أخبار الآن | دبيالإمارات العربية المتحدة (حصري – جنان موسى )

 

 

عندَ النظرةِ الأولى، لا يوجد شيء غير اعتيادي بشأن هذه المرأة التي تعيش بهدوء في ألمانيا

اسمها أميمة عبدي، وفقاً لحسابِها على موقع LinkedIn للتوظيف، فهي مترجمةٌ وتنظم مناسباتٍ في مدينة هامبورغ الألمانية.

لكن أميمة عينها ظهرت لنا بصفة مغايرة تماماً، فنكشف الجانب المظلم من حياتها، في صور عديدة لها وجدناها داخل هاتفها، الذي كانت تستعمله عند انضمامها لتنظيم داعش في سوريا عام 2015.

تظهر في الصور وهي تحمل السلاح، وأطفالها الصغار بملابس داعش، كما تصوّر ابنها الصغير وهو يحمل مسدساً وجهازاً لاسلكياً.

ولكن ما وجدناه من صور لها ولعائلتها ليست وحدها فقط المثيرة للصدمة، بل كان حقيقة زيجاتها من اثنين من أشهر أعضاءِ تنظيم داعش الألمان.

فخارج دائرتِها المقربة، لا أحدَ يعلم أن أميمة عبدي تزوجت من الجهاديّ “نادر حدرة” من مدينةِ فرانكفورت، والتحقت به إلى سوريا، ومن ثم تزوجت

بالإرهابيّ “دينيس كاسبرت”، القيادي في تنظيم داعش ويدعى “ديزو دوغ”.

إقرأ أيضا:

من هي أميمة عبدي؟

 

من خلال مصدر موثوق تمكنت مراسلة أخبار الآن جنان موسى من الحصول على محتوى الهاتف الجوال الخاص بأميمة عبدي.

حجم المواد يبلغ 36 جيجابايت مقسمة على 24634 معظمها صور مأخوذة من قبلها في ألمانيا وفي سوريا، وهناك أيضاً العديد من SCREENSHOTS ومقاطع فيديو وملفات PDF.

أما عن وضع أميمة الأمني في ألمانيا، فوفقًا لموقع المدعي العام الألماني، الذي ينشر بشكلٍ مستمر قوائم بأسماء جميع المواطنين الألمان المتهمين بجرائم متعلقةٍ بالإرهاب، لم يذكر على قائمته اسمها حتى الآن، هذا يوحي أنها لم تُتهم بارتكاب أيّ جرم عند عودتها من سوريا إلى ألمانيا.

بالرغم من علم مركز التوظيف الألماني بمغادرتها وفق رسالة رسمية بعثت لها في مارس 2015 تؤكد أن أميمة لن تحصلَ على أيِّ مساعداتٍ اجتماعية من الحكومة الألمانية والسببُ هو مغادرتها إلى خارجِ البلاد وتحديداً إلى سوريا، فكيف يمكن ذلك؟

بداية التحقيق

انطلقت مراسلة أخبار الآن جنان موسى إلى مدينة هامبورغ الألمانية للتحقق من الأمر، فأميمة هي مواطنة ألمانية ذات أصول تونسية.

صفحة أميمة على موقع التوظيفLinkedIn ، تظهر أنها مترجمةٌ ومنظمة حفلات، ذلك بعد أن خلعت النقاب الذي ارتدته خلال وجودها في سوريا. وذكرت في حسابها أيضاً عنوان منزلها الواقع في منطقة تعرف باسم “Hamburg Neugraben Fishbeck”، والذي يتطابق مع العنوان المفصل الذي وجدته مراسلتنا ضمن محتوى هاتفها.

عند الذهاب إلى باب منزلها كان صندوقُ بريدها يكشف اسم عائلتها ألا وهو “عبدي”.

ولكن من فتح باب المنزل ليست أميمة، بل ابنتها فردوس والتي ظهرت في صور مع أسرتها في الأراضي التي كانت تسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا.

وقالت الابنة فردوس لمراسلتنا أن والدتَها ليست في المنزل وأكدت لها أنها تعمل كمترجمة وبالفعل خلعت حجابَها. وتضيف أن العائلةَ لم تذهب يوماً إلى سوريا بل كانوا فقط في إجازةٍ في تركيا وتونس. كما ادعت بأنها لم تسمع قط بكلمة “داعش”، وأن والدتها لم تذهب إلى السجن ولم تواجه مشاكل مع السلطات الألمانية.

حياة أميمة عبدي في ألمانيا

قد تحاول أميمة وعائلتها إخفاء ماضيها المتعلقِ بتنظيم داعش لكن محتوى هاتفها يكشف تفاصيل حياتِها الحقيقية “لقطة بلقطة” من دونِ أي تنقيح.

ففي عام 2011، أي قبل ولادةِ تنظيم داعش رسمياً، بدأت أميمة تتغير في ألمانيا ما مهد الطريق لانضمامها لداعش لاحقا. بالتعاون مع شقيقتِها نورا، فتحت في مدينة هامبورغ متجراً إلكترونياً يدعى متجر المؤمن.

وصولاً إلى عام 2012، سافرت أميمة بالقطار لمقابلة متطرفين مقيمين في فرانكفورت، من بينهم نادر حدرة الذي ستتزوجه لاحقاً.

ولكن قبل مقابلتها لنادر، كانت أميمة متزوجة ومطلّقة وفي عام 2007 أنجبت ابنتها “فردوس”.

ومن ثم تزوّجت أميمة من نادر في 26 أيّار(مايو) 2012، ودوّنت هذا التاريخ في أجندتها اليومية راسمة “قلباً” حوله، كما احتفظت بصورةِ كعكة الزفاف وصورةِ نادر والخاتمِ الذي أهداها إياه والختام الرومنسي ليوم زفافهما.

الطريق إلى داعش

في 13 كانون الثاني (يناير) 2015، سافرت أميمة وأطفالُها الثلاثة من ألمانيا إلى سوريا عبر تركيا، لتلتقي بزوجها نادر الذي سبقها إلى منطقة سيطرةِ تنظيم داعش في شمال سوريا.

تقضي الأسرة شهرها الأول في سوريا، وتُظهِر الصور الموجودة على هاتفِ أميمة حياتها اليومية بأدق التفاصيل في المنطقة التي انتقلوا إليها، كما يلتقط نادر وابنه صوراً مع “دينيس كاسبرت”، وهو من أشهرِ قادةِ تنظيم داعش الألمان والملقب أيضاً باسم “ديزو دوغ”، والذي سيصبح لاحقاً زوج أميمة الثالث، ومن الجدير بالذكر أن الرجلين يعرفان بعضهما جيداً من فرانكفورت.

إقرأ أيضا:

 

تندمج أميمة وعائلتها سريعاً مع الأجواء في آراضي داعش في سوريا، فيلعب الأطفال بالأسلحة، في حين زوجها نادر يحمل قاذفَ صواريخ ويلتقط صوراً له وهو يحمل مسدساً ورشّاش “كلاشينكوف”، أما داخل منزلِهم، نرى كتابات متشددة وأسلحة مرمية على الأرض.

وفي صورة أخرى نرى ابنهم الصغير مع قائد داعش النمساوي محمد محمود، قاتل وسفاح آخر كان قد أعدم سوريين أمام الكاميرا في إصدار رسمي لداعش وذلك في مدينة تدمر.

كما تظهر ابنتها الكبرى فردوس وهي ترتدي الحجاب في الأشهر الأولى لهم في سوريا ومن ثم تطور الأمر حتى بدأت تلبس “الجلباب”، أما في صورها الأخيرة ظهرت وهي تلبس “النقاب”، وهي لا تزال طفلة في الثامنة من عمرها.

بعد شهرين فقط من وجودهم في محافظة الرقة السورية، غدت الحياة طبيعية لهم لدرجة أن فردوس انخرطت في المدرسة وهي بالطبع مدرسة تابعة لداعش.

ولكن ما سبب أزمة للعائلة هو وجود نادر على الجبهة الأمامية من القتال وتعرضه للخطر والإصابة، في حين تكتب له أميمة يائسة، “أتمنى من الله أن تعود إليّ مرّة أخرى، إن لم يكن في الدنيا، ففي الآخرة إن شاء الله”. ولكن رسائلها المتكررة لم تلق رداً، وذلك لأنه قُتِل حول عين العرب كوباني.

وكتعويض عن خسارتها لزوجها، يدفع تنظيم داعش لها 1310 دولار أمريكي. كما أقر التنظيم بأنها “زوجة شهيد” لتحصل على إذنٍ للانتقالِ من الرقة نحو محافظةِ حمص.

زواجها من “ديزو دوغ”

بدأت أميمة وديزو دوغ بقضاء الوقت سوياً وأصبحا يلتقطان العديد من الصور معاً، ونشب الحب بينهما، فعلى هاتفها صورة لقصيدة حبّ موقّعة منه. وفي نهاية المطاف تزوجا لتنتقل هي وأطفالها للعيش في منزلِه.

أطفال ديزو دوغ من زيجاته السابقة يعيشون في نفس المنزل.

إقرأ أيضا:

 

العائلةُ الجديدة تبدو مستقرة، فنرى ابنتيّ أميمة ترتديان النقاب بالكامل وتحملان أعلام داعش، في حين أخاهم بلال، ابن أميمة من زوجِها السابق نادر، لا يزال طفلاً يستخدم “لهّاية”، لكنه يرتدي زيَّ أشبال الخلافة – هو لباس عسكري مخصص للأطفال في صفوفِ داعش ويحمل السلاحَ وجهازا لاسلكياً.

وعند وجودِ ديزو دوغ على الخطوطِ الأمامية في الجبهة، تبقى أميمة في المنزل، تدير حساباً على تويتر باسم @freeoursisters1، تنشر فيه البروباغندا لصالحِ تنظيم داعش متلقية رسائل من جميع أنحاءِ العالم من المتأثرين بفكرِ داعش يطلبون منها المساعدة أو النصيحة.

ولكن مع تزايد القصف من جانب التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، فإن نار الحرب تقترب أكثر فأكثر منها، فعلى هاتفها صور لهاون منفجر.

وفجأةً يتوقف توثيق أميمة لحياتها في أراضي التي تسيطر عليها تنظيم داعش، فكانت الصور الأخيرة لها على هاتفها مأخوذة في نهايةِ عام 2015.

أوراق شخصية وأخرى غامضة

هناك بعض الصور الموجودة داخل الهاتف والتي أثارت لدى موسى العديد من الأسئلة.

فماذا تعني الخريطة الغامضة في هاتفها؟ ولمن الحساباتِ المصرفية وأرقام هواتف واتساب؟

ولمن الهوية الألمانية الخالية من الصورة التعريفية وما الهدف منها؟

ولماذا تمتلك أميمة صورة دعائية لداعش والتي تنص بوضوح “أن الانتقامَ سيكون أمام منزلكم”.

لا نملك إجابات على هذه الأسئلة لكن المؤكد أن أميمة تمكّنت في مرحلةٍ ما من العودة بأمانٍ من أراضي داعش في سوريا إلى ألمانيا حيث أفلتت من العقاب.