أخبار الآن | إربد – الأردن (أماني محمد)

سبع سنوات عجاف مرت على الثورة السورية دُوّنت فيها عشراتُ الآلاف من قصص الموت والنزوح .. وأحلامٌ لكثيرين ابتلعتها البحار قبل أن تصل إلى بر الأمان فيما دفنت آمالٌ لآخرين تحت ركام القصف.

في مدينة إربد شمال الأردن انتهى المطاف بالدكتور سعيد عبدو قادماً من حي بابا عمرو الحمصي الذي دمرته طائرات النظام وهجرت ساكنيه منتصف العام 2012.

لم تشفع سنوات عطائه لسورية كأستاذ في قسم الآداب بجامعة البعث أن يعيش سنواتِ عُمرهِ الأخيرة بطمأنينة مع أسرته، فقد دُمر الوطن وتشرد الأهل وفقد بصره حزناً على زوجته.

بحرقة تعتري فؤاده يتحدث الدكتور سعيد عبدو عن إجباره على ترك التدريس في جامعة البعث "لجأت للعمل بالقطاع الخاص بعدما توقفت عن عملي مرغماً إثر التهديدات من قبل الأجهزة الأمنية لمعرفتهم بمعارضتي للنظام السوري…".

ويتابع د.أبو جمال "هنا جاء التهديد المباشر على لسان أحد الضباط (استقيل أحسن ما نلفقلك تهمة تفوت فيها السجن والله اعلم اذا بتطلع عايش).

"لم يتركو لي أي مجال تركت عملي لكن هذا لم يمنعني من اكمال طريقي الذي بدأت فيه".
 

من جامعة البعث إلى سجون النظام

مع إنطلاق الثورة السورية كان الدكتور من اوائل المشاركين بالتظاهرات السلمية التي دعت إلى إسقاط النظام، إلا أنه تعرض للإعتقال عدة مرات حاله كحال الآلاف من النخب المثقفة التي عمل الأسد على إسكات أصواتها منذ البداية، وقد تعرض كغيره للتعذيب داخل أقبية السجون.

يتحدث الدكتور سعيد عن تجارب إعتقاله "نعم لم يقتلوني لكن جعلوني أرى الموت وأتمناه في اليوم ألف مرة، كانت الزنزانة مظلمة وباردة جداً بالكاد كنا نتنفس الهواء.. كل اساليب التعذيب لم تشفي غليل السجانين لم يكن يؤلمني كل ذلك بقدر الألم الذي كنت أراه في عيون أحد السجناء في ذات الزنزانة، تعرض لتعذيب أشد وطئة مما تعرضت له، كان شاباً في مقتبل العمر لكنه فارق الحياه أخيراً ولفظ أنفاسه الاخيرة بجانبي، ذلك لن أنساه ما حييت".

فقد بصره حزناً على زوجته.. قصة دكتور في جامعة البعث في سوريا

اللجوء وفقدان البصر

خرج "أبو جمالمن المعتقل بعد أن شمله عفو عام في العام 2012، كان جسده نحيلاً وروحه تائهة عن الواقع الجديد فجدران الزنزانة قد تركت آثار التعذيب  كذكرى لم تمسح بتقادم الزمان.

بعد خروجه لم تبق لديه قوة ليقاوم من جديد فقرر اللجوء إلى الأردن مع زوجته .. إلا أن المأساة بدأت هنا.

أبو جمال يروي ماحدث فيقول "قررت الخروج من سوريا برفقة زوجتي إلا أنه سرعان ما اكتشفنا اصابتها بسرطان الدم، كانت شريكة حياتي لعقود من الزمن، كانت كل شيء جميل بالنسبة لي، إلا أن المرض كان في مراحله الأخيرة".

ويتابع "سوريتي خرجت منها رغماً عني وها هي زوجتي تتركني رغماً عنها المكان غريب هنا وأنا وحيد بين ليلة وضحاها بتّ بلا وطن وبلا شريك فقدت حياتها بعد فترة وجيزة".

يكمل قائلاً "لم تتوقف عيني عن ذرف الدموع ويلي وطن اشتاق إليه في كل لحظة، الذي صار حلمي أن ادفن فيه بعد مماتي وويلي زوجة تركتني ورحلت".

ما هي إلا أسابيع قليلة من قهر الرجال حتى فقد الدكتور أبو جمال بصره وبات يعيش بلا معيل، تساعده جارة له في ذات البناء بتدبير أموره الحياتيه، فيما تحول من أستاذ جامعي إلى منهك القوى ينتظر من يساعده في دفع أجار غرفة إنتهى به المطاف بين جدران لا يستطيع حتى أن يراها.