حسن نصر الله ينأى بنفسه عن عملية “طوفان الأقصى”

في يوم السبت 11 نوفمبر، أطل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله بخطابه الثاني، ولم يتفوه تقريبًا بشيء جديد عن الذي سبقه؛ فكرر تهديداته وتحذيراته لإسرائيل وطالب الولايات المتحدة بوقف حرب غزة، وندد بقصف المدنيين الفلسطينيين، وحث على الدعاء لهم.

وكان نصر الله، ألقى الجمعة 3 نوفمبر، خطابًا جماهيريًا حاشدًا لأول مرة منذ بدء حرب غزة، وبعد طول انتظار فاجأ مستمعيه بتبرؤه من مسؤولية نصرة غزة وتحميله الجناح العسكري لحماس وحده المسؤولية كاملة، مشددًا على جهله بقرار الحرب، وبالتالي بداهةً يتحرر من أي مسؤولية عن أفعال الآخرين وقراراتهم، فالقرار فلسطيني والمعركة فلسطينية مستقلة بالكامل كما أكد وكرر في كلامه.

وأكد بصراحة ووضوح عدم وجود نية للتصعيد في ظل المعطيات الحالية ولم يحدد ماذا سيفعل إذا استمرت الأمور في التدهور “وقد استمرت بالفعل” لكنه أكد التزامه بسياسة أسماها الغموض البناء.

وشدد نصر الله على أنه لم يكن يعرف شيئًا عن قرار الحرب، وبالتالي فهو يتحرر من أي مسؤولية عن أفعال الآخرين وقراراتهم، فالقرار فلسطيني والمعركة فلسطينية مستقلة بالكامل.

ما بين خطابي نصر الله.. هكذا اختلفت ردود الأفعال في المرتين

تباينت ردود الأفعال ما بين الإحباط والتبرير والهجوم؛ فعقب انتهاء كلمته اكتظت الشاشات بصور الدماء والأشلاء في مجزرة جديدة في غزة استهدفت سيارات الإسعاف والطواقم الطبية، واستمرت التوغلات البرية التي كان من المفترض أن يتدخل الحزب عند أول محاولة منها.

وبينما استمر جمهور الحزب في تبرير موقفه والسخرية من الآخرين واتهامهم بأنهم لم يقدموا شيئًا، لكن الأغلبية عبروا عن استياء شديد مما اعتبروه نفاق الحزب؛ سواء الذين كانوا يتوقعون موقفه هذا، أو الذين كانوا يعلقون آمالهم عليه أو حتى من كانوا يترقبون الجديد في الكلمة التي طال انتظارها وأصيبوا بالإحباط، فجميعهم تأكدوا من أن الحزب ليس لديه ما يقدمه ليس لعجزه بل لعدم إرادته التقدم خطوة أخرى خارج النطاق المرسوم له.

محاولة لحفظ ماء الوجه

أتى الخطاب الأول لنصر الله بعد طول انتظار، فقد سبقه تحضير وتشويق إعلامي كبير، ونشر فيديوهات ترويجية مثل برومو الأفلام، بعد السخرية الواسعة من سلوك الحزب الاستعراضي خلال الحرب، فرغم المواجهات العسكرية اليومية لا يسقط أي قتلى جراء تلك الضربات في معظم الأيام.

وبدلا من ذلك ركز الحزب على التصويب على برج اتصالات إسرائيلي صار أيقونة للسخرية من الحزب؛ فعلى مواقع التواصل أطلق نشطاء وسومًا (هاشتاجات) ساخرة مثل #العامود و#حزب_العامود، وغيرها للتهكم من الاهتمام الزائد الذي أعطاه الحزب لهذا البرج الفارغ، وادعائه خوض معارك طاحنة عبر الحدود، بينما تدخل سابقًا بكل قوته في سوريا وأسال دماء آلاف العرب السُّنَّة.

وعلى مثال شهد شاهد من أهلها، أقر مؤسس حزب الله وأمينه العام الأسبق، صبحي الطفيلي، أن سلاح حزب الله لن يُستخدم لإنقاذ غزة، مؤكدًا أن ما يجري على حدود جنوب لبنان متفق عليه في محاولة لحفظ ماء الوجه وخداع البسطاء، مضيفًا “هذه المسرحيات متفق عليها ما بين الأمريكي والإيراني والصهيوني أيضًا.. أنا على إطلاع بهذا الأمر”.

وعلق عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم، والمعروف بقربه من إيران قائلا “كنت أتمنى لو كان الخطاب مختلفا عن الخطاب الذي سمعناه، يعني كنا نتوقع مشاركة أكبر لحزب الله في هذه الحرب تطبيقًا لسياسة وحدة الساحات”

من جهته قال الكاتب الجزائري، أنور مالك،في تغريدة له على موقع إكس( تويتر سابقًا): قارنوا بين خطابات الدعي المدعو حسن نصرالله التي يوجهها نحو الدول العربية وفي مقدمتها السعودية وقضايا الشعوب في اليمن وسورية والعراق ولبنان وبين خطابه حول غزة وإسرائيل وستعرفون حقيقة الحقد الصفيوني لدى #حلف_العامود.

 

 

وكذلك قال رئيس تحرير إندبندنت عربية، عضوان الأحمري، في تغريدة له: “الغفوة الشعبوية ستستمر، حسن نصر الله أداة ضعيفة، قوته على المدنيين في لبنان وسوريا، ظهر يعترف أنه لا يستطيع فعل شيء لأن أمريكا هددت بالرد. مقاومة من إذاً؟ أشفق على جمهوره الأعمى الذي بدأ يحلل ويتوقع وفي الأخير تحول لخطاب كوميدي بامتياز ومتاجرة بمعاناة أهل غزة”.

واستخدم الكاتب الصحفي السعودي، سعيد الناجي وسم #معركة_العامود معتبرًا أن “حسن نصرالله وقصفه للعمود للأسبوع الثالث، تذكرنا بشخصية الأحمق “دون كيشوت” ومعركته ضد طواحين الهواء !”

 

وغرد مصطفى كامل، رئيس تحرير صحيفة وجهات نظر، قائلا: “استهزأتم بمعركة العامود صار قصف حزب الله على الأراضي الخالية بعيداً عن العامود، ارتاحتوا الآن؟!”

 

وانتشر على مواقع التواصل مقطع فيديو للإعلامي السوري، هادي العبدالله، وهو يوجه كلامه بغضب إلى حسن نصر الله ويقول:”شبعتنا كذب ونفاق ومتاجرة بفلسطين والقضية الفلسطينية، طول السنين الماضية ما لك سيرة غير فلسطين وطريق القدس وغزة ..بعد أكثر من عشرين يوم على الحرب بغزة، ما ضل حجر على حجر بغزة، آلاف الشهداء، وانت وجماعتك ملتهيين بعمود، عمود؟!، ما لكم شغلة غير العواميد؟!.. وإذا تدخل حزب الله بالحرب بسوريا كان بيحرق أي منطقة بالقصف وبالصواريخ، حرفيًا بحرقها، كنت شاهد على احتلال مدينتي القصير، كانت القذائف تدق ببعضها من كثافة القصف الذي يقصفه علينا حزب الله اللبناني، .. كل مرة يقولوا: هنرد بالزمان والمكان المناسبين، هل فيه زمان ومكان مناسبين أكثر من هالزمان والمكان؟!”

وتداول النشطاء صورة لبرج الاتصالات الذي يركز الحزب عليه مع تعليق “للأسبوع الثالث على التوالي وحزب الله يخوض معارك طاحنة مع هذا البرج الإسرائيلي، تدمرت غزة عن بكرة أبيها ولم يدمر البرج”.

https://twitter.com/chicochico1234/status/1718601573570359735?s=20

 

وغرد الصحفي السعودي، صالح الفهيد، قائلا “في الحرب ضد الشعب السوري كان حزب الله يتكتم على قتلاه، وينقل جثامينهم بشكل سرّي في الظلام الدامس ويدفنهم في مقابر خاصة، واليوم يسارع لإعلان قتلاه مع صورهم وأسمائهم ليوهم الناس بانه داخل الحرب ضد اسرائيل. معلومات صحفية تؤكد ان غالبية من يقول أنهم قتلوا في الطريق إلى القدس لم يقتلوا في المواجهة مع إسرائيل في جنوب لبنان، وإنما سقطوا في سوريا في القصف الاسرائيلي على معسكراتهم ومستودعات الاسلحة”.

 

أسد عليَّ وفي الحروب نعامة..

اختار السياسي اليمني، الدكتور عبد الفتاح صالح، التعليق على موقف حزب الله بنشر فيديو لأمين الحزب وهو يهدد السوريين، مصحوبًا بعبارة “أسد عليَّ وفي الحروب نعامة”.

 

في حين علق الصحفي السوري، عمر إدلبي، “هكذا كان موقف عميل إيران اللبناني حسن نصر الله عندما كان يتعلق الأمر بدعم عصابة الأسد بمواجهة ثوار سوريا أما في حرب الإبادة على غزة وأهلها… فلا حاجة لشرح موقفه”.

https://twitter.com/OmarEdlbi/status/1720457881789636810?s=20

الخطاب الثاني .. لا تعليق

على عكس الخطاب الأول الذي تنافست الفضائيات على متابعته وبثه بشكل مباشر، خلت تقريبًا قنوات ومواقع الأخبار من أي تحليلات للخطاب الأخير، بل لم يعلم معظم الناس أصلا أن أمين حزب الله ألقى كلمة ثانية، بخلاف حالة الترقب الواسعة وأجواء الإثارة والتشويق والتسويق التي سبقت وصاحبت خطابه الأول.

لكن ما إن تبين خلو جعبة الرجل من أي جديد، انفضت عنه الجماهير التي تأثرت بدعاية الحزب وتطلعت أبصارها إلى قائده الذي يسمي نفسه “سيد المقاومة”، ويعيش وسط هالة من أضواء البطولة وأمجاد الزعامة وتُنسج حوله أساطير الفروسية.

وخلت وسائل التواصل من التعليقات على كلامه باستثناء النزر اليسير من المعلقين، خاصة من لبنان، وكتبوا تعليقاتهم تحت وسميّ (هاشتاجي) #لبنان_لا_يريد_الحرب و#لبنان_أولاً، للتبرؤ من سلوك الحزب.

فقال الناشط السعودي، نايف الحارثي: “حسن نصرالله في خطابه الأخير تغلب على كل مذيعي نشرات الأخبار . خلال ساعه كامله أخبرنا بكل ما جرا خلال شهر في غزة . في المرة القادمة سيخرج ليلقي خطاب النشره الجويه وحالة الطقس في غزة.”

 

وللمرة الثانية تعرض عبد الباري عطوان للإحراج، بعد أن استبق الخطاب الثاني بتوقعات قال في مطلعها: “فيديو جديد: هل يلجأ السيد نصر الله للتصعيد في خطابه غدا السبت؟”، وبالطبع لم يحمل الخطاب أي جديد سوى الكلام وتكراره.

 

واستخدم عدد من النشطاء مصطلحات ساخرة مثل “سيد المقاولة” و”سيد العامود”، بينما قال الناشط السعودي، إبراهيم الخياط: سيد المقاومة له شهر بيضرب العامود.

الخطوط الحمر للحزب

منذ عام 2006 لم يحد حزب الله تقريباً عن الخطوط الحمر المتفق عليها ضمنيًا مع إسرائيل وهو عدم توسيع المواجهات خارج نطاق المناطق الحدودية، وعدم التصعيد والوصول إلى حالة الحرب والاكتفاء بدلًا من ذلك بالرد على الضربات دون توسع، والاقتصار على استهداف المواقع العسكرية.

ورغم محاولة الحزب اللبناني ومن ورائه إيران لاستغلال الأزمة والتسخين والمزايدة وإطلاق التهديدات، لكنه لم يخرق قواعد الاشتباك المعمول بها وفضل الاكتفاء بالمناوشات الحدودية بخلاف موقفه مثلا من الأزمة السورية حين شارك بمنتهى القوة في القتال وارتكب مجازر مروعة بحق السوريين.

والفرق بين سلوك الحزب تجاه أزمتي سوريا وغزة هو أن المشروع الذي يعمل الحزب تحت لوائه لا يستهدف سوى مصالح طهران فقط؛ فعندما اقتضت بوصلة المشروع التوجه إلى سوريا قاتل الحزب بشراسة لسنوات وقدم تضحيات كثيرة من أرواح رجاله، بخلاف أزمة غزة التي لا تعني إيران وأذرعها سوى بمقدار الاستفادة منها لخدمة الملفات الأخرى التي تخدم مصالح مشروع الولي الفقيه.