كسرت أوكرانيا الجمود المستمر في الحرب مع روسيا منذ أشهر خلال الأيّام الأخيرة، وذلك عبر هجوم مضاد استعادت فيه السيطرة على مناطق واسعة حتى وصلت إلى حدود روسيا، في نقطة تحوّل بالحرب تبدو وكأنّها لغز. وكانت ذكرت نائبة وزير الدفاع الأوكراني هانا ماليار (Hanna Malyar)، أنّ الهجوم المضاد الخاطف الذي شنته أوكرانيا على القوّات الروسية حرّر 3800 كيلومتر مربع من الأراضي في منطقة خاركيف شمال شرق البلاد منذ 6 سبتمبر. وقالت ماليار إنّ الأراضي المحرّرة من القوات الروسية تتكون من أكثر من 300 تجمّع سكاني، ويقطنها نحو 150 ألفاً من السكان حالياً.

  • تحرير نحو 8000 كيلومتر مربع في هجوم مضاد في شمال شرق أوكرانيا وتراجع القوات الروسية 
  • القوات الأوكرانية تعلن أنّ الجيش الروسي أخلى بعض المواقع التي يسيطر عليها في خيرسون جنوب أوكرانيا
  • نائب وزير الدفاع الأوكراني: 150 ألف شخص قد تمّ تحريرهم من الحكم الروسي في منطقة بالاكليا 
  • مسؤولون أوكرانيون: ثمّة غرفة تعذيب أنشأها الروس في بالاكليا حيث تمّ اعتقال العشرات أثناء الاحتلال

ما هو الوضع على الأرض راهناً في خاركيف؟

حالياً القوّات الأوكرانية الموجودة في خاركيف شمال شرق أوكرانيا أوقفت تحركاتها لأنّها حققت تقدماً كبيراً في أقل من أسبوع، فالقوات الأوكرانية يجب أن تعيد تماسكها وتتوقف قليلاً وتوفّر قوّتها. مدينة بالاكليا في منطقة خاركيف – عدت للتو  منها وهي أوّل مدينة تمّ تحريرها من القوات الروسية في عملية هجومية مضادة- وقد سنحت لنا الفرصة أن نرى ما الذي كان يحدث عندما كان الجيش الروسي متواجداً لمدّة 6 أشهر، إنّها مدينة مُهملة والسكان المحليون الذين يقطنون بالقرب من المدينة يشكون من السرقات التي كان يقوم بها الجيش الروسي، ومن تعرّضهم للضرب ومن جرائم بحق قدامى المحاربين والرجال. كما أخبرونا عن تحرّشات كثيرة قام بها الجيش الروسي. إذاً الآن لدينا نوع من الخبرة في الأعمال العدائية، نوع من الخبرة، لأنّ الجيش الأوكراني لم يقم بالعديد من المحاولات للتقدّم لأنّ الجيش يحتاج لاستجماع قوّته من جديد.

ما هي الخطوات التالية؟

القوات العسكرية الأوكرانية تقول إنّها لن توقف عملياتها، ومن هنا فالجميع يفكّر بالإتجاه الجديد للقوات الأوكرانية، ربّما سيكون في الجنوب أو في الإتجاه الحالي نفسه أي الشرق، لإحراز المزيد من التقدم، والخبر الأهم اليوم هو ذلك السؤال، ما هي الخطوات التالية؟

راهناً روسيا مازالت تتراجع، وذلك شكّل المفاجأة الكبرى بالنسبة للروس لا بل صدمة… ومن ردّات الفعل الروسية على تلك الهزيمة المفاجئة هو تغيير خطابها، فبعدما كانت تطلق على تلك الحرب تسمية العملية الخاصة أو العملية العسكرية الخاصة، باتت تستعمل خطاباً أكثر عدوانية وتقول هذه ليست عملية عسكرية بل حرب، ونحن نقاتل ضدّ عدو شديد الخطورة، نحن نحارب الناتو، وكلّ العالم يحاربنا، وتلك ليست عملية عسكرية خاصة بل نحن نحارب من أجل بقاء روسيا كما يدعون، إنّهم يتحدثون بأسلوب أكثر عدوانية، هم يتحدثون الآن عن التعبئة العامة، يقولون إنّهم قد يُهزموا ما لم يتخذوا خطوات جذرية مثل التعبئة العامة، ومن دون ذلك لن يتمكنوا من تحقيق نصر على أوكرانيا، وهم يتهمون العالم بأسره بدعم أوكرانيا للقضاء على روسيا كما يدّعون، الأمور تتجه إلى المزيد من التصعيد علانية وفي تصاريح السياسيين الروس، أمّا السياسيون الأوكرانيون فهم يقولون إنّ نتيجة الحرب هي النصر لأوكرانيا لا محالة، وتلك المفاوضات مع روسيا التي يقوم بها الدبلوماسيون تختلف عمّا يحصل على الأرض.

مع عملية خاركيف العسكرية.. هل حوّلت أوكرانيا الحرب لصالحها؟

حطام آليات روسية عسكرية في منطقة بالاكليا، أوكرانيا  – AFP

مدينة بالاكليا المدمّرة كلياً

مدينة بالاكليا هي ليست مدينة كبيرة لكنّها كانت فارغة تقريباً، ويمكن القول إنّ المنطقة كلّها كانت مُهملة على مدى 7 أشهر، هي تبدو كشقة لم يُنفض الغبار عنها أو يدخُلها الهواء النقي لعدة أشهر، لم يكترث أحد لأمرها، هناك الكثير من الكلاب الشاردة والعديد من المنازل والأبنية الفارغة، والبنى التحتية لا تعمل، ولا يوجد لا ماء ولا كهرباء، وهي تعتبر منطقة زراعية لكن الكثير من الحقول مُهمل وتبدو قبيحة، الطرقات دمّرتها الدبابات، وهناك العديد من نقاط التفتيش الروسية المدمّرة كذلك حال الآليات، أيضاً الجسور قد دُمّرت، ذلك بالإضافة إلى أنّ معظم القرى شبه فارغة لأنّ عدداً كبيراً من الناس قد فرّوا لعدم تمكّنهم من تحّمل ذلك المستوى المتدنّي من الحياة من دون كهرباء وهكذا عنف، الوضع محبط جدّاً هناك بعد 6 أشهر من الإحتلال الروسي، لا شك أنّ الوضع محبط جدّاً ما تراه يجعلك تشعر بالكآبة.

كلّ الأوكرانيون سعيدون جدّاً بما حصل في الأسابيع الأولى من شهر سبتمبر، كلّما طالت مدّة الحرب كلّما ركّزت روسيا على أشياء مثل قصف البنية التحتية المدنية، فإنّها ببساطة تدمّر محطات الطاقة لدينا لتقطع الكهرباء والتدفئة والماء عن المناطق الأوكرانية، وهي تقصف بشكل عشوائي حتى المدينة التي أتواجد فيها، وقد خرجت لأشتري بعض الحاجيات من السوبر ماركت وكانت المدينة تغرق في ظلام دامس. فنحن لا يمكننا أن نضيء الشوارع لأنّه ذلك ما عليك أن تفعله عندما تتعرض مدينتك للقصف، فنحن نختبىء تحت ستار الليل لكي لا نكون هدفاً سهلاً للعدو، كلّ تلك الهجمات على البنى التحتية والأماكن السكنية تجعل الشعب الأوكراني يشعر بالعدائية تجاه روسيا، والمفارقة المريرة هي قول روسيا إنّ الأوكرانيين يجب أن يعيشوا معنا كأمّة واحدة وكبلد واحد، وسنعود أصدقاء من جديد لكنّها تقصف وتقتل وتحرم الأوكرانيين من الكهرباء ومن التدفئة في فصل الشتاء، وتقطع الكهرباء عن المستشفيات، فمن الغريب بعد كلّ ذلك أن تتوقع قبول الشعب الأوكراني بالوحدة مع الشعب الروسي، وذلك الأمر الذي يقترحه الكرملين، بالطبع لم يسبق أن تواجه الشعب الأوكراني والشعب الروسي بتلك الطريقة من قبل، وذلك نتيجة لما يفعله الكرملين والسياسيون الروس.

مع عملية خاركيف العسكرية.. هل حوّلت أوكرانيا الحرب لصالحها؟

إحدى العربات العسكرية الروسية مدمرة في خاركيف – AFP

أسوأ هزيمة لروسيا

  • منذ أن تخلت موسكو عن معقلها الرئيسي في الشمال الشرقي، في أسوأ هزيمة لها منذ الأيّام الأولى للحرب، استعادت القوات الأوكرانية السيطرة على عشرات البلدات في تحول مذهل في مسار القتال.
  • لا تزال القوات الروسية تسيطر على نحو خُمس مساحة أوكرانيا في الجنوب والشرق، لكن كييف الآن في حالة هجوم في كلا المنطقتين.
  • تحدث المستشار الرئاسي الأوكراني أوليكسي أريستوفيتش عن احتمالات التحرك في مقاطعة لوغانسك الشرقية، والتي تُعرف مع دونيتسك باسم دونباس، وهي منطقة صناعية رئيسية قريبة من الحدود مع روسيا.

وأعلنت أوكرانيا مؤخراً أنّ قواتها أحرزت انتصارات عسكرية جديدة، مؤكّدة أنّها وصلت إلى الحدود الروسية واستعادت في شهر واحد من القوات الروسية ما يعادل 7 أضعاف مساحة كييف، فيما ردّت القوات الروسية على ذلك التقدّم الأوكراني بقصف بعض المناطق التي خسرتها. وكان الجيش الأوكراني أعلن في بادئ الأمر إطلاق هجوم مضادّ في جنوب البلاد، لكنّه حقّق في الأسبوع الماضي تقدّماً سريعاً في منطقة خاركيف المحاذية لروسيا في شمال شرق البلاد، وأجبر القوات الروسية على التراجع.

وأكّد الجيش الأوكراني تحقيق إنجازات في منطقة خيرسون التي تسيطر عليها القوّات الروسية والمحاذية لشبه جزيرة القرم، التي ضمّتها روسيا إليها في 2014، وكذلك أيضاً في مناطق شرق البلاد تخضع لسيطرة الانفصاليين الموالين لموسكو.

وكان للهجوم الأوكراني المضاد في منطقة خاركيف وقع الصدمة على روسيا التي غزت أوكرانيا يوم 24 فبراير العام الجاري، وأثارت أنباء الهزائم الميدانية تذمّراً غير معتاد على شاشات القنوات التلفزيونية الروسية الرسمية. وقال أنتون جيراشتشينكو مستشار وزارة الداخلية الأوكرانية الذي تحدث بعد ماليار إنّ الشرطة تقوم باستخراج جثتي مدنيين قال إنّ القوات الروسية أعدمتهما قبل انسحابها بأيّام، فيما تنفي موسكو استهداف المدنيين عمداً. ووضعت أوكرانيا نصب عينيها تحرير جميع الأراضي التي احتلتها القوات الروسية بعد دفعها للتقهقر في هجوم مضاد سريع في شمال شرق البلاد.

شاهدوا أيضاً: ماريوبول جحيم على الأرض.. ومعركة الشرق الأوكراني مفصلية: