كيف يتعامل العالم مع أزمة المناخ؟

  • يوازي ارتفاع درجة حرارة المحيطات منذ 150 عاماً حرارة انفجار قنبلة نووية في كل ثانية
  • تبدو الالتزامات الدولية بشأن المناخ “بعيدة جداً” عن تلبية اتفاقية باريس
  • حذر تقرير سابق للأمم المتحدة العالم وتحدث عن قفز درجات الحرارة الى 2.0 درجة مئوية بين 2030-2052

 

يوازي ارتفاع درجة حرارة المحيطات منذ 150 عاماً حرارة انفجار قنبلة نووية في كل ثانية، فيما تبدو الالتزامات الدولية بشأن المناخ “بعيدة جداً” عن تلبية اتفاقية باريس/2015 لابقاء ارتفاع حرارة الأرض تحت 1.5 درجة مئوية. وقد أعلنت هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة هذه الأيام ان عدم التزام الدول ببنود ومقررات تلك الاتفاقية يضع العالم على طريق ارتفاع الحرارة بمعدل 2.6 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي.

وسبق ان حذر تقرير سابق للأمم المتحدة العالم وتحدث عن قفز درجات الحرارة الى 2.0 درجة مئوية بين 2030-2052.

ماذا يعني ذلك وكيف يؤثر على حياتنا وعلى النظم الأيكولوجية على الأرض؟

اليكم تصور العلماء البيئيين حول الحياة على الكوكب في ظل 2.0 درجة مئوية. قد لا يبدو ارتفاع درجة الحرارة بنصف درجة أمراً كبيراً، لكنه يجعل عشرات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم عرضة لموجات الحرارة القاسية المُهددة للحياة وتتسبب بنقص المياه وازدياد الفيضانات الساحلية والحرائق والجفاف بسبب أزمة المناخ.

يمكن القول بأن نصف درجة حرارية، يعني الفرق بين عالم لم يخل بعد من الشعاب المرجانية والأنهار الجليدية في القطب الشمالي صيفاً وبين عالم يخلو منهما تماماً.تشير بيانات علمية الى فقدان الشعاب المرجانية في ظل 2.0 درجة مئوية.

في ظل 1.5 درجة مئوية ستبقى الأنهار الجليدية في القطب الشمالي خلال الصيف، أما في ظل 2.0 درجة مئوية فتزداد احتمالية ذوبان الأنهار الجليدية بعشرة أضعاف، وفي هذه الحالة من المحتمل ان يختفي أكثر من نصف الأنواع (النباتات والحيوان) على الأرض.

ان ما تبلغ نسبته 14٪من سكان العالم ستتعرض الى موجات حرارة قاسية في ظل 1.5 درجة مئوية، مرة كل خمس سنوات على الأقل.

سترتفع هذه النسبة الى 37٪ حين تلامس درجات الحرارة 2.0 درجة مئوية، وستكون الحرارة الشديدة في هذه الحال أكثر شيوعاً في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي يعرّض ما يقرب نصف مليار انسان الى موجات حرارة قاسية في المدن المكتظة بالسكان. أما في حال بقاء الحرارة في تخوم 1.5 درجة مئوية، فستشهد المناطق الاستوائية زيادة أكبر في عدد الأيام الحارة غير العادية ويصل عدد السكان المعرضين للجفاف الى 350 مليون انسان.

أزمة المناخ.. هل كان بالإمكان تفادي التهام الحرّ؟

الفيضانات في باكستان/ رويترز

لكن لماذا حصل ذلك؟

توصل عالم الفيزياء الإيرلندي جون تيندال (1820-1893) في بداية النصف الثاني من قرن التاسع عشر، الى ان التغيرات الطفيفة في الغلاف الجوي يمكن ان تؤدي الى تغير المناخ.

واعتمد العالم الفيزيائي الذي مات مسمماً على يد زوجته، على تجارب علمية مبكرة كان يقيس من خلالها تركز غاز الكاربون في الغلاف الجوي وامتصاصه أشعة الشمس.

وألهم ذلك الاكتشاف، عالم الكيمياء السويدي سفانت آرهينيوس (1859-1927)في التوصل الى ان حرق الفحم والنفط لإنتاج الطاقة من شأنه زيادة درجات حرارة الأرض.

ويعتبر آرهينيوس، الحاصل على جائزة نوبل لعلوم الكيمياء 1903، أول من قام بعمليات حسابية لكثافة غاز ثاني أكسيد الكاربون على سطح الأرض، ملاحظاً بأن الامتصاص المتقدم في الأشعة تحت الحمراء يؤدي الى ارتفاع درجة حرارة السطح. وقد أصبح هذا الاحترار ملحوظاً بعد أقل قرنين وتدفع البشرية ضريبتها.

تنبأ المهندس الكندي-البريطاني غي ستيوارت كاليندار في مقالات علمية نشرها بين سنوات (1938-1964) بأن تؤدي زيادة مستوى الكاربون في الغلاف الجوي الى ارتفاع درجات الحرارة بنحو 2.0 درجة مئوية.

وبقيت تلك المقالات طي النسيان ولم يتذكرها أحد الاّ في الوقت الذي أصبحت أزمة المناخ تهدد حياتنا.

وفي عام 1979 خلص تقريران أصدرهما علماء في حكومة الولايات المتحدة برئاسة جيمي كارتر إلى أن الاعتماد على الوقود الأحفوري من المحتمل ان يسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض من 2 إلى 3.5 درجات مئوية، مما يؤدي إلى ذوبان جليد القطب الشمالي، وانخفاض الحصول على مياه الشرب فضلاً عن آثار أخرى على الإنتاج الزراعي.

وحذر العلماء في التقريرين، الأول بعنوان (تأثير طويل الأمد لثاني أكسيد الكاربون في الغلاف الجوي على المناخ) في ربيع 1979، والثاني بعنوان (ثاني أكسيد الكاربون والمناخ) صيف 1979، من تأثير استمرار حرق الوقود الأحفوري وتركز الكاربون في الغلاف الجوي على المناخ وارتفاع درجات حرارة الأرض.

ويشير التقرير الثاني الى مخاوف جدية بشأن تأثير ارتفاع الحرارة على منظم الحراري للمحيطات الدفيئة للهواء في الشتاء والمُبَرِّدة له في الصيف.

وفي عام 2007، أزالت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي أي لبس عن حقيقة حصول الاحترار العالمي، ورجحت أن يكون سبب الارتفاع الملحوظ في متوسط درجات الحرارة عالمياً منذ أواسط القرن العشرين هو الزيادة الملحوظة في تركيزات الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري.

أزمة المناخ.. هل كان بالإمكان تفادي التهام الحرّ؟

ما هذه الغازات وكيف تعمل؟

تؤدي زيادة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي الى تسخين الأرض، ذلك انها تقوم باحتجاز حرارة الشمس على سطح الكوكب وتمنعها من الخروج. وتشمل الغازات الدفيئة ثاني أكسيد الكربون، الميثان، أكسيد النيتروز، بخار المياه ومركبات الكلوروفلوروكربون CFCs وهي غازات ضرورية تتولد بشكل طبيعي وتتيح وجود الحياة على الكرة الأرضية، لأنها تحافظ على التوازن بين البرودة والحرارة وتمنع التجمد. دون الغازات الدفيئة ستكون حرارة الأرض 18 درجة تحت الصفر بدلاً من 15 درجة مئوية.

أزمة المناخ.. هل كان بالإمكان تفادي التهام الحرّ؟

ما يحصل منذ العصر الصناعي هو أن النشاط البشري المفرط أدى الى ارتفاع مستويات الغازات الدفيئة التي سببت التسخين التدريجي في الغلاف الجوي لكوكب الأرض وعلى سطحه.

أما العوامل التي سببت هذه العملية التي تسمى بالاحتباس الحراري فهي: حرق الوقود الاحفوري مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، الصناعة، الممارسات الزراعية، التوسع العمراني وإزالة الغابات ومدافن النفايات وأنظمة الصرفي الصحي والتكاثر السكاني.

وتفيد الهيئة الحكومية-الدولية ذاتها بأن تأثير الإجمالي للأنشطة البشرية على المناخ باتجاه ارتفاع درجة الحرارة بدأ منذ الحقبة الصناعية قرابة عام 1750.

وارتفع متوسط درجة حرارة الأرض منذ تلك الحقبة الى أواسط القرن التاسع عشر 0.7 درجة مئوية. وفي الفترة الواقعة بين 1910 و1940 ارتفعت الحرارة الأرض 0.35 درجة على صعيد المتوسط العالمي، انما ازدادت وتيرة الاحترار بدءاً من سبعينات القرن العشرين الى وقتنا الحالي حيث زادت الى 0.55 درجة.

ويقدر العلماء بأن النشاط البشري المتمثل باحتراق الوقود الأحفوري، مع إسهام أقل من عمليات تصنيع الأسمنت، هو المسؤول عن انتاج أكثر من 75 بالمائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

لقد تم تحديد تراكيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على مدار أكثر من 600 ألف سنة بدقة من خلال العينات الجوفية الجليدية في محيط القطب الجنوبي. وقد وصل العلماء الى نتيجة مفادها بأن تراكيز الكربون كانت منخفضة عند 180 جزء في المليون خلال العصور الجليدية الباردة، أما في العصور الدافئة فكانت مرتفعة عند 300 جزء في المليون.

وعلى مدار القرن العشرين ازدادت النسبة ثاني أكسيد الكربون ووصلت الى 379 جزء في المليون. كل ذلك وفقاً للأبحاث التي توصل اليها الباحثون في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بشؤون المناخ التي تُعزي زيادة الكاربون، المسبب الرئيسي في الاحتباس الحراري الى الوقود الاحفوري.

سجلت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بشؤون التغير المناخي في شهر تشرين الأول 2018، 0.98 درجة مئوية، فيما ظهرت بيانات علمية جديدة نشرها برنامج كوبرنيكوس الأوروبي لمراقبة مناخ الأرض بتاريخ 7 من شهر كانون الثاني 2019، وصول الحرارة الى 1.1 درجة مئوية بالمقارنة مع العصر ما قبل الصناعي. وتفوق هذه النسبة مستويات الحرارة بين أعوام 1850-1900، ذلك وفقاً لخمس بيانات عالمية.

وبحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة سجلت السنوات العشرين الأخيرة أعلى درجات الحرارة، وكانت الفترة الواقعة بين 2014-2018 هي الأكثر سخونة على الإطلاق حيث وصلت نسبة ارتفاع الحرارة الى 0.4 درجة مئوية وهي أكثر من تلك التي سجلتها الفترة الواقعة بين 1981-2010. وترى المنظمة ان استمرار تصاعد ارتفاع درجات الحرارة على هذا النحو، سيؤدي الى بلوغها إلى ما بين 3.0 الى 5.0 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

إذا استمر ارتفاع الحرارة على الوتيرة الحالية، من الممكن ان يطلق القطب الشمالي والمناطق المحيطة به كميات هائلة من الغازات الدفيئة، ذاك أنه يغطي 25 في المئة من الأقاليم الشمالية ويدفن كميات من الغازات الدفيئة، غاز الميثان تحديداً، توازي 15 عاماً من إفراز الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم.

وفي الوقت الحالي، يسبب احترار المناطق الشمالية من الكرة الأرضية ذوبان الجليد في (غرينلاند) أسرع بـ 50 في المئة مقارنة مع عصر ما قبل الصناعي. بحسب الأستاذ في جامعة أوتريخت الهولندية ميشيل فان دين بروكه، إذا ذاب جليد جزيرة غرينلاند كله، سيزيد من مستوى البحر سبعة أمتار. ان الذوبان على الإيقاع الحالي كان يستغرق آلاف السنين برأيه، إنما تسارع الاحترار سرّع الذوبان.

أزمة المناخ.. هل كان بالإمكان تفادي التهام الحرّ؟

يبقى ازدياد الطلب على الطاقة هو العامل الأكبر في تسريع وتيرة الارتفاع الحراري/ رويترز

قنبلة نووية في ثانية

المحيطات هي المسؤولة عن امتصاص 90 في المئة من انبعاثات الحرارة التي تسببها الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط البشري وتؤدي دوراً كبيراً في تبريد الأرض، ولكنها تتعرض الى الاحترار أيضاً، بل وكأنها أصبحت مختبراً للأسلحة النووية. بحسب مقال علمي نشرته (الغارديان) بتاريخ 7/1/2019، أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات بسبب الاحترار يوازي حرارة انفجار قنبلة نووية في كل ثانية منذ 150 عاماً. انه ناقوس الخطر الذي أعلنه العلماء في مقالهم المعنون: الاحترار العالمي للمحيطات يوازي قنبلة ذرية في الثانية.

أمام هذه الزيادة في مقياس الحرارة العالمي المدمر للحياة والنظم البيئية وسبل العيش على الأرض، لا خيار أمام البشرية سوى خفض غاز الكاربون بنسبة 45 في المئة خلال 2030، وإنهاءه كلياً في تخوم 2050. من شأن هذا السيناريو وفقاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بشؤون المناخ، تجنب الأسوأ، إنما ذلك يقتضي التخلي عن الوقود الاحفوري.

ان الأسباب التي تقف وراء الاحتباس الحراري الناتج عن الغازات الدفيئة، كما تمت الإشارة هي النشاط البشري المتمثل بإنتاج الغذاء والممارسات الزراعية والصناعة وحرق الوقود الاحفوري والتوسع العمراني والنمو السكاني.. الخ. إنما يبقى ازدياد الطلب على الطاقة هو العامل الأكبر في تسريع وتيرة الارتفاع الحراري، وتعتبر الصين هي الدولة الأكثر منبعثة للغازات الدفيئة وتليها الولايات المتحدة حيث تشكل الغازات الدفيئة التي تنتجانها 40% من مجموع غازات العالم، وذلك وفقاً لمركز البحوث المشتركة التابع للاتحاد الأوروبي والوكالة الهولندية لتقيم البيئة.

تالياً، هل كان من الممكن تفادي التغير المناخي وتجنب ما يحصل اليوم اذ أصبح فيه الحديث عن خسارة الأرض من العناوين اليومية البارزة في الأوساط العلمية والأكاديمية والإعلامية؟ انه سؤال يتفاداه القائمون على السياسة العالمية، ولكن الوقت لم ينفذ والعالم محكوم بالأمل.