعدون لكلّ ما قد يحصل، وما حصل منذ بضعة سنوات أظهر أنّنا مستعدون ليس فقط لضبط الحدود في الأيّام العادية، بل أيضاً للتصدي لأي عدوان من البلدان المجاورة ونحن مستعدون للقيام بمهامنا، ونشر أي نوع من السلاح أو عدم نشره،ذلك أمر يعود إلى قواتنا العسكرية والمسؤولين عن الدفاع في البلد، ونحن جاهزون لمساندتهم”.

"أخبار الآن" على الحدود الليتوانية البيلاروسية ترصد التشنج السائد.. وقوّات لوكاشينكو تستنفر

 

كشف ومراقبة وتطوير بُنى الحدود التحتية

وتابع نيكراسيفيسيوس أنّ “الأمر ليس محصوراً بالكشف والمراقبة فقط، إنّما أيضاً يجب أن نملك الوسائل للرد، ومن يجب أن يكون لدينا البنية التحتية والمعدّات التقنية اللازمة للرد على التحرّكات التي يمكن أن تحصل على الحدود. إذاً بعد وضع الحواجز ونظام مراقبة الحدود، الخطوة التالية هي تطوير تلك البنى التحتية لحرّاس الحدود كي يتمكنوا من الردّ بسرعة على أيّ خرق يحصل على الحدود. ذلك ما نعنيه عندما نتحدث عن البنية التحتية على الحدود، كذلك بدأ العمل على بعض التشريعات لمساعدتنا على التفاعل بشكل أفضل، وللتصرّف على الحدود بشكل دقيق أكثر، لحماية حدودنا”.

تجدر الإشارة إلى أنّه مع بداية العام الجاري كانت الحكومة الليتوانية قرّرت إلغاء الاتفاقية مع بيلاروسيا بشأن المبادئ الرئيسية للتعاون عبر الحدود، وذكرت أنّ الحدود مع الدولة الجارة تتمّ مراقبتها من خلال استعمال تقنيات مراقبة حديثة.

في ذلك الصدد قال المسؤول الليتوني عن الحدود لـ”أخبار الآن” إنّ “حالة الطوارىء مازالت مستمرّة وقد تمّ تمديدها إلى الثاني من شهر مايو المقبل وفقاً للقوانين الخاصة، كما أنّ بعض القيود المفروضة على مواطني الاتحاد الروسي وبيلاروسيا مازالت سارية”، مشيراً إلى أنّ “المعابر الحدودية ليست مغلقة، فالبضائع تعبر وكذلك الأفراد، لكن إلى أن تتوقف الحرب في أوكرانيا، فإنّ ليتوانيا وشركاؤها في المنطقة، بولندا، لاتفيا، وإستونيا، وفنلندا، وضعنا بعض القيود على الأفراد الذين يسافرون من البلدان المعتدية، وذلك لضمان أمننا القومي”.

وخلال وجودنا على الحدود، كانت سيارة عسكرية تابعة للأمن البيلاروسي تستطلع ما يجري على جهتهم المقابلة، حيث نقف نحن، حيث كنّا نعدّ تقريرنا هذا، وقد عمل الجانب البيلاروسي على مراقبة ما يجري، وكذلك التقاط بعض الصور. وذلك ما أكّده أحد حرّاس الحدود قائلاً: “السبب خلف مجيئهم، هو أنّهم رأوا الكاميرات، وربّما كانوا يلتقطون صوراً لنا، لكن في العادة هم يأتون إلى هنا للتحقق من حدودهم والتأكّد من عدم حصول أيّ عمل تخريبي”.

"أخبار الآن" على الحدود الليتوانية البيلاروسية ترصد التشنج السائد.. وقوّات لوكاشينكو تستنفر

الأمن البيلاروسي كان يراقب فريق أخبار الآن خلال التصوير

من الحدود إلى العاصمة فيلنيوس

من الحدود الليتوانية البيلاروسية انتقلنا إلى العاصمة فيلنيوس، حيث التقينا نائب وزير خارجية ليتوانيا مانتاس أدوميناس (Mantas Adomenas)، للإطلاع على المتابعة الحكومية الموازية لما يجري على الحدود، فأشار المسؤول الليتواني إلى أنّ الحدود مازالت تحت المراقبة، قائلاً: “مع دول مخادعة مثل روسيا وبيلاروسيا، علينا أن نكون حذرين دائماً، وقد شهدنا في السابق ماذا فعلت بيلاروسيا على الحدود عندما تمّ اقتحامها من خلال تدفق المهاجرين – الذين أتت بيلاروسيا بالآلاف منهم وحاولت أن تُدخلهم بالقوّة إلى ليتوانيا وبولندا ولاتفيا”.

وتابع: “حتى ذلك الوقت كانت حدودنا محمية بواسطة الأسوار، لكن بعد ذلك اضُطررنا إلى وضع نظام مراقبة على طول الحدود لتجنّب حدوث هكذا تحرّكات غير متوقعة وعدائية من قبل تلك الانظمة، ونحن فخورون أنّنا تمكّنا من إنجاز ذلك في وقت قياسي. لقد نجحنا في  الإمساك بأمن حدودنا، لكن من الواضح أنّنا يجب أن نسعى لتطبيق المزيد من الإجراءات الأمنية لمراقبة احتمال وجود عملاء روس وبيلاروسيين داخل ليتوانيا، وأيضاً تأمين الحماية للناشطين الروس والبيلاروس الذين لجؤوا إلى ليتوانيا، وحتى الآن تمكّنا من ضبط الوضع ومواجهة محاولات زعزعة الأمن والسلام”.

"أخبار الآن" على الحدود الليتوانية البيلاروسية ترصد التشنج السائد.. وقوّات لوكاشينكو تستنفر

“حرب بوتين على أوكرانيا درس كبير لنا”

وشدّد أدوميناس في حديثه لـ”أخبار الآن” على أنّ “ليتوانيا على استعداد لصدّ أيّ هجوم، وتعمل على تعزيز قواتها الدفاعية مع شركائها في حلف الناتو”، مضيفاً: “حتى تاريخ غزو روسيا لأوكرانيا، كانت ليتوانيا والدول الحدودية تعتمد على مبدأ الردع بالعقاب، أو ما يُعرف بالسلك المتفجر الرادع”. وتابع: “ستتواجد قوات الناتو بحجم كتيبة صغيرة في ليتوانيا، وستكون هناك لتزويدنا بمقاومة رمزية، لكن في الواقع ستتمّ إعادة احتلال المنطقة بأكملها إذا ما قرّرت روسيا أن تغزونا. ما شهدنا في الأراضي الأوكرانية التي تمّ احتلالها، المجازر التي حصلت في بوتشا (Bucha) وإيربين (Irpin) وغيرها من المناطق، يدفعنا إلى عدم المخاطرة بخسارة أيّ كيلومتر من أراضينا أو من أراضي بلدان الناتو”.

وأضاف: “نحن نعمل الآن على فكرة أخرى غير الردع بالعقاب. نحن بحاجة إلى عدد من القوات التي بوسعها مقاومة روسيا وإرغامها على التراجع في حال حاولت الهجوم علينا. لا يمكننا التخلّي عن أي مدينة أو قرية صغيرة لأنّنا لا نريد أن يحصل في مدننا الجرائم التي تحصل في أوكرانيا، لذلك نحن نعزز قواتنا الدفاعية ونتناقش مع شركائنا في الناتو، خصوصاً مع ألمانيا لتقوية وجودها، ورفع قواتها من مجرد كتيبة الى عدّة ألوية، وقد تمّ الإتفاق على ذلك في قمّة الناتو التي انعقدت في مدريد”.

"أخبار الآن" على الحدود الليتوانية البيلاروسية ترصد التشنج السائد.. وقوّات لوكاشينكو تستنفر

ماذا لو قررت روسيا غزو ليتوانيا؟

هنا يجيب أدوميناس: “في الواقع إذا ما قرّرت روسيا غزونا، فبيلاروسيا لن تقف في طريقها، النقطة الأهم هي منع روسيا من الهجوم، ولذلك نحن نحتاج إلى وجود فعلي للناتو ولانتصار أوكرانيا في تلك الحرب. إذا ما خرجت روسيا من تلك الحرب وهي تحتل كيلومتراً واحداً إضافياً عمّا كانت تمتلكه عند بدء الحرب، فذلك يعني أنّها نجحت، وذلك سيشجعها على المضي في سياسة الإعتداء تلك، وسياسة الهجوم على البلدان في المستقبل حالما تعيد بناء جيشها بعد الخسائر التي تكبدتها في أوكرانيا، لذا يجب علينا أن ندعم أوكرانيا أوّلاً ومن ثمّ تعزيز قواتنا الدفاعية”.

وفق ما أبلغت السلطات الليتوانية “أخبار الآن“، فإنّ حالة الطوارىء ستتوقف حالما تنتفي أسباب وجودها وتختفي الأسباب التي تهدد أمن المواطنين، لكن سيتمّ وضع نفس الأحكام التي تتحكم في حركة الأشخاص والتي تحدّ من وصول المواطنين الروس والبيلاروسين إلى ليتوانيا، على أسس قانونية مختلفة. فكيف ستسير الأمور هنا على الحدود وبين الدوليين الجارتين يبقى رهن التطورات التي تشهدها الساحة الأوكرانية.

شاهدوا أيضاً: رئيسة وزراء ليتوانيا تحدد لأخبار الآن الخط العريض لإنهاء حرب أوكرانيا وضمان سلام أوروبا