منذ أيّام التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف (Ramzan Kadyrov)، وذلك في العاصمة الروسية موسكو حيث ظهر قديروف بينما يقرأ رسالة يطمئن فيها بوتين بأنّ مقاتلي جمهورية الشيشان يخدمون بنجاح في المعارك، قائلاً: “نحن ننفذ أوامركم ونهدف إلى العمل حتى النهاية”.

ذلك المشهد كفيل بأن يرى العالم حاضر الشيشان بقيادة قديروف، الذي يسير بشعبه إلى الهلاك وفق ما أوضح زعيم المعارضة الشيشانية أحمد زكاييف (Akhmed Zakaev)، في لقاء خاص مع “أخبار الآن“، قائلاً: “المهمّة التي حدّدها بوتين لقديروف ومَنْ معه هي ليست تدمير الشعب الشيشاني بالكامل، إنّما تدمير أسس المجتمع الشيشاني وتقاليده التي تعود إلى قرون، إذ كان مبدأ المساواة  هو الذي يحكم العلاقات في المجتمع الشيشاني، فنحن كشعب شيشاني كنّا دائماً نفتخر بعدم وجود فروقات طبقية في مجتمعنا، لكن ما حاول بوتين وقديروف تحقيقه خلال تلك الفترة، هو تقسيم المجتمع إلى طبقات”.

وقال: “لا بوتين ولا قديروف سينجحان في إخضاع الشعب الشيشاني. بعد عقود من المواجهة مع روسيا طوّر الشيشان الوسائل التي تساعدهم في عملية الحفاظ على تلك المواجهة، وفي مرحلة ما سيجمع الشيشانيون أنفسهم وينتظرون ظهور جيل جديد وأبطال جدد يحاربون من أجل حريتهم واستقلالهم، ذلك ما حصل في السابق في موسكو، وفي المستقبل القريب سنرى التغييرات التي ستحدث في الشيشان والقوقاز، وسننجح في استعادة تقاليدنا في كلّ المجالات السياسية والأعمال والعلاقات داخل المجتمع الشيشاني”.

“مهمّات خاصة داخل منظومة الأمن الروسي”

مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا ظهر الرئيس الشيشاني قديروف في الصورة، يزجّ بنفسه في مشهد الصراع، ويفتخر بنشرِ قواته في أوكرانيا استجابةً لمطالب بوتين الذي يحاول الاستفادة من التصوّر السائد عن المقاتلين الشيشانيين، بأنّهم يضاهون الروس في الصلابة والشراسة، كما أنّهم لا يأبهون كثيراً للقانون الدولي.

فى ذلك السياق، يقول زكاييف إنّ “الشيشان وحتّى أولئك التابعون للمنظومة الروسية، لن يسمحوا بأن يتمّ إستغلالهم وهم يعتبرون ذلك الأمر إهانة كبيرة لهم. وبالطبع ذلك هو الشعور السائد لدى القوّات الأمنية. نحن نتواصل معهم، وثمّة أشخاص موثوقون يتواصلون معهم ويقومون بمهمّات خاصة تحضيراً لتغيير منظومة السلطة الموجودة في روسيا، وتفادياً لحصول أيّ مواجهة مع المجتمع الشيشاني، وذلك المصدر موجود الآن في صفوف النظام والأمن الروسي”.

 

أحمد زكاييف.. زعيم المعارضة الشيشانية يكشف لأخبار الآن عن قنوات اتصال سرية داخل الأمن الروسي

قديروف ومن خلفه بوتين يستعملان الشباب الشيشاني كوقود للمدافع

وتابع زكاييف أنّ “نسبة البطالة في الشيشان تصل إلى 80 %، فالمكان الوحيد الذي يمكن أن يؤمّن لقمة عيش لأولادهم هي الوظيفة في السلك الأمني، هكذا يتمّ تجنيدهم، ولم يبدأ استخدامهم كوقود للمدافع إلّا مع بداية الحرب في أوكرانيا، وذلك كان له تأثير قوي على المجتمع الشيشاني، فطوال تلك السنوات كانت روسيا تحتل الأراضي بينما كانت الحملات الدعائية توحي بأنّها تنقذ الشيشان والشباب الشيشاني، وقد بنى قديروف سياسته على فكرة أنّه كان يحمي وينقذ الشباب الشيشاني حتى لا يتمّ تدميرهم على يد الجيش الروسي. ولكن كلّ ذلك تمّ تدميره في لحظة عندما تمّ إرسالهم إلى أوكرانيا”.

ما حجم تلك المعارضة اليوم في الخارج والداخل؟

إذاً عاد دور الشيشانيين المعارضين للظهور إلى الأضواء مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية الحالية، وقد أعلن زكاييف عن تشكيل مفارز تطوعية من الشيشانيين الذين يعيشون في الخارج للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني لمواجهة الغزو الروسي الجديد، وإنشاء حكومة معارضة فى المنفى. فما حجم تلك المعارضة اليوم في الخارج والداخل؟

هنا يقول زكاييف لـ”أخبار الآن“: “اليوم لدينا بنية وممثلون للسلطة ورؤساء إدارات ومقاطعات متواجدون على أراضي جمهورية الشيشان، وحتّى في المناصب الأمنية هناك أشخاص مرتبطون بنا ارتباطاً وثيقاً، لكن هم لا يقولون ذلك علناً ويعملون في الخفاء”.

وأضاف: “أنشأنا محكمة وطنية من دون انتظار محكمة لاهاي، لقد بدأنا بالفعل في محاكمة قضايا جرائم الحرب، وستنقسم المحاكمات على 3 حقبات، الحقبة القيصرية، الحقبة السوفياتية وما يسمى بالفترة الروسية الديمقراطية الزائفة وتغطي آخر 30 عاماً، حيث تمّ ذبح أكثر من 300000 شيشاني، 42000 منهم من الأطفال، ولذلك السبب فإنّ مهمتنا هي ضمان الخلافة القانونية للسلطة الشرعية من أجل إجراء انتخابات بعد إنهاء الاحتلال وإفساح المجال أمام الشعب الشيشاني لانتخاب حكومته، ومن ثمّ تفويض كلّ السلطات المنتخبة بمعالجة كلّ المسائل العالقة”.

أحمد زكاييف.. زعيم المعارضة الشيشانية يكشف لأخبار الآن عن قنوات اتصال سرية داخل الأمن الروسي

الشيشان في المنفى مع أوكرانيين وجورجيين يتظاهرون في ساحة ألبيرتين، بروكسل – فبراير 25 -GETTY

كتائب شيشانية في مواجهة قديروف والروس

في سبتمبر العام الماضي، أعلن زكاييف عن تشكيل الكتيبة الشيشانية الخامسة تحت قيادة القوّات المسلحة الأوكرانية لصدّ العدوان الروسي، وتمّ توقيع ذلك المرسوم من قبل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (Volodymyr Zelenskyy)، وتمّ إنشاء الفيلق الأجنبي في الثامن والعشرين واستعادة القوّات المسلحة لجمهورية إشكيريا الشيشانية كجزء من ذلك الفيلق، وتقوم حالياً وزارة الدفاع في جمهورية اشكيريا الشيشانية تقوم بمهامها من أوكرانيا.

وفي ذلك الصدد يقول زكاييف: “وقعنا اتفاقية مع إحدى الإدارات العسكرية لأوكرانيا حول التعاون العسكري، وبالتالي يمكننا القول اليوم إنّه خلال هذا العام نجحنا عملياً في إعادة بناء القوّات المسلحة لجمهورية إشكيريا الشيشانية على أراضي أوكرانيا والكتائب التي أنشأناها هنا، هي من ستقود عملية إنهاء الاحتلال وإعادة الدولة الشيشانية وقد شهدنا أمثلة على ذلك في العالم”.

في التغريدة أدناه، يظهر متطوعون شيشانيون يقاتلون الروس إلى جانب القوات الأوكرانية في مدينة باخموت.

وتابع: “أعتقد أن ليس فقط الشيشان، ولكن أيضاً الفيلق البيلاروسي والفيلق الروسي سيكونان النواة الرئيسية لتحرير تلك الأراضي، وكذلك من روسيا البيضاء وروسيا نفسها، وعلى روسيا أن تفكر جدّياً في تغيير سياساتها في المنطقة، وأوّل خطوة هي نبذ الإمبريالية وإنهاء استعمار شعوب المنطقة. أنا واثق أنّ ذلك ما يحارب من أجله الشعب الأوكراني، هم يريدون الإستقلال والحرية، وهذا ما يريده الشيشانيون والبيلاروسيون وممثلو القوقاز أيضاً”.

“المنظمات الإرهابية كانت ومازال تعمل تحت إشراف المخابرات السوفياتية”

وفي ختام حديثه لـ “أخبار الآن“، شبّه زكاييف سيناريو ظهور داعش فى حرب بوتين بسيناريو الذي اتبعه جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في الشيشان، فقال: “استخدام بوتين لداعش فى حربه على أوكرانيا هو نفس السيناريو الذي اتبعه جهاز الأمن الفيدرالي الروسي في الشيشان، حيث أنشأ ما يسمى بإمارة القوقاز من خلال تحويل نضال الشعب الشيشاني إلى حرب ضدّ الإرهاب الدولي، وكل ذلك من أجل مصالح روسيا، وعندما بدأ الأسد في الخسارة أمام المعارضة، ظهر تيار راديكالي أطلق على نفسه اسم الدولة الإسلامية، وظهوره دفع العالم إلى استبعاد فكرة استبدال الأسد لأنّ بوتين أظهره على أنّه يتعامل مع الإرهاب الإسلامي الدولي الذي يريد خلق خلافة عالمية ويشنّ حرباً على العالم المتحضر بأكمله، وكدليل على ذلك ظهر ما يسمى بداعش”.

أحمد زكاييف.. زعيم المعارضة الشيشانية يكشف لأخبار الآن عن قنوات اتصال سرية داخل الأمن الروسي

 

وأضاف: “عندما تراجعت القوى الرئيسية، وحتى ضمن  المقاومة التي كانت ضدّ بشار الأسد، حصلت انقسامات، واستغل كلّ من بوتين والأسد ذلك لتقوية مواقفهما، فيما كانت هناك عملية خاصة بحتة من قبل خدمة الأمن الفيدرالية التابعة للاتحاد الروسي، للقضاء على معارضة بشار الأسد وإنقاذه”. وشدد على أنّ المنظمات الإرهابية التي أعلنت عن نفسها في الشرق الأوسط، كانت ومازالت تعمل تحت إشراف المخابرات السوفياتية، وذلك أمر لا لبس فيه، ولدينا دليل على ذلك”.

العام 2000، كان الشيشانيون يخوضون حربهم الأخيرة من أجل استقلال بلادهم عن روسيا، لكن الحرب انتهت من دون أن تحقق أهدافها بالنسبة إلى الجمهورية القوقازية المسلمة. أدّت الحرب إلى انقسام الشيشانيين إلى فريقين، فريق أول استسلم للحكم الروسي وانصاع لسيطرة قديروف الذي تعهد بالقضاء على كل تمرّد داخلي ومطاردة كل معارض للنفوذ الروسي في جبال الشيشان.

أمّا الفريق الثاني من الشيشانيين فحافظ على عدائه للروس والمواجهة معهم. شكّل هؤلاء المعارضون الشيشانيون النواة الأولى لنقل الصراع الداخلي الشيشاني إلى شرق أوكرانيا، حيث انخرطوا في صفوف الفرق العسكرية التي كانت تواجه القوات الانفصالية الأوكرانية الموالية لروسيا خلال أحداث عامي 2014 و2015، علماً أنّ أعداداً أخرى من هؤلاء المقاتلين أحجموا عن الانضمام إلى تلك الوحدات الأوكرانية المقاتلة خوفاً من ملاحقات قانونية كونهم يحملون جنسيات دول أوروبية أخرى، كانت تعاقب المشاركين في تلك الأعمال العسكرية في أوكرانيا، فيما لم تتمكن الحكومة الأوكرانية من وضع صيغة قانونية لهذه الوحدات الأجنبية المقاتلة”.

شاهدوا أيضاً: وزير خارجية أوكرانيا يكشف لأخبار الآن بنود “السلام المحتمل” مع روسيا.. ما هي؟