ألفرد عصفور
انتخاب رئيس لبناني.. فيلم التعطيل متواصل
لم تكن نتيجة الجلسة التاسعة لمجلس النواب اللبناني المخصصة لانتخاب رئيس جديد مفاجئة إذ بدت وكأنها مجرد روتين ذي خاتمة معروفة مسبقا. ولم يختلف التصويت فيها عن الجلسات السابقة وكانت الورقة البيضاء سيدة الموقف التي حسمت النتيجة بصورة سلبية. وبخروج معظم النواب تم تهريب النصاب فلم يتمكن المجلس من عقد جلسة ثانية.
هناك وضوح تام في توجهات القوى السياسية اللبنانية ضد الإجماع على مرشح واحد قبل التوافق عليه. وهذا التوافق الذي يعتبره حزب الله وحركة أمل شرط أساسي لنجاح عملية الانتخاب وضرورة وطنية لتفادي الانقسامات يعتبره الفريق الآخر ممثلا بالقوات اللبنانية والكتائب وتيار المستقبل والى حد ما التيار الوطني بأنه محاولة لفرض رأي جهة واحدة متنفذة تستقوي بسلاحها لتنصيب رئيس يكون أداة لتنفيذ سياسة الجهة التي أوصلته إلى الرئاسة.
حتى الآن لا يملك أي طرف في لبنان حشد أغلبية نيابية تكفي لانتخاب رئيس بصورة دستورية. فأغلبية النصف زائد واحد المطلوبة وهي خمسة وستين صوتا يصعب تأمينها في ظل الحساسيات الموجودة والصراعات القائمة. وبالإضافة إلى لعبة الورقة البيضاء تتقن القوى السياسية اللبنانية أيضا لعبة تهريب النصاب لكي يتم التأجيل إلى أسبوع آخر.
وهذا ما دفع أحد النواب اللبنانيين للتعليق بعد الجلسة بأنه تم تمديد مسرحية التعطيل من بطولة حزب الله وشريكته حركة أمل. ومن الواضح أن لعبة التأجيل ستطول ما لم يحدث تدخل خارجي يفرض على مجلس النواب اللبناني الانتهاء من التسويف والتأجيل وانتخاب رئيس ترضى عنه القوى الإقليمية.
لا يستطيع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أن يمنع النواب من مغادرة الجلسة وتضييع النصاب لكنه أيضا لا يريد أن يطالبهم بالبقاء لجلسة ثانية ومن يتابع الجلسات يلاحظ أن رئيس المجلس أول من يترك مقعده ويغادر.
كان يمكن لنتائج التصويت في الجلسة الأخيرة أن تكون مختلفة لولا الحساسيات التي نشبت بين التيار الوطني الحر وحليفه حزب الله بسبب انعقاد جلسة الحكومة التي يعتبرها التيار غير دستورية ووصفها الرئيس السابق ميشيل عون بأنها محاولة من رئيس حكومة تصريف الأعمال للاستحواذ على السلطة. فالدستور للبناني يمنع حكومة تصريف الأعمال من الانعقاد بكامل هيئتها وخصوصا في ظل الشغور الرئاسي لأن الدستور نفسه جعل من الحكومة بكامل هيئتها سلطة رئاسية بشرط أن تكون حكومة أصيلة وهذا ما أوقع الخلاف بين التيار وحزب الله الذي اعتبر الاجتماع دستوريا وشارك فيه بينما قاطعه وزراء التيار الذي قال زعيمه أن الحزب وعده بالمقاطعة واخلف بوعده.
يعتقد البعض أن ما حدث بسبب اجتماع الحكومة قد يؤدي إلى خلاف عميق بين التيار والحزب لكن هذا يبدو بعيدا حتى الآن غير أن ما هو مؤكد أن العلاقة بين الجانبين لن تبقى كما كانت في سنوات الرئيس ميشيل عون. وارتفاع منسوب الغضب لدى التيار الوطني سيرفع منسوب تشدد الحزب ضد ترشح زعيم التيار جبران باسيل كما سيرفع منسوب تأييد الحزب لترشيح سليمان فرنجية.
فهل سيلجأ التيار الوطني إلى تغيير تحالفاته ومراهناته؟
لو كان التيار ضامنا ومتأكد أنه سيلاقي دعما من القوات اللبنانية لترشح جبران باسيل للرئاسة فقد يلجأ إلى التحالف معها لكنه يعرف أن القوات لن تدعمه على الأقل في هذه المرحلة. ولكن هذا قد يحدث بعد أن أعرب ميشيل معوض عن استعداده لتأييد أي مرشح يلتزم بالجدية في الإنقاذ الوطني ومحاربة الفساد وبسط نفوذ الدولة وهو هنا يقصد التشدد تجاه سلاح حزب الله. وكأن هذا التصريح كان رسالة مبطنة إلى التيار للعودة إلى التحالف مع القوى المسيحية والتخلي عن تحالفه مع حزب الله.
يتهم البعض التيار الوطني الحر بأنه تحالف مع حزب الله ضمن صفقة عرفت باسم حماية الفساد مقابل حماية السلاح. فالحزب يحتاج إلى تغطية مسيحية لسلاحه والتيار يحتاج إلى قوة تحميه من اتهامات الفساد التي تلاحق وزرائه. من الطبيعي أن لا أحد يصدق أن التيار الوطني يقبل باستمرار امتلاك حزب الله لكل تلك الأسلحة لكن التيار لا يمكنه لأسباب تتعلق بمصالحه الحزبية أن يعلن موقفه الحقيقي على الملأ. ولذلك فقد لا يدوم تحالفه مع الحزب.
وقد سبق أن هدد جبران باسيل بفض التحالف مع حزب الله عندما رفضت حركة أمل مثول أحد نوابها أمام القضاء في قضية انفجار المرفأ. لكن حزب الله احتوى ذلك التهديد العابر فهو لا يستطيع التخلي عن حليف مسيحي له وزنه وقوته. واذا ما ثبت أن جبران باسيل قال أن حرية الوجود (يقصد الوجود المسيحي) أكثر أهمية من أي تفاهمات وأكثر ضرورة من أي اتفاقيات، فهل سيكون للتيار الوطني موقف مختلف مع الحزب؟
من الغريب حقا أن التيار الذي يطالب القوى اللبنانية بتأييد ترشح رئيسه لمنصب الرئيس لا يصوت على ذلك. صحيح أن أصوات نواب التيار لن تحقق الفوز لزعيمه لكنها ستكون موقفا قويا في مواجهة حزب الله.
وبعد تصريحات جبران باسيل العاتبة على الحزب لتخليه عن الوعد بعدم المشاركة في اجتماع الحكومة المحت مصادر إعلامية لبنانية أن التيار قد يصوت لصالح جبران باسيل أو حتى لصالح ميشيل معوض لكن هذا لم يحدث ربما لأن التيار لا يزال يخشى عواقب فك تحالفه مع الحزب.
ولكن هل يحدث مثل هذا التصويت في الأسبوع المقبل؟
يثير التأييد الكبير من حزب الله للمرشح سليمان فرنجية الكثير من التساؤلات والشبهات. والخلاف التاريخي بين الجنرال ميشيل عون وال فرنجية يجعل التيار الوطني يرفض قطعيا ترشح فرنجية المؤيد بقوة من حزب الله وكذلك من سوريا. كما أن الحزب مصمم على رفض ترشح جبران باسيل بأي شكل من الأشكال كما يرفض بالتأكيد ترشح ميشيل معوض الذي يطالب بفرض سلطة الدولة على كل لبنان ووضع سلاح حزب الله تحت إمرة الجيش اللبناني.
كانت مواقف حزب القوات اللبنانية واضحة وصريحة ومتصلبة واعلن الحزب عبر رئيسه سمير جعجع بأنه لن يقبل تحت أي ظرف كان ترشح باسيل أو فرنجية للرئاسة لكنه المح إلى قبول ترشح قائد الجيش جوزيف عون وامتدح ميشيل معوض واعتبره مرشح القوات وانه يحظى برضى إقليمي وقبول دولي ويستطيع استعادة ثقة المجتمع العربي.
يتهم جعجع وكذلك ميشيل معوض حزب الله بأنه يحاول إيصال الفرقاء اللبنانيين إلى حالة من الإرهاق واليأس للقبول بما يفرضه الحزب ويؤكد من جديد أن القوات تعلمت الدرس من انتخاب ميشيل عون الذي تم بتلك الطريقة ودفع لبنان إلى مزيد من الانهيار والفراغ.
يتبادل القادة السياسيون في لبنان الاتهامات ولا أحد منهم يتحدث عن الإصلاح أو إنقاذ الاقتصاد أو مكافحة الفساد أو استرداد المال المنهوب. لذلك فإن لبنان بحاجة إلى رئيس سيادي يملك صلاحيات تتيح له تحمل مسؤولية التغيير والانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة ويعمل على حماية وجوده وتدعيم استقراره وتعزيز رسالته.
