سمنة الأطفال تسجل معدلات مرتفعة للغاية في البلدان العربية

  • العلاج المُبكر مهم للوقاية من مضاعفات السمنة الخطيرة بداية من عمر عامين إلى 13 عامًا
  • أسباب السمنة مُعقّدة ومتداخلة ولا يجب لوم الضحية في المقام الأول
  • الخطر الأكبر للسمنة يكمن في الأساس من تأثيراتها النفسية

بالرغم من خطورة السمنة على البالغين، يظل هذا الوباء أشد خطرًا على الأطفال والمراهقين، نظرًا لمحدودية الخيارات العلاجية لمواجهته مقارنة بكبار السن، كما أنه يضع الأطفال عادة على بداية طريق المشكلات الصحية التي كانت تُعد فيما سبق مشكلات خاصة بالبالغين، مثل أمراض السكري والقلب وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول، بالإضافة إلى السرطان.

متاعب سمنة الأطفال لا تنتهي عند ذلك الحد، لأن الصغار من ذوي الوزن الزائد، معرضون للمضايقات والتنمر من أقرانهم؛ ما يسبب لهم انعدام تقدير الذات وزيادة خطر الاكتئاب والقلق والتوتر وضعف الثقة بالنفس، وانخفاض التحصيل العلمي، والأضرار الاجتماعية في مرحلة الطفولة، والعبء الكلي الواقع على الاقتصاد نتيجة لاستنزاف موارد الرعاية الصحية، وانخفاض الإنتاجية في سوق العمل العام، وما يترتب على ذلك من تقويض الأمن المالي للأسرة.

الأرقام تتضاعف

ما يبعث على القلق، أن مؤشر السمنة في ارتفاع حول العالم، إذ تضاعفت الأرقام بنحو 3 أمثال بين عامي 1975 و2016.

هذا الوباء الذي يطال 1.9 مليار بالغ، وفق أحدث الأرقام، يصيب أيضًا 340 مليون طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين 5 و19 سنة.

الجديد في علاج سمنة الأطفال والمراهقين.. إرشادات طبية تقلب الموازين وتصحح المفاهيم

منظمة الصحة العالمية تُقدر أن ما يقرب من 167 مليون شخص، من بالغين وأطفال، ستتراجع صحتهم بسبب زيادة الوزن أو السمنة، بحلول 2025.

اللافت للانتباه، أن أرقام سمنة الأطفال تسجل معدلات مرتفعة للغاية في بلدان العالم العربي مقارنة بالنسب العالمية، فقد ارتفعت نسب زيادة الوزن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى الأطفال دون سن الخامسة، من 7.9% في 1990 إلى 11.2% (5.4 مليون طفل) في 2018، أي بمعدل نمو تجاوز 40%، في حين كانت النسب العالمية المقابلة هي 4.8 و5.9 على التوالي، بمعدل نمو يقترب من 23%. 

ولا يتفوق على المنطقة العربية في معدلات انتشار زيادة الوزن بين الأطفال دون الخامسة سوى دول أفريقيا الجنوبية (13 دولة أبرزها جنوب أفريقيا وأنجولا وناميبيا)، حيث بلغت نسبة زيادة الوزن في سنة 2018 نحو 13%، وفق تقديرات صادرة في مارس 2019 عن منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والبنك الدولي.

معدلات السمنة لدى الأطفال إذا استمرت في الارتفاع بهذا الشكل، فإن 57٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و19 عامًا سيصابون بالسمنة مثل البالغين في عام 2050، وفق البيانات المبكرة القادمة من الولايات المتحدة.

باختصار، هذا يُعرّض أكثر من نصف الأطفال على قيد الحياة الآن في الولايات المتحدة لخطر أكبر لارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكري وأمراض الكبد والمضاعفات الصحية الأخرى للسمنة. 

إرشادات جديدة

يتطور فهم المجتمع العلمي والطبي للسمنة باستمرار. وبمرور السنوات، تحول مفهوم السمنة من مجرد مشكلة اختيار شخصي قائم على نوعية الأكل والشرب وأسلوب الحياة إلى منظور أكثر تعقيدًا من ذلك بكثير، حيث أثبتت الأدلة الطبية، أن العوامل الوراثية والفسيولوجية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية تساهم بشكل كبير في السمنة عند الأطفال.

الجديد في علاج سمنة الأطفال والمراهقين.. إرشادات طبية تقلب الموازين وتصحح المفاهيم

صحيح أن السعرات الحرارية الزائدة وتناول الأطعمة غير الصحية يلعبان دورًا مهمًا في الإصابة بسمنة الطفولة، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار عوامل أخرى، مثل صعوبة وصول العائلات والأشخاص في مناطق كثيرة من العالم إلى الأطعمة الصحية مثل الأطعمة الطازجة والخضروات لأسباب اقتصادية واجتماعية، ناهيك عن العوامل الوراثية، وعوامل ما قبل الولادة ، مثل زيادة وزن الأم أو سكري الحمل وغيرها.

لهذه الأسباب وأكثر، قامت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال مؤخرًا بتحديث إرشادات الممارسة السريرية لتقييم وعلاج الأطفال والمراهقين المصابين بالسمنة.

الإرشادات المنشورة في مجلة (Pediatrics)، تعد أوّل تحديث شامل للمبادئ التوجيهية الخاصة بعلاج السمنة المفرطة بالنسبة للأطفال والمراهقين في الأكاديمية، منذ 15 عامًا. وشملت إرشادات علاجية للأطفال بدءًا من عمر السنتين وخلال سنوات المراهقة.

ولا يغطي هذا الدليل، المبدأ التوجيهي للوقاية من السمنة بالنسبة للأطفال، ولفتت الأكاديمية إلى أنه سيتم تناول ذلك في بيان منفصل في وقت لاحق، كما أنه لا يتضمن أيضًا إرشادات لتقييم الوزن الزائد والسمنة وعلاج الأطفال الذين تقل أعمارهم عن عامين، لأنه من الصعب تحديد وقياس السمنة الزائدة عمليًا في هذه الفئة العمرية، وفق الأكاديمية.

وتقاس السمنة لدى الأطفال والمراهقين، من خلال مؤشر كتلة الجسم (BMI) وهو طريقة سهلة لتقييم الوزن، عبارة عن وزن الطفل بالكيلو جرام مقسومًا على مربع طوله بالمتر، وبالنسبة للأطفال والمراهقين، يكون مؤشر كتلة الجسم محددًا بكل من العمر والجنس، على عكس البالغين، حيث يتم استخدام الوزن مقسومًا على مربع الطول فقط.

ووفقا لهذا المقياس، يعاني الأطفال والمراهقين من البدانة عندما يبلغ مؤشر كتلة الجسم لديهم حد الشريحة المئوية 85 أو أعلى، وأدنى من الشريحة المئوية 95، ومن السمنة المفرطة عندما يبلغ مؤشّر كتلة الجسم لديهم 95% أو أعلى.

لكن يجب الأخذ في الحسبان، أن هذا المقياس غير كامل؛ فعلى سبيل المثال، يتمتع العديد من الرياضيين العضليين بارتفاع في مؤشر كتلة الجسم لكنهم في حالة صحية ممتازة، كما أنه لا يرتبط بالتغذية الصحية، فقد يكون مؤشر كتلة الجسم طبيعيًا لدى شخص يُعاني من سوء التغذية مثلا، لكن في النهاية يمكن اعتبار هذا المقياس بديلاً للقياسات المباشرة لدهون الجسم.  

مشكلة مُعقّدة

وعن أسباب السمنة، تشير الإرشادات الجديدة إلى أن هذا الوباء لا ينتج فقط عن عادات الأكل السيئة وقلة ممارسة الرياضة، لكن السمنة مرض مزمن له العديد من الأسباب المتداخلة، بما في ذلك الوراثة.

يعرف الباحثون الآن أن السمنة هي واحدة من أكثر السمات الموروثة بقوة، حيث يمهد الاستعداد الوراثي الطريق لبعض الأطفال لاكتساب الوزن في بيئة يكون فيها الطعام -غالبًا ما يكون طعامًا رديء الجودة- في كل مكان. 

ويمكن أن تصبح زيادة الوزن حلقة مٌفرغة، حيث يعاني الأطفال والمراهقون المصابون بالسمنة في الغالب من المضايقة والتنمر، وهذا يسهم في “الإفراط في تناول الطعام، والعزلة الاجتماعية، وتجنب خدمات الرعاية الصحية، وانخفاض النشاط البدني؛ ما يزيد من تعقيد المسار الصحي”.

الجديد في علاج سمنة الأطفال والمراهقين.. إرشادات طبية تقلب الموازين وتصحح المفاهيم

قالت الدكتورة سارة هامبل،  أستاذة طب الأطفال في جامعة ميزوري الأمريكية، والمؤلفة الرئيسية لدليل إرشادات الممارسة السريرية لعلاج السمنة لدى الأطفال والمراهقين: “يخبرنا البحث أننا بحاجة إلى إلقاء نظرة فاحصة على الأسر حيث يعيشون، وإمكانية حصولهم على الطعام المُغذي والرعاية الصحية وفرص ممارسة النشاط البدني، بالإضافة إلى العوامل الأخرى المرتبطة بالصحة وجودة نتائج الحياة والمخاطر”. 

وفي حديث لـ”أخبار الآن” أضافت: “يحتاج أطفالنا إلى الدعم الطبي والفهم والموارد التي يمكننا توفيرها في إطار خطة العلاج التي تشمل جميع أفراد الأسرة”.

وأشارت هامبل إلى أن التكاليف الطبية للسمنة على الأطفال والأسر ومجتمعنا ككل موثقة جيدًا، وتتطلب إجراءات عاجلة. إنها مشكلة مُعقّدة، ولكن هناك عدة طرق يمكننا من خلالها اتخاذ خطوات للتدخل الآن ومساعدة الأطفال والمراهقين على بناء الأساس لحياة طويلة وصحية، مضيفة أنه لا يوجد دليل على أن “الانتظار” أو العلاج المتأخر مناسب للأطفال المصابين بالسمنة.

علاجات مقترحة

في السابق، كانت الحكمة السائدة في علاج السمنة عند الأطفال والمراهقين هي “الانتظار”، لكن الإرشادات الجديدة قلبت تلك النصيحة رأساً على عقب، حيث توصي بالعلاج المُبكر والقوي للوقاية من المضاعفات الخطيرة. 

وفيما سبق كانت خيارات العلاج للأطفال تقتصر في الغالب على تقديم المشورة بشأن النظام الغذائي والتغذية والتمارين الرياضية، لكن اليوم، يدرك الأطباء أن المشكلة مُلحة بسبب احتمال حدوث عواقب صحية ضارة طوال حياة الشخص. 

وفي إرشاداتها المُحدثة، حثّت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال على العلاج الشامل لسمنة الأطفال، الذين يزيد عمرهم عن عامين، ويشمل دعم التغذية واستخدام العلاج السلوكي، وتغيير نمط الحياة عبر تكثيف النشاط البدني، لافتة إلى أن استخدام الأدوية يشمل فقط من هم فوق 12 عاما، والجراحة من هم فوق 13 عاما.

وأفادت الإرشادات بأنّ علاج الأطفال الأصغر سنًا يجب أن يركز على العلاج السلوكي ونمط الحياة الذي يشمل جميع أفراد الأسرة، ضمنًا دعم التغذية، وزيادة النشاط البدني، مشيرة إلى أنّه من المناسب للأطفال الذين يبلغون من العمر 12 عامًا وما فوق استخدام أدوية إنقاص الوزن، بالإضافة إلى اتباع علاج السلوك الصحي وعلاج نمط الحياة. 

وأضافت أن العلاج القائم على الأدلة الذي يقدمه متخصصو الرعاية الصحية المدربون مع مشاركة نشطة من الوالدين أو مقدم الرعاية ليس له أي دليل على حدوث ضرر ويمكن أن يؤدي إلى تناول كميات قليلة من الطعام.

أما العلاج السلوكي فلابد أن يتضمن ما لا يقل عن 26 ساعة من العلاج الشخصي على مدى 3 إلى 12 شهرًا ويشمل الأسرة.

ويركز العلاج على تلقى دروسًا في التمارين الرياضية والتثقيف الغذائي، وتغيير السلوك، ويُتوقع انخفاض بمقدار نقطة واحدة إلى 3 نقاط في مؤشر كتلة الجسم بالنسبة للأطفال المراهقين.

لكن هناك معضلة بخصوص هذا العلاج، أن برامج العلاج السلوكي المكثفة ليست متاحة دائمًا، وغالبًا ما لا تتحملها شركات التأمين. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، يتزايد عدد المراكز المتخصصة في علاج السمنة لدى الأطفال، لكنها لا تزال تقتصر في الغالب على المناطق الحضرية الكبيرة، وعادة ما تجلب هذه الممارسات مجموعة واسعة من المتخصصين – والتي يمكن أن تشمل أطباء الأطفال وأخصائيي الغدد الصماء وأخصائيي الكبد والجراحين والأخصائيين الاجتماعيين وعلماء النفس وخبراء اللياقة البدنية وخبراء التغذية – تحت سقف واحد لوضع خطة متعددة الجوانب للعلاج.

الجديد في علاج سمنة الأطفال والمراهقين.. إرشادات طبية تقلب الموازين وتصحح المفاهيم

وفي حال عدم توافر برامج العلاج السلوكي، نصحت الإرشادات الجديدة، بضرورة تشجيع الأطفال على ضرورة الابتعاد عن المشروبات المحلاة بالسكر، وتشجيعهم على ممارسة النشاط البدني المعتدل إلى القوي لمدة ساعة يوميًا، وإيجاد طرق لتجنب الخمول أو (السلوك المستقر) بشكل عام، مثل الحد من وقت الشاشة وتشجيع الألعاب النشطة.

أما بخصوص أدوية فقدان الوزن المتاحة لمن هم فوق 12 عاما، فهناك مجموعتان رئيسيتان من الأدوية المتاحة، أحدثهما دواء “ويجوفي” (Wegovy)، وهو عبارة عن حقن أسبوعية مصممة لعلاج مرض السكري والتي ثبت أنها فعالة بشكل ملحوظ في إنقاص الوزن والتخلص من دهون منطقة البطن. 

لكن الأطباء يقولون إن الحصول على تغطية تأمينية لهذا الدواء قد يكون أمرًا صعبًا، ويمكن أن تكلف الجرعات ما يزيد عن 1000 دولار شهريًا. 

أما المجموعة الثانية، وهي مجموعة الأدوية القديمة، والتي تشمل مثبطات الشهية (فينترمين/ توبيراميت) هي تتكلف من 25 إلى 30 دولارًا شهريًا، ولا يزال بإمكانها إحداث فرق في العديد من المرضى، ولكن تبين أن فقدان الوزن يتم بصرة أقل من الأدوية الأحدث، ويعاني بعض المرضى من ارتفاع ضغط الدم عند تناول هذه الأدوية.

وتبقى المعضلة الكبرى أن الأدوية المقترحة وجلسات العلاج السلوكي تمثل تحديًا كبيرًا لكثير من الأسر لأنها خارج التأمين الطبي، وبالتالي تزيد العبء على كاهل الأسر، لأنها تبقى معهم لفترات كبيرة.

أما في ما يتعلّق بالمراهقين الذين يبلغون من العمر 13 عامًا وما فوق ويعانون من السمنة المفرطة (مؤشر كتلة الجسم يبدأ من 95% إلى 120٪) فيجب إخضاعهم لتقييم من أجل إجراء جراحة السمنة، حسب الإرشادات.

لكن في المقابل، يبقى هذا إجراء التدخل الجراحي للمراهقين تحت تقييم الأطباء ويجب أن يُتخذ بالتشاور مع الأهل، لأنه قرار مصيري، ويصعب على كثير من الأسُر اتخاذه، كما أن هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لم تمنح موافقتها لجراحات السمنة للمراهقين تحت 18 عاماً حتى الآن.

لماذا نتدخل مبكرًا؟.. مخاطر وتحديات

بعدما استعرضنا أبرز ما جاء في الإرشادات الجديدة، يتبين لنا أن هذه تدخلات جذرية ومكلفة، ويجب على الأطباء وأولياء الأمور التفكير فيها، لكن في الوقت ذاته تشير الأكاديمية إلى أن السمنة نادرًا ما تنتهي دون بذل جهود متضافرة.

وربما يتساءل البعض، لماذا نتدخل مبكرًا ولا ننتظر حتى يتخطى الأطفال سن الـ18 عامًا؟   

تشير الأكاديمية إلى أن هذه التوجيهات الجديدة نابعة من أن تتبع السمنة على مدى العمر يؤكد أهمية جهود الوقاية والعلاج في وقت مبكر من الحياة، وتشمل هذه الجهود تقييم السمنة باستخدام مؤشر كتلة الجسم، وتحديد الأطفال المعرضين لمخاطر عالية والمراهقين؛ وتوجيههم وأسرهم لعلاجات السمنة.

أهمية العلاج المبكر للسمنة، وفق الأكاديمية، تنبع من أن الأطفال المصابون بالسمنة عادة يصبحون مراهقين وبالغين يعانون من السمنة، وهو ما يزيد من خطر الإصابة بالسمنة الشديدة خلال مرحلة الشباب، وتعرضهم في وقت لاحق من حياتهم لأمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري من النوع الثاني، ومقاومة الأنسولين؛ ومرض الكبد الدهني غير الكحولي والربو.

وبالإضافة إلى العواقب الجسدية وأمراض التمثيل الغذائي، ترتبط السمنة في مرحلة الطفولة والمراهقة بضعف الصحة النفسية والعاطفية، وزيادة التوتر، وأعراض الاكتئاب، وتدني احترام الذات، والتعرض للتنمر، ومن هناك تشجع الإجراءات الجديدة على ضرورة التدخل للتغيير مبكرًا.

هناك من يرى أيضًا أن الكثير من ذوي الأوزان الزائدة قد يظّلون أصحاء، وأن فقدان الوزن ليس هو السبيل الوحيد لصحة جيدة، كما أننا لابد أن نروج لثقافة تقبل الآخر.

في هذا الإطار، يؤكد الأطباء أن اللغز هنا أن السمنة حتى لو بدت ظاهريًا أنها لا تؤثر على صحة الأطفال، لكن عواقبها الصحية نبع في الأساس من تأثيراتها النفسية، التي دائمًا ما تضع ذوي الوزن الزائد في دائرة مُغلقة نتيجة التنمر والشعور بالوصم، ما يدفعهم إلى العزلة الاجتماعية والقلق والاكتئاب، والشعور بأنهم فاشلون يفتقرون إلى قوة الإرادة للتحكم في وزنهم، وقد يؤدي عدم القيام بأي شيء في سبيل إنقاص وزنهم إلى تعميق عزلتهم، وليس تقليلها، وهنا تأتي أهمية وجود حلول فعالة ومبتكرة للعلاج حتى لا تتفاقم هذه الحالة.

في هذا السياق، تقول الدكتورة ريبيكا كارتر، طبيبة الأطفال بمستشفى الأطفال في جامعة ماريلاند الأمريكية لشبكة “CNN”، إن هذا التحديث للإرشادات يقدم مجموعة متنوعة من الأدوات لمساعدة العائلات على الشعور بالقوة من خلال وجود طرق لعلاج السمنة مبكرًا، وأن ثمة أسباب دقيقة لهذه الحالات تتجاوز الحلول السهلة، وبالتأكيد تبعدنا عن التركيز فقط على اعتماد استراتيجيات الحمية الغذائية غير الصحية”.

لكنها أضافت في الوقت ذاته، أنه من المناسب أيضًا القيام بذلك بطريقة تركز على الطفل، مع الحرص على عدم وصمه بذلك أو جعله يشعر بالسوء تجاه شكل جسده، وذلك بالتوازي مع تمكين الطفل من الشعور بأن لديه الأدوات اللازمة للحفاظ على صحة جسمه بمرور الوقت.

الخلاصة

إجمالاً لما سبق، تُصحح الإرشادات الجديدة الكثير من المفاهيم المغلوطة حول أسباب السمنة، أبرزها أن أسباب المشكلة مُعقّدة ومُتشعّبة بداية من العوامل الاجتماعية والبيئية والوراثية، وبالتالي فهي ليست جميعها نتيجة لاختيارات نمط الحياة في المقام الأول، وإن كان ذلك أحد الأسباب القوية،؛ لذا لا يجب لوم الضحية، وتعميق جراحها بالتنمر على الشكل، فهذا يزيد من الأزمة، ويضعهم في دوامة الأمراض النفسية التي تجعل عملية الشفاء مهمة مستحيلة.

وأخيرًا، لا داعي للانتظار، فمواجهة السمنة لابد أن تبدأ مبكرًا، عبر البحث عن السبب الفعلي للوزن الزائد، وتديب الأطفال منذ سن عامين على أسلوب حياة صحي، لأن سمنة الأطفال والمراهقين تحتاج لعلاج مكثف بإجراء تدخل طبي مُبكّر، وتلقي علاج مُركّب، بمعاونة الأسُرة ودعم الأنظمة الصحية، لعبور الأزمة بأقل الخسائر.