سلسة من الظلمات إلى النور

يسطع ضياء الشمس لينيرَ هذا السهل الممتد أمامنا في الطريق إلى قرية شيخ أنس بمنطقة سنجار في العراق. الشمس والغناء ثنائيان لهما مكانتَهما عند الأيزيديين. نور الشمس جزءٌ من روحانياتهم، وفي الأغاني يخلّدون تاريخهم وثقافتهم وحياتهم بفرحها وحزنها..

يسود صمتنا. لا يكسره سوى أصواتِ الطبيعة وهذا الشدو الحزين، يسأل فيه المغني حبيبته التي يعشق عن مكانها. يقول لها إنها سُنة حياته… أغنية عن الحب لكنها تلخص في معانيها عشق العراقي الأيزيدي لأرضه وارتباطه بالجذور..

نصل القرية التي كان قد احتلها داعش من قبل، فهجّر أهلها ودمّر بيوتهم ونهب حصادهم وأغنامهم. ينتظرنا ممتاز خزين فارس فلاحٌ ووجيه في عشيرته، والراعي سعود خضر فارس. ومع كل منهما سنتعرف على كيف يزهر ربيع الحياة من جديد في شيخ خنس، كما تلفظ محلياً.

 سيأخذنا المزارع ممتاز إلى حصاد الحنطة بعد الظهر حين تخف وطأة الحرّ. بانتظار ذلك، سنتعرف مع الراعي سعود على ما حدث معهم عام ٢٠١٤، في تلك الأيام التي هجم فيها داعش على قرى ومدن سنجار. وسنزور مزرعة أغنامه حيث نلتقي زوجته أيضاً.

  بعد تهجيرهم من القرية، لجأ سعود إلى إقليم كردستان العراق حيث عمل براتب شهري، تاركاً مهنة الرعي مضطراً. بعد سنوات، بدأ يشتري الأغنام أولاً بأول. وفي ربيع عام ٢٠١٧، قرر العودة إلى قريته شيخ أنس. بحث عن مكان دفن والديه حتى وجده، إذ تعرّف على جثة والدته من ثوبها العشائري الأسود. دفعه إيجاد قبور أقربائه للتمسك بالبقاء أكثر. بفطنة الفلاح، يقول سعود إن الحياة لا تتوقف..

 غمرنا فرح بسبب طريقة تفكير الراعي سعود والرضى الذي يملأ روحه. نحن أبناء اليوم واليوم الذي تشعر فيه بالراحة هو السعادة. حكمة لا بد أنه تعلمها من مهنته والتصاقه بالطبيعة. نودع العائلة لننطلق مع المزارع ممتاز إلى حصاد الحنطة. يخبرنا ممتاز عن عودته وبعض الفلاحين منذ العام الماضي لحقولهم وأراضيهم الزراعية، وتخوفهم في البداية من وجود ألغام وعبوات ناسفة، إلا أن الحرث جرى دون أي حادث. بالرغم من جهودهم للبدء من الصفر، يواجه الفلاحون تخفيض الحكومة العراقية لأسعار شراء المحاصيل منهم.

حين عادوا لأراضيهم، كان داعش قد سرق أكثر من ثلاثمئة من جرارات الفلاحين وسياراتهم وحرق الباقي. بدأوا من جديد. اشتروا كل ما يحتاجونه واشتروا حاصدات تخفف أعباءهم وتقلل وقت حصادهم. هذه العودة لا تسهم فقط في إعادة إحياء قراهم وبلداتهم، بل توفر مورد رزق لعدد لا بأس به من العائلات. إذ يحتاج كل مزارع لحوالى ستة من العمال للاهتمام بحقله. يشير ممتاز إلى ضرورة وجود دعم حكومي لضمان استقرار الفلاحين. فالحقول لن تزرع العام المقبل لأن المزارعين يعطونها راحة كل عامين. أخبرنا أن المنطقة تفتقر إلى المياه التي سيساهم توفيرها بتنشيط زراعات أخرى. يقول إن مشروع ري الجزيرة لمد المياه من بحيرة سد الموصل، ما يزال وصوله لمنطقتهم وعداً منذ عام ٢٠٠٣.

للمزيد:

صيّاد داعش .. سلسلة من الظلمات إلى النور