منذ أن بدأ نظام الخميني في إيران عام 1979 لم تكن علاقاته بالجوار العربي علاقة مستقرة مستندة إلى الجيرة الطيبة وحسن النوايا والاحترام. وأخذت إيران تتعامل مع البلدان العربية بفوقية وبنوايا تهدف إلى الهيمنة والتمدد وفرض الوصاية وتصدير الثورة. ولم يخف النظام الإيراني هذه النوايا بل أعلنها وعمل على تحقيقها. ولم يتورع الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد خلال زيارته إلى لبنان عام ألفين وعشرة أن يقول أن بلاده تهيمن على أربع عواصم عربية. واليوم لم تعد إيران بحاجة إلى احتلال هذه العواصم لكنها تسيطر عليها عن بعد من خلال اتباعها ومواليها في تلك البلاد التي تنفذ الأجندة الإيرانية في تلك العواصم.

وما إن بدأت الأحداث الدامية في سوريا حتى بدأت محاولات إيران الفعلية للتدخل في الساحة الأردنية. واضحى الأردن غير مرتاح للوجود الإيراني الكثيف في سوريا ونبه إلى خطر هذا الوجود. ومنذ العام ألفين وسبعة عشر ابدى الأردن قلقا متزايدا من تواجد قوات إيرانية أو موالية لإيران في جنوب سوريا وبات أمرا متفقا عليه في الأردن أن إيران لها أطماع توسعية ربما ليست جديدة لكنها بدأت تتكشف بشكل أوضح. وبات في الأردن رأي عام معارض لتوسيع العلاقات مع إيران ومعارض لفتح الحدود لأي سياحة دينية إيرانية نحو مقام جعفر بين أبي طالب في مدينة الكرك جنوبي عمان. مازالت الحكومة الأردنية ترفض كل الطلبات الإيرانية لإرسال الزوار الإيرانيين إلى هذا المقام كما ترفض كل العروض لإقامة منشآت أو تسهيلات في تلك المنطقة.

مع ذلك لا تزال السلطات الأردنية وبحسب تصريحات رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في شهر يوليو الماضي تتطلع إلى علاقات ثنائية مع إيران تقوم على مبادئ عدم التدخل واحترام السيادة الوطنية ووحدة التراب الوطني لكلا البلدين. ومع أن الخصاونة نفى أن تكون إيران تشكل تهديدا أمنيا للأردن لكنه أكد على تحفظات الأردن على تعامل طهران مع بعض القضايا الإقليمية وبشكل خاص تدخلاتها في الدول المجاورة لأنه يعتبر أمن تلك الدول من أمنه.

من المعروف أن العلاقات الأردنية الإيرانية في عهد الجمهورية الإسلامية لم تكن دائما في حالة طيبة. ومع أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني زار إيران في العام ألفين وثلاثة محاولا بناء الجسور لعلاقات أفضل لكن ذلك لم يغير شيئا في سياسة إيران تجاه البلدان العربية. وفي العام التالي كان الملك عبدالله الثاني ينبه إلى ما سماه الهلال الشيعي كوصف سياسي لاحتمالات الخطر الإيراني على المنطقة. وفي تصريحات لصحيفة نيويورك بوست الأميركية قال الملك أن أحمد الجلبي وهو شخصية سياسية عراقية مرتبط بإيران حاول تدبير محاولات للقيام بهجمات تمس الأردن. لكن تصريحات جديدة للملك عبدالله الثاني لصحيفة الرأي الأردنية في يوليو الماضي كانت أكثر تحديدا عندما تحدث عن الحاجة إلى منظومة عمل دفاعي مؤسسي عربي واضح الأهداف والمنطلقات.

ومع ذلك جدد الملك الدعوة لتحسين العلاقات مع إيران لكنه اشترط على طهران أن تحسن من سلوكها تجاه العرب. من خلال علاقات أفضل تقوم على الاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

منذ ثلاث سنوات كشف الملك أن الأردن يواجه هجمات على حدوده الشمالية بصورة منتظمة من ميليشيات لها علاقة بإيران. وبحسب ما نقله السفير الأردني السابق في طهران الدكتور بسام العموش في ندوة تناولت تداعيات الاتفاق النووي الإيراني على المنطقة فقد اقتبس من حديث الملك قوله أن المنطقة الحدودية الشمالية شهدت اشتباكا بالمدفعية مع قوات إيرانية داخل الأراضي السورية وان كثيرا من مثل تلك الاشتباكات تقع ولكن لا يعلن عنها.

تمتد واجهة الجبهة الشمالية على طول الحدود مع سوريا حوالي ثلاثمئة وسبعين كيلومترا وقد تحدث الأردن كثيرا عن مجموعات مسلحة تهاجم الحدود الأردنية لتهريب المخدرات والسلاح. وفي العام ألفين وواحد وعشرين أحبط الجيش الأردني ثلاثمئة وواحد وستين عملية تهريب كثير منها كانت مدعومة بمجموعات مسلحة تستخدم أبناء العشائر في جنوب سوريا الذين يعرفون المنطقة جيدا. ومنذ انسحاب بعض وحدات القوات الروسية من سوريا تسلمت ميليشيات من حزب الله مواقع تلك القوات وأصبحت تلك المناطق مفتوحة لإيران تتحرك فيها على هواها. والخشية الكبرى الآن هي تحالف بين ميليشيات داعش التي تعيد إحياء نفسها في سوريا والميليشيات الموالية لإيران الأمر الذي يزيد من خطر الضغوط الأمنية على الأردن.

لكن الجيش الأردني يتصدى لكل عمليات التهريب بدون أي تساهل. ومنذ بداية العام الحالي أعلن الجيش عن تغيير قواعد الاشتباك نحو مزيد من التشدد. وهذا التغيير الذي لم يعلن عن تفاصيله سوى القليل جدا يتضمن استخدام القوة الصارمة والتعامل مع كل من يقترب من الحدود كهدف مشروع للقتل والتدمير. وقد نجحت هذه السياسة الجديدة في التعامل مع المهربين في تحقيق نتائج وإحباط العديد من محاولات التهريب وفي أحد الاشتباكات قتل إثنان وأربعون من المهاجمين.

في ضوء التصرفات الإيرانية ما الذي على الدول العربية أن تفعله تجاه ذلك؟ هل تحتاج المنطقة العربية إلى تحالف عسكري مدعوم من الولايات المتحدة لمواجهة الخطر الإيراني؟ أم يمكن الاكتفاء بالتعاون الحالي بين الدول العربية المعنية؟ لمواجهة المد الإيراني المغلف بالطائفية بهدف توسيع نفوذ إيران لا بد أولا من فهم التحركات الإيرانية والعقلية التي تقف وراء هذه التحركات. والتصريحات الأردنية تدل على أن الأردن يدرك هذه التحركات ويدرك أن إيران راغبة في التسلل إلى الأردن لإعادة سيناريو أفعالها في لبنان واليمن والعراق وسوريا. ويستدل من التصريحات الأردنية أن المملكة مصرة على مقاومة التمدد الإيراني وتعمل على حشد دبلوماسية عربية رادعة ضد هذا المخطط.

في منتصف العام الماضي شكل الأردن ومصر والعراق ما يشبه التحالف الثلاثي الذي قصد منه بشكل علني تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الثلاث وتقوية التعاون بينها وكذلك مواجهة خطر التهديد الإيراني فهذا الخطر هو القاسم المشترك الذي يجمع الدول الثلاث مع وجود الكثير من عوامل الترابط بينها. ومع وجود نفوذ إيراني ملحوظ في العراق إلا أنه ليس كل العراق في قبضة النفوذ الإيراني فهناك تحركات وطنية عراقية ذات بعد عربي ترفض علانية الوجود الإيراني وتعمل على دحره وإخراجه من العراق.

كان قيام مجلس التعاون الخليجي الخطوة الأولى الصحيحة والفاعلة في مواجهة تمدد النظام الإيراني. كذلك كان الدعم العربي اللامحدود للعراق في حربه مع إيران فهذا ساعد في تحجيم الأطماع الإيرانية. لكن مع الألفية الجديدة اتجهت إيران إلى تعزيز وتطوير منظومتها الصاروخية وهذا من أكثر أسباب قلق الدول العربية. لذلك يبقى الحل الأخير لمواجهة إيران في التنسيق والتعاون بين الأقطار العربية لمواجهة الخطر الإيراني مواجهة حقيقية وجدية.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن