قوانين تويتر “X”.. وقوة “الذباب”
في صباح يوم الأربعاء الماضي بدأتُ يومي كالعادة بمحاولة تصفح قائمة الأخبار العاجلة في حسابي على تويتر فما أن فتحت التطبيق على الموبايل حتى وجدت هذه الرسالة “Your account has been suspended” وهو ما يعني أن حسابي على التطبيق “X” تم إيقافه بشكل نهائي لأنني قمت بانتهاك قوانين تويتر، فأرسلت رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى فريق دعم تويتر فكان الرد برقم طلب، سوف ينظرون فيه لاحقا.
حاولت أن أتذكر ماذا كتبت بالأمس قد يمثل اختراقا لقوانين وقواعد وأخلاقيات مستر “X”، فلم أجدني فعلت شيئا في اليوم السابق إلا أنني أعدت نشر بعض التغريدات تحتفي بقيمة الدكتور محمد أبو الغار السياسي المصري ورائد طب الحقن المجهري والعقم في الوطن العربي، كان منهم مقالا كتبه الراحل جورج إسحاق عن الدكتور محمد أبو الغار يشرح فيها منجزاته العلمية والسياسية، وكان كل ذلك تعقيبا على تسفيه أحد الإعلاميين للعالم أبو الغار ودوره في مجال الطب بمصر والوطن العربي.
استشرت أصدقائي المقربين وذوي الخبرة القديمة في التعامل على المنصة التي أعتبرها الأهم للعاملين في مجال الصحافة، فأجمعوا على أن الحساب تعرض لهجوم من بعض الذباب الإلكتروني وهم ما نطلق عليهم اسم “اللجان الإلكترونية”.
طالما كنت أقوم بعمل حظر لكل من أشك أنه مجرد ذبابة إلكترونية، فأنا أريد أن أتعامل دائما مع عقول البشر أيا كان ما يحمله المرء بقناعاته، قراءاته، وتجاربه الخاصة فهو كائن حي العقل تستطيع مناقشته والاستفادة من الحوار والاختلاف بينكما.
أما أولئك الذين يختفون في مجموعات سرية على السوشيال ميديا يتلقون فيها التعليمات ممن يسوسهم، فإنني لا أريد مجرد التَماس معهم في أية قضية، كونهم لن يفهموا معنى اختلاف الرأي، إنهم يكرهون ما لا يعلمون ويحبون ما لا يفهمون، فقط بالأمر عليه أن يكتب أنه يحب شيئا ويكره شيئا فيتعارف مع أقرانه وقياداته وسط الجموع.
وليس أبرز من فكرة اللجان وخطورتها علي المجتمع اليوم من المشهد الذي صوره الشاعر المصري صلاح عبدالصبور في مسرحيته “مأساة الحلاج”، حينما مر بعض الغرباء بجسد الحلاج المعلق على أسوار بغداد:
تساءلوا عن من قتل ذلك الشيخ النائم على صليبه، فإذا بمجموعة من الناس يمرون بهم ويخبرونهم بأنهم هم القتلة.
فقال الغرباء: فلنسأل هذا الجمع المقبل، يا قوم، من هذا الشيخ المصلوب؟
رد أحدهم: أحد الفقراء
الغرباء: هل تعرف من قتله؟
ردوا جميعا في صوت واحد: نحن القتلة
الغرباء: لكنكم فقراء مثله
الجمع: هذا يبدو من هيئتنا، أنظر إني أعمى أتسول في طرقات الكرخ، وأنا قراض وأنا حداد وأنا حجام وأنا خدام في حمام وأنا نجار وأنا بيطار
الغرباء: هل فيكم جلاد؟
الجمع: لا لا.
الغرباء: أبأيديكم؟!
الجمع: بل بالكلمات، صفونا صفًا صفًا، الأجهر صوتا والأطول وضعوه في الصف الأول، ذو الصوت الخافت والمتواني وضعوه في الصف الثاني.
أعطوا كلا منا دينارا من ذهب قاني، براقا لم تلمسه كف من قبل، قالوا صيحوا زنديق كافر، صحنا زنديق كافر، قالوا صيحوا فليقتل إنا نحمل دمه في رقبتنا، فليقتل إنا نحمل دمه في رقبتنا قالوا أمضوا فمضينا.
هكذا كانت فكرة اللجان قديمة، قديمة هي بعمر الشر والجهل والانصياع الأعمى، ربما الأسماء اختلفت من تسميات عدة، السوقة، الرعاع، والسفهاء، ثم البصاصين والعيون وصولا ل”العصافير” وأخيرا اللجان، فكم قتيل بالفضاء الإلكتروني دون سلاح.
تقوم هذه اللجان بالدخول لكل النقاشات وإفسادها لأنهم بلا رؤية فقط يستهدفون شخوصا يبثونهم الكراهية في الساحات والنقاشات العامة وآخرين يمجدونهم وفي الحالتين هم لا يتناقشون في فكر بل يستهدفون أشخاص.
ولكن المثير للريبة والذعر أن يتوقف حسابي فجأة دون سبب، دون إنذار مسبق ودون تحذير فقط لأن مجموعة من اللجان أُمِروا أن يضغطوا زر الـ”Report” سويا في آن واحد، فيضيعوا أرشيفا صحفيا ومشاعر وتجارب سفر في دول خطرة فقط لأن أحدهم قرر أنني يجب أن أصمت، وقرر القائمون على تويتر، الذي صار “X” أن يستجيبوا لرغبة هؤلاء
تفاجأت على مدار يومين بمظاهرة حب لم أتوقعها من متابعيني على تويتر الذين أصبح الكثيرون منهم أصدقائي وصارت حساباتهم رفقتي وكتاباتهم أنسي في ليالي الشتاء المرعبة في خاركيف و خيرسون، كنت أستمتع وأنا اقرأ لهم محاولة تجاهل صوت قاذفات الصواريخ الذي يخترق أذني طوال الليل.
هجرت فيسبوك منذ عدة سنوات وجئت لـ”تويتر” لأجد به ضالتي من بشر اصحاب المبدأ الذين كانوا على درجة عالية من الوعي، ولم تكن لتتلاقى سبلنا في الحياة لولا هذه المنصة، أصبح عدد منهم اصدقاء مقربين لي في الواقع.
وما زال أصدقائي يمنشنون مستر “X” يوميا، ولا زال هو مغمض العينين عن إلتماساتهم.
فهل صارت العصافير تحكم المدينة؟