في هذا الأسبوع يحتفل الشيعة بأربعينية الحسين في كربلاء وهي في الأساس مناسبة دينية وشعائرية لكن إيران تحاول منذ أن بدأت توسع سيطرتها في العراق أن توظف هذه المناسبة لإظهار نفوذها وهيمنتها في الساحة العراقية وبث حالة من الفوضى والاضطراب. واذا ما نجحت إيران في تحويل الحدث الديني إلى اضطراب أمني فهذا قد يجر العراق إلى الاحتراب الداخلي.

تستغل إيران موسم زيارة كربلاء لتدفع بمئات الألوف وقد تصل إلى الملايين من الإيرانيين للذهاب إلى كربلاء للمشاركة في هذه المناسبة. ولا بد والحالة هذه أن تستغل إيران فرصة الفوضى الشاملة التي تضرب المعابر الحدودية في مثل هذه المناسبة لتسريب عملاء أو إرهابيين ومشبوهين إلى الساحة العراقية وربما من هناك إلى مناطق أخرى.

ولتشجيع الإيرانيين على الذهاب إلى كربلاء وعدت الحكومة الإيرانية كل من يرغب بذلك بقروض ميسرة سيصل مجموع قيمتها الإجمالية خمسمئة مليون دولار وإنترنت مجانية على الطريق ومساعدات أخرى. وما يثير الشبهة في هذا القرار الذي اتخذته حكومة إبراهيم رئيسي هو صدوره بينما الاقتصاد الإيراني يعاني اشد المعاناة. وتشمل التسهيلات أيضا تجهيز عشرة مطارات لتقوم بألف رحلة خاصة لنقل المشاركين في الأربعينية كما جهزت ستة معابر حدودية إضافية ودشنت خط سكة حديد من طهران إلى بغداد.

ماذا تريد إيران من وراء هذه التسهيلات المكلفة وفي هذا الوقت بالذات؟ في كل عام تدعم السلطات الإيرانية زوار العتبات الشيعية لكنها هذه السنة كانت أكثر سخاء وأكثر توسعا في منح التسهيلات.

من الواضح والأكيد أن إيران تستغل المناسبة لأهداف سياسية لإظهار قوتها السياسية والمذهبية التي تسعى لأن تكون مهيمنة في العراق منذ سقوط النظام العراقي عام ألفين وثلاثة. وبالإضافة إلى محاولة بسط نفوذ مرجعياتها المذهبية بين العراقيين فهي تسعى عبر ما تسميه القوة الناعمة إلى أن تنشىء لها موطىء قدم راسخا في العراق. وبوجود ما يقرب من خمسة عشر مليون زائر شيعي للعتبات في كربلاء يمكن للأعداد المليونية من الإيرانيين المشاركين في المناسبة أن يظهروا زخما قويا يوحي بقوة نفوذ إيران وسطوتها في الشارع العراقي أمام الزوار القادمين من مناطق أخرى.

تغتنم إيران فرصة وجود ميليشيات موالية لها تسيطر على كثير من المعابر الحدودية لتسهيل عبور الإيرانيين الذين لا يحملون وثائق سفر أو يحملون وثائق منتهية الصلاحية ولا يدفعون أي رسوم للعبور أو التأشيرات وهذا يسبب خسائر للخزينة العراقية تصل إلى مئتي مليون دولار في موسم الزيارة. وهذا ما دعا بعض الناشطين السياسيين للتساؤل حول قوة الحكومة العراقية وسلطتها في مواجهة التدخل الإيراني وما إن كان الزوار الإيرانيون فوق القانون عندما يأتون إلى كربلاء. وما يدعو إلى هذا التشكيك هو إعلان الحكومة العراقية سماحها لخمسمئة ألف إيراني لزيارة كربلاء بينما العدد الفعلي لهؤلاء الزوار قد يصل إلى خمسة ملايين.

تتعامل إيران مع كربلاء وكأنها ارض إيرانية أو جزء من الجمهورية الإسلامية وهذا يثير الانتباه إلى اليد الإيرانية الخفية التي تتلاعب بالقوى السياسية على الساحة العراقية. وكثير من السياسيين العراقيين المناوئين للنفوذ الإيراني يرون أن طهران تتحكم بقرارات الحكومة العراقية والبرلمان العراقي عبر الشخصيات السياسية والأحزاب والميليشيات المرتبطة بها.

منذ الانتخابات العامة الأخيرة في شهر أكتوبر الماضي يشهد الشارع العراقي احتقانا سياسيا مناهضا لإيران يقوده التيار الصدري والقوى السياسية غير المرتبطة بالاطار التنسيقي الذي يتزعمه نوري المالكي. ومناهضة إيران في الساحة السياسية العراقية أخذت تتوسع وتترسخ. وقد استفزت الإجراءات الإيرانية المتوقعة خلال الزيارة التيار الصدري بصفة خاصة ومن هنا جاءت تصريحات مقتدى الصدر الأخيرة الذي انتقد فيها بصورة مباشرة وواضحة تدفق الزوار الإيرانيين بدون ضبط وبدون مراقبة وطالب بإبعاد الحشد الشعبي عن المعابر الحدودية وتكليف القوى الأمنية بتدبير وتنسيق شؤون زوار الأربعينية تفاديا للعشوائية والفوضى التي سيكون لها نتائج غير مرغوبة.

معروف عن مقتدى الصدر معارضته للنفوذ الإيراني في العراق لذلك فهو ينظر إلى المشاركة الإيرانية الكثيفة وغير المبررة هذا العام في موسم كربلاء على أنها محاولة لفرض انطباع يوحي بازدياد النفوذ الإيراني خصوصا في وقت تشهد فيه علاقات التيار الصدري مع الحكومة العراقية والقوى السياسية الأخرى توترا ملحوظا. وبين سطور تصريحات الصدر نلمح احتجاجا خفيا بأن “على الزوار الراغبين بأداء الشعائر الدينية أن يلتزموا قوانين البلاد التي تضم المواقع المقدسة”. وهو يقصد أن إرسال الأعداد الضخمة من الزوار الإيرانيين قد تكون له أهداف بعيدة عن الأهداف الدينية.

فما هو قصد مقتدى الصدر من الحديث عن ضرورة تنظيم وتقنين زيارة الأربعين. لا بد أن عند الصدر معلومات أو على الأقل شكوك بأن ما يدفع إيران لإرسال كل هذه الأعداد بعيد عن البراءة. هذه الشكوك لدى الصدر تعني أن المواجهة بينه وبين إيران ستبدأ قريبا إن لم تكن قد بدأت بالفعل. فإرسال هذه الأعداد الضخمة من الزوار إلى العراق في وقت تعاني فيه العراق من أزمة سياسية وأمنية ليس أمرا عاديا يمكن السكوت عليه من وجهة نظر القوى العراقية الوطنية التي تنظر بعين الشك لكل التحركات الإيرانية في العراق.

حاولت إيران التراجع قليلا لتبديد المخاوف العراقية من ارتفاع عدد الزوار الإيرانيين فأغلقت بعض المعابر الحدودية إلى حين تدبر الأمر من قبل السلطات العراقية التي قالت أنها لا تستطيع استيعاب هذه الأعداد الضخمة المتدفقة عبر تلك المنافذ. وبهذا تحاول إيران أن تظهر حسن نية بعد أن كادت لعبتها باستغلال الأربعينية لأغراض سياسية أن تنكشف.

لكن ذلك لا ينفي أن التسهيلات الإيرانية لإرسال الملايين من الزوار إلى كربلاء تدل بوضوح على أن التدخل الإيراني في العراق يأخذ مسارا سريعا واستغلال وخصوصا أنه يأتي في وقت حرج بالنسبة للعراق. ومن غير المستبعد على الإطلاق أن تستغل إيران هذه المناسبة لتسريب مئات من الأشخاص المدربين ليكونوا خلايا نائمة لاستغلالهم في الوقت المناسب لها أو إرسالهم إلى مناطق بعينها. لا شك أن مؤيدي إيران في العراق سيسرهم ما يجري وسيكون عامل دعم سياسي لهم في مواجهة منتقديهم من انصار التيار الصدري والوطنيين الآخرين الذين يرون في النفوذ الإيراني اعتداءً على سيادة العراق واستقلالية قراره السياسي. لكن هذا قد يكون قنبلة موقوته وخطرها قد يتجاوز العراق نفسه.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن