Chat GPT.. تطبيقات الذكاء الاصطناعي تُثير الكثير من الجدل

  • التقنية الثورية توفر إمكانات هائلة وانسيابية غير مسبوقة في المحادثات
  • تقدم مميزات كبيرة لمجتمع ريادة الأعمال ومجال التسويق الرقمي
  • مخاوف كبيرة من إساءة استخدامها في عمليات الغش الدراسي والاحتيال

تتصاعد شعبية تطبيقات الذكاء الاصطناعي بين عشاق التكنولوجيا، يوما تلو الآخر، لما يمكن أن تحدثه من تأثيرات هائلة على حياتنا اليومية، خاصة روبوتات الدردشة التي تساعد المستخدمين على التفاعل مع خدمات الويب أو التطبيقات باستخدام النص أو الرسومات أو الكلام.

وفي غضون أسابيع معدودة من طرحها، أثارت خدمة Chat GPT، أو روبوت الدردشة الذي أطلقته شركة أبحاث الذكاء الاصطناعي “OpenAI” ومقرها سان فرانسيسكو، الكثير من الجدل، بعد أن ذاع صيتها، وكثر الحديث عن أدائها المذهل والمخيف في آن واحد.

الخدمة التي أُطلقت في 30 نوفمبر 2022، حظيت بإقبال كبير من المستخدمين الذين تجاوز عددهم المليون شخص في غضون 5 أيام فقط من طرحها، وفق الباحث سام ألتمان مدير شركة “OpenAI”.

الإقبال الكبير على الخدمة لا يأتي من فراغ؛ إذ إنها توفر إمكانات هائلة وانسيابية غير مسبوقة في المحادثات التي يجريها روبوت الدردشة مع المستخدمين، والتي تتفوق بكثير على برامج الدردشة الآلية المتاحة حاليًا.

وعلى مدار الأيام الماضية، انتشرت المئات من لقطات الشاشة (Screenshots) لنقاشات مع روبوت الدردشة ” Chat GPT” على منصة تويتر وهو يتحدث في مواضيع شتى، وعبر الكثيرون عن اندهاشهم مما وصلت إليه قدرة هذا البرنامج على النقاش وتوليد إجابة عن الأسئلة المطروحة وقدرته أيضًا على كتابة أبيات من الشعر ومقالات دراسية وبعض النكات التي تبدو وأنها مؤلفة من قبل البشر.

يأتي ذلك بالإضافة إلى فائدتها الكبيرة لمجتمع ريادة الأعمال ومجال التسويق الرقمي، عبر إنشاء المحتوى واستنباط الأفكار الجديدة وكتابة الفقرات والمقالات وكتابة منشورات التواصل الاجتماعي وإنشاء السيرة الذاتية والنشرات البريدية.

كما يمكن الاستفادة منه أيضا في إنشاء الخطط والاستراتيجيات الرقمية والإعلانات الرقمية والحملات الدعائية الرقمية.

سر التميز

يعتبر ChatGPT روبوت محادثة قادر على فهم الأسئلة والإجابة عليها بلغة طبيعية تشبه البشر إلى حد كبير، وبجودة غير مسبوقة وبلغات متعددة.

سر تميز هذا الروبوت يكمن في اعتماده على تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث يستخدم خوارزميات التعلم التلقائي التي يتم تزويدها بملايين النصوص والمحادثات والمقالات الصحفية، والأكاديمية، والمدونات، ونصوص الأفلام، والبرامج التلفزيونية، لـ”فهم” معنى الكلمات والعبارات وإنتاج الاستجابات ذات الصلة بناء على السياق لتقديم إجابات مُفصّلة عن الأسئلة المطروحة.

وتعتمد هذه الخدمة بالأساس على مُولّد النصوص (GPT-3.5)، وهي النسخة الحديثة من إصدار (GPT-3) الذي أثار موجة من الدهشة أيضًا عندما طرحته شركة “OpenAI” في عام 2020.

وجاءت النسخة الأخيرة التي طورتها الشركة بعد عمل استمر لسنوات في سبيل إيجاد روبوت محادثة أكثر تطورًا، يقدم إجابات تبدو في أحيان كثيرة مثل البشر.

خالد البرماوي، خبير الإعلام الرقمي يعتبر أن تقنية Chat GTP ثورية بلا شك، وأظهرت ذكاءً كبيرًا واحتراف في فهم اللغة الطبيعية (خاصة الإنجليزية)، وهذا محور رئيسي لما يسمى بـ”إنترنت المستقبل الدلالي” (Symantec Web)، رغم أنها لا تتعامل مباشرة مع معلومات الإنترنت المفتوحة.

الوجه الآخر لـ Chat GPT وفخ الاحتيال.. هل انتهى عصر الواجب المنزلي؟

وفي حديث لـ”أخبار الآن”، أضاف أن هذه الخدمة تعتبر من بشائر خدمات الذكاء الاصطناعي التي ستصل إلى مستوى شعبي، وهي قائمة على فكرة تقديم إجابات على أسئلة البشر لتبدو وكأنها إجابات حية أو بشرية، ومصممة خصيصًا حسب طبيعة السؤال.

ورأى أن هذه الخدمة غيّرت المفاهيم السائدة عن فكرة البحث عن إجابات لاستفسارات عبر محركات البحث التقليدية مثل جوجل، والتي تأتي بنتائج معدة مسبقًا ومرتبة، ويختار الشخص منها الإجابة أو النتيجة الأقرب لما يبحث عنه، وهذا يوضح الفرق بين من يرتدي بدلة مصممة خصيصًا له، أو من يختار من بين ملابس أخرى جاهزة التصميم.

وأوضح “البرماوي” أن هذه التقنية قائمة على خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية التلقائية، التي تتعامل مع ملايين الأسئلة والمعلومات، ولا تتعامل بشكل مباشر مع مصادر المعلومات المفتوحة على الإنترنت، لكنها تُقدّم إجابات بناء على حالة السؤال المطروح، ووفق سلسلة الأسئلة التي طُرحت عليها من قبل، ليربط فيما بينها ويقدم إجابات وافية بلغة سهلة ومُبسّطة يمكن أن تبدو بشرية، وذلك على عكس معظم روبوتات المحادثة المتاحة حاليًا، والتي لا تملك ذاكرة وليست مبرمجة على التذكُّر أو التُّعلم من المحادثات السابقة، بمعنى أنها تتعامل مع كل طلب جديد على أنه صفحة جديدة تمامًا، وهذا تحديدًا ما يميز الروبوت “Chat GTP” عن غيره.

وعن سبب عدم ربطه بصفحات الإنترنت المفتوحة، أشار “البرماوي” في حديثه لـ”أخبار الآن” إلى أن ذلك يتطلب قواعد بيانات أكبر وتكنولوجيا أكثر تقدمًا، ولو تم توصيله بالإنترنت في المستقبل، ستكون سيقدم الروبوت إجابات أفضل من المتاحة حاليًا، لأنه سيتاح له الدخول على مليارات من الصفحات على شبكة الإنترنت، والاستفادة من محتواها في تقديم إجابات أكثر منطقية.

بماذا تساعدني الخدمة؟

ربما يسأل البعض، ماذا يمكنني أن أستفيد من هذه الخدمة؟ الحقيقة أن هذا الروبوت يستطيع تغطية أي موضوع يمكن أن تتخيله وفي جميع المجالات. ما عليك فقط سوى إنشاء حساب مجاني على موقع OpenAI، وبسهولة يمكنك أن تطلب منه أن يزودك بوصفة طبخ طعام معين، أو كتابة مقال، أو كتابة خطاب لشركة رغبة في الالتحاق للعمل بها، أو كتابة أغنية حول موضوع ما، أو حتى قصيدة شعر، ناهيك عن تزويدك بقصة يمكنك أن تحكيها لأطفالك قبل النوم.

ليس ذلك فحسب، بل يمكن أن يستخدم أيضا في تلبية طلبات قد تبدو معقدة، كتصحيح أخطاء برمجة الكمبيوتر أو حل مسألة رياضية، وذلك في ثوان معدودة، كما أنه مثل الطالب النجيب الذي يتعلم من أخطائه في كل مرة تزوده فيها برأيك إذا جاء بإجابات غير دقيقة.

وجه مغاير.. من الغش إلى الاحتيال

على الجانب الآخر، هناك وجه مغاير لهذه التقنية، أثار ضجة واسعة مؤخرًا، بسبب إساءة استخدامه من قبل بعض الطلاب، وهو ما أثار مخاوف العديد من الأكاديميين وأساتذة الجامعات، بعد أن ثبت أن هذه الخدمة قد تساعد في عمليات الغش الدراسي، وإنجاز الواجبات المدرسية، نظرًا لقدرتها على إنشاء مقالات مقنعة لا يمكن اكتشافها من خلال برنامج مكافحة الانتحال الموجود لديهم.

ونظرًا للضجة التي أحدثها الروبوت، بدأ المعلمون بتجربة الروبوت ليتعرفوا على ما يواجهونه، وبالرغم من أن إجابات الروبوت عن الأسئلة الأكاديمية لم تكن مثالية، إلا أنها كانت قريبة جدًا مما يتوقعه المعلمون من طلابهم.

الملياردير إيلون ماسك الذي كان من أوائل المستثمرين في الشركة المالكة للبرنامج أعلن نهاية عصر “الواجبات المدرسية”. وكتب ماسك على “تويتر”: “إنه عالم جديد. وداعا الواجب المنزلي”.

 

جاء ذلك بعد أن حاولت مدارس نيويورك تضييق الخناق على التلاميذ الذين استعانوا بالروبوت الجديد للغش.

وذكرت إدارة التعليم في مدينة نيويورك هذا الأسبوع أنه تم منع الطلاب والمعلمين من الوصول إلى برنامج الدردشة الآلي على أجهزة الدولة أو شبكات الإنترنت، لأن الأداة قد تكون قادرة على تقديم إجابات سريعة وسهلة للأسئلة، إلا أنها لا تبني مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، والتي تعتبر ضرورية للنجاح الأكاديمي.

وستشكل هذه الخطوة تحديًا للمدارس والحكومات في جميع أنحاء العالم التي تفكر في كيفية الاستجابة للتكنولوجيا الجديدة التي تغير قواعد اللعبة.

في المقابل، بدأ الأكاديميون ومستشارو التعليم العالي والخبراء في مجال التعليم الجامعي حول العالم في طرح حلول لمواجهة نظام الغش الأحدث للطلبة واقترحوا طرقا جديدة لتطوير النظام الجامعي وتقييم الأوراق البحثية استجابةً للتهديد الذي يشكله الذكاء الاصطناعي على النزاهة الأكاديمية.

وقبل أيام، حضر حوالي 130 من ممثلي الجامعات ندوة نظمتها (JISC)، وهي مؤسسة خيرية مقرها المملكة المتحدة تُقدّم المشورة للتعليم العالي في مجال التكنولوجيا، وخلصت إلى أن “الحرب بين برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليفي وأدوات كشف التزييف الأكاديمي لن تكون مجدية، والأفضل استخدام التكنولوجيا الجديدة لتعزيز الكتابة والإبداع”.

الوجه الآخر لـ Chat GPT وفخ الاحتيال.. هل انتهى عصر الواجب المنزلي؟

وفي هذا الاتجاه، أشار “البرماوي” إلى أن هناك تحديات تواجه هذه الخدمة، كغيرها من الخدمات والتطبيقات التكنولوجية التي يمكن إساءة استخدامها لتسهيل عمليات الغش والاحتيال على مستوى الباحثين والأكاديميين والطلاب.

وأضاف أن هذا الجانب يتطلب التركيز على نقطتين، الأولى عدم الخوف إطلاقا من هذه التأثيرات السلبية، لأن عملية تطوير البرنامج وتحسين مخرجاته وتقليل مساحة الاستخدامات السيئة لاتزال مستمرة، والثانية أنه على الباحثين المتخصصين في أساليب الأمان والخصوصية أن يعملوا بشكل جدي على تحسين آلية عمل هذه الخدمة لغلق هذه الثغرات التي يمكن أن تسهل هذه الممارسات السلبية، وأظن أن هذه الممارسات الخاطئة ستستمر لكنها لن يكون عائقا لتطور هذه التكنولوجيا، وعلى العالم أن يكون جاهزا لهذه الأثار السلبية وأن يكون مستعدا لتقبل دفع الفاتورة.

قيود وتحديات

ورغم إمكانياته المذهلة، إلا أن أي تقنية ابتكرها البشر لها بعض القيود، أولها أن الشركة أكدت أن النموذج لا يزال في مراحل التطوير، وأنه يتلقى التعليقات من المستخدمين لتحسينه وتطوير إجابات، لذلك لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نسلم بصدق وحقيقة ما يقدمه لنا من إجابات.

وبحسب الشركة المطورة، فإن روبوت ChatGPT غير متصل بالإنترنت، ويمكن أن ينتج أحيانًا إجابات غير صحيحة. كما أن لديه معرفة محدودة بالعالم والأحداث بعد عام 2021.

وعندما سُئل الروبوت عن آخر الأخبار السياسية وعن الأفراد والمنظمات المشاركة، أجاب أنه تم تدريبه حتى عام 2021 فقط. علاوة على ذلك، أضاف أنه “غير قادر حاليًا على تصفح الإنترنت”،

حيث توقف تدريب النموذج في عام 2021، وبالتالي، فهو لا يستطيع قراء أحدث المعلومات أو آخر التحديثات.

ورغم أن هذا الروبوت يرفض الإجابة عن بعض الأسئلة غير الملائمة مثل كيفية التنمر أو كيفية سرقة منزل، إلا أنه يمكن أن يقدم إجابات إذا تحايل السائل على ذلك باستخدام طريقة أسئلة مختلفة، لذلك قد ينتج أحيانًا تعليمات ضارة أو محتوى متحيزًا.

وتوصي الشركة المطورة المستخدمين بضرورة بالتحقق مما إذا كانت الردود الواردة من الروبوت دقيقة أم لا. إذا وجدت إجابة غير صحيحة، فإنها تنصح المستخدمين بتقديم تعليقاتهم في هذا الشأن.

هل ستظل الخدمة مجانية؟

لا تزال خدمات برنامج Chat GTP مجانية بالكامل حتى الآن، ويمكنك الحصول عليها بكل سهولة، لكن البرنامج غير متوفر في كل البلدان، وهناك دول بعينها لا يتوافر فيها أبرزها الصين وروسيا وأوكرانيا ومصر وأفغانستان وفنزويلا والعراق.

الوجه الآخر لـ Chat GPT وفخ الاحتيال.. هل انتهى عصر الواجب المنزلي؟

ويخشى البعض من أن تصبح هذه الخدمة مدفوعة. وفي هذا السياق، أشار “البرماوي” إلى أن الخدمة الجديدة انطلقت كمبادرة غير هادفة للربح عام 2015، على يد مجموعة من المستثمرين منهم إيلون ماسك، لكنها تحولت عام 2018 لشركة، واستثمرت فيها مايكروسوفت مليار دولار وغيرها، وأصبحت هادفة للربح بصورة محددة، مضيفا أنه رغم إتاحة الخدمة مجانًا حاليًا، لكن لا يتوقع أن تكون متاحة مجانًا لفترات طويلة، وربما لن يكون التعمق فيها مجانيًا في المستقبل، وقد تتاح فقط لشركات صغيرة ومتوسطة وباحثين مقابل دفع اشتراكات.

وتتقاضى الشركة حاليًا حوالي بنس واحد (1/100 من الجنيه الإسترليني) لإنشاء 2000 كلمة من المحتوى من المطورين الذين رخصوا تقنيتهم.

تتوقع الشركة المالكة للبرنامج 200 مليون دولار من العائدات بحلول عام 2023. وبحلول نهاية عام 2024، تتوقع (OpenAI) زيادة إيراداتها إلى مليار دولار.

وأخيرًا، ستظل هذه التقنية بمميزاتها الهائلة والتحديات التي يمكن أن تنتج عن إساءة استخدامها، علامة فارقة في مسار تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تهدف بالأساس لتحسين حياة الناس وتسهيل إنجاز مهماتهم في أسرع وقت ممكن.